رستم أوميروف.. أول وزير دفاع مسلم في أوكرانيا ومتدين معروف بحنكته التفاوضية
في خضم حرب قاسية مع روسيا متواصلة منذ 24 فبراير/شباط 2022، عيّنت السلطات الأوكرانية، المسلم رستم أوميروف وزيرا للدفاع، بعدما حظي بثقة البرلمان الساحقة.
ويعول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، على أوميروف، للحد من البيروقراطية وتعزيز الثقة في وزارة الدفاع، بعد سلسلة من مزاعم الفساد نالت سلفه.
وأوميروف (41 عاما)، شخصية بارزة في الجالية التترية بشبه جزيرة القرم، ومسلم متدين يعرف عنه حنكته التفاوضية، وحسه العملي وتكتمه، وله معارف في العالم الإسلامي.
تصويت الأغلبية
وأيد البرلمان الأوكراني بالأغلبية واسعة في 6 سبتمبر/أيلول 2023 تعيين أوميروف وزيرا للدفاع، بعد تأييد 338 نائبا من أصل 450، عقب أن اقتراح اسمه من الرئيس زيلينسكي، بحسب توضيحات النائبين ياروسلاف يليزنياك وإيرينا غيراشتشنكو عبر تطبيق "تلغرام".
وعلى الفور تعهد الوزير الجديد، عبر صفحته على فيسبوك بأنه "سيقوم بكل شيء ممكن ومستحيل من أجل انتصار أوكرانيا، حتى نحرر كل شبر من بلادنا وكل فرد من أفراد شعبنا".
وحل أوميروف، محل أوليكسي ريزنيكوف الذي أسهم في جمع مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية الغربية منذ الغزو الروسي، ولم يواجه ريزنيكوف اتهامات بالفساد لكنه كان فريسة لحملة تشهير.
وأعلن وزير الدفاع الجديد أن أولوياته ستشمل جعل الوزارة المؤسسة الرئيسة لتنسيق قوات الدفاع، وتعزيز القيمة المرتبطة بالجنود الأفراد، وتطوير الصناعة العسكرية في أوكرانيا، ومحاربة الفساد.
وعلق مستشار رئيس الإدارة الرئاسية الأوكرانية، سيرغيي ليشتشينو، على اختيار وزير الدفاع الجديد قائلا: "هذا أعلى منصب في الدولة يتولاه تتري" من القرم.
والتتر مسلمون لهم تاريخ قديم في شبه الجزيرة التي احتلتها روسيا عام 2014.
وولد رستم أوميروف في المنفى بمدينة سمرقند بأوزبكستان عام 1982، وهو ينحدر لعائلة من السكان الأصليين لبلدة "ألوشتا" في شبه جزيرة القرم.
وعاد أوميروف إلى القرم مع عائلته عام 1991، حيث أكمل تعليمه الابتدائي والثانوي فيها، وحصل على درجة البكالوريوس في الاقتصاد ودرجة الماجستير في المالية من الأكاديمية الوطنية للإدارة، كما تابع دراساته العليا في الولايات المتحدة.
بدأ حياته المهنية في شركة خاصة مهتمة بالاتصالات والتكنولوجيا، حيث شغل مناصب إدارية مختلفة من عام 2004 إلى عام 2010، كما بدأ منذ ذلك الحين في الانخراط بالأنشطة الاستثمارية.
في البداية، أصبح مستشارا للجمعية الوطنية لتتار القرم، ثم عضوا في الجمعية الوطنية لتتار القرم عام 2013.
وبدأ العيش في العاصمة الأوكرانية كييف بعد احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014.
عمل أوميروف في منصات دولية مثل الأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومجلس أوروبا، والاتحاد الأوروبي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
وفي عام 2021، حصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة بمرسوم من رئيس أوكرانيا.
ويتقن أوميروف اللغتين الإنجليزية والتركية، وقد كان المفاوض الرئيس نيابة عن أوكرانيا في اتفاقية حبوب البحر الأسود والمفاوض الرئيس عام 2022 التي رعتها تركيا والأمم المتحدة بين موسكو وكييف.
رجل المفاوضات
دفع صدق أوميروف وقدراته في العمل السياسي، لاختياره ضمن المندوبين الأوكرانيين الأربعة الذين سافروا إلى بيلاروسيا لإجراء مفاوضات مع الروس عقب الغزو عام 2022.
وكان أوميروف واحدا من عدة أشخاص، بما في ذلك الأوليغارشي الروسي رومان أبراموفيتش، الذين قيل إنهم عانوا من أعراض مرتبطة بالتسمم قبل محادثات إسطنبول في مارس/آذار 2022.
وفي صيف 2022 ترأس أوميروف لجنة منفصلة لمراقبة تبرعات الأسلحة الأجنبية.
وخلال عام 2022 ترأس صندوق ممتلكات الدولة في أوكرانيا، وهو المسؤول عن خصخصة ممتلكات الدولة.
وفي الربع الأول من عام 2023، سجل الصندوق أعلى دخل منذ 10 سنوات، وفي مزاد أصول الدولة، ولا سيما ميناء أوست-دوناي التجاري بمنطقة أوديسا، حقق ما يقرب من 24 مليون دولار.
وخلال مقابلة صحفية أجريت معه، قال نائب أوميروف في الصندوق العقاري، أولكسندر فيدوريشين، إن الوزارة لا تحتاج إلى الخبرة العسكرية فحسب، بل تحتاج أيضا إلى الإدارة المالية، وأن "الخبرة العميقة" التي يتمتع بها أوميروف في مجال المحاسبة والمالية ستساعد في العمليات العسكرية.
ولفت فيدوريشين إلى أنه من المرجح أن يدفع باتجاه إجراء تغييرات لجعل العقود أكثر شفافية في الوزارة، على غرار تلك التي أجراها في الصندوق العقاري.
من جانبه، قال مدير مركز مكافحة الفساد، فيتالي شابونين، إن التعيين "ربما كان أفضل قرار اتخذه الرئيس" حيث أدار أوميروف ببراعة وكالة الخصخصة، وهي إحدى ركائز الحكومة التي ابتليت بالفساد والتعاملات الداخلية.
صاحب تشريعات
وخلال عمله كنائب بالبرلمان، شارك أوميروف مع زملائه في صياغة ما يقرب من 100 مشروع قانون.
وفي مايو/أيار 2020، كان أحد واضعي قانون دفع الإجازة المرضية للأطباء فيما يتعلق بجائحة كورونا، بغض النظر عن الخبرة التأمينية وبمبلغ 100 بالمئة من متوسط الراتب.
وهو أحد مؤلفي مشروع القانون الذي يحدد إجراءات الاعتراف بالشخص عديم الجنسية، حيث يتيح هذا القانون لهؤلاء الأشخاص الإقامة بشكل قانوني على أراضي أوكرانيا والحصول على وثيقة تثبت هويتهم وتؤكد مشروعية الإقامة.
وبالاشتراك مع أوميروف، تم تقديم مشروع قانون إلى البرلمان وتم إقراره، والذي يعفي النازحين داخليا من دفع ضريبة السياحة مقابل العيش في مساكن مؤقتة.
وحينما كان نائبا عن تتار القرم في البرلمان الأوكراني، كثيرا ما أكد أن نضالهم من أجل شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا سيستمر.
ويحسب له أن عمل على تحسين حياة مواطني شبه جزيرة القرم الفارين منها، إذ كان أحد المبادرين لبناء 1000 شقة لتتار القرم النازحين والفئات المميزة من المواطنين الأوكرانيين بدعم من تركيا.
ومطلع أبريل/نيسان 2021، اتفقت أوكرانيا وتركيا على البدء في بناء الشقق، وتم التوقيع على الاتفاقية التي أكد فيها الجانب التركي نيته بناء 500 شقة في مدن ميكولايف وخيرسون وكييف، وفي يوليو 2021.
وصدق البرلمان الأوكراني على الاتفاقية الإطارية بين أوكرانيا وتركيا بشأن بناء المساكن لتتار القرم والمستفيدين.
رسالة التعيين
ورأى كثير من الكتاب المتابعين للشأن الأوكراني أن تعيين أوميروف وزيرا للدفاع يعد "أمرا ثوريا" بالنسبة لأوكرانيا، ويبعث برسالة مفادها أن كييف لن تسمح ببقاء احتلال شبه جزيرة القرم من قبل روسيا.
ويرمز تعيين أوميروف لحلفاء كييف، بأن هناك مجتمعا مدنيا يصر على سيادة القانون التي وعد بها السياسيون الأوكران، حتى في ظل استمرار حرب دامية استنزفت جميع موارد البلد، وهذا شرط لا غنى عنه لنيل أوكرانيا عضوية الاتحاد الأوروبي الطامحة إليه.
ويعرف عن الوزير الجديد احترامه لقيم الحرية، ففي لقاء تلفزيوني على قناة "UATV" (مقرها كييف)، حول الانتخابات البرلمانية عام 2019، قال حينما كان بمنصب مستشار الجمعية الوطنية لتتار القرم: "يجب على شعبنا أن يسير معا على طريق الحرية، بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه.. هدفنا النهائي هو إنهاء احتلال القرم".
ومضى يقول: "أنا مهتم بشكل خاص بالتطورات السياسية في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، والحرب في شرق أوكرانيا، والعلاقات مع الدول الأوروبية والإسلامية".
ولعب أوميروف دورا كبيرا في تزايد عدد تتار القرم في المشهد السياسي الأوكراني، كونه ركز على العمل مع سلطة كييف لحل مشاكلهم بالتدريج.
وأضاف أن شبه جزيرة القرم ودونباس في شرق أوكرانيا هي "خطوطنا الحمراء"، وفق ما قال لوكالة "الأناضول" التركية الرسمية عام 2022.
وتعرض تتار القرم المسلمين للاضطهاد منذ ضمت روسيا شبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني، وقد أوضح أوميروف أنه يتفق مع زيلينسكي في رفض التنازل عن أي أراضي أوكرانية لروسيا.
ويتمتع أوميروف بشبكة علاقات إسلامية واسعة، إذ حضر المؤتمر العالمي الثاني لتتار القرم الذي عقد بأنقرة في الفترة من 1 إلى 2 أغسطس 2015، والتقى حينها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع وفد برئاسة الزعيم الفخري لتتار القرم والنائب الأوكراني مصطفى عبد الجميل كيريم أوغلو.
وتنبع وفق الخبراء ثقة زيلينسكي بأوميروف كونه خبيرا اقتصاديا من خلال التدريب، وعمل في مجال الاتصالات والاستثمار، وفي الوقت نفسه كان شخصية في مجلس شعب تتار القرم ومساعدا لزعيمه في قضايا حماية حقوق الإنسان والأنشطة الدولية.
كما أن هناك أمرا مهما للغاية وهو تمتع أوميروف أيضا بعلاقات جيدة مع رئيس المكتب الرئاسي، أندريه ييرماك، الذي يطلق عليه غالبا الرجل الأقوى في البلاد.
وكثيرا ما اصطحب زيلينسكي، أوميروف في جولاته الخارجية ولا سيما إلى تركيا.
وذكرت وسائل إعلام أوكرانية محلية، أن أوميروف يعد أحد المحاورين المهمين في كييف مع السلطات التركية والعائلة المالكة في السعودية.
وشارك أوميروف في تبادل الأسرى بين أوكرانيا وروسيا في أيلول/سبتمبر 2022، فهو الذي سافر إلى السعودية خلال عملية التبادل المعقدة، وتولى حينها المهمة بعد تنصيبه كرئيس صندوق ممتلكات الدولة في أوكرانيا في ذات الشهر المذكور.