بعد فشلها في بريكس.. هل تنجح الجزائر بالانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون؟
بعد رفض طلب انضمامها لـ"بريكس"، تسارع الجزائر الخطى للالتحاق بمنظمة "شنغهاي للتعاون" على أمل أن يحظى طلبها بالقبول.
وفي 29 أغسطس/آب 2023، أعلن وزير الخارجية، أحمد عطاف، أن الجزائر تعتزم الانضمام لتكتل شنغهاي، وأنها مشاركة في البنك التابع للمنظمة.
وقال عطاف، في ندوة صحفية، إن "الجزائر ماضية في خياراتها وتعتزم الانضمام لتكتل شنغهاي ونحن مشاركون في البنك التابع للمنظمة".
وتأسست المنظمة المذكورة عام 1996 بوصفها تكتلا إقليميا أوراسيا باسم "خماسية شنغهاي"، يضم الصين وكازاخستان وقرغيزستان وروسيا وطاجيكستان.
ولاحقا بعد انضمام أوزبكستان والهند وباكستان ثم إيران، أصبحت المنظمة تضم نصف سكان الأرض.
اقتصاد منغلق
ويأتي تصريح الوزير عطاف بخصوص عزم الجزائر الانضمام إلى "منظمة شنغهاي للتعاون" بعد نحو أسبوع على إعلان قائمة الدول الجديدة المنضمة إلى مجموعة "بريكس" والتي لم تتضمن الجزائر.
ففي 24 أغسطس 2023، أعلن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا الاتفاق على انضمام كل من السعودية والإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا والأرجنتين إلى بريكس، مع استبعاد الجزائر وهو ما شكل "مفاجأة غير متوقعة".
فما أسباب ودوافع الجزائر للانضمام إلى هذه المنظمة الآسيوية؟ وهل هي ردة فعل على عدم قبول طلب انضمامها إلى "بريكس"؟
الوزير الأسبق للصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، عبد القادر سماري، قال إن "الجزائر الموجودة في عدة فضاءات على غرار منظمة الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية تبحث اليوم عن منظمات تستطيع من خلالها أن تكون لها مكانة في المجالات المتعددة، خاصة المتعلقة بالتنمية".
وفي 4 سبتمبر/أيلول 2023، رأى سماري، في تصريح لموقع يومية "الشعب" المحلية، أن انضمام الجزائر سيفيد منظمة شنغهاي، بحكم أن الجزائر بوابة أساسية من بوابات إفريقيا في إطار موقعها الجغرافي والإستراتيجي.
وأضاف أن "الجزائر ستستفيد بانضمامها إلى منظمة شنغهاي للتعاون، أولا من تجارب هذه الدول، خاصة في البنى التحتية، علما أن هناك تحولا كبيرا في منطقة آسيا وآسيا الوسطى سواء من حيث البنى التحتية، أو عدد السكان المتنامي".
وتابع أن الجزائر ستستفيد من تنويع علاقاتها واقتصادها، خاصة أن هذه الدول لها علاقات إستراتيجية مع الدولة المغربية على غرار روسيا والصين.
وعلى سبيل المثال، تعد الصين من الشركاء الاقتصاديين الأساسيين ليس فقط بالنسبة الجزائر، بل لدول إفريقيا، خاصة في المستقبل، حيث تتصدر اليوم المشهد الاقتصادي والتجاري، وفق سماري.
تحول اقتصادي
من جهته، قال المستشار في التنمية الاقتصادية والرئيس السابق لغرفة التجارة والصناعة لولاية المدية (جنوب العاصمة) عبدالرحمن هادف، إن الجزائر ماضية في مشروع تحول اقتصادي شامل يرتكز على إعادة تنظيم الشأن الاقتصادي فيما يتعلق بنموذج النمو والانفتاح على الشراكات وعلى الاندماج في سلاسل القيم الدولية.
وأضاف هادف، في حديث لـ"الاستقلال"، أنه بناء على مشروع التحول الاقتصادي الشامل أصبح من الضروري على الجزائر من الناحية الجيوسياسية أن تلتحق بتكتلات ومنظمات إقليمية ودولية على غرار "منظمة شنغهاي للتعاون".
وأبرز أن الجزائر مع كل ما يجرى في المنظومة الاقتصادية العالمية تعمل على أخذ مكانتها في إطار ما يسمى اليوم بالجنوب الشامل.
وأفاد بأن انضمامها لـ "منظمة شنغهاي للتعاون" سيمكنها من استثمار تجارب دول مثل الصين وروسيا والهند وإيران في مختلف المجالات خاصة أن هذه الدول تشهد نسبة نمو وتنمية لا بأس بها في السنوات الأخيرة.
وأوضح أن الجزائر تعتزم استثمار الإمكانات الموجودة على مستوى هذه الدول لبعث شراكات خاصة فيما يتعلق بمصادر التمويل بالنسبة للمشاريع الكبرى المهيكلة من قبيل السكك الحديدية والمناجم والصناعات الثقيلة.
وأردف أن انضمام الجزائر لهذه المنظمة سيمكنها من "الاستفادة من التجارب والخبرات التي راكمتها هذه الدول في مجالات الصناعة والفلاحة والتكنولوجيا الرقمية".
وخلص هادف، إلى أنه اعتبارا لهذه المعطيات "أظن أن الشراكة مع دول منظمة شنغهاي للتعاون إيجابية ومفيدة لدولة مثل الجزائر".
أما الخبير الاقتصادي الجزائري سليمان ناصر، فيرى أن الجزائر تحاول الخروج من انعزالها الاقتصادي إن صح التعبير، مبينا أن اقتصادها شبه منغلق وليس منفتحا بشكل كبير على العالم ولذا تحاول أن تنفتح تدريجيا.
وأضاف ناصر، في حديث لـ"الاستقلال"، أن عدم الانفتاح الكبير أدى إلى غياب تحرير الاقتصاد وإلى تخلف العديد من القطاعات ومن بينها القطاع المالي والمصرفي.
وتابع أن الجزائر تحاول أن تُنوع شركاءها الاقتصاديين سواء في إفريقيا من خلال الانفتاح على السوق الإفريقية بحكم الانتماء والموقع أم مع أوروبا بحكم الشراكة القديمة مع الاتحاد الأوروبي التي جرى توقيعها منذ سنة 2005.
سيناريو "بريكس"
وأمام الرغبة الجزائرية، تثار تخوفات من تكرار سيناريو رفض طلب الانضمام إلى منظمة "بريكس" وبالتالي يطرح سؤال: ما المطلوب لضمان انضمام الجزائر إلى منظمة شنغهاي للتعاون؟
المستشار في التنمية الاقتصادية عبدالرحمن هادف، قال إن الرهانات التي تواجه الجزائر من أجل الانضمام إلى هكذا منظمة هي "الإسراع في إصلاح مناخ الأعمال والمنظومة الاقتصادية بصفة عامة من خلال أطر قانونية جديدة محفزة ومواكبة لما ما هو معمول به على المستوى العالمي".
وأضاف هادف، في حديث لـ"الاستقلال"، أن الجزائر مطالبة اليوم بتعزيز قدراتها الانتاجية وتثمين كل المقومات من أجل تحسين بيئة الاستثمار التي تعد من أهم محركات التنمية وفي الوقت نفسه تحسين المنظومة المالية والبنكية.
وتابع أن المطلوب أيضا العمل على تحسين كل ما يتعلق بالتجارة الخارجية من خلال تعزيز الانفتاح والعمل على تناسق السياسات بين مختلف القطاعات خاصة في مجالات الصناعة والفلاحة والسياحة.
وأكد هادف، أنه أصبح من الضروري أن تعمل الجزائر على تحسين قدراتها الإنتاجية في مجالات عدة لتعزيز أداء الاقتصاد الوطني.
وخلص إلى أن ربح هذه الرهانات سيسمح للجزائر بأن تكون في أفضل الظروف من أجل استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وإبرام شراكات ذات قيمة مضافة عالية.
وأمام تفاؤل عبد الرحمن هادف، بخصوص انضمام الجزائر لمنظمة شنغهاي للتعاون، قال الخبير الاقتصادي الجزائري سليمان ناصر، "في رأيي الشخصي أعتقد أن الوقت الحالي غير مناسب".
وضع مختلف
وأضاف ناصر، في حديث لـ"الاستقلال"، أنه "ربما تكون احتمالات الرفض قوية أكثر من بريكس لأن هذه المنظمة آسيوية وليس فيها أي بلد إفريقي، فهي تقريبا منظمة إقليمية أكثر منها دولية".
وسجل أن الجزائر بعيدة من حيث الجغرافية والأهداف عن هذه المنظمة التي تركز أكثر على الأمن الإقليمي والتنسيق وبعد ذلك التنمية الاقتصادية فيما بينها أو في إقليم وجودها في قارة آسيا.
ومنذ تأسيس منظمة شنغهاي، كان التعاون الأمني إحدى المهام الرئيسة لها ولا تزال على قمة أولوياتها وهدفا رئيسا في المستقبل.
إذ تصرح المنظمة بأنها تعمل على مكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف والحركات الانفصالية، والتصدي لتجارة الأسلحة والمخدرات.
ورأى ناصر، أنه "حتى لا تتكرر قصة "البريكس" من الأفضل أن تنشغل الجزائر حاليا ببناء اقتصادها وتنويعه والخروج من اقتصاد الريع المعتمد على صادرات النفط والغاز".
وأكد على ضرورة تنويع الصادرات خارج المحروقات التي لا تزال هامشية حيث لا تتجاوز 7 مليارات دولار حسب أرقام 2022"، مبينا أن صادرات النفط والغاز مازالت تستحوذ على أزيد من 90 بالمئة من الصادرات الجزائرية.
وشدد على ضرورة رفع معدلات النمو ورفع الناتج الداخلي الخام الذي ما زال أقل من 200 مليار دولار حسب أرقام 2022، مشيرا إلى أن هناك بلدانا إفريقية تحقق معدلات نمو عالية لذا جرى قبول طلب انضمامها في هذه المنظمات من قبيل دولة إثيوبيا.
وخلص ناصر، إلى أنه من الأفضل أن تتجه الجزائر إلى تحسين كل هذه المؤشرات الاقتصادية ثم بعد ذلك تدخل معززة مكرمة ومرحب بها أكثر من الناحية الاقتصادية في مثل هكذا منظمات.
ونبه إلى ضرورة اختيار الجزائر المنظمات الملائمة، قائلا: "أعتقد أن منظمة شنغهاي ليست مجالها وليست إقليمها، ولذلك فاحتمالات الرفض ستكون كبيرة أكثر من حالة بريكس".