"البلقان إكسبريس".. هكذا فعّلت روسيا ورقة المرتزقة الصرب مع اضطرابات فاغنر

الاستقلال | a year ago

12

طباعة

مشاركة

في وقت تفيد فيه معلومات استخباراتية بمواجهة روسيا صعوبات في العثور على المزيد من المرتزقة لزجهم في غزو أوكرانيا، تمكنت موسكو أخيرا من تجنيد متطوعين جدد من مواطني البلقان في عملية سرية سبق أن أثارت حفيظة صربيا إحدى أقرب حلفاء أوروبا.

وتكثف روسيا تحركاتها السرية في العاصمة الصربية بلغراد لتجنيد ما يقرب من 500 مواطن من البلقان للقتال في أوكرانيا، حسبما ذكر تقرير لمجلة "إنتليجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات نشرته بتاريخ 22 أغسطس/آب 2023.

ومن المتوقع أن يصل عدة مئات من المجندين الجدد من البلقان بحلول الأول من سبتمبر/أيلول 2023 إلى معسكر مؤقت خارج العاصمة الروسية.

"البلقان إكسبريس"

وتؤكد "إنتليجنس أونلاين" أنه بالإضافة إلى نحو 50 مقاتلا صربيا جرى تجنيدهم بالفعل، من المتوقع أن يصل عدد أفراد الوحدة إلى 500 مقاتل، وسيتم إرسالهم على الفور إلى جانب الجنود الروس على الجبهة الأوكرانية.

وفي ظل ذلك، جرى إنشاء "وحدة صربية" لاستضافتهم ضمن الفرقة 106 التابعة للقوات الروسية المحمولة جوا، بحسب المجلة.

وتنوه إلى أن شبكة من الشخصيات شبه العسكرية الروسية والصربية جهزت للعملية التي يُطلق عليها اسم "البلقان إكسبريس"، منذ مايو/أيار 2023.

وجاءت العملية بمبادرة من حاكم منطقة موسكو، أندريه فوروبيوف، وبدعم رفيع المستوى من وزارتي الخارجية والدفاع وجهاز أمن الدولة والحاشية الخاصة للرئيس فلاديمير بوتين.

وقُدم هذا الدعم لجهاز الأمن الفيدرالي الذي يشرف على عملية تجنيد الصرب، وذلك وفق منظمة الضباط الروس المتمردة "نظام الجمهورية"، والتي كشفت المبادرة من خلال مخبريها داخل مختلف هياكل السلطة.

وتعمل تلك المنظمة التي تعارض النظام الروسي الحالي، والحرب الروسية على أوكرانيا، على جمع المعلومات من خلف الأبواب المغلقة لأجهزة الأمن الروسية.

ومعظم المجندين الجدد هم مواطنون صرب ومن أصل صربي من الدول المجاورة.

وفي الفترة ما بين منتصف يوليو/تموز ومنتصف أغسطس/آب 2023، جرى اختيار 50 مرشحا ونقلهم جوا إلى روسيا على متن رحلات تجارية في مجموعات مكونة من شخصين أو ثلاثة تحت غطاء التعاقد مع شركة وهمية تعمل في مجال البناء.

وقد تمكن موقع إنتليجنس أونلاين من الوصول إلى المعلومات الشخصية لـ 13 فردا من هؤلاء المجندين.

وجرى إيواء المقاتلين المرشحين في أماكن إقامة مؤقتة أقيمت في ملعب زوركي الشتوي في بلدية كراسنوجورسك.

فيما تشرف المفوضية العسكرية المحلية على الأوراق الخاصة بعقود التجنيد الخاصة بهم. ويجري التوقيع عليها مع المفوضية العسكرية لبلدية كوروليوف في منطقة موسكو.

الرجل المسؤول

الرجل المسؤول عن التخطيط والخدمات اللوجستية للمشروع معروف باسم دافور سافيتشيتش، يعيش في روسيا، وهو قائد الحرب من العرقية الصربية في البوسنة والهرسك، معروف جيدا بين دوائر المرتزقة الروس.

وكان سافيتشيتش عضوا في القوات الخاصة غير الرسمية للزعيم اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش، وقاتل مع مرتزقة فاغنر الروسية في أوكرانيا عام 2014، وفي سوريا بعد عام 2016.

وقد خصصت "فاغنر" بسوريا وحدة للمرتزقة الصربيين، تولى قيادتها "دافور سافيتشيتش"، الذي كان عضوا في مليشيا "نمور أركان"، ذات الصيت المرعب في مجال الفظائع التي شهدتها حرب البلقان (مطلع التسعينيات)، وهي جرائم مدونة في سجلات المحكمة الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة.

وبحسب صحيفة "نوفيا غازيتا" فإنه في صفوف مجموعة "فاغنر" كان هناك ما لا يقل عن اثنين باسم "فولك" (الذئب).

ومن المعروف أن تسمية "الذئب" تعود إلى المرتزق الصربي الشهير دافور سافيتشيتش، الذي قاد وحدة الاستخبارات في المجموعة.

ومنيت روسيا بخسائر كبيرة في قواتها خلال ستة أشهر بعد غزوها لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.

وقد اعتمدت بشكل أساسي على مرتزقة فاغنر الروسية شبه العسكرية الخاصة التي كان يقودها رجال الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين البالغ من العمر 61 عاما الذي قتل بتاريخ 22 أغسطس/آب 2023 بعد تحطم طائرته شمال موسكو.

وقد سبب الخلاف بين بريغوجين ووزارة الدفاع الروسي إلى سحب جزء كبير من مجموعات فاغنر من جبهات القتال الأوكرانية منذ يونيو/حزيران 2023، قبل أن يعلن بريغوجين تمردا في نهاية الشهر المذكور ما لبث أن فشل سريعا وأدى لإضعاف تماسك عناصره.

لكن هذه ليست المرة الأولى التي تعتمد فيها روسيا على مرتزقة من الصرب في حرب أوكرانيا، إذ سبق أن جندت أعدادا منهم عام 2014. وشكلت تلك الحادثة حينها توترا بين موسكو وبلغراد.

ممانعة رسمية صربية

ومع غزو أوكرانيا، عادت روسيا لتوسيع خزانها البشري من المقاتلين والمرتزقة من صربيا، إذ تشعر موسكو أنها تواجه حربا طويلة الأمد هناك.

وتحرك موسكو الجديد ليس الأول تجاه صربيا، إذ سبق أن دفع الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش للقول بشكل علني في 17 يناير/كانون الثاني 2023 إنه يتعين على روسيا أن توقف جهودها لتجنيد الصرب للقتال إلى جانب فاغنر التابعة لها في أوكرانيا.

كما أعرب الرئيس الصربي، ألكسندر فوتشيتش، عن رد فعل غاضب على التلفزيون الوطني في 20 يناير/كانون الثاني 2023 بالقول: "لماذا تتصل فاغنر بأي شخص من صربيا، أنتم تعلمون أن ذلك مخالف لأنظمتنا؟".

وانتقد فوتشيتش المواقع الإلكترونية ومجموعات التواصل الاجتماعي الروسية لنشرها إعلانات باللغة الصربية تدعو فيها مجموعة فاغنر المتطوعين للانضمام إلى صفوفها.

ووقتها بثت وكالة الإعلام الروسية لقطات تلفزيونية لرجلين ملثمين عرفتهما على أنهما متطوعان صرب في دورة تدريبية على الأسلحة في المناطق التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا.

كما حذر وزير الدفاع الصربي آنذاك ميلوس فوتشيفيتش الصرب من الانضمام إلى صفوف روسيا في الحرب ضد أوكرانيا، وقال لإذاعة أوروبا الحرة: "سيؤدي هذا إلى عواقب قانونية بمجرد أن يصبحوا مسؤولين أمام هيئات الدولة".

وشارك المتطوعون الصرب في القتال إلى جانب القوات الموالية لروسيا في أوكرانيا عامي 2014 و2015.

ويقول مراقبون إنه لا أحد لديه فكرة واضحة عن الأعداد الدقيقة في أي وقت، لكن العشرات من الصرب سجلوا للقتال في أوكرانيا منذ عام 2014.

لكن رغم ذلك يحظر المجلس التشريعي الصربي مشاركة مواطنيه في النزاعات بالخارج، وقد حكم على العديد من الأشخاص بسبب ذلك.

وعلى الرغم من إدانة بلغراد مرارا وتكرارا للغزو الروسي لأوكرانيا في الأمم المتحدة والعديد من المنتديات الدولية الأخرى، فقد رفضت فرض عقوبات على موسكو.

وقال وزير الداخلية الصربي، ألكسندر فولين، عقب اجتماع مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في موسكو بتاريخ 23 أغسطس/آب 2022 إن صربيا هي "الدولة الوحيدة في أوروبا التي لم تفرض عقوبات على روسيا" بسبب الحرب على أوكرانيا.

وأمام ذلك تواجه صربيا ضغوطا متزايدة من الدول الغربية بسبب إحجامها عن معاقبة موسكو.

وبخلاف صربيا التي تعتمد كليا على الغاز الروسي، فإن دول غرب البلقان من الجبل الأسود ومقدونيا الشمالية وكوسوفو وألبانيا اختارت أن تحذو حذو الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في فرض العقوبات على روسيا بسبب حربها على أوكرانيا.

وصربيا مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، شريكها التجاري ومستثمرها الرئيس، لكنها تحافظ أيضا على تعاون تجاري وعسكري مع روسيا، الحليف التقليدي المسيحي السلافي والأرثوذكسي.

ولهذا لطالما وجه معارضون انتقادات لصربيا تفيد بأنها تعطي أولوية لصداقتها الطويلة مع روسيا على حساب طموحها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

غضب من روسيا

ولا يبدو أن عدد المجندين الصرب كبيرا، لاسيما وأن البعض قاتل جنبا إلى جنب مع القوات الروسية في أوكرانيا عام 2014، ولكن ليس بأي نوع من التأييد الرسمي.

كما أدانت المحاكم الصربية ما يزيد على 20 شخصا بسبب مشاركتهم في "القتال على جبهات قتال خارجية".

وقد كان الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش على اتصال منتظم في السابق مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لكنه نأى بنفسه الآن عن تصرفات موسكو في أوكرانيا.

وفي مقابلة أجرتها معه الصحافة المحلية في يناير 2023 نفى فوتشيتش مزاعم بوتين الإقليمية في أوكرانيا، مشيرا إلى أن "الأسوأ لم يأت بعد" وكشف أيضا أنه لم يتحدث مع الرئيس الروسي لعدة أشهر.

وشدد فوتشيتش على أن صربيا لا يمكنها ولن تدعم الغزو الروسي لأوكرانيا، قائلا: "بالنسبة لنا، شبه جزيرة القرم ودونباس هي أوكرانيا، وستظل كذلك".

ويشكل هذا التصريح تحولا كبيرا في موقف صربيا منذ غزو بوتين لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.

وتاريخيا، سعت صربيا إلى تحقيق التوازن بين مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية بين الشرق والغرب، لكن هذه التعليقات تؤكد التحول التدريجي نحو أوروبا.

لكن أدى إحجام صربيا عن الانضمام إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات على روسيا إلى وضع البلاد تحت ضغوط متزايدة لقطع العلاقات مع بوتين وإمداداته من الطاقة، حتى في الوقت الذي أضرت فيه الحرب بالاقتصاد وأدت إلى ارتفاع التضخم، في وقت تبيع فيه روسيا الغاز الطبيعي إلى بلغراد بأقل من سعر السوق.

ولا تزال روسيا تحتل مكانة مهمة في تجارة صربيا، حيث تمثل حوالي 6 بالمئة من التجارة الخارجية لها، مما يجعلها ثالث أكبر شريك تجاري.

إذ يقول فوتشيتش، الذي أعيد انتخابه بأغلبية ساحقة عام 2022 إن عضوية الاتحاد الأوروبي هي هدفه النهائي، لكنه يقاوم جهود العقوبات بسبب دعم روسيا لرفضه الاعتراف باستقلال كوسوفو، وتجربة صربيا مع العزلة الاقتصادية.

وتحاول صربيا الخروج عن فلك روسيا منذ سنوات، ومن أجل استقرار مواردها المالية، حصلت على تمويل بقيمة 2.4 مليار يورو من صندوق النقد الدولي وقرض بقيمة مليار يورو من الإمارات العربية المتحدة، التي تعمل على تعميق علاقاتها مع دولة البلقان.

وتعد بلغراد الوجهة المفضلة للروس، وإن كان ذلك في الآونة الأخيرة للمنفيين الفارين من نظام بوتين. وأظهر استطلاع للرأي أجري في صيف 2022 أن بوتين كان الزعيم العالمي الأكثر تفضيلا بين الصرب.

الوسطاء المؤهلون

ورغم أن "فاغنر" كانت سابقا تتولى تجنيد المرتزقة على تويتر وفيسبوك كمقاتلين ومسعفين ومشغلي الطائرات بدون طيار وحتى علماء النفس للمساعدة في العمليات القتالية في أوكرانيا، فإن الوقائع تدلل على توسيع موسكو خياراتها لجذب المتطوعين من الدول المحتملة ومنها صربيا.

لهذا فإن حاكم منطقة موسكو، أندريه فوروبيوف العقل المدبر لعملية تجنيد الصرب والذي يعد جزءا من الدائرة الداخلية لوزير الدفاع سيرجي شويغو، كانت لديه مخاوف في مايو/أيار 2023 من أنه لن يتمكن من تلبية أهداف التجنيد التي حددها الكرملين كجزء من خطة التعبئة غير الرسمية.

إذ تأتي فكرة تجنيد مواطنين أجانب من الرجل الثاني العقيد السابق في جهاز الأمن الفيدرالي رومان كاراتاييف، نائب رئيس الحكومة ومدير إدارة الأمن الرئيسة لمنطقة موسكو.

ويقترح هذا الشخص التجنيد من خلال الاعتماد على علاقاته الخاصة مع مليشيا ريدوت شبه الحكومية والمليشيا الشعبية لجمهورية دونيتسك الشعبية.

لكن حاكم منطقة تولا المجاورة، أليكسي ديومين، جاء باقتراح أكثر جاذبية والمتمثل وفق "إنتليجنس أونلاين" بوضع هؤلاء المجندين الافتراضيين ضمن الفرقة 106 المحمولة جوا بقيادة الجنرال فلاديمير سيليفرستوف.

وهو ما طرحه في لقاء مع رئيس فرع جهاز الأمن الفيدرالي في موسكو، أليكسي دوروفييف، خُصص لمناقشة تلك الخطط خلف أبواب مغلقة.

بعد ذلك، وضع مقترحو الخطة مشروعهم في أيدي راكب الدراجة النارية الروسي الأسطوري ألكسندر زالداستانوف، المعروف أيضا باسم "الجراح"، والذي يرتبط نادي الدراجات النارية الخاص به "ذئاب الليل" بعلاقات طويلة الأمد مع بوتين.

وزالداستانوف على علاقة ودية مع نجل الرئيس الصربي السابق، ماركو ميلوسيفيتش، الذي لجأ إلى روسيا بعد أن واجه محاكمة في صربيا بتهمة الانخراط في أنشطة الجريمة المنظمة.

وبسبب قوة صداقتهما، وعد زالداستانوف المسؤولين الروس بأنه سيكون قادرا على ضم نجوم شبه عسكريين من منطقة البلقان، مثل المرتزق الصربي الشهير دافور سافيتشيتش، إلى المشروع.

وقد جرى رصد الصديقين المذكورين معا في العديد من أنشطة النخبة في موسكو خلال الأسابيع القليلة الماضية.