حركة "أزواد" تجدد تمردها في مالي.. ما التداعيات على منطقة الساحل الإفريقي؟
ارتفعت التهديدات الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي وأصبحت ملاذا للجماعات الإرهابية والمجموعات الانفصالية، ففي 11 سبتمبر/ أيلول 2023، أعلن مقاتلون سابقون في حركة "أزواد" في مالي الحرب على الدولة.
وواصلت الجماعة هجماتها عقب الإعلان، وذلك بعد مطالبات عديدة بالحكم الذاتي والاستقلال عن مالي.
وفي السياق، كانت مدينة بوريم التي تتمتع بموقع إستراتيجي بين منطقتي غاو وتمبكتو هي أول عنوان لهجمات جماعات "أزواد" (طوارق) المسلحة.
وفي أعقاب الهجمات، قال مسؤولون كبار في الجيش المالي إن البلدة استعيدت من الجماعة المتمردة بدعم من الغارات الجوية، حيث كان هذا الهجوم هو الأول منذ توقيع اتفاق سلام بين الدولة المالية وجماعة أزواد المتمردة عام 2015.
وهاجمت جماعات "أزواد" معسكرين للجيش في بلدة ليري بولاية تمبكتو، وأعلن المتحدث باسم الجماعات، "المو أغ محمد"، أن كلا المعسكرين تم السيطرة عليهما من قبل الجماعات.
وفي حين أكد كبار المسؤولين العسكريين الماليين هذه الادعاءات، لوحظ أن العمليات العسكرية مستمرة لاستعادة السيطرة على المخيمات.
وأفاد أيضا بأن المعسكرات التي تم الاستيلاء عليها كانت تضم أفرادا ينتمون إلى الجماعة شبه العسكرية الروسية "مرتزقة فاغنر".
فرصة سانحة
وقال مركز "أنكاسام" التركي في مقال للكاتب، فؤاد أمير شيفقاتلي، إن "جماعات الطوارق المسلحة بدأت تحركاتها المتمردة في مالي عام 2012، وبعدها تم توقيع اتفاق سلام بين الدولة والجماعات المتمردة في 2015".
ومع ذلك، شهد سبتمبر 2023، استئناف الجماعات المسلحة للطوارق أنشطتها الانفصالية.
وذكر شيفقاتلي أنه "في هذه المرحلة، قد لا يكون من قبيل المصادفة أن تتزامن الهجمات التي تشنها الجماعات المسلحة في وقت تتزايد فيه هجمات المنظمة الإرهابية (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين)، وهي جهة فاعلة مسلحة أخرى غير حكومية في مالي".
وعلى غرار أزواد، أعلنت "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" الحرب على الجيش المالي بمنطقة تمبكتو في أغسطس/آب 2023.
وعلق شيفقاتلي: "يمكن القول إن المجموعات المسلحة للطوارق استفادت من الفوضى في المنطقة وبدأت في التنامي مرة أخرى، بل وتعتبر أعمال الإرهاب والعنف فرصة لها".
وتابع: "يمكن ربط هذا بشكل كبير بالبيئة الانقلابية التي ظهرت أخيرا وتزايد عدم الاستقرار في منطقة الساحل".
من ناحية أخرى، قد يكون عودة مجموعة أزواد إلى التمرد بشكل كبير مرتبطا بتجاهل الحكومة العسكرية للبنود التي يجب تنفيذها في إطار اتفاقية السلام وبرامج إعادة التسليح والتسريح وإعادة الاندماج.
وينطبق هذا السياق بشكل مماثل على النيجر، حيث قام المقاتلون السابقون في صفوف المجموعات الإرهابية المتطرفة بتسليم أسلحتهم بموجب برنامج متفق عليه مع حكومة الرئيس السابق محمد بازوم قبل الانقلاب، ولكن الأجواء التي تشكلت بعد الانقلاب أثارت قلق هؤلاء المقاتلين وأبعدت الأشخاص المحتملين لتسليم الأسلحة عن هذه البرامج.
علاوة على ذلك، في الوقت الذي تكافح فيه الحكومة المالية مع مجموعتين من ذوي الخبرة مثل "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" و"حركة أزواد"، التي تهيمن على ديناميكيات الصراع والعلاقات المحلية، فإن رغبة فرنسا والولايات المتحدة في إنهاء وجودهما العسكري قد تطرح مشاكل أكبر على المدى القريب والمتوسط، وفق شيفقاتلي.
ومن المتوقع أن تنسحب بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) من مالي بحلول 31 ديسمبر 2023.
ومن شأن ذلك أن يترك القوات المسلحة المالية عرضة للخطر بشكل خاص في مناطق تمبكتو وغاو وميناكا.
تحالف الساحل
وفي سياق هذه التطورات، تم التوقيع على اتفاقية دفاع مشترك بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر، والتي تنص على التضامن والتحالف العسكري ضد أي هجوم محتمل على سيادة وسلامة أراضي البلدان الثلاثة.
وينص الاتفاق على التضامن والمساعدة في حالة التمرد الداخلي والعدوان الخارجي.
وقال شيفقاتلي إن "الدول التي توجهت نحو توحيد الخطاب في مواجهة التدخل المحتمل للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بعد الانقلاب في النيجر، قامت بتجسيد تعاونها العسكري من خلال هذا الاتفاق".
ويعكس الاتفاق العسكري المخاوف المشتركة لدول الساحل التي تخضع للحكم العسكري بشكل كامل بشأن التهديدات الداخلية والهجمات الخارجية.
وتشكل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم القاعدة وفرع "تنظيم الدولة" الميداني المرتبط بـ"تنظيم الدولة" تهديدا خطيرا للاستقرار الإقليمي وكذلك للقضايا الأمنية في البلاد.
من ناحية أخرى، شهدت الدول الثلاث تغييرا في النظام بسبب عدم الاستقرار السياسي في السنوات الأخيرة.
لذلك، يهدف الاتفاق ذو الصلة إلى القضاء على التهديدات الوشيكة للأنظمة على الأقل وتعزيز إدارتها العسكرية.
ومع ذلك، أصبحت منطقة الساحل ملاذا للمنظمات الإرهابية والجماعات الانفصالية.
وفي هذا الجانب، يغطي الاتفاق التدابير الأمنية مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية والعمليات المشتركة لمكافحة هذه الجماعات بشكل أكثر فعالية.
تصاعد الهجمات
وأردف شيفقاتلي: "مع الانقلابات التي حدثت في دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغينيا خلال الثلاث سنوات الأخيرة، فإن تركيز الإدارات العسكرية على مراكز المدن ضد الانقلابات المضادة المحتملة يفتح المجال للجهات المسلحة غير الحكومية العاملة في الريف".
وفي هذا السياق، قد تتزايد الهجمات التي تشنها حركة أزواد وجماعاتها المسلحة المستقلة على نطاق صغير.
ولفت الكاتب النظر إلى أن "إعلان الحرب" الذي نشر أخيرا على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي والهجمات ذات التوجه المدني/العسكري التي أعقبت ذلك تدعم هذه الحجة.
وبالتوازي مع ذلك، من المتوقع أن تزداد الهجمات التي تشنها "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" في منطقتي تمبكتو وغاو، لأن هذه المناطق تحتوي على شباب ذوي ميول راديكالية وملامح تبحث عنها المنظمات الإرهابية تاريخيا وديموغرافيا.
بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي انسحاب بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، والتحالفات العسكرية الدولية المختلفة من المنطقة إلى زيادة التحركات والعمليات لمختلف الجماعات المتطرفة، وخاصة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
بالإضافة إلى هذه التطورات في مالي، يمكن القول إن العنف والأعمال الإرهابية آخذة في الارتفاع في بوركينا فاسو والنيجر.
وفي هذا السياق، بدأت التطورات في بوركينا فاسو منذ منتصف سبتمبر/أيلول 2023، والهجمات التي تركزت على الجماعات الإرهابية المتطرفة تطوق العاصمة واغادوغو، مما يكشف عن خطر وقوع هجوم في واغادوغو.
وتظهر الهجمات التي وقعت في بوركينا فاسو وقتل فيها أكثر من 50 من أفراد الأمن (معظمهم من المليشيات التي ترعاها الدولة) وعشرات المدنيين في أسبوع واحد أن أعمال العنف آخذة في الازدياد.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن أنشطة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وفرع "تنظيم الدولة" الميداني تعمق الأزمة الإنسانية في بوركينا فاسو من خلال زيادة عدد النازحين.
من ناحية أخرى، وبسبب انقلاب 26 يوليو/تموز 2023 في النيجر، توترت العلاقات بين الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، ووصلت العلاقات بين الإدارة الحالية في النيجر والجهات الفاعلة المهمة في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، مثل فرنسا والولايات المتحدة، إلى نقطة الانهيار.
ورغم أن الولايات المتحدة استأنفت عمليات مكافحة الإرهاب في النيجر، والتي أوقفتها بعد الانقلاب، تحت اسم مهام الاستخبارات والمراقبة، إلا أن علاقاتها مع الإدارة الحالية متباعدة.
وختم الكاتب التركي مقاله قائلا إن "التوترات بين بلدان الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وتحالف الساحل (بوركينا فاسو والنيجر ومالي) بالإضافة إلى الثغرات الأمنية الناجمة عن الانقلابات تجهد قدرات مكافحة الإرهاب لدى الإدارات العسكرية وتمهد الطريق لردود الفعل المثيرة للانقسام للجماعات الانفصالية في البلدان المعنية".