بعد تخلي روسيا عن يريفان.. هل يمنع أردوغان حربا محتملة بين أرمينيا وأذربيجان؟
تصاعدت التوترات الثنائية بين أرمينيا وروسيا، على خلفية عدم دفاع موسكو عن الأولى عسكريا بموجب "معاهدة الدفاع الجماعي".
وغضب أرمينيا من روسيا جعلها تفقد الثقة فيها، مما أدى بها إلى الذهاب رويدا رويدا تجاه دول أخرى، من بينها تركيا، وهو ما قد يمهد الطريق أمام الرئيس رجب طيب أردوغان لإيقاف حرب محتملة جديدة بين أذربيجان وأرمينيا.
تهديد محتمل
وقالت صحيفة "موسكو" الروسية، إن "أردوغان صرح في مؤتمر صحفي عقب قمة مجموعة العشرين في 5 سبتمبر/أيلول 2023، أن مفاوضاته مع رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، مخطط لها في المستقبل القريب".
وبحسب الصحيفة، أوضح الزعيم التركي أن موضوع المحادثة "سيكون حول تهدئة الوضع في إقليم قره باغ".
وقدم أردوغان وعدا بأن ينقل لباشينيان موقف أنقرة، والذي يفيد بأن "إجراء انتخابات في جمهورية غير معترف بها، وهي بحكم القانون جزء من أذربيجان، أمر غير مقبول".
وذكرت الصحيفة أن هذا الرأي، بحسب أردوغان، يتزامن مع موقف سلبي لعدد من الدول الغربية.
وأشارت إلى أنه في وقت سابق، جرت محادثة بالفعل بين أردوغان ونظيره الأذربيجاني إلهام علييف.
كما كتبت الصحافة الأذرية نقلا عن مصادر دبلوماسية، أن يريفان بذلت جهودا خلال الأيام القليلة الماضية لتنظيم محادثات هاتفية بين باشينيان وأردوغان.
وبحسب هذه المعطيات، أشارت صحيفة "موسكو" إلى أن "موقف تركيا، المتمثل في أن تطبيع العلاقات التركية-الأرمنية والأذربيجانية-الأرمنية يجب أن يتم بالتوازي، لم يتغير".
وشددت على أنه "لهذا السبب، من الضروري تحقيق الإغلاق النهائي لقضية إقليم قره باغ".
ومع ذلك، لفتت الصحيفة إلى أن "الظروف لتحقيق ذلك ليست بتلك السهولة وبعيدة كل البعد عن كونها الأفضل".
وعزت ذلك إلى سببين، أولهما أن "أذربيجان عدت انتخابات إقليم قره باغ غير القانونية، بمثابة استفزاز".
أما السبب الثاني، من وجهة نظر الصحيفة، فهو يتمثل في أن "الجانب الأذربيجاني يوجه اتهامات لأرمينيا بزيادة النشاط العسكري في الجزء الخارج عن السيطرة من إقليم قره باغ وتوزيع الأسلحة على السكان المدنيين".
وبدأ الجانبان في نقل المعدات العسكرية الثقيلة إلى الحدود، مما دفع بعض الخبراء إلى الحديث عن وجود "تهديد عسكري".
وعلى هذه الخلفية، سبق أن أعلن باشينيان عن استعداده لإجراء مشاورات عاجلة مع علييف لوقف تصعيد التوتر.
وفي هذا الصدد، أكدت الصحيفة أنه "حتى الآن، يُخطط لإجراء الاتصالات فقط مع أردوغان، الذي كان يعمل في السابق كقائد داعم للمصالح الأذربيجانية، أكثر من كونه حكما محايدا".
جولة من التوتر
ومن المثير للاهتمام أيضا، حسب الصحيفة الروسية، أن باشينيان تحدث في وقت قصير مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتز ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في محاولة للفت انتباههم إلى "الوضع الخطير في المنطقة".
وأوضحت الصحيفة أن "أرمينيا يمكنها أيضا الاعتماد على المساعدة العسكرية من موسكو في حالة تعرض أراضيها السيادية للهجوم، نظرا لأن الجمهورية عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي".
واستدركت: "لحد اللحظة، لم تكن هناك فرصة بعد لاختبار هذه الحماية عمليا".
وأشارت إلى أنه "عندما كانت حرب إقليم قره باغ الثانية مستمرة في عام 2020، لم تتأثر أراضي أرمينيا المعترف بها دوليا بالقتال، وبالتالي لم يكن هناك أسباب للتدخل الروسي".
ومع ذلك، قالت الصحيفة إنه "عندما وقعت اشتباكات عسكرية على الأراضي الأرمينية في سبتمبر/ أيلول 2022، لم تكن هناك مساعدة عسكرية من منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى يريفان أيضا".
ووفقا لصحيفة "موسكو"، "أبدى باشينيان شكواه مرارا وتكرارا من هذا الأمر، وهذه المرة لم يكن التوبيخ الموجه إلى موسكو سوى بداية جولة من التوتر الثنائي".
وقال باشينيان: "إنه من الخطأ الاعتماد على روسيا فقط من الناحية الأمنية، ومن الضروري تنويع العلاقات الأرمنية في هذا المجال".
وتحقيقا لقوله، أشارت الصحيفة إلى إعلان وزارة الدفاع الأرمينية عن تدريبات مشتركة مع الولايات المتحدة، والتي ستختبر الإجراءات في إطار مهام حفظ السلام.
وأوضحت أنه "بالنظر إلى العلاقات الحالية مع الغرب، لم يكن بوسع موسكو إلا أن تتعامل مع هذه الأخبار بحذر".
من ناحية أخرى، سيصادق البرلمان الأرميني على نظام روما الأساسي، وبعد ذلك ستصبح الجمهورية مشاركة بشكل كامل في المحكمة الجنائية الدولية.
وخلصت الصحيفة إلى أن "يريفان فعلت ذلك لأسبابها الخاصة، على أمل محاسبة أذربيجان على (مزاعم) جرائم الحرب في إقليم قره باغ".
بالإضافة إلى ذلك، عشية المنتدى الإعلامي الأرميني الروسي بمدينة غوريس الأرمينية في 6 سبتمبر 2023، اُعتقل مدون وصحفي معروف بموقفه المؤيد لروسيا بتهمة "الاتجار غير المشروع بالأسلحة".
وذكرت الصحيفة أن ممثلة وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا وصفت الاعتقال بأنه "استفزاز قذر".
ولمجموعة من الأسباب، استدعت وزارة الخارجية السفير الأرميني وسلمته مذكرة احتجاج فيما يتعلق بخطوات يريفان "غير الودية".
وتبعا لكل هذه التوترات، رأت الصحيفة أن "يريفان لا تريد بشكل واضح الاعتماد على الحماية الكاملة من روسيا".
حشد الحلفاء
ونقلت الصحيفة الروسية عن الباحث البارز في مركز مشاكل القوقاز والأمن الإقليمي، نيكولاي سيلايف، قوله إن "يريفان -على ما يبدو- تحاول حشد دعم الحلفاء البديلين الذين من شأنهم أن يساعدوا في مقاومة الضغط المفرط من أذربيجان".
ولفت الباحث إلى أنه "من أجل جذب انتباه الرعاة المحتملين، قررت الحكومة الأرمينية التأكيد بشكل واضح على استقلالها والنأي بنفسها عن موسكو".
ويعتقد أيضا رئيس هيئة رئاسة مجلس السياسة الخارجية والدفاع، ورئيس تحرير مجلة "روسيا في الشؤون العالمية"، فيودور لوكيانوف، أن "أرمينيا بحاجة إلى شركاء أقوياء يمكنهم دعمها في المفاوضات الصعبة مع أذربيجان".
وبحسب الصحيفة، أشار الخبير السياسي إلى أن باشينيان أدرك ضرورة التخلي عن أي مطالبات لإقليم قره باغ، والآن كل ما يمكنه فعله هو تخفيف شروط السلام لأرمينيا قدر الإمكان، وهو ما يجب على الشركاء الغربيين المساعدة فيه.
أما بالنسبة لأذربيجان، بحسب لوكيانوف، فإن "الحرب ليست غاية في حد ذاتها، لكن البلاد قادرة تماما على إظهار استعدادها لسيناريو قوي من أجل زيادة إذعان الأرمن".
وقال لوكيانوف إن "باشينيان يعرف جيدا مدى أهمية قضية إقليم قره باغ بالنسبة للمجتمع الأرمني، لذا فإن تقديم روسيا على أنها الجاني، التي لم تحمي حليفتها في الأوقات الصعبة، يبدو خيارا جذابا للغاية لرئيس الوزراء الأرميني".
وأوضح أن "الخلافات مع موسكو قد تشجع يريفان على تطبيع العلاقات بسرعة مع تركيا".
وهنا ذكرت الصحيفة أنه في فبراير/ شباط 2023، أعلن وزير الخارجية الأرميني، أرارات ميرزويان، عن الاستعداد لاستعادة العلاقات الدبلوماسية مع أنقرة وتطوير البنية التحتية للنقل الحدودي.
ونوهت الصحيفة بأن الزلزال المروع، الذي أودى بحياة عشرات الآلاف في تركيا، كان الدافع للتقارب بين الخصوم على المدى الطويل.
ولأول مرة منذ 30 عاما، اُفتتحت نقطة تفتيش على الحدود الأرمينية التركية، ذهبت من خلالها المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة.
وأوضحت الصحيفة أنه "في الوقت الحالي، قد يكون الحافز وراء تطوير العلاقات الثنائية هو خلافات أرمينيا مع حليفتها الرئيسة، روسيا"، وذلك "لأن يريفان، على أية حال، تحتاج إلى الضغط لصالحها في المفاوضات مع أذربيجان".
وأكدت أنه "إذا أراد أردوغان ذلك، فسيكون من السهل عليه إقناع الأطراف بالتوصل إلى اتفاق مقبول للطرفين، مقارنة بأي من اللاعبين من خارج المنطقة".