فاضل البديري.. معمم شيعي سجن بالعراق لدفاعه عن الصحابة ومناهضته الطائفية

يوسف العلي | منذ ٤ ساعات

12

طباعة

مشاركة

“سأستمر أدعو إلى توحيد الله، ونبذ الكفريات والبدع والضلاليات”.. هذه كلمات طالما رددها المرجع الشيعي العراقي فاضل البديري، الذي عرف برفضه الطعن بأمهات المؤمنين، وسب صحابة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، ودعوته إلى محاسبة كل من يرتكب ذلك.

البديري مرجع ديني من ضمن عديد من المراجع الذين وصوا إلى درجة "آية الله العظمى"، التي تعد أعلى مرتبة دينية لدى الطائفة الشيعية، والتي تحصر حاليا في ثلاث شخصيات بمرجعية النجف، وهم: علي السيستاني، وبعده محمد إسحاق الفياض، وبشير النجفي.

“متهم بالتخابر ”

في 11 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أصدرت محكمة جنايات النجف حكما بالحبس الشديد لمدة خمس سنوات، بحق البديري، بتهمة "التخابر مع دولة أجنبية وتلقي أموال منهم لقاء الإضرار بالمصلحة الوطنية للبلاد"، وفق وكالة "شفق نيوز" العراقية.

ونقلت الوكالة عن مصدر قضائي عراقي (لم تسمه)، أن البديري أدين أيضا بسبب ادعائه صفة "المرجعية"، وأنه "طلب وتسلم مبالغ مالية من رعايا دول أجنبية يعملون لمصلحته ما من شأنها الإضرار بالمصلحة الوطنية للبلاد وقيامه بإصدار بيان لقاء تلك الأموال".

وفي مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، اعتقلت قوة أمنية، البديري في العاصمة بغداد، وجرى نقله بعد ذلك إلى معتقل في محافظة ذي قار جنوبي العراق، بتهمة "الاحتيال على المواطنين بالادعاء أنه مرجع ديني".

وتداولت حسابات عراقية على مواقع التواصل صورة للبديري- لا يعرف تاريخها- مع رجل الدين الشيعي اللبناني، محمد علي الحسيني، أثناء وجوده في السعودية، والتي رأى مراقبون أنها سبب اعتقاله واتهامه بالتخابر، وذلك انتقاما من مواقفه الدينية المخالفة لأغلب المراجع الشيعية. 

وردا على ذلك، نشر البديري مقطع فيديو توضيحيا على "فيسبوك"، قال فيه: "ذهبت قبل عامين إلى السعودية لأداء العمرة وكان في استقبالنا في مطار المدينة وفد من رابطة العالم الإسلامي ومن ضمنهم، كان السيد محمد علي الحسيني".

وأضاف: "سألت الحسيني لأتعرف عليه لأنه لم تكن لي معرفة سابقة به، فذكر لي اسمه وأنه لبناني الجنسية أتى إلى المملكة وحصل على الجنسية السعودية، وأصبح ممثلا عن رابطة العالم الإسلامي في استقبال العلماء الشيعة، وأنا سيرافقني في رحلتي هذه".

وأشار البديري إلى أن "الحسيني بالفعل رافقني عندما كنت في المدينة ثم في مكة لأداء العمرة، وخلال زياراته إلى المراكز الدينية، وإلى الأمين العالم لرابطة العالم الإسلامي، ولم نفتح أي مواضيع لمناقشة أي فكرة أو منهج، وإنما انشغلنا بأداء العمرة".

من جانبه، قال الخبير الأمني والسياسي العراقي، علي العبادي، إن "الطغمة الحاكمة في العراق وضعت البديري في غياهب السجون، وهو رجل لدين لديه آلاف الأتباع، بسبب مطالبته بعدم سب الصحابة".

وأضاف العبادي خلال مقابلة تلفزيونية في 11 نوفمبر، أن "القاضي قال للبديري في المحكمة سأضعك في السجن، ودع أبو بكر وعمر (صحابة الرسول) يخرجونك. هذا كان مستوى القاضي الذي يحاكمه".

وأكد الخبير العراقي أن "الرجل (البديري) ليس لديه أي جريمة، وأنهم ينعتونه بـ"المتمرجع" مع أن “لديه آلاف الأتباع يتبعونه، يتهمونه بالعمالة للسعودية، رغم أنه ذهب مرة واحدة للمملكة لأداء العمرة، والتقى محمد علي الحسيني والتقط صورة معه، فهل التصوير مع الأخير تهمة؟”

وتشن وسائل إعلام عراقية تابعة لأحزاب ومليشيات عراقية موالية لإيران هجوما حادا على البديري، وتتهمه بصاحب الأفكار المنحرفة “والمتمرجع" (يدعي أنه مرجع) وأنه عميل ويتسلم الأموال من جهات وصفتها بـ"العدو"، في إشارة إلى السعودية.

وفي 3 نوفمبر 2024، تداولت حسابات عراقية على مواقع التواصل صورة للبديري، بعد اعتقاله تظهره وهو محتجز في أحد المراكز الأمنية التابع لوزارة الداخلية العراقية.

"محارب للشرك"

وُلد البديري في مدينة القادسية عام 1971، وهو من قبيلة آل بدير التي تُعدّ من القبائل العربية الكبيرة في العراق، ثم انتقل إلى النجف بعد أن توفّي والده عام 1982 وأكمل دراسته بين أخواله هناك.

وفي عام 1988 دخل كلية العلوم في الجامعة المستنصرية وتخرج فيها ونال شهادة البكالوريوس في علوم الأحياء عام 1992 وعمل في المعهد الطبي في الكوفة.

جده لوالده، مرجع الشيعة الأسبق "آية الله الشيخ جعفر البديري" الذي توفي عام 1950، وكذلك من أجداده المرجعين أحمد وحسن البديري. أما جدّه لأمه فهو عزيز عباس أحد أعيان عشيرة الجبور في مدينة الحلة مركز محافظة بابل العراقية.

وتوجه فاضل البديري للدراسة في الحوزة العلمية في النجف عام 1985، ودرس بداية التسعينيات من القرن العشرين وتحديدا عام 1993، العديد من العلوم الشرعية، وكان أحد تلاميذ المرجع الشيعي محمد محمد صادق الصدر (والد مقتدى زعيم التيار الصدري).

وللشيخ البديري مؤلفات في الفقه والشريعة من بينها: "ثمرات الأفكار في علم الأصول" و"ضوابط الصناعة الفقهية" في 15 جزءا، و"ضوابط الحديث والرجال" و"أسرار العالمين في شرح منهج الصالحين" و"إلى أين أيها المسلمون" وغيرها.

وعُرف البديري بأطروحاته الجريئة التي تخالف بشكل واضح طروحات وفتاوى المراجع الشيعية، لا سيما القضايا التي تتعلق بصُلب العقيدة، إضافة إلى ادعائهم أحقية الصحابي علي بن أبي طالب بالخلافة بعد وفاة الرسول، وشتم صحابته والطعن بأمهات المؤمنين.

وقال البديري، خلال مقابلة تلفزيونية في 2017، إن "علي بن أبي طالب بايع الخليفتين أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب، ولم يعترض عليهما، وأنه كان أشد اتباعا للسنة النبوية، بالتالي علينا الاقتداء به وليس الطعن في أمهات المؤمنين وسب الصحابة".

وأضاف أن "الجهلة والمبتدعين من الشيعة" لا يمثلون مذهب آل البيت، لأن الكثير من الأحاديث التي تنقل عن أصحاب المذهب وهم جعفر الصادق وأبوه محمد بن زين العابدين المعروف بـ(الباقر)، لا سيما كتاب "الكافي" وغيرها، كاذبة وغير حقيقية.

وأكد أن "ما عليه اليوم الشيعة من دعاء والاستعانة بغير الله سواء بفاطمة بنت النبي محمد، أو غيرها من آل بيت النبوة، هو شرك، ومن يقر به من العلماء فهو كفر صريح، لأن الرزق والشقاء وغيرها كلها بيد الخالق وحدة، وغير ذلك هو إهانة لسلطان الخالق".

وشدد على أن "توحيد الخالق هو وظيفتنا لأننا مسؤولون أمام الله عن ذلك، وأن آل البيت خصوصا علي بن أبي طالب كان موحدا لله، وكذلك الباقر وجعفر الصادق، ولم يقل أي أحد منهم ادعوا الله باسمي للرزق والشفاء وغير ذلك".

ودعا البديري في وقتها الشيعة في العراق والعالم إلى "اتباع سُنة النبي محمد والابتعاد عن الشرك بالله والدعاء والطلب من غيره، وإنما توحيد الخالق، فهو المتصرف في كل شيء، وهكذا كان أهل البيت".

مناوئ للمليشيات

في 2017، رفض البديري صفقة أبرمها النظام السوري السابق، وحزب الله اللبناني من جهة، وتنظيم الدولة من جهة أخرى، والتي جرى بموجبها نقل عناصر الأخير من جميع الأراضي السورية عبر الباصات ووضعهم في منطقة ألبوكمال على الحدود العراقية.

وخاطب البديري حزب الله اللبناني بالقول: "دماء شبابنا وشعبنا وحشدنا ليست أرخص من دماء اللبنانيين"، محملا جميع الأطراف التي اشتركت في الاتفاق، وأبرزها حزب الله اللبناني والحكومتان العراقية والسورية والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

وتساءل: "أين طيران التحالف الدولي، لماذا لم يضرب قوافل الإرهابيين، وكيف تم الاتفاق بين أطراف بصفقة سيكون ضحيتها الشباب العراقي؟"، متهما الحكومتين العراقية والسورية بالتآمر على الشعب العراقي وشبابه الذي تم تكليفه بمسك الشريط الحدودي بين العراق وسوريا.

وعلى إثر ذلك، تعرض البديري في سبتمبر/ أيلول 2017، إلى محاولة اغتيال بهجوم مسلح شنه مسلحون مجهولون أثناء سيره في مركبته الشخصية بمدينة النجف، الأمر الذي أدى إلى إصابته بجروح في رأسه.

وبعد يوم واحد من محاولة الاغتيال التي تعرض لها، ظهر فاضل البديري في مقطع فيديو على "يوتيوب"، أكد فيه أن "ما حصل له هي البداية وليست النهاية، وأن هذا سكين قد شُهر، ومتى يرجع إلى غمده لا نعرف، وربما اليوم فيّ وغدا في غيري".

وأضاف: "هذا الاستهداف جاء عقب بيان استنكار وشجب شديد- في إشارة إلى مهاجمته حزب الله- ونحن لا نتهم جهة معينة بداتها، ولكننا نتهم من يقف وراءهم، لأن الهجوم لم يكن جزافا، ووجهت لي تهديدات من جهات داعمة لحزب الله اللبناني".

وتابع: "من هددوني قالوا لي أي عمل ضد حزب الله ويشوه صورة سيد المقاومة (حسن نصر الله)، فإن العواقب ستكون وخيمة، وطلبوا مني تكذيب البيان وأن أعتذر، ورفضت وقلت لهم أنا مُصرّ على ذلك، وإن بيان استنكاري واضح وافعلوا ما بدا لكم".

ومع اندلاع ثورة أكتوبر/ تشرين الأول 2019، ضد الطبقة الحاكمة في العراق، بارك البديري، ما وصفها بـ"الانتفاضة الكبرى" ضد الظلم والفساد، وأنها صرخة تعيد الأمل تذكرنا بحضارة العراق وتكسر الطائفي وتزيح الظلمة الطبقية.

ودعا البديري المتظاهرين إلى الالتزام التام بسلمية التظاهرات وحضارتها ورونقها، محذرا من المخربين والمعتدين على النظام العام وعلى الأجهزة الأمنية، مطالبا في الوقت نفسه الحكومة العراقية بتوفير الحماية لهم وعدم السماح بالاعتداء عليهم.

وفي عام 2021، أصدر البديري بيانا شديدا دعا فيه إلى تحريم قتل الناشطين في "ثورة تشرين"، وتجريم المليشيات والفصائل العراقية المسلّحة التي أوغلت بدماء العراقيين.