إغراق مراكب واحتجاز بأقفاص وسجون عائمة.. كيف تتعامل أوروبا مع اللاجئين؟
أزاحت صحيفة إسبانية الستار عن الوجه السيئ لأوروبا في تعاملها مع المهاجرين؛ حيث تنوعت بين معسكرات كبيرة في اليونان، وأقفاص في بلغاريا، وسجون عائمة في المملكة المتحدة.
وأمام هذه الحقائق، تظهر القارة العجوز تصدعات في سياساتها المتعلقة بالهجرة، كما أن دعمها الاقتصادي للدول التي لا تحترم حقوق الإنسان يضعها تحت المجهر.
وقالت صحيفة إلباييس إن أوروبا أصبحت تستخدم سفينة سجن عائمة، في المملكة المتحدة، لإيواء طالبي اللجوء.
أما في اليونان، فقد أصبحت مخيمات كبيرة هي ما تأويهم، حيث ينتهي الأمر باللاجئين إلى فقدان عقولهم في ظروف قذرة، هذا إن نجوا من مطاردة السكان المحليين لهم. وفي بلغاريا، كانت الأقفاص هي الحل.
وقف الهجرة
عموما، حتى لو تغيرت طبيعة السجن، فإن الهدف واحد، وهو وقف حركات الهجرة. وقد تكثفت في السنوات الأخيرة الصيغ الرامية إلى منع أولئك الذين يبحثون عن الأمان أو فرصة لحياة أفضل من الوصول إلى أوروبا، وأصبح احتجاز الأبرياء وسوء المعاملة على الحدود أمرا طبيعيا بشكل متزايد.
في الأثناء أصدرت قوانين، مثل القانون الدنماركي، الذي يسمح للسلطات بمصادرة جميع الأموال والممتلكات الثمينة من المهاجرين، باستثناء خواتم الزفاف. كما أصبحت الصدمة الناجمة عن حالات الوفيات في عرض البحر أقل بكثير وعلى نحو متزايد.
ونقلت إلباييس عن بابلو سيرياني، عضو لجنة الأمم المتحدة لحماية حقوق العمال المهاجرين، أن "أوروبا طورت منذ بداية هذا القرن، سلسلة من اللوائح تتعارض مع أبسط أسس حقوق الإنسان، على الرغم من أنها كانت منطقة رئيسة لبنائها منذ الحرب العالمية الثانية".
وفي ظل هذه الظروف، أصبحت سياسة العقاب، التي لم تكن مقترحة للملايين من الأوكرانيين الذين استقروا في القارة، تطبق على الأراضي الأوروبية، ولكن أيضا في البلدان التي تحارب فيها أوروبا، من خلال التمويل، ظاهرة الهجرة.
ونقلت الصحيفة أنه في ليبيا، أصبحت حركة المهاجرين بمثابة تجارة الرقيق في القرن الحادي والعشرين، حيث يتم احتجازهم وتعذيبهم وقتلهم بدراية المؤسسات الأوروبية التي تشكل وتمول خفر السواحل الذي يغذي هذه الأعمال.
وفي تونس، التي أصبحت نقطة الانطلاق الرئيسة إلى أوروبا، أضفي الطابع المؤسسي على المعركة ضد السود.
ومن جهته، بدأ المغرب، الذي يناضل بنجاح من أجل مزيد من البروز في توزيع الأموال الأوروبية، في إيقاف القوارب بإطلاق النار، بحسب ما أفاد به الناجون عند وصولهم إلى إسبانيا.
منذ 72 عاما، كان هناك إطار قانوني دولي، وقعته 145 دولة، يضمن حقوق طالبي اللجوء، وفق الصحيفة الإسبانية.
لكن التنقل البشري -الذي أجبر 108.4 مليون شخص على الفرار من منازلهم، وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين- يختبر القيم التي ألهمت تلك القواعد، حتى لو كانت أوروبا بعيدة لتكون الوجهة الرئيسة لأولئك الذين يبحثون عن اللجوء.
ويقول سيرياني: "في السياق الأوروبي، يتعلق التحدي الرئيس، الذي لم تتم معالجته، بالأشخاص الذين يحتاجون إلى مغادرة بلدانهم لطلب الحماية".
ويضيف الخبير: "لا تسهم هذه السياسات في وقف التنقل البشري ولا حتى في إبطاء الهجرة عبر طرق غير نظامية، ولكنها تعزز الزيادة الكبيرة في الوفيات وحالات الاختفاء".
وفيما يلي بعض الممارسات والسياسات ضد المهاجرين واللاجئين التي أصبحت أمرا طبيعيا في العقود الأخيرة، وهي رحلة تتغلب فيها مراقبة الحدود على احترام الحقوق الأساسية.
هوس سياسي
وأشارت الصحيفة إلى أن الكلمات تخون دائما النوايا الحسنة الظاهرة عند الحديث عن التطورات في المملكة المتحدة.
إذ تصر حكومة ريشي سوناك المحافظة على أن هدفها الرئيس في معالجة الهجرة غير الشرعية هو مكافحة المافيا التي تهرب البشر من السواحل الفرنسية إلى الشواطئ الجنوبية لإنجلترا.
ولكن عندما تشير وزيرة الداخلية، سويلا برافرمان، إلى الظاهرة بصفتها "غزوا"، أو عندما يصر رئيس الوزراء سوناك على وصف المهاجرين الذين يعبرون القناة بأنهم "غير شرعيين" أو يتحدث عن الظاهرة خلف شعار "أوقفوا القوارب"؛ أصبح من الواضح من هو العدو الحقيقي للحكومة.
وعلى عكس توصيفات الحكومة البريطانية، تطالب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأن يطلق عليهم اسم "غير النظاميين" -
وبشكل عام، كانت الرسالة الحقيقية المخبأة في إعلانات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هي خطاب كراهية الأجانب، وفق تقدير الصحيفة الإسبانية.
وبالانتقال إلى مكان آخر، أظهرت شبكة سي إن إن الأميركية للعالم قبل خمس سنوات، كيف يباع مئات المهاجرين السود في ليبيا مقابل حوالي أربعة آلاف يورو.
وسجلت كاميرات الشبكة مزادا ليليا في أحد مراكز الاحتجاز وصرخات العديد من الشباب الذين اندفعوا نحو الكاميرات للتنديد بالاستعباد والتعذيب والحبس لأجل غير مسمى دون طعام أو ماء.
لكن، لا تزال ليبيا مكانا رئيسا للهجرة الجماعية إلى أوروبا. وعلى الرغم من أنها دولة فاشلة، فقد تلقت بالفعل حوالي 700 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي لتعزيز سيطرتها على الهجرة، تقول الصحيفة.
في الأثناء، جرى تدريب خفر السواحل الليبي وتجهيزه وتمويله من قبل مؤسسات أوروبية مختلفة، من أجل إنقاذ حياة أولئك الذين يخاطرون بحياتهم في البحر.
لكن في الواقع، يعمل خفر السواحل على منع اللاجئين من الوصول إلى أوروبا عن طريق إعادتهم إلى الأرض.
وهناك يتعرضون للسجن والابتزاز وسوء المعاملة مرارا وتكرارا في أكثر من 20 مركز اعتقال رسمي وفي عدد غير محدد من السجون التي تديرها المليشيات.
بين الحبس والقتل
ونقلت الباييس أن اليونان تضم على حدودها 42 مخيما للاجئين ويجب على طالبي اللجوء الانتظار هناك حتى تحل طلباتهم.
حتى إن الدولة تستغرق سنوات لقبول الطلبات أو رفضها. ومن هنا، أصبحت المخيمات بالفعل مكانا لتخزين اللاجئين بدلا من استضافتهم.
في الأثناء، تعرضت المخيمات، التي يصعب العيش فيها، إلى هجمات من جماعات يمينية متطرفة، وانتهى بها الأمر بحريق مدمر في سبتمبر/أيلول 2020.
ولتجنب احتجاجات السكان المحليين، ابتكر رئيس الحكومة المحافظ، كيرياكوس ميتسوتاكيس نوعا جديدا من المخيمات: مراكز الوصول المغلقة الخاضعة للرقابة وهي نموذج يهدف إلى إبعاد اللاجئين عن جيرانهم اليونانيين.
وعلى عكس الأماكن الأخرى، تقع هذه المستوطنات في مناطق جبلية يصعب الوصول إليها. هذا عدا عن إغراق خفر السواحل اليوناني بشكل مستمر قوارب اللاجئين.
وفي بلغاريا، أشارت الصحيفة إلى أن الطوب والقضبان الصدئة والألواح الخشبية تحولت إلى جدران تأوي اللاجئين، كما تعم أماكن الاحتجاز هذه الأوساخ والقمامة.
وبشكل عام، هذه الأقفاص تحتجز فيها بلغاريا طالبي اللجوء الذين يجري احتجازهم من على حدودها مع تركيا.
وقد كشف مقطع فيديو صدر كجزء من تحقيق أجرته منظمة لايت هاوس ريبورتس (حقوقية معنية بتوثيق الانتهاكات ضد المهاجرين) عام 2022 كيف استخدمت الدولة الأوروبية هذه البنى التحتية.
بالإضافة إلى ذلك، جرى تسجيل ممارسات حبس مماثلة في المجر وكرواتيا، وفق قول الصحيفة الإسبانية.
وفي 5 سبتمبر 2023، أعلنت وكالة الهجرة الأوروبية في تقرير لها أن أكثر من نصف مليون طلب لجوء جرى تقديمها في دول الاتحاد الأوروبي خلال النصف الأول من العام الحالي 2023، مشيرة إلى أن السوريين يتصدرون طلبات اللجوء.
وقالت الوكالة إنه بحلول يونيو/حزيران 2023، تلقت دول الاتحاد الأوروبي نحو 519 ألف طلب لجوء، مضيفة أنه وفقاً للأرقام الحالية، فإن الطلبات قد تتجاوز المليون بحلول نهاية العام.
وكشفت عن استمرار تقديم مزيد من طلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي خلال النصف الأول من 2023، بعد زيادة كبيرة بنسبة 53 بالمئة في 2022 مقارنة بالعام السابق.
فيما ارتفعت طلبات اللجوء في النصف الأول من العام 2023 إلى 519 ألفاً، أي بزيادة قدرها 28 بالمئة مقارنة بالنصف الأول من 2022.
وذكر أنه نتيجة لهذه الزيادة، تتعرض العديد من دول الاتحاد الأوروبي لضغوط فيما يتعلق بمعالجة الطلبات وحماية المحتاجين، ما أدى إلى ارتفاع عدد القضايا التي تنتظر القرار بنسبة 34 بالمئة منذ 2022.
وأوضح أن ذلك يشكل تحديات كبيرة أمام سلطات أنظمة اللجوء والاستقبال في الاتحاد الأوروبي، لدرجة أنه بحلول يونيو/حزيران 2023، قدمت وكالة الهجرة الأوروبية المساعدات التشغيلية إلى 13 دولة من الدول الأعضاء.