بعد توسطها بين السعودية وإيران.. ما طبيعة إستراتيجية الصين في اليمن؟

12

طباعة

مشاركة

لا شك أن اتفاق تطبيع العلاقات الموقع بوساطة صينية بين إيران والسعودية في 10 مارس/ آذار 2023 أثار أملا كبيرا في التوصل إلى حل سلمي للحرب في اليمن المتواصلة منذ سنوات.

وعلى الرغم من استمرار محادثات السلام بين السعودية والحوثيين، إلا أنه لا يمكن القول إن مسار الأوضاع في اليمن قد تحسن بشكل كبير نتيجة للاتفاق الموقع في بكين، وفق مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية التركي (أورسام). 

أهمية اليمن

وأشار الكاتب التركي "إسماعيل ساري" إلى أنه لوحظ في الفترة الأخيرة زيادة الصين من جهودها الدبلوماسية بشأن اليمن، وتحديدا منذ أبريل/نيسان 2023. 

وأضاف أن موقع اليمن الإستراتيجي أمر حيوي لمشاركة الصين في المنطقة، خاصةً موقعها عند نقطة تقاطع طرق النقل البحري الدولية مثل خليج عدن ومضيق باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر والمحيط الهندي، حيث يجعل البلاد ذات قيمة جيوستراتيجية.

فهذا الامتداد الإستراتيجي أمر بالغ الأهمية لمصالح الصين العسكرية والاقتصادية، وفق تقدير الكاتب.

بالإضافة إلى ذلك فإن أوروبا تُعَد واحدة من أهم الشركاء التجاريين للصين، حيث تجرى الغالبية العظمى من وارداتها وصادراتها عبر خليج عدن والبحر الأحمر وقناة السويس. 

كما تستورد الصين النفط الذي من الشرق الأوسط وإفريقيا بالمرور عبر مضيقي هرمز وباب المندب. 

وعلق الكاتب: مصالح الصين الرئيسة في اليمن هي تعزيز التجارة الثنائية واستثمارات البنية التحتية والوصول إلى الموارد النفطية، في نهج مماثل لسياستها تجاه الدول المجاورة لها في الشرق الأوسط. 

وعلى الرغم من أن اليمن قد طغت عليه اقتصاديا دول مثل المملكة العربية السعودية وإيران، فإن إدارة بكين حاولت تحسين علاقاتها مع هذا البلد من خلال إدراك موارده الطبيعية وموقعه الإستراتيجي. 

وقد دعمت بكين الرسمية الاستثمارات الصينية لإحياء الفرص الاقتصادية هناك.

ومع ذلك، أدت الحرب الأهلية في اليمن إلى وضع متوتر للغاية يمكن أن يؤثر على المصالح الوطنية الأوسع للصين، وخاصة في المجالات الاقتصادية والإستراتيجية والأمنية، مما يهدد الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

بوابة للعالم العربي

وأردف الكاتب: منذ عام 2011، تأثرت سياسات الصين بشأن الصراع اليمني برغبتها في تطوير علاقات إستراتيجية قوية مع المملكة العربية السعودية.

وأضاف أنه "على الرغم من صداقة الصين التاريخية مع اليمن، فإن العلاقات الثنائية مع الرياض برزت أكثر في حسابات بكين". 

وبالنسبة للصين، تمثل السعودية بوابة مهمة للعالم العربي السني في الشرق الأوسط وإفريقيا، وهي أيضا مورد رئيس للنفط ونقطة محورية إقليمية لمبادرة الحزام والطريق الصينية. 

وقد أوضح المسؤولون الصينيون والسعوديون أنهم يحترمون المصالح الأساسية لبعضهم البعض. فعلى سبيل المثال، تدعم الرياض موقف بكين بشأن تايوان وشينجيانغ وبحر الصين الجنوبي. 

من ناحية أخرى، تدعم بكين المصالح الأمنية السعودية في اليمن، وتعرب عن دعمها للحكومة في عدن، التي تصفها بالإدارة الشرعية لليمن.

وأردف الكاتب: تعتقد الصين أن الاستقرار الجزئي يمكن تحقيقه من خلال الاقتصاد وإعادة الإعمار، وأنها يمكن أن تلعب دورا في ذلك. وفي هذا السياق، تركز بكين على مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية في اليمن.

ومن خلال دعم السعوديين في اليمن من جهة والإيرانيين في الاتفاق النووي من ناحية أخرى، تمكنت الصين من تحقيق توازن بين القوتين المتنافستين. 

وأوضح الكاتب أن اتفاق "التطبيع" الموقع بين هذين الخصمين الإقليميين في بكين في 10 مارس 2023، ليس فقط انتصارا دبلوماسيا للصين.

ولكنه يقوض أيضا الافتراض بأن علاقة الصين بين جانبي الخليج (إيران والسعودية) لا يمكن الدفاع عنها على المدى الطويل وأنه سيتعين على بكين في النهاية التصرف مثل الدول الأخرى واختيار جانب بين طهران والرياض. 

وهذا يدل على أن دبلوماسية الشراكة الإستراتيجية، التي تقوم على الاهتمام وتركز على تحسين العلاقات الثنائية بدلا من الموازنة ضد طرف ثالث، كانت ناجحة. 

وقد تمكنت بكين من تكثيف العلاقات على جانبي الخليج مع بناء رأس مال دبلوماسي بطريقة لا تستطيع القوى الأخرى من خارج المنطقة القيام بها، وفق الكاتب. 

علاقات إستراتيجية

وأضاف: إدارة بكين، التي تتبع إستراتيجية تطوير العلاقات مع جميع الأطراف تعمل في اليمن أخيرا على تحسين التواصل مع الحوثيين. 

وذكر الكاتب: في مايو 2023، وقع الحوثيون مذكرة تفاهم مع مجموعة أنتون لخدمات حقول النفط الصينية وحكومة بكين للاستثمار في التنقيب عن النفط بالبلاد. 

وعلى الرغم من أنها لم تتم إلا أن صفقة التنقيب عن النفط المحتملة مع الحوثيين تظهر أن بكين لم تعترف بهم حتى الآن إلا ضمنيا.

كما أن عدم تعليق الرياض يظهر تسامحها مع الصفقة ومع العلاقات بين بكين ومليشيا الحوثيين، وفق الكاتب.

وتابع الكاتب: كان القائم بالأعمال الصيني لليمن، شاو تشنغ، قد أعلن أخيرا أن عدد المشاريع الصينية العملاقة في هذا البلد وصل إلى نحو 100 قبل حرب 2015.

وبين تشنغ أن هذه الشركات اضطرت للانسحاب بعد الحرب، لكنه أعرب عن رغبة بكين في المشاركة بإعادة إعمار البلاد. 

ويبلغ حجم التجارة بين البلدين حاليا مستوى 3 مليارات دولار، وهناك أيضا حوالي 30 ألف يمني يعيشون في الصين، معظمهم من التجار، بحسب الكاتب. 

ونتيجة لهذا، يبدو أن الصين تعمل على توسيع نفوذها الدبلوماسي الإقليمي. إذ أظهرت بكين فعالية الدبلوماسية الصينية، مما أدى إلى توقيع اتفاق تطبيع بين طهران والرياض. 

وإذا نجح الاتفاق في الحد من التوترات الإقليمية، خاصة في اليمن، فإنه سيخلق المزيد من الفرص للنفوذ الصيني، يخلص الكاتب.