لعبة الموازين.. لماذا تستعين روسيا بالجامعات في استخدام الطائرات المسيرة؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

"حرب الطائرات المسيرة" باتت هي العنوان الأبرز للغزو الروسي لأوكرانيا، والتي أخذت بها العمليات العسكرية "تكتيكا جديدا" نظرا لفاعلية هذا السلاح الجوي في تدمير البنى التحتية والمنشآت ذات الأهمية الإستراتيجية فضلا عن دورها بـ"لعبة الموازين" في العمليات القتالية.

ومع استمرار المواجهات، تشعر روسيا أنها دخلت في حرب طويلة الأمد مع جارتها أوكرانيا التي تتلقى دعما عسكريا من المعسكر الغربي لكسر شوكة موسكو.

تطوير القطاع

ولهذا تتجه موسكو إلى تطوير قطاع الطيران المسير خدمة لأغراض الغزو المستمر ضد أوكرانيا منذ 24 فبراير/شباط 2022.

وفي ظل النمو الكبير في استخدام الطائرات بدون طيار في العمليات العسكرية الروسية، تفتح الجامعات والمعاهد الفنية الروسية مئات الأماكن لعقد دورات جديدة لمشغلي الطائرات بدون طيار.

ويستعد الآلاف من الشباب الروس للانضمام إلى دورات تشغيل الطائرات بدون طيار الجديدة التي تقدمها أكثر من 10 جامعات حكومية وحوالي 30 كلية فنية في جميع أنحاء البلاد.

ويضاف ذلك مع وجود عدد من المؤسسات الخاصة التي تقدم أيضا برامج مماثلة، حيث يوجد حاليا أكثر من 100 دورة تلبي احتياج عدة آلاف من الطلاب حيث يجرى تمويل الجزء الأكبر منها من قبل الدولة الروسية.

وتأتي هذه الزيادة في دورات "الطائرات بدون طيار" وسط طلب متزايد على كل من سوق الطائرات بدون طيار المدنية والعسكرية في ظل توسع دائرة الهجوم ضد أوكرانيا وبروز تكتيك جديد يجعل من الطيران المسير رأس حربة في التأثير على الخارطة العسكرية في البر والبحر.

اللافت أن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أرسل بشكل غير رسمي طلبا عبر الكرملين لوزير التعليم، فاليري فالكوف، لإعداد تلك البرامج كجزء من الجهود المبذولة لتعبئة المجتمع المدني في المجهود الحربي.

ووفقا لتقارير وسائل الإعلام الروسية فإن هناك أكثر من 160 هجوما جويا بطائرات بدون طيار خلال عام 2023 في روسيا وفي الأراضي التي تسيطر عليها موسكو في أوكرانيا.

كما كان هناك نحو 12 هجوما بحريا بطائرات دون طيار على أهداف روسية في البحر الأسود نقطة صراع جديدة ضمن الحرب الأوكرانية، بما في ذلك القواعد البحرية وجسر القرم الذي يشكل بنية تحتية مهمة مدنيا وعسكريا تربط روسيا بشبه الجزيرة التي ضمتها موسكو عام 2014 والتي تتعرض لهجومات صاروخية متكررة.

وتركزت الهجمات الجوية بطائرات دون طيار في منطقتي بريانسك وبيلغورود في روسيا قرب الحدود الغربية مع أوكرانيا، وكذلك في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا.

فيما تكثفت الهجمات بواسطة مسيرات أوكرانية أخيرا ولم تستثن موسكو حيث تحطمت مسيرات عدة على برج في حي الأعمال في العاصمة الروسية متسببة بأضرار طفيفة في واجهته، وفي مايو/أيار 2023 جرى إسقاط مسيرتين فوق الكرملين.

بالمقابل، في 5 أغسطس/آب 2023 استهدفت ضربة صاروخية روسية مباني شركة تصنيع الطائرات "موتور سيش" التي تديرها كييف منذ العام 2022 بهدف المساعدة في الجهد الحربي، بحسب ما أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

مسيرات إيرانية 

كل تلك المعطيات الظاهرة، تدفع روسيا إلى تعزيز قطاع طائراتها المسيرة في ظل الحرب الأوكرانية، رغم أن القوات المسلحة الروسية تحتل المركز الثاني في العالم من حيث عدد الطائرات المسيرة، وفق تقرير لوكالة "سبوتنيك" نشرته في 20 أبريل/نيسان 2018.

وارتفع عدد الطائرة المسيرة في روسيا منذ عام 2011 أكثر من 10 مرات، حيث تشارك هذه الأجهزة في الاستطلاع وتحديد الأهداف وتعديل مسار المدفعية والضربات الجوية وتساعد في تقييم الخسائر، التي لحقت بالخصم.

كما تملك القوات البحرية والبرية والجوية حاليا 67 كتيبة من الطائرات المسيرة، ووفقا لتقديرات الخبراء، فإن عدد الطائرات المسيرة لدى الجيش الروسي أكثر من 2000.

لكن روسيا رغم هذه القوة في قطاع الطيران المسير، إلا أنها لا تزج بها بشكل واضح في معارك أوكرانيا، بل تعتمد على الطائرات المسيرة الإيرانية.

بل تفيد تقارير أميركية بقيام موسكو بالتواصل مع طهران للحصول على طائرات مسيرة إيرانية وتدريب كوادر روسية على استخدامها.

وكشفت معلومات استخباراتية نشرها البيت الأبيض في 30 يونيو/حزيران 2023 أن إيران زودت روسيا بالمواد اللازمة لبناء منشأة لتصنيع الطائرات المسيّرة شرق موسكو، حيث يتطلع الكرملين إلى تأمين إمدادات ثابتة من الأسلحة لحربه المستمرة على أوكرانيا.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، وقتها، إن "مسؤولي المخابرات الأميركية يعتقدون أن المصنع الذي يجري بناؤه في منطقة يلابوغا الاقتصادية الخاصة الروسية يمكن أن يبدأ العمل في أوائل عام 2023".

ونشر البيت الأبيض صورا التُقطت عبر الأقمار الصناعية في أبريل/ نيسان 2023، للموقع الصناعي على بعد عدة مئات من الأميال شرق موسكو.

وأعربت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في ديسمبر/ كانون الأول 2022 عن اعتقادها أن طهران وموسكو تفكران في إقامة خط تجميع للطائرات بدون طيار في روسيا.

وزعمت إيران أنها زودت روسيا بطائرات مسيرة قبل بدء الحرب على أوكرانيا.

فيما تمكنت كييف من إسقاط العشرات من المسيرات الإيرانية المهاجمة للمواقع الأوكرانية الحساسة، وهذا ما دفعها لقطع علاقاتها مع طهران.

وللرد على إيران، عمد البرلمان الأوكراني، في 29 مايو/أيار 2023 إلى إقرار مشروع قانون بشأن فرض عقوبات على إيران المتهمة بتزويد موسكو بأسلحة تستخدمها في غزوها لأوكرانيا.

وتضمنت حزمة العقوبات وقتها "حظرا على التجارة العسكرية مع إيران ووقف عبور هذه البضائع عبر أوكرانيا وتعليق الالتزامات الاقتصادية والمالية لصالح المقيمين الإيرانيين".

الموارد المدنية

ومع تبلور تحول الحرب الروسية في أوكرانيا إلى حرب طويلة الأمد، تستعد وزارة الدفاع الروسية للاستفادة بشكل أكبر من الموارد المدنية للبلاد.

لا سيما فيما يتعلق برأس المال البشري. فمع خسارة العديد من قواته المحترفة في السنة الأولى من الغزو، يمارس الجيش ضغوطا متزايدة للتجنيد الطوعي، ويهيئ السكان لشريحة تجنيد أوسع تتراوح من 18 إلى 30 عاما بدءا من 1 يناير/كانون الثاني 2024، فالحد الأقصى لعمر المجند حاليا هو 27 سنة.

وفي ظل عدم اليقين السائد، تبدو الدورات الجديدة جذابة بشكل خاص: فهي توفر حماية مؤقتة من التجنيد ويمكن أن توفر في حال استدعاء المتدربين للتجنيد، فرصة خدمة عسكرية أقل خطورة جسديا، وفق ما ذكرت مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بالشؤون الاستخباراتية بتقرير لها بتاريخ 18 أغسطس/آب 2023.

وتعد دروس مشغلي الطائرات بدون طيار المنتشرة أمرا جديدا. ففي حين أن التخصص موجود كدورة منفصلة داخل الجيش الروسي منذ عام 2013، إلا أن التدريب كان قصيرا من حيث الوقت، ويستمر من بضعة أيام إلى بضعة أسابيع، ولا يُمنح إلا للأفراد العسكريين.

وجرى إجراء الدورات من قبل مركز 924 الحكومي للطيران بدون طيار التابع لوزارة الدفاع، بقيادة العقيد مكسيم جالكين، بالإضافة إلى وحدات مماثلة داخل وكالات أمنية أخرى مثل جهاز أمن الدولة (FSB) والحرس الوطني ووزارة الداخلية.

وتقدم الشركات المصنعة للطائرات بدون طيار الخاصة أيضا دورات مدفوعة، بعدما باتت تلك الطائرات النجم الحقيقي للحرب الجوية.

إن شركة "Zala Aero" التابعة لشركة كلاشينكوف، والتي تقود الجهود لزيادة إنتاج الطائرات بدون طيار من طرازها البارز "لانسي" تقدم حاليا دورات مدنية تستمر عدة أيام.

وأصبحت الخطوط الفاصلة بين البحث والإنتاج والتدريب غير واضحة بشكل متزايد منذ أواخر عام 2022، ويعمل مركز سخالين للتقنيات غير المأهولة الذي افتتح حديثا على تطوير وتصنيع نماذجه الحديثة الخاصة جنبا إلى جنب مع الدورات المتقدمة المقدمة فقط لموظفي الأمن.

وفي الوقت نفسه، تتمتع البرامج الجديدة المفتوحة لمجموعة أوسع من المتعلمين بميزة إنشاء مجموعة من المهارات لدى السكان المدنيين الأوسع ممن يسهل تجنيدهم.

تجنيد جديد

ويتزايد الطلب أيضا على مهنة أخرى منها الطباعة ثلاثية الأبعاد والنمذجة، وقد بدأت الدورات التدريبية التي تتراوح ما بين 10 إلى 24 شهرا في الظهور في هذا المجال الذي تشتد الحاجة إليه بشكل متزايد من قبل الصناعة الروسية التي تخضع لعقوبات مشددة من الغرب على خلفية غزو أوكرانيا.

وتُحرم حاليا موسكو من التكنولوجيا الغربية التي اعتمدت عليها لفترة طويلة.

وعندما يعود الطلاب الروس إلى الدراسة في سبتمبر/أيلول 2023، سيتمكنون في العديد من مؤسسات التعليم العالي بالبلاد من تعلم كيفية عمل الهندسة العكسية للتقنيات المفقودة باستخدام هذه الأدوات.

وستكون هذه المهارات مفيدة للجيش، وكذلك للصناعات الثقيلة والاستخراجية والتصنيعية.

قد لا تبدو الطائرات بدون طيار ذات الاتجاه الواحد (OWA)، والمعروفة أيضا باسم الكاميكازي أو الطائرات الانتحارية بدون طيار، ذات أهمية كبيرة، ولكنها تشكل تحديا خطيرا للدفاعات الجوية للعدو.

وتكمن المشكلة في أن إنتاج الطائرات بدون طيار بعيدة المدى رخيص نسبيا، مما يعني أن المهاجم يمكنه استيعاب الخسائر ومواصلة الضغط لفترة طويلة من الزمن.

 وهذا يجبر المدافعين على استنفاد الإمدادات المحدودة من صواريخ الدفاع الجوي باهظة الثمن نسبيا والتي هناك حاجة ماسة إليها للحماية من التهديد الأكبر بكثير الذي تشكله الضربات الجوية الصاروخية، وفق الخبراء العسكريين.

ومع إثارة هجمات الطائرات بدون طيار على موسكو الآن انزعاجا عاما وتسبب قدرا كبيرا من الإحراج للكرملين، يواجه المخططون العسكريون الروس نفس المعضلة التي يواجهها نظراؤهم الأوكرانيون.

ويجب عليهم إيجاد توازن بين الحفاظ على الدفاعات الجوية على طول الخطوط الأمامية للحرب وتأمين المجال الجوي فوق العاصمة الروسية والمدن الرئيسة الأخرى.

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يوليو/تموز 2023 إن صناعة الطائرات بدون طيار الروسية يجب أن تبلغ قيمتها 12 مليار دولار بعد زيادة الإنتاج المخطط لها.

فيما ذكر النائب الأول لرئيس الوزراء، أندريه بيلوسوف، أن روسيا يمكن أن تبدأ في إنتاج 18 ألف طائرة بدون طيار سنويا بحلول نهاية عام 2026.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، في 18 أغسطس 2023 تشير وثائق مسربة، أن روسيا قامت ببناء منشأة مستقلة لإنتاج الطائرات بدون طيار في منطقة تتارستان، على بعد 500 ميل شرق موسكو، مع خطط لتصنيع حوالي 6000 طائرة بدون طيار بحلول منتصف عام 2025.

ويعمل المهندسون في المنشأة على تحسين تصميم الطائرة الإيرانية بدون طيار، بهدف إنتاجها على نطاق أوسع وتحسين الجودة. وهم يستكشفون أيضا القدرات اللازمة لشن "هجمات سرب" منسقة.