طريق تركيا نحو الحياد الكربوني والطاقة النظيفة.. لماذا يمر عبر الإمارات؟

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

صاغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رؤيته حول مستقبل بلاده في التحول نحو الطاقة النظيفة والحياد الكربوني، في كتابه "نحو عالم أكثر عدلا" والذي نشر في عام 2021. 

وأطلق أردوغان على تلك الخطة مصطلح "الثورة الخضراء"، مشددا على أن تركيا تستهدف تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2053.

إذ حذر في كتابه بأن "تغير المناخ واقع يهدد مستقبل البشرية، لذلك ستؤدي تركيا بطبيعة الحال دورا رائدا في هذه المسألة الحيوية".

منذ ذلك الوقت اتخذت أنقرة خطوات ملموسة على الصعيدين الداخلي والخارجي، لتطوير بنية الطاقة النظيفة لديها، وعقدت اتفاقيات مع قوى عالمية، كالاتحاد الأوروبي لإحداث نقلة نوعية في هذا المجال.

وكانت الإمارات من الدول المهمة التي شهدت شراكة واسعة ومن نوع خاص مع تركيا لتحقيق الحياد الكربوني الصفري.

فما هو الحياد الكربوني؟ وما أهميته؟ ولماذا تخطط تركيا للوصول إليه؟ وما دور الإمارات في تلك العملية؟

شراكة إستراتيجية

في 25 أغسطس/آب 2023، نشرت صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية، مقالا لوزير الطاقة التركي "ألب أرسلان بيرقدار"، قال فيها: "إن طريق تركيا نحو الحياد الكربوني يمر عبر الإمارات وتمثل الشراكة الإستراتيجية بين أنقرة وأبوظبي قفزة عملاقة إلى الأمام نحو تحقيق هذا الهدف".

وأضاف بيرقدار: "تركيا وقعت مع الإمارات اتفاقية في مجال الطاقة بقيمة 29.7 مليار دولار وتعهدت الدولتان بالتنفيذ المشترك لمشاريع ضخمة في مجموعة واسعة من المجالات بدءا من الطاقة المتجددة بما في ذلك طاقة الرياح البحرية والطاقة الشمسية وحتى الهيدروجين النظيف والطاقة النووية".

وذكر الوزير التركي أن "تركيا والإمارات ستعملان معا لقيادة تحول المنطقة إلى الطاقة النظيفة والجهود المبذولة لتحقيق الأهداف المناخية".

وأتبع: "اتفاقنا الأخير مع الجانب الإماراتي يعكس قيمة أساسية للسياسة الخارجية التركية وهي تعزيز التعاون الدولي على أساس المصالح المتبادلة ومبدأ التحول العادل للطاقة للجميع".

وتطرق إلى خطة بلاده المستقبلية قائلا: "سنواصل زيادة إنتاجنا من النفط والغاز الطبيعي فضلا عن بناء محطات الطاقة النووية لتنويع مزيج الطاقة لدينا". وتحدث عن الشراكة الإستراتيجية مع أبوظبي ووصفها بقفزة عملاقة إلى الأمام.

واستطرد: يجب أن تكون الشراكة التركية الإماراتية بمثابة تذكير للبلدان في جميع أنحاء المنطقة بأن تغيير مسار التاريخ يظل ضمن نطاق الممكن إذا عملنا معا وقدمنا التزاما ثابتا بترك وراءنا مستقبل مشرق لأطفالنا وأحفادنا.

 

الحياد الكربوني

وكان أردوغان قد التقى نظيره الإماراتي محمد بن زايد في 19 يوليو/تموز 2023، في قصر "الوطن" بـ "أبو ظبي" ووقعا اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة. 

وتطرقا إلى مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "كوب 28" الذي تستضيفه الإمارات نهاية العام 2024، وأكدا على تحقيق تعاون متزايد في مجال العمل المناخي.

ولا سيما أن لديهما خططا طموحة في مجال الطاقة المتجددة وتحقيق الحياد الكربوني، وقد اتخذت الإمارات خطوات واسعة ومتقدمة قبل استضافتها لمؤتمر المناخ، وتسعى أنقرة للاستفادة من تلك النقلة.

وعرفت اتفاقية باريس للمناخ التي أقرت في 12 ديسمبر/كانون الأول 2015، "الحياد الكربوني" أو "الحياد الكربوني الصفري" بأنه خفض انبعاثات الكربون إلى أقصى حد، والتعويض عما لا يمكن التخلص منه.

وذكرت أن تحقيق ذلك يعتمد على سبل متعددة مثل استخدام السيارات النظيفة، والتحول إلى الاقتصاد الأخضر والمشاريع الصديقة للبيئة.

وكذلك الحد من التصنيع كثيف الإصدار للانبعاثات، والاعتماد على مصادر الكهرباء الأكثر خضرة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، والتوسع في مبادرات التشجير. 

ويُلقي علماء المناخ باللائمة في تسريع وتيرة الاحتباس الحراري على التراكم الهائل لثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي منذ الثورة الصناعية الأوروبية.

ومنذ ذلك الوقت بدأت عشرات المدن والشركات والمؤسسات حول العالم في المضي نحو خفض انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، ما يخفف من آثار التغير المناخي الذي يهدد العالم بأكمله.

فيما تعكف السلطات الأوروبية على إعداد تشريعات بهذا الشأن، لتصبح أول قارة تتحول للحياد الكربوني، وفي نفس الوقت تسعى الحكومة التركية بقوة لهذا المسار، حيث صادق البرلمان التركي في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2020 على اتفاقية باريس للمناخ.

 

دوافع تركيا 

ويعد الدافع الرئيس لتحول تركيا نحو الحياد الكربوني، هو حماية نفسها من الكوارث الطبيعية. 

وقد شهدت تركيا كوارث طبيعية غير مسبوقة في صيف عام 2021، بما في ذلك حرائق الغابات والفيضانات، وأعلن حينها وزير الزراعة والغابات السابق بكر باك دميرلي: "إنها كارثة لم نعش مثلها منذ 100 عام".

وقدر الخسائر بأكثر من 50 مليون دولار، بعد وصول النيران إلى مناطق سكنية، خاصة بولاية بودروم، واحتراق عدة قرى وتشريد سكان تلك المناطق بعد تدمير الممتلكات والمحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية.

بعدها منحت تلك الأزمات زخما لمواجهة الاحتباس الحراري، وأصبحت قضية أمن قومي لتركيا.

وآنذاك، قال بهادير كاليجاسي، رئيس "معهد البوسفور"، وهو جمعية فرنسية تشجع العلاقات التركية مع فرنسا وأوروبا: "تظهر كل استطلاعات الرأي العام أن على الأحزاب السياسية في تركيا بالانتخابات المقبلة، أن تعالج هذه المسألة بجدية بالغة".

وبالفعل وضع الرئيس أردوغان قضية مواجهة الاحتباس الحراري والتحول نحو الحياد الكربوني على أجندته الانتخابية في الانتخابات الرئاسية التي انتهت بفوزه في 28 مايو/أيار 2023. 

محطة أكويو

وعلى المستوى العملي فإن أنقرة لم تكتف بالاتفاقيات والشركات، لكنها اتخذت خطوات فعلية للتحول نحو الطاقة النظيفة والحد من انبعاثات الكربون.

كانت أهم تلك الخطوات في 27 أبريل/نيسان 2023، عندما أعلنت عن أول محطة وقود نووي في البلاد "أكويو".

وتحدثت مجلة "فورميكي" الإيطالية عن ذلك المشروع، بأنه "من المحتمل أن تكون المحطة قادرة على إنتاج 35 مليار كيلوواط/ساعة من الكهرباء سنويا وتلبية حوالي 10 بالمئة من احتياجاتها منها في البلاد".

وأضافت بأنه أول مشروع محطة للطاقة النووية في العالم يتم تنفيذه من خلال نموذج عقود البناء والامتلاك والتشغيل.

وذكرت أن المشروع، تبلغ تكلفته 20 مليار دولار وقدرته 4800 ميجاوات ويتضمن بناء 4 مفاعلات في مدينة أكويو المطلة على البحر المتوسط، وسيؤذن بانضمام تركيا إلى الدول القليلة التي تمتلك طاقة نووية مدنية نظيفة.

وأيضا افتتحت تركيا في الثاني من مايو 2023 أكبر محطة للطاقة الشمسية على مستوى أوروبا، وهي محطة "قاليون قره بينار" بمدينة قونية.

وهي من القلائل من نوعها عالميا، فهي تلبي احتياجات مليوني شخص من الكهرباء النظيفة، وفق ما أكدت صحيفة "حرييت" التركية.

 

صفر نفايات

وهو ما جاء بالتوازي مع طرح السيارة الكهربائية التركية محلية الصنع "توغ" التي وجدت في الأسواق منذ مطلع أبريل/نيسان 2023، وكانت في حد ذاتها نتاج خلق بنية تحتية كبيرة من محطات الكهرباء.

وتأتي "توغ" ضمن إطار يعزز مع مرور الوقت الاعتماد على السيارات النظيفة كبديل للسيارات التي تعمل بالوقود وتساعد على تلوث الهواء بالكربون.

ومع استخدام الطاقة النظيفة، عملت تركيا على مواجهة مشكلة النفايات التي تسبب انبعاثا كثيفا في الكربون المضر.

وهو أمر بدأته الدولة منذ سنوات عندما أطلقت مشروع "صفر نفايات" عام 2017، بهدف مكافحة تأثير النفايات والمخلفات في البيئة.

كما أطلقت برنامج "صفر نفايات زرقاء" في يونيو/حزيران 2019، لحماية البحار وموارد المياه وتنظيفها من أطنان النفايات التي تضر الكائنات التي تعيش في المياه وحماية الإنسان المستهلك من الأضرار.

وفي 26 ديسمبر 2022 تمكنت شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية "توساش" من إعادة تدوير 99 بالمئة من نفاياتها، كنموذج للشركات والمؤسسات التركية التي تستهدف الحد من النفايات والتحول نحو الطاقة النظيفة والحياد الكربوني.