ما حقيقة الدور التركي في اشتباكات العشائر العربية السورية ضد مليشيا "قسد"؟

12

طباعة

مشاركة

عززت تعليقات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة عن التوترات في سوريا، فرضية مساعدة أنقرة للقبائل العربية في الاضطرابات الجارية، تماشيا مع حملتها المستمرة لتدمير قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

وأعلن أردوغان، دعمه القبائل العربية المنخرطة في اشتباكات عنيفة مع قوات قسد، التي تُعد أكبر حليف للولايات المتحدة في سوريا.

ويخوض أبناء العشائر منذ 27 أغسطس/آب 2023 مواجهات بالأسلحة الخفيفة ضد مليشيا "قسد" في عدد من القرى والبلدات في دير الزور، وتحديدا على الضفة اليسرى من نهر الفرات الغنية بالنفط، وتمكنوا من طردهم من عدد منها وإزالة حواجزهم هناك.

وسيطرت قوات "قسد"، في 6 سبتمبر/أيلول، بشكل كامل على بلدة ذيبان (تتبع منطقة الميادين في دير الزور)، معقل شيخ قبيلة العكيدات إبراهيم الهفل، الذي قاد الثورة العشائرية ضد المليشيا. 

في نفس اليوم، سيطر مسلحو العشائر في ريف حلب الشمالي الشرقي، على قرية في ناحية مدينة منبج إثر هجوم على مواقع مليشيا "قسد" في المنطقة بعد وصول تعزيزات من فصائل المعارضة، في وقت تستمر عمليات الكر والفر بين الطرفين.

ضغوط على واشنطن

ويرى مراقبون عسكريون أن هذه التغيرات المفاجئة في دير الزور شرقي سوريا تنظر إليها تركيا "بعين الراحة" كونها تضعف مليشيا "قسد" التي تتوعدها أنقرة بعملية عسكرية برية منذ 23 مايو/ أيار 2022 لاستكمال تركيا "حزامها الأمني" عند حدودها الجنوبية مع البلد العربي.

وتهدف تلك العملية العسكرية التركية المحتملة لتوسيع المنطقة الآمنة داخل الحدود السورية بعمق 30 كيلو مترا، للسوريين الفارين من بطش نظام بشار الأسد.

وفي تصريحات أدلى بها للصحفيين على متن الطائرة أثناء عودته من زيارة إلى مدينة سوتشي الروسية، في 5 سبتمبر 2023، قال أردوغان إن "العشائر العربية في محافظة دير الزور هم السكان الأصليون لتلك المنطقة، وأن تنظيم بي كا كا/ وي ب ج مجرد إرهابيين".

وتعد قوات "ي ب ج" العمود الفقري لقوات "قسد"، المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده أميركا، وهي الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني "ب ي د"، الفرع السوري من "بي كا كا".

وتصنف أنقرة وواشنطن وعواصم أوروبية عديدة "بي كا كا"، تنظيما إرهابيا، لاستهدافه الداخل التركي بهجمات مسلحة منذ عقود.

وقال موقع "المونيتور" الأميركي إن "تعليقات أردوغان عززت الادعاءات بأن تركيا تساعد القبائل العربية"، إذ تؤكد أنقرة أن "قسد"، التي تعمل تحت حماية عسكرية أميركية، تشكل تهديدا لأمنها القومي؛ لأنها وثيقة الصلة بحزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، المصنف كتنظيم إرهابي في تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وأشار أردوغان إلى أن نظيره الروسي فلاديمير "بوتين أكد أيضا أهمية أن تتحد العشائر العربية بصفتها أصحاب المنطقة، وأن تقاتل ضد التنظيم الإرهابي".

ونوه إلى أنه "بات واضحا أن الأسلحة والذخائر التي قدمتها الولايات المتحدة للتنظيم الإرهابي لا تخدم الاستقرار في المنطقة، وأن كل سلاح قُدِّم إلى المنظمة الإرهابية أسهم في إراقة الدماء وتفكيك وحدة أراضي العراق وسوريا".

ولطالما ضغطت أنقرة على واشنطن للتخلي عن تحالفها مع "قسد"، وانضمت أخيرا إلى روسيا وإيران -الداعمين الرئيسيين لنظام بشار الأسد- في دعوة أميركا إلى سحب جنودها من الشمال السوري، الذين يقدر عددهم بنحو 900 جندي، وفق المونيتور.

 

وأورد الموقع أن "روسيا تضغط على الطائرات العسكرية الأميركية في شرق سوريا، بينما كثفت إيران من تدفق الأسلحة، لاستخدامها ضد قواعد واشنطن ودفعها إلى مغادرة الشمال السوري".

شوكة في الخاصرة

ووفق قوله، فإن نظام الأسد يائس من استعادة سيطرته على "دير الزور" ذات الأغلبية العربية، والتي تضم 70 بالمئة من الثروة النفطية في البلاد.

ويأتي ذلك وسط احتجاجات مستمرة على ارتفاع أسعار الوقود، ومظالم أخرى في مدينة "السويداء" ذات الأغلبية الدرزية، وفي مدينة "درعا" المجاورة الخاضعة لسيطرة الأسد.

وبالتالي، فإن العنف بين "قسد" والقبائل العربية التي تعيش تحت سيطرتها، يمثل فرصا لبعض الأطراف الموجودة على الساحة السورية.

وأوضح المونيتور أنه وبالتزامن مع مواجهة "قسد" مع رجال القبائل في دير الزور، تحركت الفصائل العربية السنية -المدعومة من تركيا- ضد الأراضي التي تسيطر عليها "سوريا الديمقراطية" بالقرب من منبج وتل تمر شمالا، لكنها أُعيقت بفعل الضربات الجوية الروسية.

وبين أن قادة "قسد" ألقوا باللوم علنا على ما أسموها بـ"القوى الخارجية"، في إشارة إلى إيران وتركيا وروسيا.

"فقد امتنعوا عن ذكر روسيا أو إيران بالاسم خوفا من إثارة غضبهم، لكن لا يوجد مثل هذا التحفظ عندما يتعلق الأمر بتركيا"، حسب المونيتور.

وقال المتحدث باسم "قسد"، فرهاد شامي، للموقع الأميركي إنه "خلافا للرواية التركية، فإن الوضع على الأرض في دير الزور مختلف".

"إذ إن جميع القبائل العربية متحدة، وتقدم الدعم وتشارك بنشاط مع قسد، في العمليات ضد الجماعات المسلحة الدخيلة"، حسب زعم شامي.

وقال الموقع: "كان السبب المباشر للتوترات هو اعتقال قسد رئيس مجلس دير الزور العسكري، أحمد الخبيل، المعروف باسم رشيد أبو خولة، في 27 أغسطس 2023؛ بسبب تواطئه المزعوم مع النظام والمليشيات المدعومة من إيران وتورطه في مجموعة واسعة من الأنشطة الإجرامية".

لكن أكد المونيتور أنه لطالما كان أبو خولة شوكة في خاصرة "قسد"، عندما أسس مليشيا خاصة به وقاعدة للسلطة، مما أدى إلى غضب قوات سوريا الديمقراطية، وغيرهم من زعماء القبائل على حد سواء.

ويقول مسلحو العشائر إن انتفاضتهم الأخيرة على "قسد" لا علاقة لها بمسألة أبو خولة، بل بحقوق يطالبون بها.

ويتهم أبناء عشائر عربية وشيوخ ووجهاء في ريف دير الزور الشرقي "قسد" بتهميش المكون العربي، القاطن الأصلي والوحيد في تلك المنطقة، ويتهمون المليشيا بسرقة ثروات منطقتهم ووضع مسؤولين مدنيين وعسكريين فاسدين لإدارة المؤسسات التابعة لها هناك.

وأشار الموقع الأميركي إلى أن قدرة "قسد" على الانتصار لم تكن موضع شك على الإطلاق، إذ إن قوات النظام –في حال قررت التدخل لصالح أبو خولة– لا يمكنها أن تضاهي قوات "سوريا الديمقراطية".

"ذلك أن الأخيرة متفوقة بشكل كبير، بسبب تسليحها وتدريبها من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، فضلا عن قتالها ضد تنظيم الدولة على مدار سنوات"، وفق الموقع.

"وفي الوقت نفسه، يفتقر النظام السوري وحلفاؤه إلى الموارد المالية اللازمة لكسب تأييد القبائل، التي مازالت منقسمة بشدة فيما بينها".

سرقة النفط

وشدد المونيتور على أن القبائل العربية كانت دائما بمثابة نقطة الضعف بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية.

إذ لم تتمكن "قسد" من توسيع نطاق القتال ضد تنظيم الدولة، ليشمل المناطق ذات الأغلبية العربية، بما في ذلك دير الزور، إلا تحت ضغط أميركي مكثف.

وتنقسم "دير الزور" بين "قسد" التي تسيطر على الناحية الشرقية من نهر الفرات، وقوات النظام والمليشيات الشيعية المدعومة من إيران، التي تسيطر على الغرب.

وتابع الموقع: "وفي محاولة لتجنب صراع محتمل، عمل قادة قسد على تثبيت عرب محليين في مناصب ذات نفوذ، بما في ذلك رؤساء المجالس العسكرية والمدنية المحلية، وبدا أن السياسة التي أقرتها الولايات المتحدة قد نجحت".

غير أن إراقة الدماء التي وقعت خلال الأيام الماضية تشير إلى خلاف ذلك، حسب المونيتور.

ومن جانبه، يرى الأستاذ المشارك ومدير الأبحاث في جامعة "ليون 2" الفرنسية، فابريس بالونش، أنه "بغض النظر عن إشارة قسد إلى دور للقوى الخارجية، فإن السبب الرئيس هو رفض القبائل العربية للسلطة الكردية عليهم".

وأردف: "الوضع هناك، كما هو الحال في معظم أنحاء سوريا، كارثي من الناحية الاقتصادية.

وترى القبائل أن "قسد" غير قادرة على إدارة منطقتها، خاصة في دير الزور، حيث لا تتوفر الكهرباء إلا لمدة ساعة واحدة في اليوم، ولا يوجد سوى مشفيين، كما أن "الناس سئمت".

وأكد "بالونش" أن العشائر العربية تعتقد أن "قسد" تسرق النفط، مشيرا إلى أن "هناك المزيد من العرب الذين يعارضون وجود هذه القوات.

ويرى المونيتور أن "العديد من زعماء القبائل العربية لا يعارضون الوجود الأميركي في المنطقة، لكنهم يفضلون التعامل مع الأميركيين مباشرة، بدلا من المرور عبر قوات سوريا الديمقراطية". 

وختم بالونش بالقول: "إنهم يريدون إنشاء مملكة عربية صغيرة خاصة بهم، مع سيطرتهم على النفط".