بلغت 50 مليار دولار.. كيف كبلت إيران النظام السوري بالديون لـ5 عقود قادمة؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

يوما بعد آخر، تتزايد الديون الإيرانية على نظام بشار الأسد، والتي تراكمت عليه منذ عام 2011 بعد تدخل طهران عسكريا في سوريا إلى جانب الأسد لمنع سقوطه.

وكلفت هذه الديون "من جيوب الشعب الإيراني" حكومة طهران عشرات مليارات الدولارات، الأمر الذي دفعها لتكبيل الأسد باتفاقيات وعقود في مجالات عدة؛ لضمان السداد مستقبلا.

ورغم أن إيران لعبت دورا كبيرا في تدمير سوريا عبر زجها منذ عام 2012 بمليشياتها وأسلحتها إلى جانب قوات الأسد لقمع الثورة واستعادة الأخير للمناطق من يد المعارضة، إلا أن طهران لم تعلن عن إحصائيات واضحة لتكلفة ذاك التدخل.

وثيقة الديون

إلا أن وثيقة سرية مسربة من مؤسسة الرئاسة الإيرانية، كشفت أن طهران أنفقت ما يزيد على 50 مليار دولار خلال 10 سنوات على الحرب في سوريا، تعدها ديونا واجبة السداد، بينها 18 مليار دولار سيتم استردادها على شكل اتفاقيات واستثمارات اقتصادية بلا ضمانات للتنفيذ.

ونشرت الوثيقة الجديدة مجموعة "ثورة لإسقاط النظام" الإيرانية المعارضة بعد اختراقها لموقع الرئاسة الإيراني، وتداولتها وسائل الإعلام في 10 أغسطس/آب 2023.

واحتوت الوثيقة على تقرير مجدول بعنوان "تحديد التزام إيران الاستثماري في سوريا وسداد الديون" أعده النائب الأول لرئيس الجمهورية لشؤون التنسيق الاقتصادي والبنية التحتية، حميد باداش، خلال فبراير/شباط 2023.

وجاء في الوثيقة أن مطالبات إيران من سوريا لاستحصال ديونها تنقسم إلى فئتين، مطالبات عسكرية وأخرى مدنية.

وأشارت إلى أن إيران قدمت صادرات نفطية، وخطوط ائتمان، ومدفوعات نقدية لحكومة النظام السوري.

وتذكر الوثيقة أن "قاعدة خاتم الأنبياء"، الذراع الاقتصادي لـ"الحرس الثوري"، هي المعنية باستحصال المطالبات الاقتصادية من النظام السوري.

في حين أشارت الوثيقة إلى أن نظام الأسد سجل العديد من التحفظات على المطالبات العسكرية التي لم تستكمل بعد من قبل الجانب الإيراني.

وقالت الوثيقة إن الاتفاقيات التي وقعتها وزارة الاقتصاد والتجارة التابعة للنظام السوري مع وزارة الطرق والتنمية العمرانية الإيرانية، في سبتمبر/أيلول 2022، تلزم دمشق بسداد 18 مليار دولار لطهران، عبر مجموعة من 8 مشاريع استثمارية، ستنفق فيها الأخيرة نحو 947 مليون دولار لتتمكن من تحصيل ديونها وفق جدول زمني مدته 50 عاما.

كما أن إجمالي الاستثمارات الإيرانية في المشاريع والعقود المبرمة مع حكومة النظام السوري يبلغ 947 مليون دولار، من المتوقع أن تتمكن طهران من استرداد ما مجموعة 17.932 مليار دولار، خلال فترات زمنية تتراوح بين 25 و50 عاما.

وذكرت الوثيقة أن هذه المشاريع والعقود جرى اختيارها من قائمة تضم 130 مشروعا قدمتها حكومة النظام السوري، في حين تتم مراجعة مشاريع أخرى ودراستها ميدانيا.

مشاريع إيرانية

وأبرز المشاريع الثمانية المذكورة في الوثيقة، مشاريع لاستثمارات في قطاعي النفط والفوسفات السوري، حيث يتعلق مشروع النفط بعقد في حقل حمص النفطي "رقم 21"، باحتياطي 100 مليون برميل، وعقد آخر في حقل "رقم 12" في مدينة البوكمال الحدودية مع العراق.

وتحتل مدينة "البوكمال" موقعا إستراتيجيا بالنسبة لإيران، إذ تسيطر الميليشيات المدعومة منها على شرق دير الزور بشكل أساسي، والتي تُعد طريقا لها من إيران عبر العراق إلى سوريا، وتتعرض بين الحين والآخر إلى قصف أميركي وإسرائيلي.

وذكرت الوثيقة أن تنفيذ عقد حقل حمص، الذي تبلغ مدته 30 عاما، بدأ في العام 2020، تستثمر فيه إيران 300 مليون دولار لإنجاز المشروع في غضون 5 سنوات، لسداد 3.4 مليارات دولار من الديون.

في حين تبلغ مدة عقد البوكمال 30 عاما، تستثمر فيه إيران 300 مليون دولار خلال 5 سنوات، لتحصيل ما مجموعه 3 مليارات دولار من الديون.

وتكشف الوثيقة عن مجموعة من المشاريع والاستثمارات الإيرانية في سوريا، من بينها إنشاء وتشغيل محطة للهاتف المحمول في سوريا، من خلال إنفاق 222 مليون دولار خلال 3 سنوات، تحصل من خلالها على دخل متوقع يصل إلى 1.5 مليار دولار.

ومشروع آخر حمل عنوان "دفع جزء من دخل ميناء اللاذقية على مدى 5 سنوات"، ذكرت الوثيقة أن إيران حصلت على جزء من حصتها بين عامي 2019 و2020، ومن المفترض أن تستمر عملية دفع هذه المستحقات لمدة 20 عاما.

وينص أحد العقود على استثمار 5 آلاف هكتار من الأراضي الزراعية، دون تحديد مكانها، يتم من خلال هذا الاستثمار تسديد 25 مليون دولار من الديون خلال 25 عاما.

كما ينص عقد آخر على مشروع بعنوان "زاهد لتربية المواشي"، يتم بموجبه الاستثمار في مجال الثروة الحيوانية السورية، لتسديد ما مجموعه 7 ملايين دولار خلال 25 عاما.

ولم تعلق إيران على تسريب هذه الوثيقة التي جاءت ضمن اختراقات متكررة من قبل مجموعات قرصنة للمواقع الحكومية الإيرانية.

لكن إيران كانت شديدة التسابق على توقيع اتفاقيات وعقود مع النظام السوري خلال العقد الأخير.

فضلا عن مد نظام الأسد بوسائل فنية وهندسية وتزويده بالنفط بشكل التفافي لإبقاء آلته العسكرية ومؤسساته الحكومية فعالة.

وشكل اصطفاف إيران إلى جانب الأسد، لقمع الثورة، الباب الواسع لبدء طهران تنفيذ مشروعها وحلمها في الوصول إلى مياه البحر المتوسط وربط إيران وسوريا ولبنان بريا عبر المليشيات، حيث رسخت وجودها العسكري هناك بعدما باتت تمتلك نحو 100 ألف عنصر مقاتل لها في سوريا.

عقود إذعان

بموازاة ذلك، كانت إيران تسير بشكل استعجالي في الاستحواذ على قطاعات حيوية بسوريا، ونجحت في توقيع عقود مع نظام الأسد أكثر من الروس، وجميعها مرتبط بالحرس الثوري الإيراني.

وعلى سبيل المثال، وقعت إيران مع النظام السوري خلال عام 2019 نحو 35 اتفاقية، منها 23 فقط في يناير/كانون الثاني من العام المذكور دفعة واحدة، وسبق ذلك عشرات العقود والمذكرات والتفاهمات.

وفي هذا الإطار، يؤكد الخبير الاقتصادي، رئيس "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، أسامة القاضي، أن "المعارضة السورية التي تشارك في مساري أستانا وجنيف هي ملزمة بالعقود التي أبرمتها إيران مع نظام الأسد عقب عام 2011، لكون السير بمسار أستانا يعني أن المعارضة ملزمة بتلك العقود كونها معترفة بطهران كضامن".

وأوضح القاضي لـ"الاستقلال" أن "تلك العقود متنوعة وتشمل الإسكان والاستثمار وإنشاء بنك إيراني في سوريا، وبناء 200 وحدة سكنية، فضلا عن توقيع 5 اتفاقيات بين طهران ونظام الأسد عام 2017 في الاتصالات والزراعة والصناعة والثروات الحيوانية".

وكذلك "العقود التي وقعها نظام الأسد مع إيران حول تغيير مناهج التعليم في سوريا، وكل ما يتعلق بمحطات الكهرباء التي وقعت عام 2019، ومشاريع تربية الأبقار واستصلاح الأراضي في طرطوس واللاذقية".

ومسار جنيف للمفاوضات السورية هو مسار سياسي بين وفدي المعارضة ونظام الأسد بإشراف من الأمم المتحدة.

بينما "أستانا" مسار عسكري، وله نتائج تفيد في المسار السياسي السوري، يضم الدول الضامنة الثلاث (روسيا تركيا إيران)، ووفدي المعارضة ونظام الأسد.

وتشارك في نسخ مسار "أستانا" الذي بدأت أولى جولاته في 23 و24 يناير/كانون الثاني 2017، بعض الدول العربية، بدور المراقب فقط، كالأردن ومصر والعراق ولبنان.

ونوه القاضي إلى أن "المشكلة الأكبر هي عدم وجود تصريح رسمي إيراني بحجم ديونها على سوريا التي تراكمت عقب عام 2011، وبالتالي المشكلة ليست في أن المعارضة ملزمة بالاتفاقيات بل ملزمة بدفع الديون في وقت باتت فيه ثروات البلد بيد إيران وروسيا".

المخرج الوحيد

وشدد القاضي على أن "أي حل سياسي في سوريا لا يوجد فيه بند ينص على أن الحكومة الانتقالية الأولى لها الحق في أن تعيد النظر بكل العقود التي وقعها النظام منذ مارس 2011، وأنه إذا كان العقد جيدا ومفيدا وفيه مصلحة للشعب السوري تقره الحكومة، وإذا كان العقد فيه بعض الشروط المجحفة تزال في حينه ويبقى العقد".

ومضى يقول: "إذا كان العقد كله مجحفا فمن حق الحكومة الانتقالية أن ترفض هذه الاتفاقية".

واستدرك القاضي: "في حال لم نتمسك بهذا البند، فإن المعارضة ستكون ملزمة ضمن الحل السياسي بالعقود والديون إلى 10 أجيال قادمة التي وقع عليها نظام الأسد كعقود إذعان".

وضرب القاضي مثالا على ذلك بقوله "على سبيل المثال اتفاقية ميناء طرطوس بين نظام الأسد والروس فإنه حسب الوثيقة المسربة مدتها 49 عاما تمدد تلقائيا ربع قرن، بمعنى أن السوريين لا يحق لهم المطالبة بميناء طرطوس حتى عام 2093!".

وزاد بالقول: "وعلى الأغلب ميناء خالد العظم أو ميناء اللاذقية وبانياس، وبهذا لم يعد هنالك أي ميناء سوري في سوريا".

وبشكل دوري، يطالب مسؤولون إيرانيون حكومة بلادهم بتحصيل تلك الديون من نظام الأسد. 

وقال الرئيس السابق للجنة الأمن القومي في البرلمان، حشمت الله فلاحات بيشة: "آمل أن يتم تحديد واجب ديون سوريا البالغة نحو 30 مليار دولار خلال زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي إلى دمشق"، وذلك في مقابلة مع موقع "تاججارت نيوز" المحلي في 2 مايو/أيار 2023.

وعلى رأس وفد رفيع سياسي واقتصادي، وصل رئيسي في 3 مايو 2023 إلى مطار دمشق الدولي، في زيارة رسمية هي الأولى لرئيس إيراني لهذا البلد منذ عام 2010، والتقى مع الأسد.

وقال فلاحات بيشة إن "إيران قدمت الكثير من المساعدات لهذا البلد خلال الحرب السورية حتى عام 2015 والتي تقدر بنحو 15 مليار دولار".

وأضاف: "جزء من هذه المساعدات كان بعد الحرب وأعمال فنية وهندسية وتصدير طاقة تقدر بنحو 10 إلى 15 مليار دولار، لكن لم يتم الإعلان عن إحصائيات واضحة لتكلفة إيران في سوريا".

ولفت إلى وجود خمسة عقود كبرى لسداد هذا الدين، منها استخدام مزارع الماشية، وخمسة آلاف هكتار من الأراضي، ومناجم الفوسفات، وآبار النفط، ومشروع اتصالات لم يتم تنفيذه.

وكانت صحيفة "قانون" الإيرانية رأت في تقرير لها نشرته في يناير/كانون الثاني 2018، أن "على العالم الإدراك بأن طهران هي من تحملت تكلفة بقاء الأسد في رئاسة سوريا، ودفعنا ثمنا باهظا لذلك"، حسب وصفها.

وذهبت الصحيفة إلى أبعد من ذلك حينما وصفت الأسد بأنه "بلا مبادئ، وناكر للجميل بسبب اتفاقه مع الروس حول تسليم ملف إعادة إعمار سوريا للروس بدلا من إيران".

وعلى سبيل المثال، تعادل تكلفة إيران البالغة 30 مليار دولار في سوريا 10 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي لإيران وتعادل سنة واحدة من الميزانية العامة للحكومة.

ولهذا فإن المعارضة الإيرانية، قالت إن أكثر من 50 مليار دولار ينفقها النظام الإيراني في سوريا لإبقاء الأسد في السلطة هي من "جيوب الأمة الإيرانية"، في ظل نصف مليون قتيل سوري و12 مليون نازح ومشرد من هذا البلد.

ويؤكد مراقبون اقتصاديون، أن ديون نظام الأسد ستبقى مقيدة على الورق دون قدرته حتى مستقبلا على سدادها، نظرا لعجز ميزانيته وافتقاره للموارد التي تجلب النقد الأجنبي؛ نتيجة العقوبات الغربية القاسية، بينما تسمح الاتفاقيات والعقود التي منحها الأسد لطهران، لتعزيز هدف إيران بالوجود طويل الأمد بسوريا.