حقق حلم إيران.. كيف أطلق السوداني "رصاصة الرحمة" على مستقبل العراق الاقتصادي؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة أثارت جدلا واسعا بالعراق، أقدم رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في 2 سبتمبر/ أيلول 2023، على وضع حجر الأساس لمشروع ربط السكك الحديدية مع إيران، في منفذ الشلامجة بمحافظة البصرة جنوبي البلاد، بحضور نائب الرئيس الإيراني، محمد مخبر.

المشروع الجديد الذي احتفت به السلطات الإيرانية، سبق أن انتقده السوداني قبل توليه رئاسة الوزراء، وحذر من انعكاساته السلبية على موانئ البلاد، الأمر الذي أثار تساؤلات عدة عن أسباب تغيير الأخير توجهه حيال الربط السككي، والإشادة به والمضي في تنفيذه.

وجاء انتقاد السوداني حينها بعد إعلان رئيس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي، خلال بيان لمكتبه في 15 مارس/آذار 2021 "إكمال اتفاقية ربط السكك الحديدية بين العراق وإيران، ما سيربط البلاد بشمال الصين ويخلق فرصا اقتصادية واسعة له".

قفزة هائلة

وأشار السوداني، أثناء وضع الحجر الأساس في 2 سبتمبر 2023، إلى "أهمية مشروع الربط السككي في نقل المسافرين وزائري العتبات المقدسة (الشيعية)، من إيران وبلدان وسط آسيا، فضلا عن أهميته في تعزيز البنى التحتية لاقتصاد العراق وزيادة نموه".

وحسب بيان لمكتبه، فإن السوداني أكد أن "المشروع قد خضع لسنوات من النقاش وتم الاتفاق على إكماله بين العراق وإيران عام 2021، لافتا إلى أن "الربط السككي عبر منفذ الشلامجة هو حلقة من حلقات متعددة لنقل المسافرين وزائري العتبات المقدسة (الشيعية)، من المقرر أن تصل إلى محافظتي النجف وكربلاءَ".

وأضاف: "المشروع يمثل ركيزة أخرى في تعزيز البنى التحتية لاقتصادنا، ورفع قدرة العراق على التواصل مع دول الجوار، واستقبال المسافرين القادمين من إيران، وبلدان وسط آسيا، عبر مشروع الربطِ السككي".

ونوه رئيس الوزراء إلى أن "الحكومة اهتمت بمسألة الشراكة البناءة، لأنها عصب الاستقرار والتنمية في البلاد والمنطقة"، عادا "العلاقة بين العراق وإيران بأنها إستراتيجية، ونعمل على مشروع المدينة الصناعية الحدودية وطرق النقل المشتركة بين البلدين".

ورغم أن السوداني ركز على أن الغرض من المشروع هو نقل المسافرين، لكن نائب الرئيس الإيراني مخبر، توقع أن تشهد عملية التبادل التجاري بين بلاده والعراق "قفزة هائلة" بعد استكمال هذا المشروع الإستراتيجي، وأنه سيربط السكك الحديدية بين البلدين ومن شأنه أن يكمل طرق النقل الدولية.

وقال مخبر إنه "سيتم استكمال هذا المسار المهم بتعاون البلدين خلال العامين المقبلين، في إطار سياسة تعزيز العلاقات مع الجيران وبعد عامين من المتابعة المستمرة، ونأمل أن يكون مصدر خير وبركة لدولتي إيران والعراق وكذلك لدول المنطقة".

وعد ربط خطوط السكك الحديدية الإيرانية بالعراق وامتدادها إلى البحر الأبيض المتوسط بعد عدة عقود "حدثا سعيدا"، مضيفا: "سنشهد قفزة هائلة في التبادل التجاري بين البلدين مع استكمال المشروع".

ولفت إلى أن الدول التي تقع في شرق العالم، يمكنها الوصول والتواصل مع دول البحر الأبيض المتوسط من خلال هذا الخط السكة الحديد، ونأمل أن يلعب هذا الخط دورا خاصا في تسهيل السفر بين إيران والعراق.

ومضى نائب الرئيس الإيراني قائلا إن "الجهود تتمثل في تنفيذ المشروع حيث تم بناء نحو 1.4 كيلومتر من هذا الطريق بعد 1600 عملية إزالة ألغام، ووصلنا إلى الحدود".

وتابع: "إيران تولت مسؤولية إزالة الألغام بطول 16 كيلومترا في نطاق الخطة وأنجزت هذه المهمة، وأن إزالة الألغام من مسافة نحو 18 كيلومترا القادمة هي مسؤولية العراق".

وكانت الشركة العامة للسكك الحديد التابعة لوزارة النقل العراقية قد أبرمت مع نظيرتها الإيرانية، في شهر مايو 2023، مذكرة تفاهم حول الإجراءات التنفيذية للربط السككي بين البلدين.

رصاصة الرحمة

وبخصوص تداعيات المشروع على موانئ العراق، قال وزير النقل السابق والبرلماني الحالي، عامر عبد الجبار، إن "الربط السككي مع إيران لأغراض نقل المسافرين فقط ادعاء كاذب لعدم ورود أي حصرية بذلك".

وقال عبد الجبار، إنه "كان الأجدر تحديد مواصفات السكة بحمولة محورية 15 طنا، وغير ذلك فهو خداع للشعب العراقي"، مشيرا إلى أن "وضع حجر الأساس أثناء انشغال المواطنين في الزيارة الأربعينية (مناسبة شيعية) أمر مقصود".

ووصف الوزير السابق خلال مقطع فديو نشره عبر حسابه بمنصة "إكس" (تويتر سابقا) في 1 سبتمبر 2023، الربط السككي بين العراق وإيران بأنه "رصاصة الرحمة على ميناء الفاو".

ومنذ 5 أبريل/نيسان 2010 وضع العراقيون حجر أساس لمشروع ميناء الفاو الكبير، الذي كان من المفترض أن يكون من أبرز علامات "المرحلة الجديدة" في البلاد، بحسب رئيس الوزراء آنذاك، نوري المالكي.

المشروع الذي قدرت كلفته بنحو 4.6 مليارات دولار، كان من المفترض أن ينجز خلال 4 أو 5 سنوات، إذ خططت الحكومة العراقية ليكون الميناء أحد أكبر موانئ العالم، و"منافس" لموانئ مهمة في المنطقة مثل ميناء "جبل علي" في الإمارات وقناة "السويس" المصرية.

وفي 26 يوليو 2023، أعلن وزير النقل العراقي الحالي، رزاق محيبس، نسبة الإنجاز في الأرصفة الخمسة لميناء الفاو الكبير وصلت إلى 68 بالمئة، مشيرا إلى أن "الرصيف رقم واحد شارف على التشغيل التجريبي لإرساء أول باخرة عليه".

من جهتها، قالت صحيفة "المونيتور" الأميركية خلال تقرير نشرته في 3 سبتمبر 2023، إن العراق أطلق مشروعا بقيمة 17 مليار دولار يُعرف باسم "طريق التنمية" لطريق وسكك حديدية تمتد إلى تركيا في الشمال ودول الخليج في الجنوب، لكن الربط السككي مع إيران سيدمر هذا المخطط.

وفي 28 مايو 2023، أعلن السوداني، عن مشروع "طريق التنمية" لربط ميناء الفاو الكبير بتركيا وصولا إلى أوروبا، خلال مؤتمر ببغداد شاركت فيه 10 دول إقليمية، وهي، السعودية وتركيا وسوريا والأردن والكويت والبحرين وقطر والإمارات والبحرين وإيران.

وعزت الصحيفة الأميركية تحذيراتها إلى أن "موانئ إيران جاهزة للعمل على عكس موانئ العراق وخاصة ميناء الفاو الكبير الذي سيتحول إلى مجرد ممر فقط"، مؤكدة أن "مشروع الربط السككي وإعادة طرحه من جانب طهران ليس بجديد، بل يعود إلى سنوات طويلة مضت".

وتابعت: الأهداف التي تقف وراءه (الربط السككي) تسير باتجاه واحد، بمعنى أنه يعود بالفائدة على نحو أكبر للجانب الإيراني وجعل العراق محطه لنقل منتجاته وبضائعه للتحايل على العقوبات الأميركية".

وفي مايو/ أيار 2018، أعلن الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرض عقوبات مشددة على طهران، تشمل قطاعات مختلفة، من أبرزها عدم التداول بالدولار، ومنع تصدير النفط والغاز الخاص بها، ومعاقبة الدول التي تستورد منها.

حلم إيراني

من جهته، قال الباحث في الشأن العراقي، حامد العبيدي، إن "تراجع محمد شياع السوداني عن تحذيراته السابقة من تنفيذ أي مشروع سككي يربط العراق بدول الجوار، كونها تؤثر بشكل سلبي على موانئ البلاد، يؤكد بما لا يقبل للشك أن الموضوع أكبر منه ولا قِبل له بالوقوف أمام إنجازه".

ورأى العبيدي في حديث لـ"الاستقلال" أن "السوداني يتعرض لضغوط من قوى الإطار التنسيقي ولا سيما التي توالي إيران، لضرورة تلبية مشروع النظام الإيراني بربط بلادهم مع البحر الأبيض المتوسط مرورا بالعراق وسوريا، وهذا يمثل لهم أمرا مصيريا".

وأشار إلى أن "السوداني مجبر على تنفيذه للبقاء في منصبه، وهذا لا يبرر له الإقدام على مثل هذه الخطوة، خصوصا أنه كان قد حذر من خطورتها في وقت سابق".

ونشر ناشطون عراقيون في 1 سبتمبر 2023، مقطعا من مقابلة سابقة للسوداني تعود إلى عام 2021 حذر من أن "أي ربط سككي مع دول الجوار هي تفريط في كل موانئ العراق وليس ميناء الفاو فقط، ولا يخدم المصلحة الوطنية، فهو تفريط بأهم ورقة يمتلكها البلد بحكم الموقع الجغرافي المتميز".

وتعود فكرة مشروع الربط السككي بين إيران والعراق إلى أكثر من 10 سنوات، لكن في أغسطس/ آب 2018 أعلن المدير العام لشركة سكك الحديد الإيرانية، سعيد رسول، أن طهران تعتزم بناء خط سكة حديد يربط الخليج العربي بالبحر الأبيض المتوسط.

وأوضح رسول أن المشروع يمتد من البصرة في جنوب العراق إلى البوكمال على الحدود العراقية السورية، متجها نحو دير الزور في شمال شرق سوريا.

ولفت إلى أن المشروع سيكون جذابا للصين التي تتوق إيران لتعزيز علاقتها الاقتصادية معها لتعويض العقوبات الأميركية.

وواجه هذا المشروع تحفظات متكررة من الجانب العراقي على الجدوى الاقتصادية منه، باعتبار أنّ تدفّق السلع والأفراد وغيرها سيكون تقريبا باتّجاه واحد من إيران صوب العراق الذي لا يكاد يُصدّر شيئا يُذكر لجارته الشرقية، قياسا بما يستورده منها، إضافة إلى تدفّق الزوار الإيرانيين على أراضيه بالملايين كلّ سنة لزيارة الأضرحة والمراقد "الشيعية".

وخلال زيارة الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، إلى بغداد في مارس/آذار 2019، أكد أنه يتطلع لإقامة مشروع سكك حديدية مع العراق في المستقبل القريب، حسبما نقل التلفزيون الرسمي العراقي.