معضلة الخاص والعام.. كيف يؤثر فشل السيسي الاقتصادي على مستقبل مصر التعليمي؟

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

فيما تتهيأ مصر لاستقبال عام دراسي جديد، تخيم الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد على المناخ العام للتعليم، خاصة ما قبل الجامعي، وعلى خريطة التنوع الطلابي بين المدارس الحكومية والخاصة.

وأعلنت وزارة التربية والتعليم والتعليم، الخريطة الزمنية للعام الدراسي الجديد حيث يبدأ في 30 سبتمبر/ أيلول 2023، لجميع المراحل التعليمية المختلفة للمدارس الحكومية والخاصة.

وكانت السمة المميزة لبداية العام، رصد تحويل عدد ملحوظ من طلاب المدارس الخاصة إلى الحكومية، بسبب الضغط المادي على أولياء الأمور، وعدم استطاعتهم مجاراة مصاريف المدارس الخاصة. 

وبرزت بعدها تساؤلات عن تأثير ذلك على القطاع التعليمي برمته، بشقيه العام والخاص، وعلى الطلاب أنفسهم من الناحية النفسية والعلمية.

ظروف اقتصادية

وفي 20 أغسطس/ آب 2023، قرر وزير التربية والتعليم، رضا حجازي، تشكيل لجنة مختصة للنظر في تحويلات طلاب المدارس، و"لا يتم التحويل إلا بعد مراجعة بياناتهم على قاعدة بيانات الوزارة، والعرض على تلك اللجنة".

وقررت وزارة التربية والتعليم، في 3 سبتمبر/ أيلول 2023، رفع مصروفات المدارس الخاصة والدولية بنسب تتراوح بين 6-25 بالمئة، حسب معدلات المصروفات بكل مدرسة، وذلك لأول مرة منذ عام 2018. 

بالتزامن تم تداول وثائق وكشوفات عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر ترصد كشوفا بطلبات تحويل من المدارس العامة إلى الخاصة، منها كشف تم تسريبه من إدارة "الهرم التعليمية" في محافظة الجيزة.

ومن بين 40 طلبا كان "الوضع الاقتصادي" السبب في 35 طلبا منها بالتحويل إلى التعليم الحكومي.

وقال وكيل وزارة التربية والتعليم، حمزة رضوان، لجريدة "الأهرام" الرسمية، في 4 سبتمبر 2023 إن "الأمر يتكرر في آلاف الطلبات على مستوى الجمهورية".

وعلق على التحويل من المدارس الخاصة للحكومية في المرحلة الثانوية تحديدا، قائلا: "كل واحد قدم بحثا اجتماعيا بشأن حالته، نوافق له".

وتابع: "غالبية طلبات التحويل أصبحت لظروف مالية، ويجب أن نخفف الشروط تسهيلا على الأسر". 

وكان التحويل من الخاص إلى الحكومي "عربي رسمي أو تجريبي لغات"، محكوما بعدد من الضوابط، بينها وضع أسباب منطقية للتحويل، مثل نقل سكن الأسرة، أو وفاة العائل.

لكن الأزمة الاقتصادية تسببت في تخفيف تلك الشروط، نظرا لعدم استطاعة قطاع كبير من الأهالي تسديد المصروفات الدراسية. 

فيما تشهد مصر موجات غير مسبوقة من التضخم، ووصل معدل التضخم العام في يوليو/ تموز 2023، زيادة بمقدار  36.5 بالمئة، وهو رقم ترك أثره على الوضع التعليمي. 

تراجع مستمر

وبالنظر إلى الخريطة التعليمية في مصر للعام 2022/ 2023، بحسب بيانات وزارة التربية والتعليم، جاءت إحصائية بأعداد المدارس والطلاب والمعلمين والفصول بالمدارس الحكومية والخاصة.

وأظهرت أن هناك 25 مليونا و494 ألفا و232 طالبا وطالبة، كما وصل عدد أعضاء هيئة التدريس إلى 958 ألفا و753 معلم ومعلمة، كما وصل عدد المدارس إلى 60 ألفا و254 مدرسة، بإجمالى 551 ألفا و815 فصلا دراسيا.

ومن بين تلك الأرقام، فإن عدد طلاب المدارس الخاصة على مستوى الجمهورية يقدر بمليون ونصف مليون طالب، وعدد المدارس الخاصة يصل إلى نحو 10 آلاف مدرسة.

وكشفت بيانات وزارة التربية والتعليم خلال عام 2022 أن كثافة فصول المدارس الحكومية تصل إلى 32 طالبا، وفي الخاصة تصل إلى 26 طالبا. 

وبحسب موقع البنك الدولي لعام 2022، أنفقت مصر 2.5 بالمئة فقط من ميزانيتها على التعليم، واحتلت المرتبة الـ53 عالميا في التعليم ما قبل الجامعي.

وفي 13 مايو/ أيار 2022، احتلت مصر المرتبة 42 عالميا في جودة التعليم، بحسب تصنيف مجلة "يو إس نيوز" الأميركية، المتخصصة في التصنيفات التعليمية. 

وفي 23 أبريل/ نيسان 2022، كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، معلومات عن نسبة التسرب من التعليم بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية.

وبلغ إجمالي المتسربين من التعليم نحو 150 ألف طالب خلال عام، منهم 28 ألفا بالمرحلة الابتدائية و121 ألفا خلال المرحلة الإعدادية.

يذكر أن رئيس النظام، عبد الفتاح السيسي، أكد في مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2017، بـ"عدم وجود تعليم جيد في مصر".

وقال "ينفع التعليم في إيه مع وطن ضايع"، ما عرضه لجملة من الانتقادات اللاذعة، وتحميله مسؤولية تردي تلك المنظومة بأكملها.

 

تأثير مدمر 

وقال الموجه السابق في وزارة التربية والتعليم، خالد خيري، إن "التحويلات المدرسية أمر دارج من الخاص إلى العام والخاص إلى الخاص والعام إلى الخاص، لكن عندما يكون في اتجاه واحد من الخاص إلى العام، وفي شكل ظاهرة، فهنا يجب أن تحدث وقفة وتدخل من وزارة التربية والتعليم". 

وأوضح خيري لـ"الاستقلال"، أن "الأمر يشكل أثرا سلبيا في اتجاهين، الأول زيادة كثافة المدارس الحكومية المأزومة أساسا والتي تعاني من كثافة بالغة في عدد الطلاب، فمثلا هناك بعض المدارس يصل فيها عدد الطلاب أكثر من 150 طالبا، حتى إن بعض التلاميذ لا يجدون مقاعد للجلوس".

وتابع: "المشكلة الثانية تضرر التعليم الخاص، بتفريغه بهجرة هذا الكم من التلاميذ دفعة واحدة، فهناك بعض المدارس الخاصة في محافظات مختلفة مثل بورسعيد والوادي الجديد لا يوجد بها إلا فصل واحد فقط للمستوى التعليمي". 

ولفت خيري إلى أن "هناك عاملا لا يمكن إغفاله هو تأثير التحويل على الطلاب، فمثلا إذا كان الطالب متفوقا في مدرسته أو جيدا في تحصيله الدراسي، ثم انتقل إلى مدرسة أخرى أقل كفاءة وتختلف في المستوى التعليمي والاجتماعي، بلا شك سيتأثر سلبا". 

وأقر بأن "مستوى التعليم الخاص حاليا أعلى بكثير من التعليم الحكومي، فيما يخص قلة عدد الطلاب نسبيا، والنظافة والاهتمام بالطالب، وارتفاع مستوى المدرسين، والإقدام على استبدال ذلك المستوى له آثار سيئة على  المستويات كافة". 

فيما تحدث أستاذ علم النفس والاجتماع، محمد غبور، عن التأثير النفسي لتحول الطلاب من المدارس الخاصة إلى الحكومية بناء على الدوافع الاقتصادية. 

وقال غبور لـ"للاستقلال": "لا يمكن الاستهانة بالتحولات الطبقية في حياة الأطفال، لأن أثرها مدمر على نفسية وعقلية الطفل، وبطبيعة الحال فإن المدرسة أحد أهم العوامل الرئيسة في تكوين شخصية الإنسان". 

وأتبع: "فوفقا لنظرية (بولبي) الخاصة بعلم نفس الطفل، فإن العلاقات المبكرة تلعب دورا أساسيا في نمو الطفل وتؤثر في علاقاته الاجتماعية طوال حياته، فالأطفال يكتسبون السلوكيات من المنزل أو المدرسة من خلال الملاحظة ومراقبة الآخرين ويكتسبون معلومات جديدة".

واستطرد غبور: "لذلك فإن انتقال الطفل من بيئة إلى بيئة ومن نمط حياة إلى نمط حياة، بعد سنوات من التكيف، كفيل بإحداث خلل نفسي حاد، وعمل تحولات سلوكية مخيفة في شخصيته، ومن الممكن أن تؤثر على مهاراته التعليمية والعقلية، وينتج عنها مجموعة مختلفة من الأزمات مثل الانطوائية أو العدوانية أو التبلد".

وذكر أن "الإنسان رغم أنه كائن اجتماعي بطبعه وقادر على التكيف مع البيئة المحيطة به، لكن الطفل يختلف عن البالغ، لأنه لا يستوعب حجم المتغيرات ودوافعها ومنطقها، لكنه يصطدم بها".

وشدد غبور على أن "الطفل يحتاج إلى معاملة خاصة ولا يترك ليجابه مصيره بشكل عشوائي، فيحتاج أن يعوضه البيت والأسرة عن التحول من مدرسة إلى مدرسة أقل أو من بيت إلى بيت أقل أو من بلد لبلد مختلفة، وهكذا".