عماد عثمان.. لواء لبناني يدافع عن الدولة البوليسية ويتمرد على وزير الداخلية
كشف الخلاف بين وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللبناني اللواء عماد عثمان عن مدى قوة الأخير في دوائر صنع القرار في هذا البلد.
فقد دخلت المعركة بين مولوي وعثمان وهما من الطائفة السنيّة منعطفا مفصليا بعد إعطاء الأول الإذن في 15 سبتمبر/أيلول 2023 بملاحقة اللواء عثمان بجميع القضايا المرفوعة ضده في القضاء العسكري والقضاء العدلي.
وبدأ الافتراق الفعلي مع القرار الذي اتخذه اللواء عثمان بإلحاق شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي بالمدير العام شخصيا، وفصلها عن وحدة الأركان التي كانت تتبع لها.
وذلك حتى لا يفقد قائد الشعبة (العميد خالد حمود) منصبه لكونه صاحب أقدمية على العميد الذي كلف بقيادة الأركان بالوكالة، بحسب صحيفة "الشرق الأوسط".
ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع على جوانب الخلاف المستفحل بين الرجلين، أن البرقيات التي أصدرها اللواء عثمان أخيرا وعين بموجبها رؤساء لوحدات في مؤسسة قوى الأمن بالوكالة من دون التشاور مع الوزير، جاءت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
وذلك "بغض النظر عن صواب الخيار الذي ذهب إليه عثمان، خصوصا وأن الأخير تخطى الأعراف التي كانت سائدة في السابق، والتي تقضي بأخذ موافقة وزير الداخلية على التشكيلات، ونيل رضى المرجعيات السياسية والزعامات التي يتبع رؤساء الوحدات إلى طوائفها".
ولم تفلح كل مساعي رأب الصدع بين مولوي واللواء عثمان، حتى تلك التي رعاها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وبالتالي نتيجة هذه الملاحقة، أصبح اللواء عثمان ملزما بالمثول أمام القضاء المختص.
وهذه المذكرة تعد سابقة أمنية، لكون أن جميع وزراء الداخلية السابقين في لبنان، كانوا يتمنعون عن الدخول في إجراء كهذا الذي صدر بحق اللواء عثمان.
لكن هناك من رأى أن خطوة مولوي في هذا التوقيت هي فقط للضغط على عثمان لدفعه إلى التراجع عن قرارات اتخذها لسد الفراغات الإدارية داخل الجهاز الأمني.
وتنص المادة 66 من الدستور اللبناني، على أن يتولى الوزير تطبيق الأنظمة والقوانين بكل ما يتعلق بإداراته، وبناء لمقتضيات المصلحة العامة، والتزاما بتطبيق الأنظمة والقوانين.
وأمام هذا التجاذب داخل الطائفة السنية، عقد مولوي لقاء في 18 سبتمبر مع مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى ببيروت.
وقال مولوي في اللقاء: "نتابع عملنا في وزارة الداخلية وفي كل المديريات المتعلقة بالوزارة للقيام بعملنا ولن نقبل بأن يعود شخص مرتكب أو ثبتت عليه ارتكابات بالفساد إلى الإدارة اللبنانية".
واستدرك قائلا: "إنه لا يوجد خلاف شخصي مع مدير عام قوى الأمن الداخلي بل نقوم بمهمتنا بكل الأطر المحددة وهذه العلاقة تحكمها القوانين".
النشأة والتكوين
ولد عماد محمود عثمان عام 1965 في قرية الزعرورية في لبنان، وتزوج من منى نصر الدين وله ولدان منها.
ودخل عثمان المدرسة الحربية مبكرا وتحديدا عام 1984وتخرج منها برتبة ملازم عام 1986.
عين عماد عثمان وهو برتبة عقيد في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2012 رئيسا لفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبنانية خلفا للواء وسام الحسن الذي قتل في انفجار سيارة مفخخة قبل التعيين بيومين شرق بيروت مع شخصين آخرين، واتهمت المعارضة اللبنانية نظام بشار الأسد بالوقوف وراء اغتيال الحسن (47 عاما).
وكان عثمان من ضمن الفريق الذي عمل مع وسام الحسن عندما كان مديرا للمراسم مع رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري الذي قتل في تفجير آخر العام 2005، واتهم حزب الله والنظام السوري بتدبير اغتياله.
بعد ذلك، تولى عثمان رئاسة سرية الحرس الحكومي خلال فترة رئاسة سعد رفيق الحريري الأولى من عام 2009 حتى عام 2011، كون عثمان التحق منذ 1993 بسرية حرس رئاسة الحكومة.
وسبق أن شغل عام 2004 منصب مساعد رئيس قسم الأبحاث والدروس في معهد قوى الأمن الداخلي، كما عين عام 2005 مديرا لمكتب وزير الداخلية والبلديات.
وفي عام 2012 تولى عثمان منصب رئيس قسم المباحث الجنائية الخاصة في وحدة الشرطة القضائية.
وجاءت العلامة الفارقة في حياة اللواء عماد عثمان حينما أنتجت تسوية سياسية بين الفرقاء اللبنانيين في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2017، انتخاب ميشال عون رئيسا للبلاد ومن ثم تولي سعد الحريري رئاسة الحكومة.
ووقتها أصدر مجلس الوزراء اللبناني سلسلة تعيينات أمنية وقضائية شملت تعيين العميد عماد عثمان مديرا عاما لقوى الأمن الداخلي بعد ترقيته إلى رتبة لواء.
ضابط متمرد
ليست هذه الحادثة الأولى التي تطفو على السطح وتظهر الاختلاف بين وزير الداخلية بسام المولوي من جهة، ومدير عام قوى الأمن الداخلي عماد عثمان.
إذ أصدر المولوي في 17 أغسطس/ آب 2023 قرارا ألغى بموجيه برقية لعثمان أصدرها في 27 يونيو/حزيران من العام ذاته، قضت بارتباط شعبة المعلومات في قوى الأمن بالمدير العام بصورة استثنائية ولضرورات الخدمة.
ولهذا فإن قرار مولوي الجديد بحق عثمان إذا طبق سيكون مصير اللواء عماد عثمان في السجن، وفق الخبراء.
إلا أن كثرا يُشككون في إمكانية تنفيذ مذكرة التوقيف في حقه في بلد تطغى عليه ثقافة "الإفلات من العقاب" التي لطالما طبعت المشهد العام في هذا البلد الذي يحفل تاريخه باغتيالات وانفجارات وملفات فساد، لم تتم يوما محاسبة أي من المتورطين فيها.
وفي السياق، يرى الإعلامي اللبناني رياض طوق في حديث عبر منصة "سبوت شوت" المحلية بتاريخ 15 سبتمبر، أن "مرد الخلاف بين مولوي وعثمان هي أن مولوي قادم من خلفية قانونية ولديه خبرة طويلة ويريد مكافحة الفساد".
وأضاف طوق قائلا: "حيث تكرر عدم إنصات اللواء عثمان لقرارات مولوي وخاصة في فصل عناصر في هيئة إدارة السير والاليات والمركبات، إضافة إلى طلب مولوي من عثمان وقف التعدي على مشاعات الأراضي التابعة للدولة اللبنانية حيث لا يعير عثمان أي اهتمام لهذه الدعوات من وزير الداخلية".
ومضى يقول: "إن نائب المنية أحمد الخير طلب أخيرا من اللواء عثمان إعطاءه إذنا لمخالفة بناء ولحفر بئري ماء وقد منحه ذلك، الأمر الذي عد تعديا على قرار وزارة الطاقة منذ عام 2019 بمنع إعطاء مثل هذه الأذونات".
ورأى طوق أن "إعطاء المولوي الإذن بملاحقة اللواء عثمان في القضاء العدلي والعسكري يعني أنه لا يخشى أي ضغط، نظرا لطلبه محاسبة قائد جهاز أمني هو اللواء عماد عثمان بجرم هدر المال العام وإعطاء إذن لمخالفات قانونية وهو الأمر الذي يعرضه للسجن إذا طبق القانون ".
وألمح طوق إلى "أن اللواء عماد عثمان عليه دعاوى ملاحقة منذ عام 2018 في القضاء اللبناني بجرم مخالفة البناء والتعدي على الأملاك البحرية والنهرية".
وختم بالقول: "إن اللواء عثمان سيحال على التقاعد في إبريل/نيسان 2024، وهو يريد عمل تركيبة داخل قوى الأمن الداخلي تأتمر بأمره قبيل رحيله".
جرأة في الإدارة الأمنية
ويعرف عن اللواء عثمان جرأته المفرطة في الإدارة الأمنية النابعة كما تذكر الصحافة اللبنانية من خبرته في هذا السلك وحفظه للقوانين.
ومنها حينما أصدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 مذكرة داخلية تعطي القطعات الأمنية السلطة الكاملة لتنفذ مهام الضابطة العدلية عند تعذر الاتصال بالنيابات العامة أو تمنعها عن إعطاء إشارة قضائية.
ووقتها علقت صحيفة "الأخبار" بالقول: "هكذا أفتى عثمان لنفسه بتحويل الدولة إلى دولة بوليسية يكون هو رئيسها، وأهدى رجاله من ضباط وعسكريين سلطة مُطلقة باحتجاز الحريات بطريقة غير قانونية".
لكن اللواء عثمان رد على "الأخبار" بالقول: "اطمئنوا، فأنا لست ممن يخضع للابتزاز، ولستم أنتم من يصلح للكلام عن القانون".
إن اللواء عثمان يرى نفسه مستهدفا من بعض القوى اللبنانية ضمن إطار الصراعات السياسية حول ملفات عديدة على رأسها إنهاء حالة الشغور الرئاسي في البلاد المستمر منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022 حينما انتهت ولاية الرئيس ميشال عون.
ولذلك هذه ليست الحادثة الأولى التي تهز منصبه، فقد سبق أن جرى تحديد 24 فبراير/شباط 2022 موعدا لجلسة الاستماع إلى اللواء عماد عثمان، في الدعوى المقدمة ضده من المدعية العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون.
إذ اتهمت عون اللواء عثمان، بالتدخل لمنع دورية أمنية من تنفيذ مذكرة إحضار كانت قد أصدرتها في حق حاكم مصرف لبنان حينها رياض سلامة وهذا الأخير أحد أبرز رموز الفساد في لبنان والذي يتولى القضاء الأوروبي راهنا التحقيق معه غيابيا.
وآنذاك حدث اشتباك سياسي بين فريق رئيس الجمهورية ميشال عون المحسوبة عليه القاضية غادة عون، وتيار المستقبل (يتزعمه سعد الحريري) المحسوب عليه اللواء عثمان، والمقرب أيضا إلى سلامة.
إذ قرأ تيار المستقبل في بيان له المذكرة بحق اللواء عثمان محاولة "لضرب مؤسسات الدولة الشرعية"، فيما رد القصر الجمهوري في بيان آخر عادا ما ذكره "تيار المستقبل" أن له "خلفيات ثأرية تهدف الى إضفاء طابع تحريضي على مقام رئاسة الجمهورية وشخص الرئيس ميشال عون".
ثعلب التوازنات
لقد شهدت سنوات تسلم اللواء عثمان قوى الأمن الداخلي بأنه استطاع تحقيق بعض التوازنات مع القوى السياسية في لبنان الذي تلعب فيه المحاصصة الطائفية دورا بارزا في تعيين رؤساء السلطات الثلاث (الرئاسة للموارنة – الحكومة للسنة – البرلمان للشيعة).
ومن ضروب ذلك، رفض اللواء عماد عثمان في ديسمبر/كانون الأول 2021 تنفيذ مذكرة التوقيف الغيابية، التي صدرت في 12 أكتوبر من العام ذاته في حق النائب الحالي وزير المالية السابق علي حسن خليل، المقرب من رئيس مجلس النواب ورئيس حركة أمل الشيعية نبيه بري.
وحينها طلب طارق بيطار المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت الذي وقع عام 2020 توقيف خليل، الأمر الذي دعا بيطار للقول: "إن امتناع جهاز أمني على تنفيذ مذكرة قضائية يعد سابقة خطيرة وتمردا على قرارات السلطة القضائية".
وأثارت مذكرة التوقيف الغيابية غضب الثنائي الشيعي (حزب الله - وحركة أمل) وبعد يومين من صدورها، تظاهر مناصرون للحزبين ضد بيطار، وتخلل الاحتجاجات أعمال شغب وعنف ثم إطلاق نار أوقع سبعة قتلى.
وعزت السلطات انفجار المرفأ في الرابع من آب/أغسطس 2020، والذي أودى بحياة 215 شخصا على الأقل وإصابة 6500 آخرين، إلى تخزين كميات كبيرة من نيترات الأمونيوم من دون إجراءات وقاية.
وتبين أن مسؤولين لبنانيين على مستويات عدة سياسية وأمنية وقضائية كانوا على دراية بمخاطر تخزينها ولم يحركوا ساكنا.
وكان انتقد لبنانيون عام 2019 البذخ المالي الذي صرف في عرس محمود نجل اللواء عماد عثمان في بيروت، حيث وصفته الصحافة المحلية بـ "العرس الملكي".
لكن مسيرة اللواء عثمان في إدارة قوى الأمن الداخلي لم تخل من محاولات تطوير هذا الجهاز.
ففي يناير/كانون الثاني 2017 ناقش اللواء عماد عثمان، مع السفير البريطاني هيوغو شورتر مشروع دعم الشرطة البريطانية لقوى الأمن الداخلي في إطار مذكرة التفاهم الموقعة في يونيو/حزيران 2016 والبالغة قيمتها 13 مليون جنيه استرليني.
وعمل اللواء عثمان منذ توليه قوى الأمن الداخلي على إنشاء جهاز شرطة متفهم ومسؤول يركز على حقوق الإنسان ويستجيب لاحتياجات الناس في لبنان.
وذلك بالتوازي مع الخطة الخمسية التي تحدد حاجات قوى الأمن الداخلي عديدا وعتادا وتوفير كل مستلزمات الدعم لها، ورسم الرؤيا المستقبلية لطبيعة المهام الأمنية الأساسية التي ستوكل لهذه القوى بعد توطيد الاستقرار الداخلي وانصراف الجيش اللبناني إلى مهمته الأساسية.
ويهدف هذا التمويل إلى دعم إعادة تأهيل مراكز للشرطة، وإرساء أفضل الممارسات في نطاق عمل الشرطة المجتمعية، وإدراج مسألة حقوق الإنسان بكامل أبعادها في صلب برنامج تدريب قوى الأمن الداخلي الذي خرج عام 2016، ثمانية آلاف ضابط.
كما يسهم المشروع في إنشاء جهاز شرطة عصري وعلى مستوى عال من المهنية، يلتزم بمعايير حقوق الإنسان ويحظى بثقة المجتمع الذي يعمل في خدمته.
وفي عهد اللواء عثمان أطلقت قوى الأمن الداخلي نموذجا جديدا للشرطة المجتمعية في جميع أنحاء العاصمة بيروت.