"طعنة بالظهر" و"مكيدة للشعب".. ماذا وراء توقيع "ميثاق جمهوري" بموريتانيا؟
أثار توقيع أحزاب موريتانية من المعارضة والموالاة على وثيقة "الميثاق الجمهوري" جدلا بين الأطراف السياسية بين من عدها محاولة لإيجاد أرضية مشتركة جامعة لكل الموريتانيين وبين من وصفها بكونها "طعنة في الظهر".
وفي 22 سبتمبر/أيلول 2023، وقع على "الميثاق الجمهوري" وزير الداخلية محمد أحمد ولد محمد الأمين، بصفته ممثلا للحكومة الموريتانية، ورئيس حزب "الإنصاف" الحاكم، محمد ماء العينين ولد أييه، وهو الحزب الذي يهيمن وحده على الأغلبية في البرلمان.
ومن جانب المعارضة، وقّع الاتفاق كل من رئيس حزب "تكتل القوى الديمقراطية"، أحمد ولد داداه، وهو الذي يوصف بأنه الزعيم التاريخي للمعارضين في موريتانيا، وكذلك رئيس حزب "اتحاد قوى التقدم" محمد ولد مولود (يساري معارض).
هذا الاتفاق السياسي جاء حسب وثيقة "الميثاق الجمهوري"، بسبب ما خلفته انتخابات 13 مايو/أيار 2023 من تأثيرات سلبية على المشهد السياسي الوطني الذي اتسم بجو من الانفتاح والتهدئة منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة سنة 2019.
وأثارت نتائج الانتخابات البلدية والجهوية والنيابية، جدلا واسعا جراء اتفاق أحزاب المعارضة والموالاة على وجود خروقات كبيرة فيها، محذرين من اندلاع "أزمة سياسية" بالبلاد إذا لم تُحل "الأزمة الانتخابية".
وأضاف "الميثاق الجمهوري"، الذي نشرت مضامينه مواقع محلية، أن العمليات الانتخابية اتسمت بوجود اختلالات ونواقص، ندد بها جزء كبير من الطبقة السياسية.
وأكدت الوثيقة أن "الساحة السياسية كانت، وما تزال، في أمس الحاجة إلى جو من الانفتاح والتهدئة، حيث شكّلت تلك المقاربة قطيعة جليّة مع نمط الحكم الذي كانت تتبعه السلطة السابقة في أسلوب تعاطيها مع المعارضة".
طعنة في الظهر
وسجلت وثيقة "الميثاق الجمهوري" أن هذا الاتفاق السياسي جاء بعد تعاطي "المعارضة الديمقراطية المستنيرة والمسؤولة بشكل إيجابي على مدى أربع سنوات مع هذه المقاربة الجديدة، التي تحبذ الحوار الصريح والبناء بين مختلف الفاعلين السياسيين".
وتضمنت وثيقة الاتفاق السياسي "خريطة طريق" تتكون من 8 نقاط جاءت على شكل مبادئ عامة، شددت على ضرورة "التغلب في هذا الظرف الدقيق على خلافاتنا، خدمة للمصالح العليا للبلد، وتجنبا للمخاطر التي قد يتعرض لها جرّاء الانقسامات العقيمة والهدّامة بين مكونات الطبقة السياسية".
ونصت "خارطة طريق" هذا الاتفاق السياسي، على "دراسة معمقة للمنظومة الانتخابية، وإذا اقتضى الحال الشروع في الإصلاحات المناسبة بما يعزز النظام الديمقراطي، بغية تجاوز الوضع المترتب على الانتخابات الأخيرة وضمان تفادي أي خلاف انتخابي في المستقبل".
وأكدت النقطة الأخيرة من "خارطة الطريق" على "تشكيل لجنة للتوجيه والمتابعة تتألف من ممثلين عن الأطراف الموقعة، للسهر، على تنفيذ هذا الاتفاق في أجل لا يتجاوز شهرين من تاريخ توقيعه".
وتباينت ردود الفعل تجاه توقيع هذا "الميثاق الجمهوري" بين مختلف الأحزاب السياسية الموريتانية سواء من المعارضة أو الأغلبية.
"كادياتا مالك جالو" البرلمانية المعارضة عن تحالف أمل موريتانيا وحزب الجبهة الجمهورية للوحدة والديمقراطية "جود"، وصفت الاتفاق السياسي الموقع بأنه "طعنة في ظهر المعارضة ومحاولة لخداع الرأي العام".
وأضافت القيادية السابقة في حزب اتحاد قوى التقدم في بيان لها أن الاتفاق من حيث الشكل يعيق "بشكل خطير" إمكانية إقامة حوار "جدي بمشاركة المعارضة التمثيلية ومختلف الفاعلين السياسيين والقوى الحية في البلاد".
وتابعت إن مضمون الاتفاق "يثير حالة من الغموض"، وأنه عندما تتفق السلطة والمعارضة على تحليل لوضع البلاد وتتفاهمان على برنامج معين، "فإن العلاقة بينهما منطقيا لا يمكن أن تظل علاقة سلطة ومعارضة، لأنهما حينها قد أصبحتا حليفتين".
وذكرت كاديتا، أن النظام الحالي "في نهاية مأموريته بات بدون حصيلة إنجازات مقنعة لعرضها على المواطنين"، مضيفة أنه أصبح "يبحث عن تأييد أحزاب كانت في السابق ترمز للمعارضة، غير أنها لم تعد اليوم تمتلك الموارد الضرورية لمواصلة لعب دورها الفعلي، مفضلة بدلا من ذلك التملق للسلطة"، وفق نص البيان.
مكيدة للشعب
بدوره، أكد النائب البرلماني المعارض والحقوقي برام ولد الداه ولد عبيد، أن الميثاق الجمهوري وقع عليه "حزبان فقط من أحزاب المعارضة".
ورأى برام ولد الداه ولد عبيد، في تصريح مصور نشره على فيسبوك، أن هذا الاتفاق "مكيدة ضد الشعب الموريتاني والمعارضة الحقيقية".
وشدد على أن هذا الاتفاق يعد دليلا على نكوص النظام على عقبيه وتخليه عن الحوار الشامل مع جميع الأطياف المعارضة والتملص من التهدئة السياسية.
من جهته، أكد تحالف العيش المشترك (معارض)، أن "الميثاق الجمهوري"، "مجرد مناورة انتخابية من النظام لفرض انتخاب الرئيس الحالي لمأمورية جديدة".
وفي 26 سبتمبر 2023، أكد الحزب في بيان له، أن الأمر يدعوهم "لتوجيه نداء عاجل لأطراف المعارضة كافة للوقوف صفا واحدا من أجل سد الطريق أمام هذه المناورة المكشوفة".
وختم بيانه بالقول: "سنظل منفتحين على أي حوار وطني جاد لا يقصى أحدا ولا يستثني موضوعا"، مضيفا: "لا للضحك على الشعب الموريتاني وقواه الحية، نعم لحوار وطني شامل يجنب الوطن مستقبلا قاتما".
أما حزب الإصلاح (موالي للرئيس الموريتاني)، فيرى أن وثيقة الميثاق الجمهوري، "تفتح باب الاحتمالات أمام المتغير المجهول إيذانا بانتكاسة تاريخية للمشروع الوطني".
ورأى الحزب في بيان له، أن "إعادة البحث في ملفات حقوق الإنسان حاليا ليست إلا محاولة لإحياء أزمة وطنية نجمت عن وضع سياسي سابق متجاوز".
وأضاف أن اجترار هذا الوضع السياسي اليوم لا يخدم "غير التحريض السياسي لواقع التعدد العرقي والتعريض بجيشنا الشريف والاستهتار بتضحياته وتهديد السلم الأهلي والإضرار بالوحدة الوطنية".
وشدد حزب الإصلاح، على رفض تسييس القضية المعنونة بالإرث الإنساني، مطالبا بإخراجها من دائرة التعاطي السياسي بعيدا عن الأحزاب والمنظمات غير الحكومية والقوى الأجنبية، وفق تعبيره.
ووصف حزبي "تكتل القوى الديمقراطية" و"اتحاد قوى التقدم" بأنهما أصحاب نزعة إقصائية "بدلالة القفز على واقع الخريطة السياسية بالعزوف عن إشراك باقي الأحزاب".
"خطوة إصلاحية"
ومقابل رفض أحزاب من المعارضة والموالاة لهذا الاتفاق السياسي، ذهب المدافعون عن "الميثاق الجمهوري" إلى تثمين التوقيع عليه بين أطراف من الأغلبية والمعارضة والحكومة.
رئيس حزب الإنصاف الحاكم، محمد ماء العينين ولد أييه، قال إن التوقيع على "ميثاق الجمهورية" يعد خطوة في الاتجاه الصحيح نحو إصلاح شامل للبلد بنظرة متبصرة، أرسى دعائمه رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني.
وفي 24 سبتمبر 2023، أكد ولد أييه، في تصريح لوكالة الأنباء الموريتانية الرسمية، أن هذا الاتفاق يترجم التوجه الذي تبناه رئيس الجمهورية في حكامة البلد منذ توليه السلطة، والمتمثل في منهج الانفتاح والتشاور وإسناد كل مهمة لمن يستحق، للقيام بالدور المنوط به في بناء الوطن، وفق تعبيره.
وأوضح أن أهمية هذا الاتفاق تكمن في أن الأطراف الموقعة التزمت بكل ما يحقق مصلحة الوطن، انطلاقا من الأمن والسكينة وتطوير الديمقراطية، وأقرت بأن المسؤولية بين المعارضة والموالاة مسؤولية مشتركة في حكامة البلد.
وأضاف أنه جرى كذلك إقرار تجاوز الخلافات الخاصة، للتمكن من الاتفاق على القضايا الكبرى المشتركة الهامة لصالح الوطن من وحدة وطنية، وإصلاح التعليم، والعدل، ودعم القوة الشرائية للمواطن، والحكامة الاجتماعية.
بدوره، قال رئيس حزب اتحاد قوى التقدم محمد ولد مولود، أحد الموقعين على "الميثاق الجمهوري"، إن فكرة هذه المبادرة بدأت أساسا مع التحولات التي حصلت في المنطقة وكذا انتقال السلطة من الرئيس السابق إلى الحالي، والأزمة السياسية التي عاشتها البلاد جراء التنافر (السياسي) على مدى 10 سنوات.
وفي 2 أكتوبر/تشرين الأول 2023، رأى ولد مولود، في مقابلة مع موقع "الأخبار" المحلي، أن هذه المبادرة جاءت في وقت "نرى فيه أن موريتانيا في خطر"، مضيفا أن المواطن البسيط أصبح يدرك هذا الخطر.
وأضاف أن "المواطنين وصلوا درجة من التأزم، والظروف طالت حتى الفئات الوسطى"، مبينا أن الشباب المهاجر في هذه الأيام هو من أبناء الطبقة الوسطى لأن الفقراء لا مال لأبنائهم أصلا حتى يهاجروا به.
وأكد أن "هناك أزمة اجتماعية قوية جدا، ترافق الأزمة السياسية لنصبح أمام عوامل داخلية تنذر بحدوث انفجار وتطور عنيف".
وسجل أن هذا الاتفاق هو استباق لخطر يداهم كل دول المنطقة، قائلا: "فعندما ترى عاصفة قادمة إليك عليك أن تسعى إلى التخفيف من مفعولها وضررها على بلدك".
وشدد على أنه "إذا لم يعمل الذين يدعون الوطنية والحرص على الوطن، على تحصين الجبهة الداخلية ونزع فتيل الألغام التي قد تنفجر في أي وقت، فكل ما يفعلونه لا قيمة له في الدنيا ولا أعرف أي قيمة ستكون له في الآخرة".
وخلص ولد مولود، إلى أن هذه الوثيقة بإمكانها تعزيز لحمة ليس فقط المعارضة الديمقراطية الوطنية، ولكن هي مدعاة لتوحد كل الشعب الموريتاني حولها لما تتضمنه من مواقف وطنية، ولا تستثني أي جهة ولا عنصر ولا فئة اجتماعية.
اتفاق رمزي
وتعليقا على توقيع هذا الاتفاق وتباين مواقف القوى السياسية بخصوصه، رأى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي، سيدي محمد ولد بلعمش، أن "الميثاق الجمهوري" موضوع محير ونازلة سياسية جديدة في المشهد السياسي الموريتاني.
وأضاف في حديث لـ"الاستقلال"، أن حزبي "تكتل القوى الديمقراطية" برئاسة أحمد ولد داداه، و"اتحاد قوى التقدم" برئاسة محمد ولد مولود الموقعين على هذا الميثاق لم يحصلا على مقعد واحد خلال الانتخابات البرلمانية السابقة رغم عراقتهما في المعارضة وخبرة قادتهما في السياسة.
وقال ولد بلعمش، "في تقديري أن ما دفع هذين الحزبين إلى توقيع الميثاق مع السلطة القائمة هو أنها فضلت أن تكون في مقدمة مسار سياسي معين، بدل أن تكون في ذيل المعارضة".
وتابع أن هذه المعارضة تضم منشقين عن هذين الحزبين من قبيل كادياتا مالك جالو وهي نائبة في البرلمان منشقة عن حزب "اتحاد قوى التقدم"، وكذا العيد ولد محمد الذي انشق عن حزب "تكتل القوى الديمقراطية".
وشدد ولد بلعمش، على أن "صون ماء الوجه هو الدافع لهذين الحزبين لتوقيع هذا الاتفاق". أما بالنسبة للسلطة، فيرى، أن هذا "الميثاق الجمهوري" ليس اتفاقا نهائيا بالنسبة لها، مبينا أنها تفكر أساسا في الانتخابات الرئاسية المقبلة في يوليو/تموز 2024.
وأردف "لعل هذا الميثاق الجمهوري سيتعزز خلال مارس/آذار أو أبريل/نيسان (2024) باتفاق لاحق مع هذه الأحزاب كي تدعم الرئيس الحالي أو ربما يضمن أن لا تدعم مرشحا مناوئا قويا في صفوفهم".
وسجل أن أهمية هذين الحزبين ليس في كثرة المناضلين ولا في قواعدهم الشعبية وليس في أن لديهم نوابا في البرلمان، وإنما في رمزية قياداتهم.
وخلص إلى أن رمزية قيادات هذين الحزبين هو ما يعطي هذا "الميثاق الجمهوري" قيمة ورمزية، ويجعل السلطة حريصة على توقيعه.
المصادر
- توقيع "الميثاق الجمهوري" بين وزارة الداخلية والتكتل والإنصاف
- حزب الإصلاح: الميثاق الجمهوري ينذر بانتكاسة تاريخية للمشروع الوطني
- رئيس حزب الانصاف: الميثاق الجمهوري ثمرة توجه تبناه فخامة رئيس الجمهورية
- نائب بالبرلمان: "الميثاق الجمهوري" طعنة في الظهر ومحاولة لخداع الرأي العام
- تحالف العيش المشترك: الميثاق الجمهوري مناورة لفرض إعادة انتخاب الرئيس