جريمة حرب وتصعيد للمعارك.. من المسؤول عن نزوح السودانيين من أم درمان؟

12

طباعة

مشاركة

موجة تفاعل وغضب واسعة، أثارتها المعارك الضاربة التي تشهدها أم درمان، أكبر مدن العاصمة السودانية الخرطوم، بين الجيش وقوات الدعم السريع والتي تبعها أوامر من الجانبين لسكان شرق المدينة بإخلاء منازلهم ومغادرتها.

غرفة طوارئ أحياء أم درمان القديمة قالت في تعميم صحفي، إن قوات الدعم السريع قصفت بشكل عشوائي أحياء مدينة أم درمان القديمة، ما أسفر عن مقتل 5 أشخاص (سيدة و4 أطفال) في حي الشرفية، مؤكدة أن القصف جاء على خلفية تقدم قوات الجيش من عدة محاور في المدينة.

وأجبر سكان منطقة أبو روف السكنية بمدينة أم درمان ضاحية غرب الخرطوم الكبرى، على مغادرة منازلهم في 7 أغسطس/آب 2023، بسبب احتدام القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.

ووصفوا في تصريحات إعلامية الاشتباكات الواقعة بأنها "الأعنف"، فيما أكد مواطنون بحي الشهداء وسط أم درمان "سقوط قذائف على المنازل".

وتسبّبَت الحرب بين قائد الجيش اللواء عبد الفتاح البرهان ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع (الجنجويد سابقا) محمد حمدان دقلو، في مقتل أكثر من 3900 شخص.

وفقا لبيانات رسمية، تسببت الحرب المستمرة منذ 15 أبريل/نيسان 2023 في نزوح أكثر من 3.3 ملايين شخص، وتعرض ملايين آخرين للجوع.

وأفادت منظمة الصحة العالمية (WHO) بأن معظم البنية التحتية الهشة بالفعل في البلاد دُمّرت، إذ لم يعد أكثر من 80 بالمئة من مستشفيات السودان ضمن الخدمة.

جرائم الجنجويد

وبشأن التطورات الأخيرة، أفادت لجان مقاومة أبو روف بأن المنطقة شهدت "إخلاء عاما لكل المنازل بأمر من القوات المسلحة من ناحية والدعم السريع من ناحية أخرى وإعلانها منطقة عمليات"، داعية جميع سكان الأحياء المجاورة إلى مساندة الأهالي.

وأوضحت أن مواطني أبو روف وأم درمان القديمة يعيشون أوضاعا مأساوية منذ أيام جراء تحول الأحياء إلى مسرح مواجهات مفتوحة بين الجيش والدعم السريع.

الناشطون عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #امدرمان، و#الدعم_السريع_يستبيح_امدرمان_القديمة، #امدرمان_تحت_القصف، تداولوا صورا توثق عملية نزوح سكان أحياء أم درمان القديمة ومغادرتهم الجماعية لمنازلهم سيرا على الأقدام باتجاه المناطق الجنوبية.

وعدوا ما يحدث بحق الأهالي من تهجير قسري وإجبار على النزوح وتحويل المدن والأحياء السودانية إلى ساحات حرب نتيجة اشتداد المعارك بين الطرفين وقصف عشوائي، بمثابة جرائم حرب مدانة، مشيدين بتماسك الأهالي وتعاضدهم وإظهار الدعم والمساندة وفتح بيوتهم لبعض. 

وتفاعلا مع الأحداث، أوضح منبر المغردين السودانيين، أن ما يحدث في أم درمان جريمة مكتملة الأركان تقوم بها قوات الدعم السريع ضد المواطنين الآمنين في منازلهم، مشيرا إلى أنها لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في سجل انتهاكات الدعم السريع على المواطنين خلال هذه الحرب. 

وأضاف أن أهالي أم درمان القديمة يتم تهجيرهم قسرا من قبل قوات الدعم السريع، متمنيا من الجميع المشاركة في رفض هذه الانتهاكات.

وأوضح الناشط أباذر حسن، أن المليشيا تستبيح المنازل في أم درمان كما فعلت في عدد من أحياء العاصمة.

وتابعت أن "لا عقيدة ولا أخلاق تمنعهم من فعل ذلك، وهكذا تعودت على القتل والنهب وسرقة أملاك المواطنين، فعملت على تهجير المواطنين من أحياء عدة من أم درمان تحت تهديد السلاح لإخلائها واحتلالها".

وأشارت المغردة رماح إلى أن المعركة الدائرة في أم درمان من أعنف المعارك هناك، لافتا إلى أن أصوات المدفعية الثقيلة المتواصلة والرصاص وأصل إلى بحري منذ ساعات الصبح الأولى وحتى كتابته التغريدة، وتمنى أن سلاح الإشارة يهاجمهم بغتة من الخلف.

جرائم حرب

وأعرب ناشطون عن استيائهم من تهجير أهالي أم درمان قسرا، متهمين طرفي النزاع في السودان بارتكاب جرائم حرب يعاقب عليها القانون.

وعرضت الصحفية داليا الطاهرة، صورة تظهر خروج أهالي أم درمان القديمة من منازلهم بعد اشتداد المواجهات.

ورأى جبار إبراهيم، أن مليشيا الجنجويد ومليشيا الكيزان ترتكبان جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بتهجيرهم سكان أبو روف والكبجاب وبيت المال و غيرها.

وبين أنه "بجانب ذلك فهي فضيحة أخلاقية لمليشيا الجنجويد التي لا تتورع عن فعل أي شيء، كما أنها فضحية بصورة أكبر لجيش يدعي القومية ويدعي حماية الشعب الذي يأكل أمواله بالباطل".

وأضاف: "أما الذين يقفون مع هذه الجرائم ويساندون المليشيتين فأمرهم عجيب.. خاصة من صبية الانصرافي الذين لم يتعلموا منه إلا سوء الأدب والتربية"، متابعا: "سيوقف شعبنا هذه الحرب وسيحاسب من أشعلها ومن غذاها بالجهل والعصبية".

وأكد علي موسى، أن ما يحدث من تهجير قسري لمواطني أم درمان القديمة (اب روف، حي الدباغة، القماير والشرفية) يعد جريمة حرب.

وبين المذيع التلفزيوني منتصر الأمين، أن التهجير القسري الذي يحدث لسكان أحياء ابوروف والدباغة والكبجاب والصهريج بمدينة أم درمان وإجبارهم على إخلاء منازلهم يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية بحسب القانون الدولي.

وتحت وسم #الدعم_السريع_يرتكب_جرائم_حرب، أوضح أحمد عمر، أن المليشيا المُتمرِدة أثناء إنسحابها من أم درمان شنت قصفا عشوائيا على الأحياء السكنية مما تتسبب في وفيات وإصابات وسط المواطنين بحي الشرفية بأمدرمان القديمة، ردا على التقدُم الكبير للقُوات البرية التابعة للجيش من عدة محاور بالمنطقة ومُحاصرتها.

وقال المغرد الناجم، إن أم درمان القديمة ليست استثناء فقد استباح الجنجويد معظم أحياء العاصمة المثلثة وعاثوا فيها فسادا ونهبا وإذلالا للمواطنين وتهجيرا قسريا، مؤكدا أنها جريمة حرب مكتملة الأركان وسيأتي يوم الحساب.

تباين المواقف

وتباينت ردود الفعل حول موقف القوات المسلحة ودورها في إدارة المعركة في أم درمان، بين من يعلن دعمه ومساندته لها ويستنكر عليها ضعف موقفها، وبين من يتهمها بتصعيد المعارك.

وناشد السياسي السوداني ياسر عرمان، جميع السودانيات والسودانيين لرفع الصوت عاليا لوقف جريمة الحرب الجارية في حي أبوروف والدباغة والكبجاب والصهريج، والمطالبة بوقف قصف الطيران والمدفعية والاشتباكات البرية في وسط أحياء المدنيين، مذكرا بأن حماية المدنيين حق وواجب وضرورة.

وقابل ناشطون تغريدة عرمان باستياء شديد وعدوها مؤازرة للجنجويد وهجوم على الجيش.

إذ قال الناشط ياسر مصطفى: "الجناح السياسي لمليشيا الجنجويد (قحت) بعد أن عجز عن تحييد الطيران والمدفعية الثقيلة لصالح ميليشياتهم في إثيوبيا يطالبون الشعب بإيقافها لإنقاذ مليشياتهم من الهلاك".

وعقب محمد عبدالرحمن، على تغريدة السياسي قائلا: "عندما يغرد عرمان بوقف القصف نطمأن بأن الضربات كانت موجعة للجنجويد".

ووجه محمد إبراهيم تساؤلا لعرمان: "بالنسبة لتهجير المواطنين وإجبارهم على إخلاء منازلهم في أم درمان وقبلها في الصحافات وجبرة وغيرها، هل هذا ما يعد جريمة حرب؟"

ورأى ناشطون أن الجيش السوداني مقصر في ردع الجنجويد، إذ أشار أحد المغردين، إلى أنه في الوقت الذي تستبيح فيه المليشيا أم درمان القديمة، اكتفى العسكر بالقصف الصاروخي من داخل المعسكرات والطيران الحربي.

وتساءل: "أين قوات الشعب المسلحة، إلى متى سيستمر الجنجويد في استباحة الأحياء والمدن، إلى متى سيتحمل المواطن هذه الانتهاكات؟".

في المقابل، كتب المغرد أحمد: "نعيش اشتباكات عنيفة في امدرمان. نسأل الله أن يثبت أقدام القوات المسلحة وينصرهم".

وناشد الطبيب أسامة إسماعيل قائلا: "قوات الجيش بعد الصبر والحذر ينبغي أن تكون أشد حزما، وألا تتردد بل تتقدم وهي أكثر إصرارا وعزما، فهي إنما تقوم بواجبها في الحماية والدفاع، وعدوها لا قضية له سوى الارتزاق والانتفاع، وغالب شعبها معها وليس مع العدو أحد، إلا القليل ممن باع نفسه ولبلده جحد، أو ممن جلبهم من الخارج وحشد".

مواقف إنسانية

وبرزت مؤازرة السودانيين لبعضهم البعض وإعلان سكان المدن المجاورة لأم درمان فتح بيوتهم للمتضررين والنازحين.

وعرض الإعلامي يوسف النعمة، تغريدات عدة لسودانيين أعلنوا مساندتهم لأهالي أم درمان وأرفقوا أرقام هواتفهم وعناوين منازلهم لاستقبال المهجرين قسرا.

وعقب بالقول: "ياها أم درمان حبيبتنا، رغم الآلام التي تحيط بها من كل جانب.. يتمسك أهلها بالسند لبعضهم البعض.. ناس مليانة طيبة وقلوب مليانة ريد.. نحبكم جدا يا أهل عاصمتنا الوطنية أمدرمان الحبيبة جمال إشراق.. ونجدة الملهوف في زمن الحرب العبثية".

وأكد في تغريدة أخرى، أن حال مواطني أم درمان القديمة اليوم وخاصة أبوروف مؤلم جدا، مستنكرا أن الإنسان الآمن في منزله هو آخر من يفكر فيه دعاة الحرب وأبواقها والخائضين فيها من العبثيين.

وكتب أحمد غازي: "في وقت تخاذل فيه البعض من أصحاب النفوس الضعيفة، وعلت فيه أصوات الاستغلال بعد أن ضربت الحرب استقرار أهل الخرطوم، كانت هُنالك أم درمان بأهلها، بدورها، بمعالمها وطُرقاتها تحتضنُ نفسها بنفسها مُتحملةً عبء ما خلفته الأيام، ليكون داري ودارك في الحربِ كهاتين".

ورأى أحد المغردين، أن أهالي أم درمان يسطرون ملحمة في الأخلاق، ويرسلون رسالة إلى أهالي الولايات في كرري، مشيرا إلى أنهم يفرغون بيوتهم ويسكنون مع جيرانهم ويفتشون عن الأكل والشراب لكي لا يحوجوهم لشيء.

وأعاد آخر نشر تغريدة لمواطن سوداني يعرض رقم تليفونه معلنا أن عنده 5 بيوت في الحتانة جاهزة لاستقبال أهالي أم درمان القديمة.

كما نشرت المغردة إيمان إعلانا آخر لأحد السودانيين يرفق رقمه مع رسالة ترحيبية بالنازحين، يقول فيها: "بيتنا مفتوح للمهجرين قسرا من أم درمان القديمة".

وأكد الكاتب مصطفى علي الكرادي، أن الأهالي يجمعهم حبهم لأم درمان، وهذا الحب المناطقي الذي يتسامى فوق القبلية والجهوية.