"تحييد أميركي وتعزيز اقتصادي".. هذه أسباب منح الصين الأقمار الصناعية لمصر
أصبحت مصر أول دولة إفريقية لديها القدرة على تجميع ودمج واختبار الأقمار الصناعية (AIT)، بعد تسليم نموذجين من الأقمار الصناعية بتمويل من الصين، لمشروع القمر الصناعي "مصر سات 2".
وطرح هذا التمويل والتسليم للنموذجين تساؤلات حول الأسباب التي دفعت الحكومة الصينية لمساعدة القاهرة في هذا المشروع.
السياق التاريخي
وقال موقع "جيوبوليتيكال مونيتور" الكندي إن "بكين والقاهرة وقعتا في يناير/كانون الثاني 2019، منحة بقيمة 72 مليون دولار لبرنامج الفضاء المصري".
وأضاف أنه "في الأعوام التالية، تعاون المهندسون المصريون والصينيون في تشغيل القمر الصناعي، بما في ذلك محطة التحكم الأرضية".
وأعلنت القاهرة أنه من المقرر إطلاق القمر الصناعي "مصر سات 2" من الصين في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأفاد الموقع بأن القمر الصناعي "سيخضع للاختبار النهائي في الصين قبل إطلاقه، وهو مصمم ليكون عمره خمس سنوات من تاريخ إطلاقه".
والجدير بالذكر أن السفير بكين لدى القاهرة، لياو لي تشيانغ، سلط الضوء على أهمية المشروع من خلال الإشارة إليه على أنه يحقق ما أسماها بـ"الأولويات الأربع".
الأولوية الأولى، هي أن مصر تُعد من الدول التي لها تعاون مهم في مجال الأقمار الصناعية مع الصين في إطار مبادرة "الحزام والطريق".
والثانية، أن الصين ستساعد مصر في إنشاء مركز شامل لتجميع الأقمار الصناعية واختبارها، حيث سيتعاون العلماء والمهندسون من كلتا الدولتين على تجميع واختبار قمر "مصر سات 2".
أما الأولوية الثالثة فهي أن الصين ستدعم بناء فريق الطيران المصري، وستوفر التدريب المشترك لخبراء الطيران المصريين.
وأخيرا، عند اكتمال المشروع، ستصبح مصر أول دولة إفريقية تتمتع بقدرات كاملة على تجميع الأقمار الصناعية واختبارها.
وأورد "جيوبوليتيكال مونيتور" مصالح الطرفين من التعاون في هذا المشروع.
فمن جانب مصر، صرح مسؤولون أن القمر الصناعي سيستخدم لتحديد أنواع المحاصيل الزراعية وتوزعيها في القطر المصري طبقا لطبيعة التربة والأجواء.
هذا فضلا عن التخطيط العمراني، ومتابعة تغييرات الشواطئ خاصة في السواحل الشمالية للبلاد، ومنطقة الدلتا، وتتبع مصادر المياه ومسارات الأنهار، وكشف التعدي على الأراضي المملوكة للدولة.
إنجاز كبير
في المقابل، فإن نقل القمر الصناعي هذا يمثل إنجازا كبيرا للصين، وفق الموقع الكندي.
حيث إنها المرة الأولى التي تجري فيها الصين اختبارا شاملا لقمر صناعي كامل خارج البلاد، وتنفذ بنجاح مشروع تعاون عبر الأقمار الصناعية في دولة أجنبية لأول مرة.
كما وقعت وكالة الفضاء المصرية مذكرة تفاهم مع مؤسسة "LASAC" للاستشعار عن بعد الصينية، هذا بالإضافة إلى أن وكالة الفضاء السعودية أجرت مناقشات مع الشركات الصينية أيضا.
ووفق "جيويوليتيكال مونيتور"، فإن "الصين تستثمر في بناء مواقع إطلاق جديدة، حيث تشهد فترة من دخول الشركات المملوكة للدولة وشركات القطاع الخاص إلى مجال الأقمار الصناعية".
وتمتلك بكين حاليا أكثر من 700 قمر صناعي عامل في المدار، نصفها تقريبا يستخدمها الجيش لمراقبة القوات الأميركية على مستوى العالم، حسب الموقع الكندي.
بالإضافة إلى ذلك، يتكون نظام "بيدو" الصيني -وهو بديل لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) الذي تديره الولايات المتحدة- من أكثر من 30 قمرا صناعيا.
والجدير بالذكر أن الجهات الفاعلة الحكومية والخاصة العاملة في قطاع الفضاء بالصين، قد حددت خططا لأكثر من 70 عملية إطلاق عام 2023، مما يدل على التوسع المستمر في أنشطة الفضاء في البلاد، وفق الموقع.
وأشار إلى أن "مصر تحتل المرتبة الثالثة بين أكبر الدول المتلقية للمساعدات العسكرية الأميركية على مستوى العالم، بعد أوكرانيا وإسرائيل".
وفي الوقت نفسه، برزت مصر كشريك مهم في الشرق الأوسط في مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث اجتذبت استثمارات صينية كبيرة في السنوات الأخيرة.
وأضاف الموقع الكندي أنه "يوجد أكثر من 1500 شركة صينية تعمل في مصر، تركز على قطاعات مختلفة مثل تكنولوجيا المعلومات، وتوفير الكهرباء، والاتصالات، والنقل".
علاوة على ذلك، أقامت الصين ومصر شراكة شاملة، بمحفظة تعاون إجمالية تبلغ حوالي 1.7 مليار دولار.
وهذا التمويل مخصص لمختلف قطاعات التنمية، بما في ذلك الكهرباء والرعاية الصحية والتعليم والتدريب المهني وغيرها.
التشابكات الجيوسياسية
ويرى الموقع أن دولا مثل باكستان ومصر، تميل إلى زيادة الاعتماد على الصين في بنيتها التحتية الرقمية، وربما تميل إلى دمج الإنترنت عبر الأقمار الصناعية الصينية في شبكاتها.
وأرجع ذلك إلى أن "البنية التحتية الرقمية لهذه الدول تعتمد بالفعل بشكل كبير على الأصول الصينية، بما في ذلك الكابلات البحرية، وخطوط الألياف الضوئية، وشبكات الجيل الخامس والمحطات الأرضية للأقمار الصناعية".
بالإضافة إلى ذلك، فإن "النفوذ القوي للاقتصاد الصيني في مختلف اقتصادات العالم، يمنح بكين القدرة على ثني هذه الدول عن الاعتماد على الخدمات الأميركية"، وفق "جيوبوليتيكال مونيتور".
وتابع: "وفي الوقت نفسه، تتطلع الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وروسيا وتايوان، إلى تطوير مجموعاتها الخاصة عبر الأقمار الصناعية".
فعلى سبيل المثال، دعت وكالة الفضاء الروسية "روسكوزموس" كلا من الجزائر ومصر للمشاركة في بناء محطة فضائية روسية.
وقال الموقع إن "سباق الفضاء الأخير يهدف إلى توفير إنترنت عبر الأقمار الصناعية لأغراض صناعية وتجارية، فضلا عن أن توفير نقل أسرع للبيانات يمكن أن يكون أمرا بالغ الأهمية من الناحية التكتيكية".
ويأتي ذلك "في خضم فوز مصر باستضافة وكالة الفضاء الإفريقية، الأمر الذي يمكن أن يعزز اهتمام الصين بالقاهرة في الأنشطة المتعلقة بالفضاء".
الدول الناشئة
ويذكر الخبراء أن "إستراتيجية الصين تتمثل في التركيز على الدول الناشئة، التي تواجه قيودا في التمويل، وتستهدف الدول التي ليس لديها أي أقمار صناعية في المدار".
وحسب الموقع، فإن الأقمار الصناعية الصينية تُعد جذابة للدول النامية بسبب قدرتها على تحمل التكاليف، حيث تقدم بكين المساعدة المالية لصفقات الأقمار الصناعية، إلى جانب فوائد إضافية مثل نقل التكنولوجيا والتدريب.
وتركز بكين أيضا على ممر المعلومات الفضائي، الذي يمَكّن الدول المشاركة من الوصول إلى قدرات إطلاق الأقمار الصناعية والفضاء، وتعزيز إدارة مواردها، والتنبؤ بالطقس، والاستجابة للكوارث، والاتصال بالإنترنت، وتقليل الاعتماد على الأقمار الصناعية الأميركية.
وأوضح الموقع أن "بكين تهتم حاليا ببناء شبكات الأقمار الصناعية للاستشعار عن بعد في القارة الإفريقية، والتي تسمح لها بدعم التكامل اللوجستي بين الدول الشريكة في مبادرة الحزام والطريق".
وفي هذا السياق، لعبت الصين دورا حاسما في إطلاق أول قمرين صناعيين للاتصالات في نيجيريا عامي 2007 و2011 على التوالي.
بالإضافة إلى ذلك، كانت بكين مسؤولة عن نشر أول قمر صناعي للاتصالات في الجزائر عام 2017.
وفي عام 2018، أصبحت تونس أول دولة خارج الصين تستضيف محطة استقبال أرضية لنظام "بيدو" للملاحة عبر الأقمار الصناعية، وفق "جيوبوليتيكال مونيتور".
علاوة على ذلك، ساعدت الصين إثيوبيا والسودان في إطلاق أول أقمار صناعية لهما على الإطلاق في عام 2019.
ومن هذا المنطلق، تتوافق مِنَح الأقمار الصناعية المصرية مع طموح الصين لتوسيع وجودها في مجال الفضاء، والخدمات القائمة على الأقمار الصناعية، مع دعم مبادرة الحزام والطريق، وتعزيز مصالحها الإستراتيجية في إفريقيا.
وبالتالي، يساهم ذلك في إعداد بكين لتشكيل المشهد العالمي للاتصالات، والتواصل عبر الأقمار الصناعية، وفق الموقع الكندي.
وختم بالقول: "يعكس حضور بكين المتزايد في صناعة الأقمار الصناعية أيضا تركيزها الإستراتيجي على البلدان الناشئة، التي تتمتع بنفوذ محدود للتفاوض أو التحكم في اتجاه المشاريع".