تزايد عمليات اختطاف العراقيين في إيران.. ما أسبابها ومن يقف وراءها؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

تصاعدت وبشكل لافت عمليات اختطاف العراقيين في إيران، الأمر الذي أثار جدلا واسعا في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في العراق، ولا سيما بعد التعاطي الحكومي الذي وصف بالمتخبط والضعيف إزاء هذه الأزمة.

ووصل عدد المختطفين العراقيين على يد عصابات "الاتجار بالبشر" في إيران إلى أكثر من 10 أشخاص، وأغلبهم من سكان من محافظات البصرة وذي قار وواسط وبغداد، وطالبت ذويهم بدفع فدية مالية لإطلاق سراحهم، حسب ما قالت قناة "زاكروس" العراقية في 23 أغسطس/آب 2023.

لكن ما أثار التساؤلات هو طريقة اختطاف العراقيين، وأسباب تصاعد هذه العمليات حاليا، والتلكؤ الحكومي العراقي في التعاطي مع الأزمة، خصوصا بعد انتشار مقاطع فيديو يظهر فيها تعذيب عدد من المختطفين على يد الجهات التي تخطفهم منذ يوليو/تموز 2023.

استدراج منظّم

وبخصوص الطريقة التي جرى فيها اختطاف العراقيين، قال شقيق المختطف عبد الله صبري هاشم، وهو من أهالي البصرة، إنّ "الشاب كان في سياحة إلى أربيل، قبل أن تفقد عائلته الاتصال به".

وأوضح شقيق عبد الله صبري خلال تصريحات نقلها موقع "ألترا عراق" في 23 أغسطس 2023، أنّ "العائلة تلقت اتصالا من شخص كردي قال إنّ الشخص المذكور اختطف على يد إيرانيين أثناء رحلة على الحدود في الثالث عشر من نفس الشهر".

وأضاف أنّ "الخاطفين اتصلوا عبر تطبيق واتساب من رقم إيراني، وطلبوا فدية بقيمة 7 آلاف دولار".

وفي السياق ذاته، تحدث جواد كاظم شقيق مختطف آخر من مدينة البصرة يدعى "موسى"، قائلا إنّ الأخير "ذهب إلى إيران في 13 أغسطس، وذلك بعد مراسلة على فيسبوك من شخص إيراني يدعى هارون، وعده بافتتاح مشروع تجاري".

ولفت شقيق المختطف أن "شخصا اتصل بي يوم 15 أغسطس، من رقم هاتف تركي، ووجه الكاميرا على وجه شقيقي، وظهر مقيدا بالسلاسل، وحدثني بأنه مخطوف".

وعلى الوتيرة ذاتها، تحدث ذوي مختطف آخر من سكان محافظة واسط العراقية، عبر مقطع تداولته مواقع التواصل الاجتماعي في 25 أغسطس 2023، أن "ابنهم أيضا جرى اختطافه في إيران وظهر مقيدا في السلاسل وعليه آثار تعذيب".

وأشار عم المختطف أحمد من واسط إلى أن "ابنهم البالغ من العمر 17 عاما كان يتراسل مع أحد السماسرة للهجرة خارج العراق، وخرج من المنزل وسافر من دون عملنا، لكننا فوجئنا بعد غيابه باتصال من شخص في محافظة السليمانية العراقية، يخبرنا بأنه مختطف ويطلب فدية".

وأضاف: "دفعنا فدية مالية قدرها 7 آلاف دولار، ولم يفرج عنه حتى الساعة، وبعدها عرفنا أن مواطنين عراقيين آخرين جرى اختطافهم، وتواصلنا مع ذويهم في البصرة، وأبلغونا بأنهم أيضا طلبوا فدية لقاء الإفراج عن مختطفيهم".

وشدد عم المختطف على أن "تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية، أحمد الصحاف بأن مقطع الفيديو الذي يظهر فيه ابنهم قديم ويعود إلى الشهر الماضي (يوليو/تموز)، وأنهم جرى الإفراج عنهم كله لا يمت إلى الحقيقة بصلة، وإذا كان كلامه صحيحا فأين أبناؤنا إذن؟".

وأظهر مقطع فيديو وصور تداولها ناشطون في 22 أغسطس 2023، اثنين من المختطفين مقيدين بسلاسل حديدية وهم شبه عراة، فيما ينهال عليهم أشخاص بالضرب المبرح، وسحل شاب ثالث في منطقة جبلية تبدو نائية ومهجورة.

تضارب رسمي

وعلى صعيد التعاطي الحكومي مع الأزمة، أصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية، أحمد الصحاف، توضيحا بشأن مقاطع فيديو لعدد من العراقيين المختطفين في إيران، أكد فيه أن هؤلاء (كانوا يقبعون) قرب الحدود الإيرانية التركية، جرى إطلاق سراحهم لقاء مبالغ مالية من قبل الخاطفين".

وبيّن الصحاف في بيان نشرته وكالة "الأنباء العراقية" الرسمية في 23 أغسطس، أن "مقاطع الفيديو المتداولة على مواقع التواصل تعود لحالة خطف منذ شهر يوليو/ تموز 2023".

وأضاف، أن "الجهات الأمنية المختصة لكلا البلدين والسفارة العراقية في طهران تتابع هذه الحالات لتحجيمها خاصة انهم يقومون بعمليات نصب واحتيال للحصول على الأموال"، داعيا "المواطنين إلى عدم الانجراف وراء مواقع التواصل الاجتماعي والشخصيات غير الموثوقة لعدم الوقوع بيد هذه العصابات الخارجة عن القانون".

وفي تصريح آخر للصحاف، أكد لوكالة "شفق نيوز" العراقية في 23 أغسطس، أن "حادثة الاختطاف هي نتيجة تعامل هذه المجموعة من المسافرين العراقيين مع شبكة لتهريب البشر، حيث تم الإيقاع بهؤلاء واختطافهم كرهائن والمساومة عليهم بمبالغ مالية".

وأضاف أن "المؤكد لدينا أن مكان المختطفين أصبح معلوما، كما أن عددهم معلوم أيضا، والشبكة التي اختطفتهم تتعامل بتجارة البشر، وهؤلاء العراقيين حاولوا الدخول إلى الأراضي الإيرانية بشكل غير شرعي، وتم الإيقاع بهم من قبلها".

وتابع الصحاف أن "وزارة الخارجية العراقية دائما ما تحذر وبشكل عالٍ المستوى من مخاطر التعامل مع شبكات الاتجار بالبشر، ففي هذا تهديد حقيقي على أرواح المسافرين من أبناء الشعب العراقي".

وفي 24 أغسطس، نفى مكتب محافظ البصرة، أسعد العيداني، إطلاق سراح العراقيين المختطفين في إيران.

وذكر مكتب العيداني في بيان أن "ديوان محافظة البصرة نفى نفيا قاطعا الخبر الذي جرى تداوله على إحدى منصات التواصل الاجتماعي ومفاده تأكيد محافظ المدينة إخلاء سبيل المختطفين العراقيين من الأجهزة الأمنية الإيرانية".

لكن في 26 أغسطس 2023، أفاد شقيق أحد العراقيين المختطفين في إيران، بإطلاق سراح ثلاثة منهم.

وقال جواد كاظم في حديث نقلته قناة "الرشيد" العراقية، إنه "جرى إطلاق سراح شقيقه المختطف موسى، مع اثنين آخرين"، مؤكدا أنهم "وصلوا مدينة الأحواز بأمان".

وأضاف أن "السلطات الإيرانية رتبت زيارة للمخطوفين وعوائلهم إلى مرقد الإمام الرضا (مرقد شيعي في مدينة مشهد الإيرانية)، ومن ثم إرسالهم إلى العراق"، مشيرا إلى "أنهم موجودون الآن، في مدينة الأحواز".

ضعف حكومي

وعن أسباب تصاعد عمليات اختطاف العراقيين في إيران، وتضارب الرواية الرسمية في بغداد والبصرة، قال العضو السابق في لجنة الأمن والدفاع البرلمانية بالعراق، حامد المطلك، إن "حصول هذه المناكفات بين الرأي العام سواء من أهالي المختطفين وغيرهم، وبين السلطان العراقية، هو بحد ذاته يعطي دلالة واضحة عن ضعف الأداء الحكومي".

وفي حديث لـ"الاستقلال" أرجع المطلك أسباب تصاعد حالات الاختطاف إلى "نظرة الجانب الإيراني للعراق من موقع أدنى، بمعنى أنهم يتصورون بأنهم هم من يحكم العراقيين، وأن من يدير السلطة في بلاد الرافدين هم مجرد مستمعين لهم ومنفذين. وهذا يعطيهم مجالا أكثر للتصرف على حساب كرامة العراقيين من دون وجود رادع لهم".

ورأى البرلماني السابق أن "الحكومة الحالية مقصرة في وضع حد لمثل هذه الحالات، فلو كانت السلطات العراقية من القوة بمكان في الدفاع عن مواطنيها لما وصلت الأمور إلى هذا الحال".

وأشار إلى أن "الخلافات السياسية الداخلية لها أثر كثير في إضعاف هيبة وسلطة الحكومة العراقية وتطبيق القانون والحفاظ على سيادة البلد، لذلك هناك تجاوزات ليست من إيران فقط وغيرها من دول المنطقة على العراق".

وتابع: "كل ذلك يعطي إشارة واضحة على أن الحكومة العراقية لم تنسجم مع تطلعات الشعب العراقي العامة، والحصول على تأييد المواطنين، وتتصرف تصرفا قويا يحافظ على سيادة البلد وكرامة العراقيين".

وأكد المطلك أن "تعارض الرواية الرسمية مع رواية ذوي المختطفين تزيد من انعدام الثقة الموجودة أساسا بين السلطة والشعب العراقي، وأنها دليل على أن المواطن لا يثق بما تقوم به الحكومة أو تصرح به".

من جهته، قال عضو "التحالف الوطني" العراقي المعارض، لبيد الصميدعي، إن "موقف الحكومة في بغداد من اختطاف العراقيين في إيران باهت وبارد يعكس عدم مبالاة الحكومة بحياة المواطن العراقي".

وأضاف الصميدعي خلال مقابلة تلفزيونية في 25 أغسطس، أن "المواطن العراقي وقع بين كماشتي إيران وحكومة (محمد شياع) السوداني، بينما الأحزاب الولائية (قوى شيعية تدين بالولاء لنظام ولاية الفقيه الإيراني) تحاول جاهدة دفع التهم ضد إيران وتزييف الوقائع".

ولم تكن حادثة اختطاف العراقيين الحالية هي الأولى من نوعها، فسبق أن قتل الشيخ نعمة هادي العيساوي، أحد شيوخ عشيرة آل عيسى بمدينة كربلاء العراقية، وحرْقت جثته ورميت من أعالي الجبال بعد سرقة أمواله أثناء وجوده في مدينة مشهد الإيرانية، لأغراض العلاج في يوليو 2017.

وقال أقارب الشيخ في حينها على إحدى القنوات الفضائية العراقية، إنَّ الفقيد عُرف في محافظة كربلاء باستقباله للزائرين الإيرانيين وإكرامهم بحُسن الضيافة، لكنَّهم غدروا به وقتلوه وحرَّقوا جثته، وأن السلطات الإيرانية تماطل في معاقبة الجناة بعد اعتقالهم.

وكشف شيوخ عشائر آل عيسى أنَّ السلطات الإيرانية لم تسلمْهم جثة الفقيد، إلا بعد ثلاثة أشهر ولم تكتب أنَّ أسباب الوفاة جريمة قتل، وإنَّما اكتفت بتثبيت أنها وفاة اعتيادية في شهادة الوفاة، حسبما أظهر مقطع فيديو على إحدى القنوات الفضائية العراقية.