إثيوبيا تخدع السيسي مجددا.. لماذا تأخر فيضان النيل عن موعده المعتاد؟

12

طباعة

مشاركة

"لم يأت فيضان النيل في موعده لأول مرة في التاريخ"، خلاصة أدلى بها أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي أثارت الجدل في ظل استمرار أزمة سد النهضة مع إثيوبيا.

وقال "شراقي" عبر صفحته على فيسبوك: "لأول مرة في التاريخ سيكون عيد وفاء النيل 15 أغسطس/آب 2023 بدون فيضان".

أوضح أن الأمطار تسقط في إثيوبيا في 3 – 4 أشهر رئيسة (يوليو/تموز – أكتوبر/تشرين الأول)، ويبدأ وصول المياه إلى مصر فعليا آخر يوليو - أول أغسطس من كل عام.

ويتأكد وصولها في منتصف أغسطس حيث يحتفل المصريون بوصول الفيضان محملاً بالخير الوفير من المياه.

أضاف: الفيضان يصل في بداية أغسطس عند بحيرة ناصر أمام السد العالي، ولكن لأول مرة هذا العام لا يأتي في موعده بسبب التخزين الرابع في سد النهضة.

ومنذ سنوات تطالب القاهرة بالتوصل إلى اتفاق ثلاثي قانوني ملزم (يشمل السودان) بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي الذي بدأ بناؤه في 2011.

وهو ما ترفضه أديس أبابا وتقول إن السد مهم لجهود التنمية، وخاصة عبر توليد الكهرباء، ولن يضر بمصالح أي دولة أخرى، مما أدى إلى تجميد المفاوضات أكثر من مرة أحدثها قبل ما يزيد عن عامين.

وفي 6 يوليو 2023 أكد رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد أن الملء الرابع لسد النهضة "سيتم"، لكنه زعم أن بلاده "ستراعي مخاوف مصر والسودان، بحيث يتم الملء بطريقة مختلفة عن المرات الثلاث السابقة".

أوضح هذه "الطريقة المختلفة" بقوله: "بدلا من استكمال الملء، مطلع أغسطس 2023، كما في الجولات الثلاث السابقة، سيؤجل لبداية لنهاية ذات الشهر أو مطلع سبتمبر/أيلول"، وفق ما نقلت عنه "وكالة الأنباء الإثيوبية".

ولكن ما جرى، يؤكد مخالفة إثيوبيا ما أعلنته وبدأ التخزين بالتزامن مع بدء الفيضان أول أغسطس والذي من المتوقع أن يستمر حتى سبتمبر 2023، وفق خبير في هيئة السد العالي المصري، فضل عدم ذكر اسمه.

ويرى الخبير في حديث لـ"الاستقلال" أن إثيوبيا تعمدت، خلال لقاء رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي وأحمد، تمديد المفاوضات مع مصر حول السد لمدة أربعة أشهر، حتى تكون قد أنهت الملء الرابع وزادت من فرض الأمر الواقع على القاهرة.

وكان اللقاء المذكور جرى في 13 يوليو، وشهد أجواء إيجابية خلال استئناف المناقشات بينهما، وأن هناك تأكيدات من رئيس وزراء إثيوبيا على صدق نوايا بلاده واستعداداتها  للتوصل إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن حول ملء وتشغيل سد النهضة، وفق ما صرحت الرئاسة المصرية وقتها.

"وفاء" أم وفاة؟

وتندر مصريون أن يتحول يوم عيد الاحتفال التقليدي في مصر بـ "وفاء النيل" في 15 اغسطس من كل عام، إلى "وفاة النيل" لعدم وصول فيضان النيل الأزرق إلى البلاد لأول مرة بفعل حجب إثيوبيا المياه عنهم.

ويحتفل المصريون في 15 أغسطس من كل عام بعيد "وفاء النيل"، امتنانا لوفاء النهر في تزويدهم بالمياه، وقد كانوا في العهد الفرعوني يلقون دمية خشبية خلال حفل كبير يحضره الملك وكبار رجال الدولة.

ورغم أن شراقي مؤيد لنظام عبد الفتاح السيسي، فقد هاجمته لجان السلطة الإلكترونية واتهموه بترويج شائعات أن فيضان النيل لم يصل، وأكدوا أنه "وصل بألف سلامة لأرض الوطن وكل دي إشاعات مغرضة لهدم الدولة المصرية".

وأكد خبير المياه المصري هاني إبراهيم أيضا عدم وصول مياه الفيضان لمصر والسودان يوم عيد وفاء النيل 15 أغسطس.

قال إنه في أشد سنوات الجفاف خلال فيضان يوم 15 أغسطس 1984 سجلت محطة الديم الحدودية بالسودان 283 مليون متر مكعب يومياً.

لكنها في 15 أغسطس 2023 وهو يوم وفاء النيل لم يصل إلى هذه المحطة الحدودية بالسودان أكثر من 150 مليون متر مكعب يومياً من خلال ممري الاستخدامات والتوربينين المنخفضين في السد الكارثي الإثيوبي.

أي أن السد الإثيوبي مرر نصف إيراد أشد سنوات الجفاف، وتسبب في جفاف اصطناعي للنيل الأزرق بحجب مياهه عن مصر.

وأوضح، عبر حسابه علي فيسبوك أن أعلى إيراد للفيضان في 15 أغسطس جرى تسجيله عام 2017 بحوالي 779 مليون متر مكعب يومياً، وفي نفس اليوم من عام 1988 تم تسجيل 662 مليون متر مكعب يومياً. 

ويتوقع الخبير المصري هاني إبراهيم أن تبدأ مياه النيل والفيضان في الوصول إلى مصر خلال الفترة من 27 إلى 30 أغسطس 2023، عندما يمتلئ السد في الملء الرابع بسعة اجمالية حوالي 42 مليار متر مكعب وتبدأ المياه تمر من الممر الأوسط للسد.

وبحسب رصد خبراء المياه في مصر، بدأت إثيوبيا في 14 يوليو 2023 عملية التخزين الرابعة عكس ما قاله رئيس الوزراء الإثيوبي كذبا عن أنه لن يبدأ أول أغسطس وإنما آخره أو أول سبتمبر.

قالوا إن إثيوبيا زادت ارتفاع الجانبين والممر الأوسط حتى مستوى يتراوح بين 620 و625 متر فوق سطح البحر، وهو ما يعني احتجاز مزيد من مياه النيل في سد النهضة خاصة أن أديس أبابا لم تفتح بوابتي التصريف (60 -70 مليون م3/ يوم).

وكشفت صور عبر الأقمار الاصطناعية أن كميات تخزين المياه بعد الملء الرابع لسد النهضة، وصلت إلى أكثر من 9 مليارات متر مكعب، وتجاوزت الكمية الإجمالية للمياه 26 مليار متر مكعب.

وأوضحت الصور أن منسوب بحيرة سد النهضة وصل إلى أكثر من 600 متر فوق سطح البحر، بعد التخزين الأخير منذ 14 يوليو حتى 14 أغسطس 2023.

الخديعة مستمرة

وفي 13 يوليو 2023، اتفق رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، على بدء مفاوضات "عاجلة" بخصوص سد النهضة وقواعد تشغيله، حسبما جاء في "بيان مشترك" نشره متحدث الرئاسة المصرية.

رغم الحديث عن تطلعهما لحل أزمة سد النهضة في 4 أشهر، لم تلتزم إثيوبيا باتفاق رسمي حول الملء الرابع واكتفت بتعهد شفوي، حول التزامها، أثناء الملء "بعدم إلحاق ضرر ذي" شأن بمصر والسودان، وتوفير الاحتياجات المائية لكلا البلدين.

وترجع خطورة "البيان المشترك" الذي وقعه السيسي مع آبي أحمد إلي أنه يقر ضمنا موافقة مصر على الملء الرابع لسد النهضة، بعدما رفضت القاهرة الملء في المرات الثلاثة السابقة.

أيضا، لم يشير "البيان المشترك" لحجم الملء، واكتفى بوعد شفهي بعدم الإضرار بمصر، رغم أن أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي، يتوقع أن يؤثر الملء الرابع على 45 بالمائة من حصة البلاد من المياه.

وأشار تحليل سابق لـ "الاستقلال" إلى خمسة عيوب أو سقطات شهدها اتفاق السيسي وآبي أحمد (البيان المشترك) تصب في صالح إثيوبيا وتعد استمرارا لتراجع الموقف المصري من أزمة سد النهضة.

أبرزها أن التعهد الشفوي الإثيوبي لمصر بعدم الإضرار بها، بمثابة تنازل جديد من السيسي، حيث شمل ضمنا الموافقة على الملء الرابع بصورة رسمية، مقابل تعهدات كلامية سبق أن تعهد بها "آبي احمد" لكن استمر الضرر.

وتعهد إثيوبيا بعدم الضرر بمصر "ضرر كبير" أو "ذي أهمية" أو significant harm كما جاء في النسخة الانجليزية من البيان، ما يعني قبول القاهرة بتضررها ولكن بشكل ليس كبيرا.

ويقول خبراء مياه مصريون إن إثيوبيا تستهدف تخزين ما يوازي نصف حصة مصر السنوية من مياه النيل، أي تخزين ما بين 20 إلى 25 مليار متر مكعب في الملء الرابع لسد النهضة.

وفي المرات الثلاث السابقة كان إجمالي التخزين 17 مليار متر مكعب في 3 سنوات، والآن تستهدف تخزين 25 مليار متر مكعب مرة واحدة، أي ما يمثل تقريبا نصف حصة مصر المائية من مياه نهر النيل، التي تبلغ 55 مليار متر مكعب من المياه سنويا.

ومن المتوقع أن يصل إلى مصر كميات قليلة جدًا من إيراد النيل الأزرق، وهو ما يمثل 60 بالمئة من حصتها المائية بسبب حجز إثيوبيا المياه في الملء الرابع، وهي كميات مياه مخزنة في سد النهضة كان من المفترض أن تصل إلى القاهرة.

ويلخص وزير الموارد المائية والري المصري السابق محمد نصر الدين علام قصة سد النهضة، بالقول إن "هدفه الأساسي التأثير سلبا على حصة مصر المائية واستكمال بناء مخطط سدود إثيوبية للتحكم في مياه النيل الأزرق".

قال في تصريحات عبر حسابه على فيسبوك: "المخطط معروف للجميع بل منشور علميا في دوريات عالمية في أوروبا وأميركا، ولن يتوقف هذا المخطط إلا بالأيادي المصرية".

أضاف في رسالة ضمنية لنظام السيسي: "الاعتماد على آخرين للمحافظة على حقوقنا مضيعة للوقت والجهد، بل ومضيعة لنا وحقوقنا كمصريين".

ويقول عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن ما حدث مماطلة جديدة من الجانب الإثيوبي، مطالبا بمراقبة عمليات الملء في سد النهضة.

 قال لموقع "تايمز أوف إيجيبت" الذي يبث من لندن 16 أغسطس 2023 إن عدم التزام إثيوبيا باتفاقية المبادئ التي وقعتها مع مصر والسودان في 2014، أكبر دليل على تلاعب آبي أحمد لكسب الوقت وتنفيذ مهمة التضييق على القاهرة من خلال السد.

وطالب الأشعل بإلزام الجانب الإثيوبي السماح بالمشاركة في إدارة عمليات الملء في سد النهضة، ومتابعة التخزين وتركيب التوربينات التي تزعم إثيوبيا أن هدفها توليد كهرباء من السد وليس حجب نسبة كبيرة من المياه تضر مصر والسودان.

كيف تتضرر مصر؟

رغم أن كل الخبراء يؤكدون تضرر مصر من سد النهضة فإن رئيس مصلحة الري محمد صالح زعم على قناة "صدى البلد" الموالية للنظام في 12 أغسطس 2023، أنه لم يحدث أي نقص في حصة القاهرة من مياه نهر النيل طوال السنوات الماضية وحتى الآن.

قال إن مصر "لم تتأثر بسد النهضة الإثيوبي بسبب الفيضانات العالية والأمطار الغزيرة وبالتالي وصلت حصتها من مياه نهر النيل كاملة"، بحسب صحيفة "المصري اليوم" 12 أغسطس 2023.

ولذلك تعجب الدكتور عباس شراقي من هذه التصريحات الحكومية بشأن عدم تأثير سد النهضة سلبًا على مصر حتى الآن، مؤكدًا أن أزمة سد النهضة تسببت في خسارة البلاد مليارات الدولارات.

ضرب مثالا، بإنفاق مصر عشرات المليارات من الدولارات في مشروعات لترشيد استهلاك المياه، ومعالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، رغم الظروف الاقتصادية التي نعاني منها، بحسب موقع "المنصة" 17 أغسطس 2023.

قال: لو استغلت هذه المياه التي تحتجزها إثيوبيا في الزراعة لجاءت بعائد اقتصادي قدره مليار دولار لكل مليار متر مكعب، وما جرى تحديد مساحة الأرز بحوالي 1.1 مليون فدان.

أضاف: "كان من الممكن عدم إقامة محطات معالجة الصرف الزراعي وتوفير عشرات المليارات من الجنيهات، أو الاقتراض أو استيراد أي من مكوناتها بالدولار"، مضيفًا أنه "كما كان ممكنًا التوسع في زراعة الأزر".

وأشار إلى أن "استخدام مليار متر مكعب واحد من المياه في زراعة الأزر يمكن أن يوفّر مليار دولار حال تصديره".

وفي 2 يوليو 2023 قال وزير الموارد المائية والري المصري السابق محمد نصر الدين علام، إن ملء السد سيقتطع من حصة مصر المائية التي لا تعترف بها إثيوبيا.

وبين أن "فواقد التخزين المائية السنوية من السد عن طريق التبخير والرشح ستكون أيضاً من حصة مصر المائية".

وكتب علام على "فيسبوك"، إن "أضرار السد الإثيوبي دائمة وليست مؤقتة، وتزداد في فترات الجفاف، ومن الجهل القول إن الضرر على مصر يأتي أثناء ملء السد فقط، فالسد سيملأ ويفرغ العديد من المرات خلال عمره الافتراضي".

قال: سيؤدي السد الإثيوبي الى تداعيات بيئية سلبية في شمال الدلتا، وسينخفض منسوب المياه الجوفية في الدلتا والوادي، ومشاكل ملاحية بطول النهر والرياحات، وستتأثر سلبا إنتاجية المزارع السمكية".

وأوضح أنه "حتى لو جرى عقد أي اتفاق للملء والتشغيل، ستكون أيضا هناك أضرار مائية على مصر ونقص كبير في كهرباء السد العالي".