آخرها فاجعة الحمدانية.. هكذا ينهش فساد المليشيات المسلحة في جسد العراق؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل تكرار الحوادث التي تقع بالعراق، والتي يسقط خلالها المئات من القتلى والمصابين في كل عام، تكثر التساؤلات بشأن الأسباب التي تقف وراء استمرار نزيف دم الأبرياء في هذه البلاد.

وتأتي مدينة الموصل التي خرجت مثقلة بالجراج عام 2017 بعد حرب دامت ثلاث سنوات ضد تنظيم الدولة، في طليعة المدن العراقية التي تعاني من فساد المليشيات المسلحة وتوغلها في مناحي الحياة السياسية والاجتماعية.

وكانت المدينة المنكوبة على موعد مع حادثتين مروعتين تسببتا بإزهاق أرواح المئات من أبنائها، كان آخرها فاجعة عرس الحمدانية في 26 سبتمبر/ أيلول 2023، والتي راح ضحيتها 107 أشخاص.

"عرس الحمدانية"

وكشفت اللجنة التحقيقية التي شكلتها الحكومة العراقية في الحادثة، أن "صالة الأعراس مشيّدة على هيكل حديدي، وجدرانها من الإسمنت والبلوك، ومسقوفة بمادة الـ(ساندويتش بانل) مع مواد قابلة للاشتعال، وكذلك واجهة القاعة مغطاة بمادة سريعة الاشتعال".

وقال رئيس اللجنة اللواء، سعد فالح كسار الدليمي، خلال مؤتمر صحفي مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إنهم توصلوا إلى "تحميل مسؤولية الحريق لمالك القاعة، وأصدرت توصيات عديدة تضمنت إعفاء مسؤولين من مناصبهم وإحالتهم للتحقيق".

كما أكد رئيس اللجنة "تقصير صاحب صالة الأعراس، وقائمقام الحمدانية عصام بهنام متي، ومديري دوائر: البلدية والسياحة والكهرباء، إضافة إلى ثبوت تقصير الدفاع المدني في متابعة الإجراءات الخاصة في عملية غلق القاعة لعدم اتباعها شروط السلامة".

من جهته، أكد وزير الداخلية عبد الأمير الشمري أن "صاحب صالة الهيثم قام بسحب جهاز التسجيل وهرب إلى أربيل، وبعد القبض عليه تم استرجاع التسجيل وتبين أنه أطفأ التيار الكهربائي ظنا منه بأن الحريق حصل نتيجة تماس كهربائي، وهو ما تسبب بعرقلة خروج الحاضرين".

وفي سياق البحث عن صاحب الصالة، تبين أنها تعود إلى عناصر منتمية لمليشيا حركة بابليون (المسيحية) التي يتزعمها ريان الكلداني، والمنضوية ضمن تشكيلات الحشد الشعبي في العراق.

وبحسب ما نشره موقع "باسنيوز" العراقي في 27 سبتمبر 2023، فإن ملكية القاعة تعود إلى مستثمرين اثنين وهما (سمير وجوني نبو) وهما ينتميان إلى مليشيا كتائب بابليون، التي يرأسها ريان الكلداني ويعملون بحمايتها، كونها إحدى الفصائل المسلحة المنتمية للحشد الشعبي.

ولفت الموقع إلى أن "سمير نبو يمتلك سلسلة مشاريع بالحمدانية أسسها بين 2018 و2020 بتسهيلات قُدمت له من المليشيات، منها مطعم ومدينة ألعاب وقاعة احتفالات"، مرجحا أن "يكون دعم ريان الكلداني لهذين المستثمرين هو السبب في عدم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد إدارة القاعة غير المرخصة من الدفاع المدني".

وعلى الصعيد ذاته، قال عضو البرلمان العراقي، شيروان الدوبرداني، خلال مقابلة تلفزيونية في 27 سبتمبر، إن "الأرض التي بنيت عليها قاعة (الهيثم) متجاوز عليها"، مبينا أن الحكومة المحلية في نينوى "تقع وسط المشاكل بين الفصائل المسلحة والأحزاب المنتشرة في المحافظة".

ووفق الدوبرداني الذي ينحدر من محافظة نينوى، فإن "المحافظة شبه أسيرة بيد المكاتب الاقتصادية والفصائل. نحن لا نتكلم عن القوات الأمنية الرسمية الموجودة في نينوى التي ضحت وقدمت شهداء من أجل تحرير المحافظة، بل نتكلم عن مجاميع وفصائل مليشيات متنفذة".

تصوير جديد عن حادثة #الحمدانية يكشف ان الحريق كان #مدبر pic.twitter.com/fMDWB8r91B

— Almansouri (@motecxxx_hmyd) October 1, 2023

"عبّارة الموصل"

وليست بعيدة عن قضايا الفساد أيضا، فقد كانت الموصل على موعد مع فاجعة أخرى هزت المدينة، إذ شهدت المدينة في 21 مارس/ آذار 2019، غرق عبارة كان على متنها 250 شخصا، ما أدى إلى غرق 124 شخصا جرى انتشال جثثهم، ولا يزال نحو 65 آخرين في عداد المفقودين.

كانت "فاجعة العبارة" إحدى نتائج الفساد المالي والإداري وسطوة المليشيات المسلحة على مفاصل محافظة نينوى بالكامل، التي تتحكم بمقدرات المدينة عبر 40 مكتبا اقتصاديا (مقار للمليشيات الشيعية لفرض الإتاوات وإدارة الابتزاز الماضي)، حسبما أعلن نائب الرئيس العراقي السابق، أسامة النجيفي.

وقال النجيفي، خلال مقابلة تلفزيونية في 24 مارس 2019، إن "40 مكتبا اقتصاديا يمارس أعمالا غير قانونية، وإن القوات الأمنية في الموصل لا تستطيع التصدي لها، لأنها محمية من جهات في العاصمة بغداد".

وفي لغة أكثر وضوحا، قالت النائبة في البرلمان عن محافظة نينوى، إخلاص الدليمي، إن "عصائب أهل الحق (مليشيا شيعية مسلحة مقربة من إيران يقودها المعمم قيس الخزعلي) متورطة في حادث غرق عبارة  في الموصل والذي تسبب بمقتل نحو 120 شخصا".

وأضافت الدليمي خلال تصريح لشبكة "رووداو" المحلية في 23 مارس 2019، أن "القادة الأمنيين في المدينة أقروا بعدم القدرة على محاسبة المسؤولين عن غرق العبارة، لأن العصائب تمتلك جزءا من المشروع بموجب عقد رسمي".

وأشارت إلى أنّ "وزارة الموارد المائية كانت قد بلغت القائمين على الجزيرة السياحية بعدم استخدام العبارة لارتفاع مناسيب المياه في النهر، لكنهم حملوها أكثر من طاقتها، فهي تستوعب 50 شخصا فقط لكنهم حملوها 285 راكبا".

"عصائب أهل الحق"، هي مليشيا عراقية مقربة من إيران، أسسها قيس الخزعلي المعمم الشيعي المنشق عن مقتدى الصدر عام 2006، وشاركت في القتال إلى جانب قوات النظام السوري ضد المعارضة منذ انطلاق الثورة السوية في عام 2011.

وفي مايو/ أيار 2018، أدرج الكونجرس الأمريكي، "العصائب" على لوائح الإرهاب، إلى جانب فصيلين عراقيين آخرين: "حركة النجباء" بزعامة أكرم الكعبي، و"حزب الله العراقي"، اللذين أسستهما إيران عام 2011، للقتال مع الأسد.

وتواجه "العصائب" التي تمتلك أكثر من 20 مقعدا في البرلمان العراقي الذي تشكل بعد انتخابات عام 2021، تهما من منظمات دولية بتعذيب عراقيين عزل فروا من معارك استعادة الموصل في عام 2011.

حرق المستشفيات

وبعيدا عن الموصل المنكوبة مرات عدة، فقد شهدت العاصمة بغداد وقوع مأساة حريق مستشفى ابن الخطيب، نتيجة انفجار إحدى أسطوانات غاز الأوكسجين، في مستشفى خصص لعزل المصابين بفيروس كورونا، أودت بحياة العشرات من المدنيين.

وتسبب الحريق الناجم عن الانفجار بأسطواناته في وفاة 82 شخصا، وإصابة 110 آخرين بجروح مختلفة، حسبما أعلنت وزارة الصحة العراقية، في أبريل عام 2021.

وكان مستشفى ابن الخطيب، أحد ثلاثة مستشفيات خصصتها وزارة الصحة العراقية، في بغداد، لعزل المصابين بفيروس كورونا، وكان يحتوي على كميات كبيرة من الأوكسجين، من أجل المرضى المصابين بالفيروس.

وكشفت التحقيقات الحكومية في وقتها عن وجود إهمال وعدم التزام بشروط السلامة العامة، تمثل في سوء تخزين أسطوانات الأوكسجين المخصصة لعلاج المرضى، إضافة إلى خلو المستشفى من منظومة استشعار حرائق وإطفاء أوتوماتيكية، ووجود أسقف ثانوية من مواد فلينية سريعة الاشتعال.

وفي حادثة مماثلة، شهدت مدينة الناصرية (مركز محافظة ذي قار) جنوب العراق في 12 يوليو 2021، وقوع حادثة حريق في مستشفى الحسين الخاصة بعزل مرضى فيروس كورونا، وذلك بعد انفجار ثلاث أسطوانات أوكسجين.

وكان المستشفى مخصصا لاستقبال الحالات الحرجة، المصابة بالفيروس، لكن بسبب الإهمال وسوء التخزين انفجرت ثلاث أسطوانات للأوكسجين، ما تسبب في اشتعال سريع للطابق المخصص للإنعاش الرئوي وامتداده إلى الأقسام المجاورة، أودى بحياة 60 شخصا، و110 آخرين بحروق مختلفة.

وعلى ضوء الحريق الناجم عن انفجار أسطوانات الأوكسجين، قررت الحكومة العراقية السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، إقالة كل من مدير صحة ذي قار (صدام صاحب الطويل) ومدير المستشفى ومدير الدفاع المدني، وإخضاعهم للتحقيق لمسؤوليتهم عن الحادثة.

تفجير الكرادة

وفي عام 2016، كانت بغداد على موعد مع أعنف تفجير دموي يشهده العراق منذ احتلاله عام 2003، أدى إلى سقوط نحو 300 قتيل، وأكثر من 200 جريح، الأمر الذي وضع علامات استفهام كبيرة حول كيفية دخول السيارة المفخخة رغم وجود عشرات الحواجز الأمنية.

وعلى ضوء هذه الحادثة، أعلن وزير الداخلية العراقي، محمد الغبان، استقالته من منصبه، وقال خلال مؤتمر صحفي في 5 يوليو 2016: "قدمت استقالتي من منصبي إلى رئيس الوزراء بسب تقاطع الصلاحيات الأمنية وعدم التنسيق الموحد للأجهزة الأمنية".

وأضاف: "أنا أتحمل مسؤولياتي الدستورية كافة ولا أتنصل منها لكن بشرط أن تعالج هذه الأمور التي هي خلل أساسي لا يمكن أن نمضي بمنظومة الأمن بهذه الأوضاع وبهذا الخلل الموجود".

وأشار الغبان إلى أن "السيارة المفخخة التي ضربت منطقة الكرادة كانت قادمة من ديالي" على بعد سبعين كيلومترا شمال شرق بغداد، منتقدا حواجز التفتيش، إذ قال إن "النقاط الأمنية في بغداد غير مفيدة إطلاقا. هناك خلل بنيوي في كل موضوع المنظومة الأمنية ومنها السيطرات (الحواجز)".

تفجير الكرادة، كشف في وقتها عن صفقة فاسدة كانت وراء وقوع الكارثة التي أزهقت أرواح مئات العراقيين، ولاسيما تلك التي أبرمها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2006 إلى 2014) بعشرات الملايين من الدولارات خلال توليه السلطة.

تلك الصفقة هي استيراد أجهزة كشف متفجرات مغشوشة، تم شراؤها في 2006 خلال رئاسة نوري المالكي للحكومة، وأثبتت بشكل قاطع، فشلها، منذ وصولها للبلاد، إذ تكشفت الحقائق عن أن صفقة فساد كبرى كانت وراء شراء هذه الأجهزة، حسب تقرير لموقع تلفزيون "فرانس24" في أبريل 2019.

وكانت الحكومة العراقية قد اشترت ستة آلاف جهاز لكشف المتفجرات من نوع (آي دي) خلال الفترة ما بين 2008 و2010، بهدف وقف سيل السيارات المفخخة والعبوات الناسفة.

واستخدمت هذه الأجهزة، منذ تاريخ استيرادها، عند نقاط التفتيش في جميع أنحاء البلاد، لكنها لم تنجح في إيقاف السيارات المفخخة، وهو الغرض الذي استوردت لأجله.

القوات الأميركية كشفت، مطلع 2014، أن معظم أجهزة فحص المتفجرات التي استوردتها الحكومة العراقية غير صالحة للاستخدام، كما أن سعر الجهاز الواحد وصل إلى 60 ألف دولار، فيما يباع في أسواق بريطانيا بـ 40 دولاراً فقط.