بعد تصريحات ابن سلمان.. هل الشرق الأوسط في طريقه للتحول إلى بؤرة نووية؟

12

طباعة

مشاركة

في 21 سبتمبر/ أيلول 2023، أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأميركية، أنه في حال امتلكت إيران سلاحا نوويا فإن السعودية ستضطر لتمتلك واحدا، "لعدم الإخلال بميزان القوى في الشرق الأوسط".

وعن هذا الإعلان، قالت القناة "12" العبرية إن "الذعر من التسلح النووي في الشرق الأوسط لم يعد بعيد المنال، وكان قد طرح أكثر من مرة من قبل صناع القرار والجنرالات والخبراء في إسرائيل وحول العالم". 

ففي عام 2009، كان رئيس الاستخبارات الأميركية في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، مايكل ماكونيل، هو الذي حذر من أن "إيران نووية ستشعل سباق تسلح خطير في الخليج".

وفي عام 2012، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، إيهود باراك، بأن "المملكة العربية السعودية وتركيا وحتى مصر ستضطر إلى الانضمام إلى السباق".

ثم في عام 2015، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الكونغرس الأميركي من أن "جيران إسرائيل يعرفون أن إيران ستدعم المزيد من الإرهاب إذا امتلكت قنبلة نووية". 

سباق إقليمي

وأشارت القناة "12" العبرية إلى أنه في الأسابيع الأخيرة، حتى قبل تصريحات محمد بن سلمان، عاد الخوف من تسريع سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط إلى الظهور. 

وكشف تدفق الأخبار الوارد عن الاتصالات من أجل تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض أن "السعوديين اشترطوا لعقد الصفقة إنشاء منشأة مدنية لتخصيب اليورانيوم على أراضي المملكة". 

وبحسب القناة العبرية، "لم يؤكد المسؤولون في المملكة والولايات المتحدة ذلك، لكن مخاوف إسرائيل تكمن في احتمال أن تستخدم السعودية أو أحد جيرانها الآخرين في الشرق الأوسط، برنامجا نوويا مدنيا كغطاء لإنتاج قنبلة نووية". 

تشير سيما شين، الرئيسة السابقة لقسم الأبحاث في الموساد إلى أن "السعوديين يريدون دورة الوقود بأكملها، أي تخصيب اليورانيوم وكل ما يلزم لإنتاج الوقود النووي للمفاعلات النووية نفسها".

وتذكر الباحثة أن "هذا بالطبع يتناقض مع ما لم يوافق الأميركيون منذ سنوات على منحه لأحد في المنطقة". 

وجدير بالذكر أن "اهتمام المملكة بالمسار النووي ليس جديدا، ومعه الخوف من احتمال تحولها في ظروف معينة إلى الاتجاه النووي العسكري"، حسب التقرير.

وتشير القناة العبرية إلى أن السعوديين حرصوا خلال هذه السنوات على القول بأن "برنامجهم النووي للأغراض السلمية، وهو ما لم يمنع ولي العهد محمد بن سلمان من التصريح صراحة بأنه إذا حصلت إيران على سلاح نووي فإن بلاده ستسارع إلى تطوير مثل هذا السلاح على أراضيها". 

وكما توضح القناة، فإن "كلام بن سلمان يشير إلى مدى خطورة أن يتسبب البرنامج النووي الإيراني في حدوث سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط بأكمله".

ويشير التقرير إلى "أن السعودية تفترض أن إيران -سواء توصل إلى اتفاق أو لم يتوصل إلى اتفاق- باتت دولة على عتبة السلاح النووي بكل ما ينطوي عليه ذلك من دلالات، وأنهم لا بد أن يعملوا في المقابل على تطوير رد خاص بها".

"وفي المقابل، تشعر إسرائيل بالقلق إزاء إمكانية تسريع سباق التسلح النووي في الشرق الأوسط، وإزاء خطر وقوع المكونات النووية في أيدٍ معادية في حالة حدوث تغيير سياسي في السعودية"، وفق التقرير.

ويوضح الدكتور يوئيل جوزانسكي، رئيس الساحة الإقليمية ورئيس برنامج الخليج في معهد الأبحاث الوطنية، أن "السعوديين يريدون التوصل إلى توازن نووي مع إيران، ومن الممكن أن يحصلوا عليه كهدية من الأميركيين". 

خطر زاحف

تقول القناة العبرية إنه "في السنوات الأخيرة، ظهرت المزيد والمزيد من المشاريع النووية المدنية في الشرق الأوسط، التي تفتقر إلى البعد العسكري والمشروعة من وجهة نظر المجتمع الدولي". 

موضحة أن هذه الظاهرة تعمل تدريجيا على خلق واقع جديد يتمثل في الانتشار النووي الإقليمي "الزاحف"، حيث أصبحت المعرفة والقدرات النووية أكثر شيوعا.

وفي هذا الصدد، يقول داني سيترينوفيتش، خبير سابق في مجال الأسلحة النووية: "عندما تتحدث عن شرق أوسط نووي، فإنك لا تتحدث بالضرورة عن شرق أوسط يمتلك قنابل نووية، بل عن دول في المنطقة لديها القدرة المحتملة على الحصول على قنبلة نووية".

وأضاف: "إيران، على سبيل المثال، لا تمتلك قنبلة نووية، لكن لديها القدرة على التخصيب إلى المستوى العسكري، وحتى لو كان لا يزال أمامها أشهر عديدة للحصول على قنبلة فإن الإمكانية كبيرة".

وتابع: "ومن العدم، تكتشف أن مصر والسعودية تمتلكان قدرات أكثر تقدما بكثير مما كنت تعتقد. إن تورط دولة أخرى يمكن أن يؤدي أيضا إلى سباق تسلح نووي".

ويوضح الخبير أن بيع مفاعل كوري شمالي لسوريا في الماضي هو أكبر مثال على قدرة تلك الدول على امتلاك سلاح نووي. 

ويقول الخبير: "هناك أيضا مسألة التطورات الجيوسياسية، مثل الحرب في أوكرانيا التي أعادت التهديد النووي، حيث يُعد هذا مفهوما قادرا على إقناع الدول بأنها في حاجة إلى القدرات النووية، لأنها إذا لم تفعل ذلك فسوف تتعرض للهجوم".

نار هادئة

من ناحية أخرى، تنقل القناة العبرية عن جوزانسكي، رئيس برنامج الخليج في معهد الأبحاث الوطنية، افتراضه بأنه "مع التطبيع السعودية وبدون التطبيع معها، ومع إيران وبدون إيران، يوجد في الشرق الأوسط اليوم سباق تسلح نووي".

ويعتقد جوزانسكي أن هذا السباق "يطبخ على نار هادئة"، موضحا أنه "بطيء وتدريجي ويجري بعيدا عن أعين وسائل الإعلام والرأي العام المتفحصة، لكنه يحدث". 

فمصر، على سبيل المثال، تعمل على الترويج لبرنامج نووي مدني منذ خمسينيات القرن العشرين. 

ويلفت الخبير إلى أن "القاهرة تمتلك البنية التحتية والمعرفة اللازمة، لكن مشاكلها الاقتصادية تقلل من فرصة المضي قدما في مثل هذا المشروع الباهظ التكلفة".

وبحسب التقرير، ذكر جوزانسكي أن "الدولة العربية الأكثر تقدما في مجال التطوير النووي للاحتياجات المدنية هي دولة الإمارات، الشريك الجديد لإسرائيل من اتفاقات أبراهام".

مشيرا إلى أنها "قامت بالفعل بتشغيل ثلاثة مفاعلات نووية من أصل أربعة".

"ووفقا للإمارات، فإنها تحتاج إلى الطاقة النووية لمواكبة وتيرة زيادة احتياجات الطاقة وتقليل الاعتماد على النفط، الأمر الذي سيجعل من الممكن تخصيص المزيد من النفط للتصدير"، حسب التقرير.

إضافة إلى ذلك، تقول القناة: "وعلى بعد 2636 كيلومترا إلى الشمال من هناك، تعمل تركيا على تطوير برنامج نووي مدني لبناء نحو 20 مفاعلا للطاقة بحلول عام 2030".

وأشارت إلى أنه في عام 2019، وقعت اتفاقا مع شركة "روساتوم" الحكومية الروسية لبناء محطة كهرباء من أربع وحدات بقدرة 1200 ميجاوات من الطاقة المتجددة. 

وتوضح القناة العبرية أن تركيا لا تخطط لتخصيب اليورانيوم أو معالجة البلوتونيوم، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صرح بأن "بلاده تحتفظ بالحق في القيام بذلك".

وفي هذا الصدد، يؤكد جوزانسكي أنه "حتى لو توقفت إيران عند نقطة ما ودخلت في اتفاق، فإن دول المنطقة ستظل راغبة في المضي قدما نحو برنامج نووي مدني على الأقل".

"مبدأ البداية"

ويشير التقرير إلى أنه "منذ أربعة عقود على الأقل، تنتهج إسرائيل سياسة تعرف باسم "مبدأ بيغن"، والتي بموجبها لن تسمح لأي دولة في الشرق الأوسط بإنتاج أسلحة نووية يمكن أن تعرض وجودها للخطر". 

وبحسب منشورات مختلفة على مر السنين، تُطلق هذه السياسة في محاولة من إسرائيل لمنع وصول الأسلحة النووية إلى إيران. 

وهنا تتساءل الصحيفة: "كجزء من صفقة ستشمل التطبيع بين إسرائيل والمملكة، هل ستنحرف إسرائيل عن سياستها طويلة الأمد وتوافق على التخصيب النووي في السعودية؟".

وبهذا الشأن، أوضح مكتب نتنياهو أن "إسرائيل لم توافق على البرنامج النووي لأي من الدول المجاورة لها، كانت -وستبقى- هذه سياسة إسرائيل".

من ناحية أخرى، يوضح جوزانسكي أن "السعوديين يهددون باستمرار بأنهم سيتجهون إلى الصينيين أو غيرهم لتطوير برنامج نووي".

ولكن في نفس الوقت، يسعى السعوديون أيضا للحصول على موافقة أميركية من أجل الحصول على "ضوء أخضر" دولي للعمل على المستوى النووي، وفق الصحيفة العبرية.

وعلى الرغم من أن الموافقة على المملكة العربية السعودية ستؤدي بشكل شبه تلقائي إلى قيام دول أخرى في المنطقة بالبدء في السير على نفس الطريق، إلا أن شين -الرئيسة السابقة لقسم الأبحاث في الموساد- تعتقد أن قرار ما إذا كان لدى المملكة العربية السعودية برنامج نووي مدني لا يعتمد على إسرائيل. 

وأضافت: "هذا الأمر بين الولايات المتحدة والسعودية، وإذا أراد كلاهما أن يحدث، فسوف يحدث حتى لو عارضت إسرائيل". 

واستدركت: "ومع ذلك، في حين لا يفصل إيران عن تحقيق اختراق نووي سوى أشهر قليلة، فإن السعودية لا تفصلها عن ذلك سوى سنوات ضوئية". 

تجاوز العتبة

وتذهب شين إلى أنه "على الرغم من الرغبة الطبيعية في توسيع النفوذ الإقليمي أو الصراع من أجل الهيمنة في سوق الطاقة، فإن الدافع وراء التسلح النووي للقوى الإقليمية في الشرق الأوسط هو الخوف من البرنامج النووي الإيراني". 

لافتة إلى أن "كل ما يفصل الجمهورية الإسلامية الآن عن القدرة على إنتاج الأسلحة النووية هو قرار سياسي من جانب القيادة في طهران".

وتذكر القناة 12 العبرية أن  المسؤولين في إسرائيل والولايات المتحدة يخشون من أن "الامتثال لمطالب بن سلمان سيساعد السعودية على محاولة تطوير أسلحة نووية، بطريقة من شأنها تسريع سباق التسلح ضد خصمها اللدود إيران".

وفي هذا الصدد، يقول سيترينوفيتش، الخبير السابقة في مجال الأسلحة النووية: "إن العداء الأساسي بين المملكة العربية السعودية وإيران لم يتغير ولا يمكن جسر الخلافات الأيديولوجية بينهما. وأي تغيير جذري في ميزان الردع سيجبر الجانب الآخر على التحرك". 

ويعتقد الخبير أن "عبور إيران عتبة السلاح النووي سوف يجبر السعودية على التحرك، تماما كما أن البرنامج النووي السعودي أيضا سوف يجبر إيران على إعادة التفكير في استراتيجيتها النووية".

وفي النهاية، في إطار هذا المشهد، تتساءل الصحيفة: "هل تواجه إسرائيل في العقود المقبلة شرقا أوسطا مشبعا بالقنابل النووية وعدا تنازليا لكابوس نووي محتمل؟".

وتذهب الصحيفة العبرية إلى أنه "على الرغم من كل شيء، يبدو أن الإجابة على هذا السؤال تعتمد إلى حد كبير على إيران، التي تحافظ على كل الطرق المؤدية إلى القنبلة النووية". 

وتقول الصحيفة: "ورغم أنه من غير المرجح أن تسقط قنبلة ذرية، فإن المعنى المطوي في واقع إيران النووي هو سعي دول مركزية مثل السعودية، التي تعتبر نفسها قوى إقليمية، إلى نفس المكانة".

وإذا حدث ذلك، فقد تجد إسرائيل نفسها في مواجهة قوتين نوويتين بدلا من واحدة.