صلوات تلمودية في بلاد الحرمين.. ماذا تعرف عن "الجماعة اليهودية" في السعودية؟

12

طباعة

مشاركة

في 3 أكتوبر/ تشرين أول 2023، أدى وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو كرعي، مع وفد حكومي صهيوني، طقوسا تلمودية خاصة بـ "عيد العرش" اليهودي في العاصمة السعودية الرياض، وفق صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

الوزير كرعي الذي استقبلته الرياض بحفاوة لحضور مؤتمر اتحاد البريد العالمي، ظهر وهو يصلي مع لفائف التوراة، قيل إنها "مهداة لحاكم المملكة" مكتوب عليها "الجماعة اليهودية في المملكة العربية السعودية".

و"كرعي"، من صقور الجناح الديني في حزب الليكود ومن المتطرفين الصهاينة الأكثر حماسا لتدنيس المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى وتقليص قدرة المسلمين على الوصول إليه.

ورأس "كرعي" وفداً يضم 14 عضوا، بينهم النائب ديفيد بيتان وممثلون عن وزارة الخارجية خلال الزيارة صلوا معه، لأن الصلاة اليهودية تشترط لصحتها وجود 10 رجال.

وأظهرت الصور التي نشرها مكتب "كرعي" المشاركين وهم يرتدون شالات الصلاة التقليدية ويحملون "أغصان النخيل والآس والصفصاف"، كجزء من الطقوس الخاصة لعيد العرش.

ما الجماعة اليهودية بالسعودية؟

كان أول من حمل لفائف التوراة المكتوب عليها "الجماعة اليهودية في المملكة العربية السعودية" هو حاخام إسرائيلي أميركي يُدعي "يعقوب يسرائيل هرتسوغ" زار السعودية لأول مرة في أكتوبر 2021، حيث ظهر حاملا لها داخل فندق بالرياض.

وحرص على التقاط عشرات الصور في عدة أماكن ونشر فيديو لنفسه في عدة مناطق بالمملكة ثم وهو يرقص مع تاجر سعودي، ثم تكررت زيارته للسعودية بشكل دائم.

وظل يروج لنفسه على أنه "ممثل الجالية اليهودية" في السعودية مع أنه لا توجد جالية يهودية أصلا، وقال صحفي إسرائيلي عنه إنه افتتح "مكتب للديانة اليهودية في الرياض" وهو ما لم تؤكده السعودية.

ولاحقا، ظهر يعقوب هرتسوغ في مايو 2022 بأحد فنادق الرياض وهو يحمل هذه اللفائف وبها هذه العبارة الغامضة.

وعلق الصحفي الإسرائيلي روعي كايس، الذي يعمل في هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية (كان 11) صورة للحاخام نفسه وهو يحمل ما قال إنه "لفيفة توراة مخصصة للمملكة وقادتها".

لهذا لم يكن مستغربا أن يصلي الوزير الإسرائيلي وهو يحمل ويدور مع بقية الوفد الصهيوني حول نفس هذه اللفائف المكتوب عليها "الجماعة اليهودية بالسعودية"، والتي تضمنت إهداء إلى ملك وولي عهد السعودية.

وكانت اللفافة ملفوفة بغلاف من اللباد، مع تطريز باللغات الإنجليزية والعبرية والعربية مكتوب عليها "الطائفة اليهودية، المملكة العربية السعودية".

ويقول أكاديميون ونشطاء سعوديون لـ "الاستقلال"، إن "الجماعة اليهودية في المملكة العربية السعودية "، ما هي إلا "إعلان عن تشكيل مجتمع يهودي في المملكة".

أكدوا أن السعودية بدأت تتجاوب رسميا مع هذه المحاولات للتطبيع الديني عبر مناسبات مختلفة، تمهيدا للتطبيع السياسي، لهذا يتسامحون مع زيارة حاخامات أو قيام مسؤولين صهاينة بأداء الصلوات علنا في فنادق السعودية.

فقد تحدث موقع "إسرائيل ناشيونال نيوز" مطلع أكتوبر 2023 عن "عرض لفافة توراة نادرة في معرض الكتاب بالمملكة العربية السعودية".

وقال إنها "مخطوطة توراة نادرة مكتوبة في القرن السادس عشر ويبلغ عمرها حوالي 400 عام، تُعرض على عشرات الآلاف في معرض الكتاب بالمملكة العربية السعودية جذبت انتباه عشرات الآلاف من الحاضرين في معرض الكتاب".

وقالت "وكالة التليغراف اليهودية" في 3 أكتوبر، إن هذه اللفائف التي صلى بها الوزير الصهيوني في السعودية كانت مزينة وفقا للعرف الأشكنازية على الرغم من أن كرعي من أصل تونسي.

ما قد يشير إلى أن اللفيفة كانت في السعودية قبل زيارته، وهي نفسها التي كان يحملها الحاخام "هرتسوغ".

"بدأت عودتنا"

وقد سرب الوزير الصهيوني المتطرف شلومو كرعي عبارة يقول فيها "بدأت عودتنا"!، وهو يؤدي -طقوسا تلمودية وصلوات عيد العرش في الرياض، في فيديو نشرته قناة "كان" الصهيونية 3 أكتوبر 2023.

وأثار هذا تساؤلات عن ماذا يقصد بهذه العبارة، عن أي عودة يتحدث؟! حيث تزامن ذلك مع حملة صهيونية ليهود إسرائيليين عن قرب عودتهم لأراضيهم في السعودية وخيبر.

وسبق أن نشر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس "مائير مصري" صورا زعم أنها لـ "منزل أجدادي في خيبر" وقال "تحتفظ جدتي بالمفتاح ولن نتنازل عن حق العودة"!

وفي 18 يوليو/تموز 2012 نشر موقع "إيش" اليهودي، تقريرا عن يهود الجزيرة العربية يزعم أحقية اليهود في أراض سعودية، بعدما طردهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم من المدن التي كانوا يقيمون بها. 

ويقول إن مدينتي "خيبر" و"يثرب"، التي تُعرف حالياً بالمدينة المنورة، شمالي شبه جزيرة العرب، كانتا سابقاً تمثلان بيئة لأكبر مجتمع يهودي مزدهر بالعالم، ويدعو لتوحيد جهود الجاليات اليهودية لاسترداد "تاريخ أجدادهم" في شبه جزيرة العرب.

ونقل الموقع عن المستشرق "هاغاي مازوز" قوله إن "الجالية اليهودية في شمالي شبه الجزيرة العربية كانت واحدة من أكبر المجتمعات اليهودية القديمة في تاريخ الشعب اليهودي".

وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أدلى بتصريحات لمجلة "ذا أتلانتيك" الأميركية، في 2 أبريل 2018، أكد عبرها "أحقية" اليهود بالعيش في أرض فلسطين، التي يعدونها امتداداً لموطن أجدادهم وهُجروا من الجزيرة العربية قسراً، بعد انتشار الإسلام.

وقال ابن سلمان للمجلة إن "الشعب اليهودي له الحق في العيش بدولة قومية، أو في جزء من موطن أجداده على الأقل، ولكل شعب الحق في العيش بسلام".

وأشار إلى أن إسرائيل "دولة ذات اقتصاد كبير مقارنة بحجمها"، وأن بلاده "ليست لديها مشكلة مع اليهود".

ولا توجد إحصاءات سعودية عن أعداد يهود سعوديين، لكن مصادر غربية وإسرائيلية تزعم وجود المئات إلى الآلاف من اليهود الذين يعيشون في المملكة، جميعهم من العمال والموظفين الأجانب لا السعوديين.

ولا يوجد في السعودية جالية يهودية محلية رسمية، على الرغم من أنه يعتقد أن المملكة تستضيف عددا من رجال الأعمال اليهود.

وتحظر المملكة قانونيا ممارسة أي دين آخر غير الإسلام، ولا توجد معابد يهودية أو كنائس رسمية في البلاد.

حاخام السعودية

هذه العودة التي يتحدث عنها اليهود ارتبطت بسعي حاخام إسرائيلي أميركي يُدعى "يعقوب يسرائيل هرتسوغ" زار السعودية لأول مرة في أكتوبر 2021 وظل موجودا فيها بشكل شبه مستمر وأطلق على نفسه اسم "حاخام يهود السعودية".

وظل يروج لنفسه على أنه ممثل الجالية اليهودية في السعودية مع أنه لا توجد جالية يهودية أصلا، وقال صحفي اسرائيلي عنه إنه افتتح "مكتب للديانة اليهودية في الرياض" وهو ما لم تؤكده السعودية.

بعد مرور شهر واحد، نشر إسرائيليون ورقة رسمية من الحاخامية في إسرائيل تزعم أنه تم تعيينه ليكون حاخاما لليهود في السعودية !!!

وقد نشرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" تقريرا ترويجيا له يوم 31 ديسمبر 2021، زعمت فيه أن حكومة المملكة "قد تتقبل الانفتاح على منح اليهود الشرعية في ممارسة طقوسهم بحرية وعلانية، خصوصاً بعدما سمحت الإمارات والبحرين بذلك".

وعندما سُئل عن دوره الرياض التي زارها كثيرًا، وصف نفسه بأنه "حاخامها الرئيس، وأن مسؤوليها يعرفونني على هذا النحو"!!

وذكر أنه "على اتصال بالسعوديين منذ 25 عامًا، كجزء من عمله الخاص بتصدير البذور من إسرائيل".

واللافت، حسبما ذكر تقرير "تايمز أوف إسرائيل" أن الحاخام الإسرائيلي يكتب عن نفسه على شبكة "لينكد-إن" أنه "حاخام ورجل أعمال في السعودية متخصص في الصفقات والمعاملات"، فضلاً عن "الطهور الديني للمواليد الجدد وحوار الأديان".

وذلك برغم أن رئيس الجالية اليهودية الجديد بالخليج، أو ما يسمى "رابطة المجتمعات اليهودية الخليجية" التي تم إنشاؤها في فبراير 2021، "إبراهيم النونو" اعترف للتلفزيون الإسرائيلي حينئذ إنه "لا توجد جاليات حقيقية في السعودية أو الكويت، ولكن هناك أشخاص يهود يمكننا تقديم الخدمات لهم".

وتقول "تايمز أوف إسرائيل" إن هرتسوغ يصف نفسه بأنه الحاخام الأكبر في السعودية "في محاولة لتأسيس وجود يهودي معترف به في المملكة".

وتؤكد أنه "تم تدريبه كحاخام يخدم جنودا في الجيش الإسرائيلي بشكل رسمي، والآن يخطط للانتقال إلى السعودية مع عائلته للعمل بدوام كامل، بهدف فتح مراكز للجالية اليهودية، وتخصيص يوم ديني في المدرسة، وجعل ممارسة الحياة اليهودية أكثر سهولة داخل المجتمع السعودي".

ويقول إن رؤيته تقوم على أنه يجب ان يكون هنا في السعودية خدمات مجتمعية يهودية كاملة، بداية من المدرسة اليهودية اليومية والمدارس الثانوية اليهودية وحتى المعابد اليهودية، ومراكز ميكفا (حمامات دينية) لكل من الرجال والنساء، وجميع خدمات العطلات، ووجبات العطلات الجماعية".

ويسعى للحصول على المال لبناء سبعة حمامات دينية في المملكة العربية السعودية، كل منها يزيد على مليون دولار.

كما يرغب هرتسوغ في إنشاء مراكز للجالية اليهودية في المدن التي يوجد فيها العمال الأجانب المغتربون الرئيسة في المملكة.

تطبيع سياسي

ووزير الاتصالات الإسرائيلي، شلومو كرعي هو ثاني عضو في الحكومة الإسرائيلية يزور المملكة خلال أقل من أسبوع، بعد وزير السياحة حاييم كاتس الذي زار المملكة يوم 26 سبتمبر 2023.

وقبل زيارة الوزير الإسرائيلي بأيام، شارك وفد إسرائيلي باجتماع لليونسكو في السعودية، وقبل ذلك أيضا بنحو شهرين شارك فريق إسرائيلي بمسابقة دولية لألعاب الفيديو في الرياض.

حيث زار وفد من وزارة الخارجية الإسرائيلية العاصمة السعودية، الرياض، لحضور اجتماع للجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"

وقال مسؤول إسرائيلي لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 10 سبتمبر 2023 إن الوفد الذي يضم تسعة أشخاص من وزارة الخارجية، يوجد في المملكة لحضور اجتماع المنظمة الدولية بصفة "مراقبين".

وكتب مراسل هيئة البث الإسرائيلي (مكان) أميشاي شتاين: "حدث تاريخي: وصول وفد رسمي إسرائيلي إلى السعودية لحضور مؤتمر لليونسكو".

وفي 9 يوليو 2023، شارك منتخب إسرائيلي بـ "موسم الغيمرز"، وهي فعالية تختص بألعاب الفيديو، انطلقت حينها في العاصمة السعودية الرياض، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.

ووصف أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس، "مئير مصري" هذه الزيارات لموقع "الحرة" الأميركي في 27 سبتمبر/أيلول 2023 بأنها "عملية تسويق لعلاقة متنامية" مع الرياض، وخطوات لـ "إقناع الرأي العام السعودي بضرورة التطبيع".

وفي 21 سبتمبر 2023، قال محمد بن سلمان في مقابلة تلفزيونية مع قناة فوكس الأميركية، إن بلاده تقترب من التطبيع مع إسرائيل أكثر كل يوم نافيا ما جاء في تقارير صحفية عن تعليق المباحثات.