ضربات متوقعة.. هل تنجح سياسة واشنطن في ردع مليشيات إيران بسوريا والعراق؟

10 months ago

12

طباعة

مشاركة

ضربات أميركا التي شنتها ضد مليشيات إيران في سوريا والعراق، أثارت تساؤلا ملحّا بخصوص مدى نجاحها في ردع أذرع طهران بالمنطقة، والتي أعلنت أنها ستستمر في شن هجماتها العسكرية على مراحل طويلة، وذلك بالأماكن والأوقات التي تختارها واشنطن.

تأتي ضربات واشنطن ردا على مقتل ثلاثة من جنودها، جرّاء هجوم نفذته مليشيات إيران في 28 يناير/كانون الثاني 2024، على قاعدة عسكرية أميركية بالأردن، وهو الأول من نوعه يطال المملكة، بعدما كانت تقتصر الهجمات على التواجد الأميركي في سوريا والعراق.

بداية للرد

في 2 فبراير 2023، أعلنت الولايات المتحدة أنها شنت غارات على 7 منشآت في سوريا والعراق، تضمنت أكثر من 85 هدفا في العراق وسوريا، واستهدفت فيلق القدس الإيراني و"المليشيات المرتبطة به".

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إن المنشآت المستهدفة يستخدمها الحرس الثوري الإيراني و"مليشيات تابعة له" لمهاجمة القوات الأميركية، مضيفا أن "ردنا الذي بدأ اليوم سيستمر في الأوقات والأماكن التي نختارها".

من جانبه، قال وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، خلال بيان له إن الضربات الأميركية في العراق وسوريا هي "بداية رد" لقوات بلاده على مقتل الجنود الثلاثة.

ولفت إلى أن "القوات العسكرية شنت ضربات على سبع منشآت، والتي شملت أكثر من 85 هدفا في العراق وسوريا، والتي نفذها التنظيم الإرهابي الإيراني"، مبينا أن "الحرس الثوري الإيراني والميليشيات التابعة له يهاجمون القوات الأميركية، وهذه بداية ردنا".

ونوّه أوستن إلى أن بايدن "أصدر توجيهات باتخاذ إجراءات إضافية لمحاسبة الحرس الثوري الإيراني والمليشيات التابعة له إثر هجماتهم على القوات الأميركية وقوات التحالف، وستتكشف هذه في الأوقات والأماكن التي نختارها".

وتابع: "لا نسعى إلى صراع في الشرق الأوسط أو في أي مكان آخر، لكن لن نتسامح مع الهجمات على القوات الأميركية"، مشددا: "سنتخذ جميع الإجراءات اللازمة للدفاع عن الولايات المتحدة وقواتنا ومصالحنا".

وأسفرت الهجمات الأميركية عن مقتل ما لا يقل عن 18 عنصرا من المليشيات الموالية لإيران في الأراضي السورية، وفقا لبيان صدر عن "المرصد السوري لحقوق الإنسان".

بينما ذكرت وكالة أنباء السورية الرسمية "سانا" أن 10 عناصر من "القوات الحليفة" قتلوا وأصيب 18 آخرين، وأن معظم المواقع التي استهدفها القصف الأميركي- التي تقع في محافظة دير الزور على حدود العراق- كانت قد أخليت بالكامل.

فيما أعلنت السلطات العراقية، مقتل 16 شخص وإصابة 25 خرين، معظمهم من قوات "الحشد الشعبي" في محافظة الأنبار على الحدود مع سوريا، حسب بيان للمتحدث الحكومي باسم العوادي.

وأفاد العوادي، بأن "الجانب الأميركي عمد بعد ذلك إلى التدليس وتزييف الحقائق، عبر الإعلان عن تنسيق مُسبق لارتكاب هذا العدوان، وهو ادعاء كاذب يستهدف تضليل الرأي العام الدولي، والتنصل عن المسؤولية القانونية لهذه الجريمة المرفوضة وفقا لجميع السنن والشرائع الدولية".

وكان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض، جون كيربي، أعلن مباشرة عقب تنفيذ الضربات الأميركية، أنه جرى إبلاغ الحكومة العراقية بالفعل قبل شن الهجمات الجوية، مؤكدا أن "الرد الأميركي بدأ الليلة، ولن ينتهي الليلة".

مشهد للغارات الأمريكية على مليشيات #خامنئي على مثلث #الميادين #القائم #البوكمال، وأنباء عن هروب المليشيات الطائفية من مواقعها ، فأين ثوار الجزيرة؟! لينتقموا ويعودوا لسابق مجدهم… pic.twitter.com/ufbiE2zih2

— د ـ أحمد موفق زيدان (@Ahmadmuaffaq) February 2, 2024

غير مجدية

وبخصوص مدى فاعلية الهجمات الأميركية، قال الخبير العسكري العراقي، العقيد ركن المتقاعد حاتم الفلاحي، إن "الولايات المتحدة لن تستطيع من خلال هذه الضربات إنهاء مليشيات إيران، لأن هذا يتطلب أيضا وجود قطعات عسكرية على الأرض حتى تقاتل هذه الجماعات".

وأضاف الفلاحي في حديث لـ"الاستقلال" أن "الأمر أيضا يتطلب التوافق بين الولايات المتحدة والعراق، وهذا يعني أن الحكومة العراقية يجب أن تكون موافقة على هذه الإجراءات حتى تنفذ واشنطن مثل هذه العمليات العسكرية على الأرض وليس فقط من الجو".

ولفت إلى أن "الضربات الأميركية هي جاءت تحت عنوان ردع هذه المليشيات، لكن في تقديري أنها لن تستطيع مثل هذه الهجمات أن تردع أذرع إيران، لأن القرارات الجيوسياسية هي بيد طهران وليس بيد هذه الجماعات حتى ينتهي عملها أو يتوقف".

وأوضح الفلاحي أن "هذه الضربات سببت حرجا كبير جدا للحكومة العراقية، لأن هذه الجماعات جزء من المنظومة الأمنية (تعمل ضمن قوات الحشد الشعبي)، وإذا كانت غير ذلك، فإن الأخيرة مطالبة باتخاذ إجراءات ضد هذه الجماعات كونها تعمل خارج إطار الدولة".

وأردف: "إذا قالت الحكومة إن هذه الجماعات ضمن المنظومة الأمنية، فيجب عليها أن تلتزم السياسة الخارجية للدولة العراقية، لأن هناك اتفاقيات أمنية مبرمة بين واشنطن وبغداد، تحكم استمرار تواجد القوات الأميركية في العراق من عدمه".

وأعرب الفلاحي عن اعتقاده بأن "حديث الولايات المتحدة أنها ستستمر في تنفيذ الضربات، فإنها تحمل رسالة مفادها بأنه إذا جرى الرد على هذه الهجمات فسيتم ضرب المليشيات التي تحاول أن توجه ضربات إلى المصالح الأميركية في المنطقة".

وعلى هذا الأساس، رأى الفلاحي أنه "إذا استمرت هجمات المليشيات على القوات الأميركية، فإن الولايات المتحدة ستعمل بجهد أكبر لمواجهة هذه الجماعات، وأعتقد أن هذه القضية تفهما إيران جيدا".

ولفت إلى أن "هناك رأي داخل الولايات المتحدة حيال توجيه مثل هذه الضربات، يرى أنها ستوسّع الصراع وهذا ليس من مصلحتها، لأن أميركا متورطة في أوكرانيا مع روسيا، ومع الصين في قضية تايوان، وأيضا في العدوان على غزة، إضافة إلى وجود تهديد للملاحة البحرية بالحر الأحمر".

وتابع: "يضاف إلى ذلك، ضربات توجه للقوات الأميركية في العراق وسوريا، واحتمالية فتح جبهة لبنان بشكل كامل، بمعنى أن هناك الكثير من الجبهات التي بدأت تفتح الآن، وبالتالي ليس من مصلحة الولايات المتحدة الانجرار إلى مثل هذه الحروب بالمنطقة، لأنها ستصب في صالح الصين وروسيا بشكل كبير جدا".

بقلوب حزينة وعيون باكية
تزف البصرة وبغداد وكربلاء والنجف وبابل والديوانية و السماوة الناصرية كوكبة من أبطال الحشد الشعبي الذين نالوا الشهادة في مدينة القائم في الاعتداء الغاشم والغادر من قبل طيران الشيطان الأكبر ..
.. pic.twitter.com/o0MuFzHUU8

— ألموسوي أحمد الثانية (@Almuhandis_Son) February 3, 2024

"فقدت أهميتها"

وعن مدى مساهمة الإعلان الأميركي المسبق عن الضربات وتأخر تنفيذها لأيام في إضعاف فاعليتها، قال الفلاحي إن "الأميركيين حاولوا تبرير مسألة تأخر ضربتهم بأن الظروف الجوية لم تكن تسمح، رغم أن الطائرات التي نفذت الضربة باستطاعتها العمل في الأجواء السيئة والجيدة".

وأردف: "أعتقد أن التأخير كان الغرض منه إخلاء الكثير من المواقع للمليشيات، حتى تكون هذه الضربات عبارة عن رسالة أميركية ردعية لإيران وأذرعها بأننا نستطيع فعل الكثير، ولكن سنرد إذا كانت ضرباتكم قاتلة ضد قواتنا، كما حصل  مع مقتل ثلاثة جنود وجرح 16 آخرين".

وفي السياق ذاته، اعتبر الخبير العسكري العراقي، العميد المتقاعد أعياد الطوفان، أن العملية العسكرية الأميركية الأخيرة في سوريا والعراق "فقدت أهميتها، نظرا لفقدانها عنصر المباغتة، بعد سبعة أيام مضت على مقتل الجنود الأميركيين".

وأوضح الطوفان لوكالة "سبوتنيك" الروسية في 2 فبراير، أن "تصريحات المسؤولين في البيت الأبيض تعني أنها عملية متفق عليها، بضرب أهداف فارغة في سوريا والعراق، ما عدا أحد مخازن العتاد، وهذا متفق عليه، لأن التفجيرات التي حدثت لم تكن على المستوى".

ووصف الخبير العسكري ما يجري بأنه "تصفية حسابات بين أميركا وإيران على الساحة السورية العراقية واتفاق بين الطرفين".

مقرات الفصائل الإrهابية الموالية لإيران والمنازل المحيطة بها التي تعرضت للقصف الأمريكي في قضاء القائم بمنطقة السكك بمحافظة الأنبار.
�� الصور دلالة ع استخدام الفصائل للمدنيين كدروع بشرية لمقراتهم pic.twitter.com/YLTRnJEU3m

— _. suhair Al_Jamaili (@75suhair) February 3, 2024

وتوقع الطوفان أن ترد المليشيات الموالية لإيران بـ"ضربات عدة ضد القوات الأميركية لكنها لن تحقق أي هدف"، مشيرا إلى أن "الضربة التي استهدفت ثلاثة جنود أميركيين كان المقصود منها القوات الأردنية".

وفي 2 فبراير 2024، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن مسؤول أميركي (لم تكشف هويته) قوله إن الخيارات التي تنظر فيها الولايات المتحدة تشمل أهدافا في سوريا واليمن والعراق.

وعلى الوتيرة ذاتها، نقلت شبكة "إن بي سي" الأميركية في اليوم نفسه، عن مسؤولين أميركيين (لم تكشف هويتهم) تأكيدهم أن الرد العسكري على مقتل الجنود "قد يستمر على مدى أيام أو أسابيع".

وأكد هؤلاء المسؤولين أن "العملية المقبلة ستكون أقوى رد لبايدن على المليشيات التي شنت أكثر من 150 هجوما على القوات الأميركية منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة" حسبما نقلت "إن بي سي".

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يشن الجيش الإسرائيلي عدوانا مدمرا على غزة خلفت حتى 4 يناير 2024 أكثر من 27 ألف شهيد ونحو 67 ألف مصاب، معظمهم أطفال ونساء،  وتسبب في "دمار هائل وكارثة إنسانية غير مسبوقة".