اللجنة الخماسية.. هل تقود إلى انتخاب رئيس للبنان بعد "فشل" المبادرة الفرنسية؟ 

a year ago

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن الموفد الفرنسي الخاص إلى لبنان جون إيف لودريان، لم يحرز أي اختراق في المهمة الموكلة إليه بعد ثلاث زيارات إلى بيروت منذ تعيينه في 8 مايو/أيار 2023 لإنهاء الشغور الرئاسي في هذا البلد.

وبدا جليا أن المبادرة الفرنسية لم تعمل على تقريب وجهات نظر القوى السياسية اللبنانية حول الاسم التوافقي لرئاسة الجمهورية، بل أخذت منحى الميل لأطراف على حساب آخرين.

مهمة متعثرة

إذ يرى مراقبون أن مهمة لودريان شارفت على وسمها بـ "الفشل"، قبل العودة إلى اللجنة الخماسية الخاصة بلبنان والتي تضم ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، لبحث ملف الرئاسة الشاغر.

ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2022، فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس على وقع انقسام سياسي يزداد حدّة بين حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد، وخصومه.

وعقدة الملف الرئاسي تتمثل بعدم حظوة أي فريق سياسي في هذا البلد بأكثرية تمكنه منفردا من إيصال مرشحه إلى قصر بعبدا الرئاسي في بيروت.

وخلال لقاء عقده مع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في العاصمة بيروت، أعرب مبعوث الرئاسة الفرنسية جان إيف لودريان في 12 سبتمبر/أيلول 2023 عن أمله بأن تكون المبادرة التي أعلن عنها رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بشأن إجراء حوار لانتخاب رئيس الجمهورية، "بداية مسار الحل".

وأشار المبعوث الفرنسي، وفق بيان حكومي، إلى أنه "جاء إلى لبنان لإكمال مهمته"، وأنه لن يبدي رأيه قبل استكمال الاتصالات واللقاءات التي سيجريها.

وجدد ميقاتي خلال اللقاء التأكيد أن "بداية الحل للأزمة الراهنة في لبنان تقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان وإتمام الإصلاحات الاقتصادية، لا سيما المشاريع الموجودة في مجلس النواب، لوضع البلد على سكة التعافي".

ودعا بري في 31 أغسطس/آب 2023 الكتل النيابية والفرقاء السياسيين لإجراء حوار لمدة 7 أيام في سبتمبر من العام ذاته، وعقد جلسات مفتوحة تمهيدا لانتخاب رئيس للجمهورية.

وترفض كتل برلمانية رئيسة اقتراح بري رئيس حركة أمل الشيعية، بالجلوس على طاولة حوار، والذي سبق أن طرحه مرارا، من أجل التوافق على شخصية الرئيس قبل التوجه إلى البرلمان لانتخابه.

إذ تفضل تلك الكتل الاحتكام إلى العملية الانتخابية الديمقراطية وأن يفوز المرشح الذي يحظى بالعدد الأكبر من الأصوات.

وخلصت الجلسة الأخيرة في البرلمان للتصويت على انتخاب الرئيس إلى حصول جهاد أزعور على 59 صوتا مقابل 51 صوتا لسليمان فرنجية مرشح الثنائي الشيعي (حزب الله- حركة أمل).

اللافت أن المبعوث الفرنسي بدا واضحا أنه يميل إلى طرح بري وهذا وفق المراقبين يعد قفزا على آراء باقي الكتل حول انتخاب الرئيس اللبناني، الأمر الذي دعا البعض لوصف الجهود الفرنسية بأنها تدور في "حلقة مفرغة".

"دائرة التخبط"

وهذا ما أشار إليه الكاتب اللبناني ماهر الخطيب في مقال رأي لموقع النشرة اللبناني في 12 سبتمبر 2023 بقوله: "على الرغم من الرهانات المسبقة، على زيارة المبعوث الرئاسي جان إيف لودريان إلى بيروت، إلا أن غالبية القوى باتت تجمع على أن الرجل غير قادر على تقديم أي جديد يذكر".

وهو ما دفع إلى انتقال الرهانات على اجتماع اللجنة الخماسية، الذي من المفترض أن يعقد في نيويورك بشهر سبتمبر 2023 إلى جانب تلك القائمة على الدور الذي تقوم به قطر، على تقدير أنها أكثر قدرة على تحقيق خرق ما، بحسب الكاتب.

ونقل موقع النشرة عن مصادر سياسية قولها إن باريس وقعت في أكثر من "فخ" خلال مقاربتها الملف اللبناني.

إذ ظنت باريس أنها تملك قدرة أكبر من الحقيقة في الضغط على الأفرقاء المحليين، بالرغم من أن التجارب التي خاضتها، منذ انفجار مرفأ بيروت عام 2020، تثبت العكس، وبالتالي كان من المفترض أن تتنبه إلى هذا الأمر جيدا.

وأبدت هذه المصادر استغرابها من كيفية "سماح الجانب الفرنسي لنفسه بأن يتحول إلى فريق في الخلاف اللبناني، بينما نجاحه في مهمته كان يتطلب منه أن يحافظ على الموقع الوسطي، القادر على التواصل مع مختلف الأفرقاء".

بالنسبة إلى المصادر نفسها، فإن "مواقف لودريان، في زيارته الأخيرة إلى لبنان، لم تخرج من دائرة التخبط المستمر، حيث ذهب منذ البداية إلى تأييد مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الحوارية".

وذلك بالرغم "من أنه كان من المفترض أن يعلم مسبقا أنها مدار انقسام بين القوى السياسية اللبنانية".

إذ إن موجة الرفض لها لا تقل عن تلك التي ظهرت عند توجيه السؤالين الفرنسيين إلى الكتل والشخصيات النيابية، ما يدفع إلى طرح علامات استفهام حول الأسباب التي دفعته إلى ذلك، وفق الموقع ذاته.

تعويل جديد

ومن المؤمل أن تجتمع اللجنة الخماسية المعنية بالشأن اللبناني على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك خلال سبتمبر 2023 لدراسة آخر مخرجات مبادرتها التي يضطلع بمهمتها لودريان.

وتتابع اللجنة الخماسية جهودها لمواكبة آخر تطورات الملف الرئاسي المتعثر في لبنان وتسعى لإحداث ثغرة في جهود تنصيب رئيس جديد.

وكان اللبنانيون يأملون من لودريان أن يلعب على وتر تسهيل إعادة الحوار بين الفرقاء من أجل وصولهم إلى توافق على مرشح رئاسي يضع نهاية لهذا الشغور.

لكن اتضح أن المبادرة الفرنسية مصرة على محاولة فرض مرشح رئاسي بعينه هو الوزير السابق سليمان فرنجية وهو مرشح الثنائي الشيعي "حزب الله - حركة أمل".

وخلق ذلك أخيرا استهجانا في بيروت؛ الأمر الذي فتح الباب واسعا للانتقال إلى مسارات جديدة بخصوص الملف الرئاسي تركز على إقناع الأطراف كافة بالتفاوض مجددا والحوار للتوصل لحل أزمة الرئاسة التي تكاد تطوي عامها الأول.

اليوم في القراءة السياسية لموقف القوى اللبنانية من مسألة الرئاسة، يقبع حزب الله والتيار الوطني الحر حليفه الرئيس في موقف متباعد.

ولا يشبه التوافق الحالي، ذلك الذي كان بينهما في الانتخابات الرئاسية السابقة التي أوصلت ميشال عون إلى سدة الرئاسة.

إذ يصر حزب الله على ترشيح حليفه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وهو الخيار الذي يرفضه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي أعلن من جهته، تبني ترشيح وزير المالية الأسبق جهاد أزعور إلى جانب خصمه اللدود حزب القوات اللبنانية.

وهذه التركيبة الجديدة من التحالفات وضعت الكتل المسيحية في مواجهة حامية أمام "الثنائي الشيعي".

إذ لم ينجح لودريان بحل الخلافات منذ تكليفه موفدا فرنسيا خاصا إلى لبنان في 8 مايو 2023 في محاولة جديدة لإنهاء الأزمة السياسية في البلد العربي.

لودريان والجمود

محاولات ترسيخ الجمود السياسي يعدها بعض الخبراء كارثية للبنان على الرغم من أن الفراغ الرئاسي ليس هو الأول الذي يمر به البلد.

لكن الشغور يأتي هذه المرة والبلاد تعصف بها أزمة اقتصادية وسط تفاقم للوضع المعيشي منذ عام 2019، تسببت في إلقاء نحو 80 بالمئة من المواطنين في براثن الفقر وانهيار تام لليرة.

وأمام ذلك، فإن طاولة مشاورات لودريان في لبنان لم تخرج بنتيجة جديدة تكسر حالة الجمود والتباعد بين الفرقاء والتي تعد محل مهمته الأساسية.

وهو ما يدلل وفق مراقبين على الدخول في مرحلة شغور طويل، وعليه فإن مواصفات الرئيس القادم للبنان في هذه المرحلة تحمل عنوان "التوافق".

 وهنا يقول النائب عبد الرحمن البزري خلال تصريحات تلفزيونية في 14 سبتمبر 2023: "إن هناك رغبة جدية في البحث عن حل ثالث بعد القناعة عند كثير من الأطراف خلال النقاشات السياسية أن الخيارات المطروحة حاليا قد لا تصل إلى النتائج المرجوة"، في إشارة إلى محاولة فرض مرشح الثنائي الشيعي.

في المقابل قال النائب السني أشرف ريفي في تصريحات تلفزيونية بذات اليوم "إن إيران لم تتدخل في دولة إلا ودمرتها ومثال ذلك تخريبها في العراق وسوريا واليمن ولبنان".

وأردف: "لذلك لن نستكين ونقبل بهذا الواقع حيث نعد رئاسة الجمهورية هي المدخل للخروج من المأزق والواقع المرفوض".

وترفض قوى لبنانية مثل سامي الجميل قائد حزب الكتائب المسيحي دعوة بري للذهاب إلى حوار، إذ يفضل الحزب الذهاب إلى انتخاب رئيس جمهورية.

لا مبادرة فرنسية

وضمن هذه الجزئية، رأى وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال "مصطفى بيرم" أن "لقاء لودريان مع الجميل كان سلبيا، لاقتناع كثير من الأطراف اللبنانية أن التسوية لم تنضج بعد".

وأضاف خلال لقاء تلفزيوني على قناة الجديد في 14 سبتمبر 2023: "على سبيل المثال الجانب الإيراني يعلق التسوية في لبنان على ما يقوله أمين حزب الله حسن نصر الله وما يقرره نقبل به".

ولفت إلى أن "التسوية الخارجية حول الملف الرئاسي لم تنضج بعد وما زلنا في المرحلة الضبابية، ويجب الذهاب للحوار".

وفي ظل هذه المعطيات يبقى الانسداد في مسار الاستحقاق الرئاسي عالقا بين "ممانعة" تريد الحوار قبل الانتخابات، وبين معارضة تتمسك بالدستور الذي يقتضي إجراء الانتخابات أولا.

وفي السياق، أكد موقع "نداء الوطن" في تقرير له بتاريخ 14 سبتمبر 2023 أن لودريان خاطب السياسيين بالقول "أعطوني حلا وسطا"

فجاء الجواب: "على باريس أن تتبنى تطبيق الدستور، لكون هناك فريق عطل الاستحقاق طوال 13 جلسة ويريد أن يفرض الحوار خارج الدستور"، في إشارة إلى الثنائي الشيعي.

وراح الموقع يقول:"يرى الفرنسيون انطلاقا من موقف الرياض، أن سليمان فرنجية فقد حظوظه بالرئاسة، ولن يؤيده السنة والدروز وعدد من التغييريين".

غير أن لودريان، لا يريد أن ينتهي دوره، وهو خائف من أن الدور القطري يؤثر على الإيراني. وإذا ما أثر عليه فستأتي الرئاسة عن طريق القطري، وبالتالي يكون الجهد الفرنسي راح سدى، وفق الموقع.

ويرى الموقع أن لودريان تلقى ضربات عدة منها "لقاؤه مع النواب السنة في دار السفير السعودي في بيروت وليد البخاري، الأمر الذي فهمه البعض على أنه دعم سعودي لجهود لودريان، وأن المملكة ليست ضد مبدأ الحوار".

فيما فسره آخرون على أنه يؤشر إلى وجود كتلة نيابية سنية موحدة تتماهى مع قرار الرياض وتوجهاتها وقد تتحول إلى بيضة قبان في الاستحقاق الرئاسي متى حان موعده، وفق الموقع.

وختم بالقول: "وهذه رسالة برسم حزب الله والمسيحيين بأن أي اتفاق يجرى من خارج بيان الخماسية لن يكتب له النجاح، وأنه لا مبادرة فرنسية، بل مبادرة اللجنة الخماسية".