بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات.. لماذا انقلب العسكر على رئيس الغابون علي بونغو؟
صباح 30 أغسطس/آب 2023، أعلن قادة عسكريون من الجيش الغابوني إلغاء نتائج الانتخابات التي أعلن فيها في ذات اليوم، فوز الرئيس علي بونغو لفترة رئاسية ثالثة، إضافة إلى حل مؤسسات الجمهورية كافة وإغلاق الحدود.
وفي هذا السياق، طرحت صحيفة "إزفستيا" الروسية، عددا من التساؤلات حول دوافع الانقلاب، ومآلاته المستقبلية المحتملة، وإمكانية تدخل أطراف خارجية في المشهد، وحاولت الإجابة عنها.
وتساءلت في تقريرها: "ما الذي أدى إلى الانقلاب في البلاد؟ ولماذا لا ينبغي التشبيه بين ما حدث في النيجر وما جرى في الغابون؟"
انقلاب على بونغو
وبينت أن الجيش في الغابون ألغى الانتخابات الرئاسية، التي جرت في 26 أغسطس 2023، وحل جميع السلطات العامة، وأنشأ لجنة المرحلة الانتقالية وإعادة بناء المؤسسات، وكذلك وضع الرئيس علي بونغو قيد الإقامة الجبرية.
وبذلك تصبح الغابون الدولة الثانية في إفريقيا التي نفذ الجيش فيها انقلابا، بعد النيجر، التي وقع فيها انقلاب في 26 يوليو/ تموز 2023.
وجاء في بيان الانقلاب: "اليوم، نحن قوات الدفاع والأمن، المجتمعون ضمن لجنة الانتقال وإعادة بناء المؤسسات، قررنا باسم الشعب الغابوني، حماية العالم من خلال وضع حد للنظام الحالي".
وأردف: "تحقيقا لهذه الغاية، جرى إلغاء الانتخابات العامة المجراة في 26 أغسطس 2023". كما أعلن البيان "إغلاق الحدود حتى إشعار آخر، وحل جميع مؤسسات الجمهورية".
في الوقت نفسه، ذكرت وكالة رويترز البريطانية أنه بعد إعلان الجيش استيلاءه على السلطة، سُمع إطلاق نار في شوارع عاصمة الجمهورية ليبرفيل.
ومساء يوم الانقلاب، عيّن قادة الانقلاب في الغابون، قائد الحرس الجمهوري الجنرال بريس أوليغوي نغيما "رئيسا للمرحلة الانتقالية"، وأبقوا قرار حظر التجوّل ساريا "حتى إشعار آخر".
وخرجت مسيرات عفوية مؤيدة للجيش في شوارع المدن الكبرى في الغابون، بعد بيان الانقلاب، وأشار مراقبون إلى أن الأجواء كانت احتفالية.
وجدير بالذكر أن البيان العسكري أتى بعد عدة ساعات من إعلان لجنة الانتخابات المحلية نتائج الانتخابات الرئاسية.
وفاز علي بونغو أونديمبا، الذي يحكم البلاد منذ عام 2009، للمرة الثالثة على التوالي بنسبة 64.27 بالمئة. وكان سلفه هو والده، عمر بونغو، الذي ترأس البلاد لمدة 41 عاما، مع العلم بأن الدستور الحالي للغابون لا يحد من عدد الفترات الرئاسية.
وقد حصل مرشح المعارضة ألبرت أوندو أوسا، على 30.7 بالمئة من الأصوات، وفقا للنتائج المعلنة.
ما قبل الانقلاب
في 26 أغسطس 2023، أجربت انتخابات على ثلاثة مستويات في الغابون؛ رئاسية وبرلمانية ومحلية.
وإثر ذلك، اتخذت الحكومة عدة تدابير أمنية خطيرة، حيث أغلقت الحدود الخارجية لمدة يوم، كما حُظر الوصول إلى الإنترنت، وفرض حظر التجول في البلاد. إضافة إلى تعليق عمل قناة التلفزيون الفرنسية فرانس 24 ومحطة الراديو RFI.
وهنا تعقب الصحيفة الروسية: "من الواضح أن مثل هذه التدابير اتخذت لسبب ما"، موضحة أن شعبية علي بونغو بين الناس أقل بكثير من شعبية والده.
ففي الانتخابات السابقة، عام 2016، تقدم على منافسه، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي جان بينج، بفارق 5594 صوتا فقط، وهو الأمر الذي أثار على الفور شكوك المعارضة بشأن حدوث تزوير في فرز الأصوات.
وأتبعت "إزفستيا": "ومنذ تلك اللحظة، تمكنت الغابون من إجراء عدد من التغييرات التشريعية فيما يتعلق بالانتخابات".
فعلى سبيل المثال، خُفضت مدة الرئاسة من سبع إلى خمس سنوات. إضافة لذلك، ألغيت الجولة الثانية، مما يعقد إمكانية التفاف الناخبين المعارضين حول مرشح واحد ضد الرئيس علي بونغو.
وكان التغيير الأكثر إثارة للجدل، وفق الصحيفة، هو إدخال تشريع، يقضي أن التصويت لمرشح رئاسي يمتد تلقائيا إلى الحزب السياسي الذي يمثله المرشح، وهو ما انتقدته بالمعارضة، لأن ذلك يتجاهل مبدأ الفصل بين السلطات.
إلا أن المحكمة الدستورية لم تجد أي مخالفات في هذا البند، ولذا أجريت الانتخابات الأخيرة وفقا لهذه الطريقة.
ضربة أخرى لباريس
ورأت الصحيفة أن الوضع الجديد في الغابون بمثابة "ضربة أخرى لهيبة باريس؛ حيث إن هذه الدولة الإفريقية كانت إحدى مستعمرات فرنسا السابقة، ولا يزال هناك حضور قوي للشركات الفرنسية هناك".
وفي هذا السياق، قالت رئيسة وزراء فرنسا إليزابيث بورن: "تحتاج باريس اليوم إلى دبلوماسييها أكثر من أي وقت مضى".
وأضافت: "لقد واجهت دبلوماسيتنا العديد من الأزمات هذا العام. واليوم أضيف أيضا الوضع في الغابون، الذي نتابعه من كثب".
كما أن انقلاب النيجر الأخير كان كذلك ضربة لفرنسا، وفقا للصحيفة، حيث إنها كانت أيضا مستعمرة فرنسية.
وأوضحت الصحيفة أن الأحداث في نيامي تسببت بالفعل في توجيه ضربة اقتصادية بالنسبة لباريس؛ فعلى سبيل المثال كانت النيجر المورد الرئيس لليورانيوم لمحطات الطاقة النووية في فرنسا.
"والآن، تنشأ مشكلات مماثلة بالنسبة لفرنسا في الغابون، التي تعمل فيها شركة التعدين الفرنسية إيراميت، وقد أعلنت بالفعل تعليق أعمالها في البلاد"، حسب الصحيفة الروسية.
وحول التشابه بين انقلابي النيجر والغابون، تنفي الصحيفة تطابق المشهد في البلدين، إذ تقول إنه "رغم المصادفة في الفترة الزمنية التي حدث فيها الانقلابان، فإن الخبراء لا يميلون إلى الاعتقاد بأن نفس العمليات تجرى في كلا البلدين".
وأوضحت أن النيجر تشترك مع بوركينا فاسو، ومالي، وغينيا ــوهي البلدان التي شهدت انقلابات عسكرية أخيرا- في أشياء أكثر بكثير من تلك التي تشترك فيها الغابون معها.
وبهذا الصدد، يقول فسيفولود سفيريدوف، الخبير في مركز الدراسات الإفريقية في المدرسة العليا للاقتصاد بجامعة الأبحاث الوطنية، لـ "إزفستيا": "في كل من البلدين، هناك هيكل مختلف للاقتصاد، وقصة مختلفة، ونظام آخر تماما للسلطة".
مستوى المعيشة
وتلفت الصحيفة الانتباه إلى أن الغابون تختلف اقتصاديا عن جيرانها، فهي غنية بالنفط، وتتمتع بدخل مرتفع. لكن وبالرغم من ذلك، يعيش نحو 40 بالمئة من السكان تحت خط الفقر.
وفي آخر دراسة للبنك الدولي عام 2017، يبلغ دخل 10.4 بالمئة من المواطنين على 6.85 دولار يوميا، بينما 8.1 بالمئة منهم يعيشون على 3.65 دولار في اليوم.
كما وصلت نسبة البطالة عام 2022 إلى 21.5 بالمئة، نسبة كبيرة منهم من الشباب.
وبالإضافة إلى النفط، تمتلك الغابون احتياطيات كبيرة من المنغنيز وخام الحديد، بالإضافة إلى رواسب الذهب والألماس والرصاص والنيوبيوم والفوسفات.
وترجح الصحيفة أن الوضع في الغابون مرتبط، من بين أمور بالأخرى، بالركود الاقتصادي.
وفي السنوات الأخيرة، انخفض إنتاج النفط، وفشلت الغابون في التحول إلى ما يشبه إمارة النفط الإفريقية.
ويؤكد فسيفولود سفيريدوف أنه "بالرغم من ذلك، فإن الوضع الاقتصادي في الغابون، ليس بنفس الدرجة من الصعوبة في النيجر". ولذا، يعد الانقلاب فيها بمثابة "مفاجأة".
لكن من زاوية أخرى، قال أليكس فاينز، مدير البرنامج الإفريقي في معهد "تشاثام هاوس" البريطاني: "في الوقت نفسه، شعر السكان الغابونيون منذ فترة طويلة بالسأم من حقيقة أن البلاد تحكمها عائلة واحدة منذ 56 عاما".
وأضاف: "حتى العام 2022، أعرب العديد من الشباب -واحد من كل ثلاثة منهم عاطل عن العمل- عن آمالهم في التغيير في المحادثات معي".
وتعد أحداث الغابون الانقلاب الثامن في غرب ووسط إفريقيا منذ عام 2020، حيث حدثت عمليات الاستيلاء على السلطة في وقت سابق، في دول مثل مالي وغينيا وبوركينا فاسو والنيجر.
وأتبعت الصحيفة: "من الصعب وصف كل هذه الاضطرابات بأنها مترابطة". لكن أليكس فاينز يعتقد أن ما حدث في الغابون يشبه إلى حد كبير ما حدث في غينيا.
إذ حدث الانقلاب هناك بعد تغيير الدستور، بحيث يسمح ببقاء الرئيس في منصبه لولاية ثالثة. وأشار الخبير إلى أن الغينيين أرادوا التغيير، وحثوا الجيش على التدخل ضد "الانقلاب الدستوري".
هل يتدخل أحد؟
وحول التنبؤ بما يمكن أن يؤول إليه المشهد في الغابون، تقول الصحيفة الروسية: "بما أنه من الصعب الجمع بين أحداث السنوات الأخيرة في إفريقيا لأسباب اقتصادية وسياسية، فمن الصعب للغاية معرفة الاتجاه الذي سيتطور إليه الوضع".
لكن في الوقت نفسه، يلفت فسيفولود سفيريدوف إلى أن الغابون ليست عضوا في منظمة إيكواس (المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا)، التي هددت برد عسكري على الانقلاب في النيجر، لكن ذلك لم يحدث رغم مرور أكثر من شهر على الانقلاب.
لكن تنتمي الغابون إلى المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا (ECCAS). وهي، وفقا للخبير، أقل انخراطا في السياسة من الإيكواس.
ولذا، فإنه يستبعد جنوح المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا إلى التهديد بالتدخل العسكري.
كما أنه يرجح أن المشهد القادم سيكون تقليديا، حيث سيحاول الانقلابيون الحصول على موطئ قدم في السلطة، ثم يبدأون بعد ذلك عملية انتقال بطيئة نحو إدارة ديمقراطية.
لكنه يستدرك بالقول: "حتى الآن لا نعرف كيف سيكون رد فعل عشيرة البونغو، التي كانت في السلطة لفترة طويلة جدا، وتسيطر على اقتصاد البلاد بالكامل تقريبا، كما أنها تعتمد بشكل كبير على رأس المال الفرنسي".
ولذلك يعتقد أن رد فعل باريس والولايات المتحدة سيلعب أيضا دورا حاسما فيما سيؤول إليه المشهد.
كما يستبعد سفيريدوف كذلك تدخل فرنسا بشكل مباشر في المشهد السياسي الحالي في الغابون، كما لن تتورط في الانقلاب في النيجر منذ شهر.