طريق تجاري يمثل بوابة العالم.. لهذا تتصارع دول عديدة على البحر الأسود

12

طباعة

مشاركة

لفترة طويلة، كان البحر الأسود يعد بمثابة عرض جانبي جيوسياسي في أوروبا، لكن الأمور تغيرت منذ بداية الحرب الروسية ضد أوكرانيا. 

وعزا موقع "دويتشه فيله" الألماني هذا التغير إلى تصادم العديد من المصالح المختلفة في المنطقة، بين روسيا وتركيا وبلغاريا ورومانيا.

يشير الموقع إلى أنه "منذ انتهاء اتفاقية الحبوب بين روسيا وأوكرانيا، تزايدت الهجمات على السفن التجارية من الجانبين". 

ومنذ منتصف يوليو/تموز 2023، "تعرقل روسيا الاتفاق وتقصف الموانئ الأوكرانية بشكل متزايد وتهدد بشن هجمات على سفن الشحن". 

وتبعا لذلك، أعلنت أوكرانيا بدورها ستة موانئ على ساحل البحر الأسود الروسي مناطق خطر، كما هددت بشن هجمات انتقامية على سفن الشحن والناقلات ومرافق الموانئ الروسية. 

ويوضح الموقع أنه بالنسبة لكلا الدولتين، يُعد البحر الأسود -إن جاز التعبير- "البوابة إلى العالم"، مؤكدة أن "أهميته الإستراتيجية والاقتصادية هائلة". 

لكن الجيران الآخرين، وخاصة دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" تركيا وبلغاريا ورومانيا، لديهم أيضا مصالح معتبرة في هذا البحر الداخلي بين أوروبا وآسيا.

مجال الاهتمام

يقول الموقع الألماني إنه "لطالما نظرت روسيا إلى البحر الأسود على أنه مجال نفوذها الخاص". وبالفعل خلال الإمبراطورية القيصرية، وفي وقت لاحق خلال الحقبة السوفيتية، كان البحر يشكل الجناح الجنوبي للقوة العظمى. 

ويلفت إلى أنه "حتى يومنا هذا، يعد البحر الأسود نقطة انطلاق يمكن لروسيا من خلالها تأكيد نفوذها في البحر الأبيض المتوسط ​​والشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب أوروبا". 

وأضاف: "كما يمنح البحر الأسود روسيا إمكانية الوصول إلى الدول البعيدة التي تنشط فيها عسكريا، مثل سوريا أو ليبيا". 

وينوه إلى أن "القلب العسكري الروسي في المنطقة هو أسطول البحر الأسود، الذي يقع مقره الرئيس في سيفاستوبول منذ عام 1793". 

ويقول موقع "دويتشه فيله": "للمدينة الساحلية الواقعة في شبه جزيرة القرم، والتي ضمتها روسيا منذ عام 2014، معنى خاص بالنسبة لموسكو". 

وعزا ذلك إلى "أنها تمتلك أحد موانئ المياه العميقة النادرة جدا في روسيا، كما يمكن استخدامها للأغراض العسكرية في فصل الشتاء لخلوها من الجليد".

وبإلقاء نظرة على السنوات القليلة الماضية، يخلص الموقع إلى أن "العديد من الصراعات الإقليمية، التي أُثيرت عمدا، تظهر مدى حرص موسكو على إبقاء هيمنتها على البحر الأسود". 

وأوضح أن روسيا لا تمتلك سوى حوالي عشرة بالمئة من كامل ساحل البحر الأسود، بموجب القانون الدولي.

"لكنها بحكم الأمر الواقع الآن، تسيطر على حوالي ثلث الخط الساحلي، حيث تعمل باستمرار على توسيع المناطق الخاضعة لنفوذها".

ويذكر الموقع أنه "في عام 2008، تدخلت موسكو في جورجيا وأنشأت جمهوريتين غير معترف بهما دوليا مواليتين لروسيا، كما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014".

ومنذ اندلاع الحرب الأوكرانية في عام 2022، غزت واحتلت أجزاء كبيرة من جنوب أوكرانيا المطلة على البحر الأسود.

ويوضح أن "موسكو تتعامل مع جزء كبير من صادرات أوكرانيا من الحبوب والأسمدة والسلع الأخرى عبر موانئها". 

وأردفت: "كما أصبح الطريق التجاري عبر البحر الأسود ذا أهمية متزايدة، وذلك لأنه يمكن استخدامه لتسليم البضائع إلى الدول التي لم تنضم إلى العقوبات الغربية ضد روسيا".

طريق تجاري حيوي

ويدعي الموقع أنه "إذا كان البحر الأسود ذا أهمية كبيرة كطريق تجاري بالنسبة لروسيا، فإنه أكثر أهمية بالنسبة لأوكرانيا". 

 فخلال وقت السلم، تعاملت أوكرانيا مع أكثر من 50 بالمئة من إجمالي صادراتها من خلال أكبر ميناء لها على البحر الأسود في أوديسا. 

وقبل كل شيء، شُحنت الحبوب للسوق العالمية في هذا الميناء حتى انتهاء اتفاقية الحبوب مع روسيا، في منتصف يوليو 2023. 

وجدير بالذكر أن منطقة البحر الأسود تعد أيضا واحدة من أكبر مخازن الحبوب في العالم. 

فبحسب الموقع، "قبل اندلاع الحرب، كانت حصة روسيا وأوكرانيا معا تبلغ 60 بالمئة من حجم الصادرات العالمية من زيت عباد الشمس، وحوالي 24 بالمئة من القمح و19 بالمئة من الشعير". 

وفي هذا السياق، ونظرا لأن كلا من روسيا وأوكرانيا تستهدف السفن التجارية لكل منهما، يحذر الموقع من أن "كلتا الدولتين ستتعرض لضربة اقتصادية شديدة بسبب تباطؤ حركة الشحن عبر البحر الأسود". 

وأكمل: "وعلى الرغم من أن أوكرانيا نوعت الآن طرق تصديرها تحت تأثير الحرب، حيث جرى تصدير 40 بالمئة فقط من الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود والباقي عبر الاتحاد الأوروبي، فإن كييف ستظل غير قادرة على العمل كمصدر للسلع الأساسية كما كان الوضع من قبل". 

الأهمية بالنسبة لأوروبا

و"بينما تتقاتل روسيا وأوكرانيا على طرق التجارة في الاتجاه بين الشمال والجنوب، أصبح الاتصال بين الشرق والغرب ذا أهمية متزايدة بالنسبة لبروكسل". 

فمع رومانيا وبلغاريا، يضم الاتحاد الأوروبي دولتين عضوين على ساحل البحر الأسود، وقد أُبرمت بالفعل اتفاقيات الشراكة مع جورجيا وأوكرانيا.

ويؤكد الموقع أن"البحر الأسود يِنظر إليه في بروكسل بشكل متزايد على أنه ممر مهم لنقل البضائع والطاقة بين آسيا وأوروبا".

كما يضيف أنه "مع رغبة أوروبا في أن تصبح أكثر استقلالا عن النفط والغاز الروسي، تقترب من الدول المنتجة في القوقاز، وخاصة أذربيجان"، حيث تصدر باكو النفط والغاز إلى أوروبا عبر جورجيا وتركيا. 

وبحسب الموقع الألماني، يتجاوز الطريق عبر البحر الأسود كلا من روسيا في الشمال، وإيران في الجنوب، وبالتالي فهو ذو أهمية إستراتيجية خاصة بالنسبة للأوروبيين، الذين فرضوا عقوبات اقتصادية شديدة على هاتين الدولتين.

واستنادا إلى كل ما سبق، ينوه الموقع إلى المصالح السياسية الأمنية القوية التي يمتلكها حلف شمال الأطلسي في البحر الأسود .

ويدلل على ذلك بأنه "منذ عام 1997 وحتى اندلاع الحرب في أوكرانيا، أجرى حلف شمال الأطلسي مناورات سنوية كبرى في المنطقة".

ويوضح أنه "رغم ذلك، فإن القوات البحرية الثلاث التابعة لحلف الناتو، بلغاريا ورومانيا وتركيا، هي الوحيدة الموجودة بشكل دائم في المنطقة". 

الهدف الأهم

ووفقا للموقع، يعود ذلك إلى اتفاقية مونترو المبرمة عام 1936، والتي ضمنت لتركيا السيادة الكاملة على مضيق البوسفور والدردنيل، وهو المخرج الوحيد من البحر الأسود نحو البحر الأبيض المتوسط. 

وفور اندلاع الحرب في فبراير/شباط 2022، منعت تركيا مرور جميع السفن الحربية، وليس الروسية فقط، هادفة بذلك إلى "الحفاظ على توازن القوات البحرية في البحر الأسود".

في النهاية، يسلط الموقع الضوء على الموقع الجغرافي الإستراتيجي الرئيس الذي تتمتع به تركيا.

ويعزو ذلك إلى سيطرتها على الوصول إلى البحر الأسود، وإن كان مؤمّنا بموجب المعاهدات الدولية. 

كما تُعد أنقرة أهم شريك لحلف شمال الأطلسي في منطقة البحر الأسود، حيث تعد نفسها مركزا للتجارة بين آسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط.

ومن ناحية أخرى، يذكر موقع "دويتشه فيله" أن تركيا تحرص على تأمين دورها القيادي في المنطقة في مواجهة حلف شمال الأطلسي. 

فبالنسبة لأنقرة، تُعد العلاقة مع روسيا حاسمة وحيوية إلى حد كبير، حيث يُنظر إلى البحر الأسود بصفته منطقة ذات أولوية وأهمية مطلقة في كل من تركيا وروسيا.

وبحسب الموقع، فإن "تركيا تعمل بيقظة على ضمان الحفاظ إلى حد كبير على توازن القوى في منطقة البحر الأسود".