عودة الاشتباكات داخل مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان.. هل بداية نهايته؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

تجددت الاشتباكات داخل مخيم "عين الحلوة" للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان منذ 7 سبتمبر/أيلول 2023، للمرة الثانية، بعد أكثر من شهر على تفجرها.

وفتح ذلك الباب على مصراعيه حول دخول التوتر داخل مخيم عين الحلوة مرحلة "الحرب المفتوحة" بين "مجموعات إسلامية" تمتلك السلاح وقوات الأمن التابعة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني.

فشل التهدئة

ولم تفلح المساعي الفلسطينية في التوصل إلى حل شامل ينهي التوتر الذي سببه اغتيال مسلحين لقائد الأمن الوطني في مدينة صيدا، العميد أبو أشرف العرموشي، القيادي في حركة "فتح" وأربعة من مرافقيه، في 30 يوليو/تموز 2023.

وأسفر القتال الأول بين "فتح" وجماعتي "جند الشام" و"الشباب المسلم"، عن مقتل ما لا يقل عن 14 شخصا وإصابة العشرات وتشريد الآلاف من المخيم الذي يقطنه أكثر من 50 ألف شخص، رغم مساحته الصغيرة التي تقدر بـ2 كيلومتر مربع.

لكن الاشتباكات الجديدة في عين الحلوة فتحت محاور قتال وسعت من رقعة العنف داخل المخيم وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن 8 أشخاص وإصابة العشرات.

واستخدمت في الاشتباكات الأسلحة الثقيلة والقذائف الصاروخية، التي طال بعضها شوارع في صيدا وخارج نطاق المخيم.

وعلى إثر الاشتباكات المسلحة داخل المخيم، سقطت 3 قذائف في مركزين عائدين لوحدات الجيش اللبناني المنتشرة في محيط المخيم، ما أدى إلى إصابة 5 عسكريين أحدهم حالته حرجة في 10 سبتمبر/أيلول 2023.

والجيش اللبناني لا يدخل المخيمات بموجب اتفاق ضمني بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطات اللبنانية، فيما تتولى الفصائل الفلسطينية نوعا من الأمن الذاتي داخل المخيمات عبر قوة أمنية مشتركة.

وكشف مصدر من حركة "حماس" لوكالة "الأناضول" التركية الرسمية في 8 سبتمبر/أيلول 2023 عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في مخيم عين الحلوة، عقب اجتماع عقد في مدينة صيدا بين حركتي "فتح" و"حماس" لبحث الأوضاع المستجدة في المخيم.

وأضاف المصدر أنه "تم الضغط على المسلحين من التوجهات كافة لوقف إطلاق النار في المخيم، ونجح ذلك رغم بعض الخروقات البسيطة".

من جهتها، أكدت "هيئة العمل الفلسطيني المشترك للقوى الوطنية والإسلامية" (تضم ممثلين عن الفصائل كافة) بصيدا في 8 سبتمبر "الالتزام بتثبيت وقف إطلاق النار".

وبما أنه لم تنفذ بنود وقف إطلاق النار في المخيم، وكذلك عودة الأهالي إليه، وثالثها انسحاب المسلحين من تجمع مدارس بداخله، دعا الجيش اللبناني في بيان نشره في 9 سبتمبر/أيلول 2023 المعنيين في عين الحلوة لوقف النار "حفاظا على مصلحة أبنائهم وقضيتهم، وصونا لأرواح السكان في المناطق المجاورة".

لا تسليم للمطلوبين

وتتأزم الأمور داخل مخيم الحلوة، نظرا لرفض فصيل "الشباب المسلم" تسليم المتورطين باغتيال العرموشي ورفاقه.

وقال عضو قيادة حركة "فتح"، رياض أبو العينين، إنه "كان على (الشباب المسلم) المسارعة إلى تسليم قتلة العميد العرموشي ورفاقه، وتنفيذ مقررات اجتماع سفارة دولة فلسطين من أجل إنهاء الاشتباكات وتثبيت وقف إطلاق النار".

وأكد أبو العينين خلال تصريحات صحافية في 10 سبتمبر 2023 أن "حركة فتح ملتزمة بقرار وقف إطلاق النار، ولكن في كل مرة نعمل على تنفيذه تُفاجأ عناصرنا بهجوم وبإطلاق نار باتجاهها، ما يضطرها للرد على مصادر النيران، وبالتالي اشتعال محاور الاشتباك من جديد".

وتابع: "كما نحن حريصون على وقف إطلاق النار، مصرون في الوقت نفسه على تسليم القتلة من أجل سحب فتيل التفجير ومحاسبة كل من تسوِّل له نفسه العبث بأمن شعبنا ومخيمنا".

ومخيم عين الحلوة، هو أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان من حيث عدد السكان والذي تأسس عام 1948، ويضم نحو 50 ألف لاجئ مسجل بحسب الأمم المتحدة، بينما تقدر إحصاءات غير رسمية سكان المخيم بما يزيد على 70 ألف نسمة على مساحة محدودة.

ويبلغ إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان نحو 200 ألف يتوزعون على 12 مخيما تخضع معظمها لنفوذ الفصائل الفلسطينية، فيما تتواجد فيه فصائل إسلامية تمتلك السلاح وآخرون يتهمون بالفرار من العدالة.

جهود وساطة

وعاد الهدوء إلى المخيم بعد مواجهات يوليو 2023، التي تعد الأعنف منذ سنوات، بعد سلسلة اتصالات بين فصائل فلسطينية ومسؤولين وأحزاب لبنانية، وجرى الاتفاق على ضرورة تسليم المشتبه بهم بمقتل القيادي في فتح وآخر ينتمي إلى المجموعات الإسلامية عد مقتله شرارة لاندلاع الاشتباكات.

لكن هيئة تجمع ممثلين عن فصائل فلسطينية أعلنت في 8 سبتمبر 2023 انقضاء المهلة المعطاة لتسليم المشتبه فيهم، مشيرة إلى تكليف القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة "القيام بالواجب الموكل إليها فيما يختص بارتكاب الجرائم الأخيرة".

اللافت أنه عقب الاشتباكات الأولى استقر مقاتلون في مجمع يضم أربع مدارس تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، مما دفع الأخيرة لتعليق عملها في 23 أغسطس 2023 وعدت ذلك "انتهاكا صارخا لحرمة مباني الأمم المتحدة (...) ويهدد حيادية منشآت الأونروا".

وبعد فشل مفاوضات التهدئة، قدم القيادي منير المقدح استقالته من منصبه في حركة "فتح"، مشيرا إلى أنه "لن يكون شاهد زور على المذبحة التي تجري في مخيم عين الحلوة ولن أختم حياتي بلعبة الدّم إذ إن هناك مؤامرة كبيرة تحاك".

بدوره، هاتف رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وشدد على أولوية وقف الأعمال العسكرية والتعاون مع الأجهزة الأمنية اللبنانية لمعالجة التوترات القائمة".

ورأى ميقاتي في بيان صادر عن مكتبه في 10 سبتمبر، أن "ما يحصل لا يخدم على الإطلاق القضية الفلسطينية ويشكل إساءة بالغة الى الدولة اللبنانية بشكل عام، وخاصة إلى مدينة صيدا التي تحتضن الإخوة الفلسطينيين، والمطلوب منهم في المقابل أن يتعاطوا مع الدولة اللبنانية وفق قوانينها وأنظمتها والحفاظ على سلامة مواطنيها".

أسباب رئيسة

وقال القيادي في التيار الإصلاحي بفتح، إدوارد كتورة، إن "هناك عوامل كثير تقف وراء تجدد اشتباكات عين الحلوة، ومنها العامل المحلي الذي يعبر عن المجموعات المسلحة داخل المخيم بعد تحجيم دورهم في معارك قبل عامين، وبالتالي هناك محاولة لإعادة النفوذ من خلال استهداف فتح التي تعد المسؤول الأول عن وضع المخيم".

وأضاف كتورة خلال تصريحات تلفزيونية في 8 سبتمبر 2023، إن "الانقسام الفلسطيني يعكس حالة على الوضع في عين الحلوة، فضلا عن العوامل الإقليمية الجديدة من أن المخيم الذي يصنف كبؤرة أمنية خاصة بعد ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل فإن الاستثمارات الكبيرة في المنطقة تدفع لأجل إيجاد حل لهذه البؤرة والتي يمثلها مخيم عين الحلوة".

ولفت إلى أن "هناك العامل الأهم هو قضية اللاجئين التي تعمل بعض الأطراف على إغلاق المخيم، لأن موضوع اللاجئين أحد أصعب العقد في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية".

وهناك من يرى أن ما يجري في عين الحلوة هو نتيجة حتمية لسوء التعاطي معه منذ اتفاق الطائف 1989، من ناحية عدم معالجة السلاح الفلسطيني هناك من خارج الفصائل الفلسطينية.

ويتفق كثيرون على أن تفجير الأوضاع في مخيم عين الحلوة هو محاولة لخلط الأوراق فيه، بما يسهم في تدميره، واستهداف قضية اللاجئين والسلاح الفلسطيني.

بدوره رأى عضو المجلس المركزي الفلسطيني، وليد العوض، أن "التعقيدات في مخيم عين الحلوة تشير إلى أن هناك مشروعا له علاقة بتكرار ما حدث في مخيم نهر البارد من تهجير لسكانه، واليوم يراد تدمير مخيم عين الحلوة وتهجير سكانه الفلسطينيين من لبنان في سياق خطة متكاملة تستهدف حق العودة".

ومخيم نهر البارد للاجئين الفلسطنيين كان يقع شمال لبنان، ويضم حوالي 30 ألف فلسطيني، وأنشأ عام 1949 وفي مايو/ أيار 2007 أصبح هذا المخيم محور صراع بين (الجيش اللبناني ومسلحي جماعة فتح الإسلام) وأدت هذه الاشتباكات إلى مقتل عدد كبير من الطرفين وتدمير المخيم بالكامل.

ورأى العوض في تصريح تلفزيوني بتاريخ 10 سبتمبر/أيلول 2023 أن "المسألة أبعد من قضية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، بمعنى له علاقة بما يجري ترتيبه على مستوى الإقليم بشكل كامل من حالة عدم الاستقرار السياسي في لبنان وخاصة فيما لو استمرت هذه الأحداث بشكل استنزافي".

ومضى يقول: "هناك رسائل موجهة للدولة اللبنانية بأن الوضع الأمني الداخلي في البلاد هش، وموقع عين الحلوة يقطع طريق الجنوب على بيروت كموقع جغرافي حساس".

وتابع: "لذلك فإن الحل هو الإسراع في تنفيذ قرارات هيئة العمل الفلسطيني اللبناني المشترك وتبدأ العملية بتسليم المطلوبين والمسؤولين عن اندلاع هذه الأحداث في المخيم والبحث عن كيفية إنهاء تكرار هذه الظاهرة الضارة بالقضية الفلسطينية ومستقبل الاستقرار اللبناني".

من جهته، رأى الصحفي اللبناني، حسين أيوب، في تصريح تلفزيوني بتاريخ 10 سبتمبر 2023 أن "ما يحدث في مخيم عين الحلوة هو تدمير ممنهج لعاصمة الشتات الفلسطيني وبداية وضع المخيم على لائحة الشطب".

ودفعت الاشتباكات العنيفة بمئات العائلات الفلسطينية إلى النزوح للعديد من المناطق اللبنانية المحاذية للمخيم، ودفعتهم لافتراش الأرض لحماية أفرادها من الخطر الذي تشكله القذائف الصاروخية والرصاص الذي تشهده أحياء عدة في المخيم.

وضمن هذه الجزئية، قال مسؤول اللجان الأهلية في المخيمات والتجمّعات الفلسطينية في لبنان، محمد الشولي، لموقع "قدس برس" في 10 سبتمبر 2023 إن "ما يجري في المخيم هو مؤامرة كبيرة وخطيرة تستهدف الوجود الفلسطيني في لبنان، وتهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وكسر حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى بلادهم".