بعد أن دمرته أمنيا واقتصاديا.. ماذا يجني اليمن من منح السعودية المالية؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

أثار إعلان المملكة العربية السعودية، دعم اليمن بمبلغ 1.2 مليار دولار للتخفيف من العجز الحاصل في موازنة الحكومة، تساؤلات ملحّة عن مدى انعكاس ذلك على الواقع الاقتصادي المتدهور في البلاد التي تعيش حربا منذ 9 سنوات.

خلال مؤتمر مع وزير المالية اليمني سالم بن بريك في 2 أغسطس/آب 2023، قال سفير الرياض في اليمن، محمد آل جابر، إن هذه إشارة إيجابية لكل اليمنيين باستمرار الدعم السعودي للاقتصاد اليمني، وكذلك خفض التصعيد بين مختلف الأطراف.

من جانبه، قال وزير المالية اليمني، سالم بن بريك، إن "هذا الدعم سيخفف من الوضع الاقتصادي والإنساني الحرج، نتيجة استهداف المليشيات الحوثية لمنشآت تصدير النفط التي أفقدت الميزانية العامة للدولة حوالي 65 في المائة من إيراداتها".

تبعية تدريجية

تعليقا على دلالات الخطوة السعودية وانعكاسها على واقع اليمن الاقتصادي، قال المحلل السياسي اليمني، عبد الباقي شمسان إن "البلاد تتعرض إلى تجفيف موارد الدولة من أطراف خارجية وإقليمية، في عملية بدأت عندما بقي البنك المركزي في صنعاء تحت إشراف الحوثيين لمدة طويلة، حتى نهبوا منه نحو 4.5 مليار دولار".

وأضاف شمسان لـ"الاستقلال": "كان ذلك بمثابة الاعتراف بالحوثيين كسلطة، لأنهم كانوا يستلمون الواردات ويدفعون المرتبات لفترة طويلة حتى بعد الاستيلاء على مدخرات الشعب والاحتياطي النقدي وواردات النفط، ثم جرى نقل البنك المركزي مفلسا إلى عدن".

ولفت إلى أن "هناك أطرافا تريد الحفاظ على استمرار الحوثيين ومدهم بعناصر القوة، ومنها المال، حتى تأتي هذه المليشيات بالسلاح وتقاتل في الجبهات".

في الجانب الآخر، يضيف شمسان أنه "جرى الاستيلاء على محطات تكرير النفط وإيقاف إنتاجه وإقفال المطارات والموانئ، وهذا يعني أن الدولة التي جرى الانقلاب عليها تفتقر إلى الموارد، وستلجأ إلى الدعم الإقليمي السعودي الإماراتي، ما يعني التبعية بشكل تدريجي".

وأردف: "حتى إن الحكومة الشرعية ستكون بعد سنوات غير قادرة على إدارة ذاتها على مستوى تسيير مؤسسات الدولة كدفع مرتبات الموظفين، وليس كمشروعات تنمية وأخرى تجري تحت احتياجات الحرب".

ورأى شمسان أن "اليمن يعيش مؤامرة من خلال إبقاء السلطة الشرعية خارج البلاد ومنعها من عقد جلسات البرلمان بالداخل، والحال نفسه للأحزاب السياسية، إضافة إلى تأسيس مليشيات على الأرض، وإضعاف الجيش الوطني، ومحاصرة بعض المدن من الحوثيين".

ومنذ الانقلاب الحوثي في اليمن عام 2014، لم يستطع البرلمان الانعقاد سوى مرة واحدة بمدينة سيئون في أبريل/ نيسان 2019، إذ يتفرق أعضاؤه بين مختلف العواصم العالمية، ويظهر من ينشط منهم على وسائل التواصل بعيدا عن واقع ما يجري في مؤسسات الدولة، التي من المفترض أن تكون السلطة التشريعية رقيبة على أدائها.

وكانت آخر محاولة لانعقاد البرلمان في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت، في يوليو/ تموز 2021، وذلك بعد عرقلته من المجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة عيدروس الزبيدي، المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي يسعى إلى الانفصال بجنوب اليمن كدولة مستقلة. 

وبين أن "كل هذا يدل على وجود إستراتيجية لدفع مؤسسات الدولة نحو التآكل حتى تصبح تعتمد على الدعم المالي المتقطع للبنك المركزي".

وأكد الخبير اليمني أنه "جرى تجفيف موارد الدولة، وباتت الحكومة غير قادرة على إدارة مؤسساتها وشؤون المواطنين، ما يجعلها خانعة وخاضعة لدول الإقليم المتدخلة في اليمن"، مؤكدا أن "الحل يكمن في إعادة تصدير النفط، وفتح الموانئ والمطارات بالمدن المحررة، وهذا سيمد الخزينة العامة للدولة بالمال ويجعلها تسيّر شؤون البلاد".

وأشار إلى أن "موارد ميناء الحديدة تذهب إلى الحوثيين، ومطار صنعاء مفتوح، بينما الموانئ الأخرى ومؤسسات تكرير النفط والغاز وتصديره كلها تتحكم بها دول التحالف (السعودي- الإماراتي)، إذن نحن أمام إستراتيجية الهيمنة على الحق الأصيل للشعب اليمني في السيادة وإدارة موارده".

وبناء على دور التحالف الذي تقوده السعودية في تعطيل عودة تصدير النفط وعمل الموانئ اليمنية، وصف شمسان الدعم السعودي الأخير بأنه "ذر للرماد في العيون، الغرض منه إيهام المجتمع المحلي والدولي بأن الشعب اليمني يتلقى المساعدات، بينما هو يجري نهبه وتجويعه وإثقال كاهله بالديون وإبقاء قراره مصادرا".     


انعكاس إيجابي

وفي المقابل، قال أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة عدن جنوبي اليمن، محمد جمال الشعيبي، إن إعلان السعودية تقديم دعم للحكومة اليمنية بمقدار 1.2 مليار دولار، سينعكس بشكل إيجابي على أسعار الصرف وتحسين قيمة الريال اليمني في ظل التدهور الحاصل، بعد أن لامس سعر الصرف 1500 ريال مقابل الدولار الواحد".

وأوضح الخبير الاقتصادي خلال تصريح لوكالة "سبوتنيك" في 4 أغسطس 2023، أن "التحسن بكل تأكيد لن يكون كبيرا، لكن على أقل تقدير سيُحدث بعض التحسن ويحد من سرعة التدهور الحاصل".

وأكد الشعيبي أنه "فور الإعلان السعوي انعكس ذلك مباشرة على سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار والريال السعودي وهما العملتان الأكثر استخداما للمقارنة بسبب اعتماد تداولهما في اليمن".

ورأى الخبير الاقتصادي أن "الدعم المقدم من السعودية سيُسخّر لسد عجز الموازنة العامة، ودعم قدرة الحكومة الشرعية على دفع المرتبات، بعد أن أوشكت على الوصول إلى مرحلة العجز بسبب تراجع الإيرادات العامة وتدهور الأوضاع الاقتصادية".

وهذا "خصوصا مع توقف صادرات النفط بعد تعرض المنشآت النفطية وموانئ التصدير لهجمات حوثية أدت إلى إجبار الشركات العاملة على إيقاف نشاطها وعدم استئناف ذلك حتى يومنا هذا".

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، شن الحوثيون هجمات تحذيرية على ثلاثة موانئ نفطية هي الضبة والنشيمة وقنا، في محافظتي حضرموت وشبوة جنوب شرق البلاد؛ مما أدى إلى وقف عوائد النفط الحكومية وتدفقات الوقود وحرمان الحكومة من أهم مواردها.

وأشار الخبير إلى أن "المشاورات والتفاهمات التي جرت من تحت الطاولة بين قيادة التحالف وسلطات الانقلاب، ساعدت على وقف التصعيد بين الطرفين، ونتج عن ذلك فتح ميناء الحديدة الذي يديره الحوثيون، وهو ما انعكس سلبا على الموازنة العامة للحكومة الشرعية".

وبعد توصل الحكومة اليمنية والحوثيين، إلى اتفاق على وقف إطلاق النار، في أبريل 2022،  أعيد فتح مطار صنعاء أمام الرحلات الجوية، وميناء الحديدة اللذين يخضعان لسيطرة المليشيا المدعومة من إيران، عقب توقفهما منذ عام 2015.

وأدى ذلك، بحسب الشعيبي، إلى "إجبار سلطات الأمر الواقع في مناطق سيطرة الحوثيين التجار والمستوردين على تحويل خطوط شحنهم من ميناء عدن والمكلا إلى الحديدة الواقع تحت سيطرتهم، الأمر الذي نتج عنه تراجع الإيرادات الجمركية التي كانت تتحصل عليها الحكومة".

وشدد الخبير الاقتصادي على أن "الحوثيين استغلوا تلك التفاهمات، وأوقفوا شراء الغاز المحلي من شركة الغاز الوطنية في مأرب والاستيراد من الخارج، وجميعها كان له تأثير على سعر الصرف، وما كان لكل تلك الأمور أن تجري دون تفاهمات خارج الإطار الشامل للبلاد".

وأعرب الشعيبي، عن أمله في أن يساعد هذا الدعم السعودي في تحسين كفاءة الاقتصاد اليمني (نسبيا)، مع ضرورة أن تَتَبع ذلك سياسات إصلاح مالية واقتصادية واسعة، تتمثل في تقليص النفقات غير الضرورية ووقف تحويلات الرواتب بالعملة الأجنبية إلى الخارج للعاملين في الحكومة اليمنية، الأمر الذي شكل عبئا كبيرا على الاقتصاد المتهالك.

وأكد "ضرورة استئناف إنتاج وتصدير النفط بصورة عاجلة حتى يساعد في تحسين قيمة العملة اليمنية، كما أن أي تفاهمات يجب أن تشمل الجميع، حيث الاتفاقات الأخيرة انعكست بشكل خطير على الأرض".

فمن ناحية قلصت الإيرادات للحكومة الشرعية، ومن ناحية أخرى ضاعفت من قدرات سلطات الانقلاب في الحصول موارد إضافية لدعم مجهودها الحربي، مما يدفع إلى إطالة أمد الصراع، وفق قوله.

وكانت الأمم المتحدة قد رعت هدنة بين الجيش اليمني، ومليشيا الحوثي المدعومة من إيران لمدة ستة أشهر وانتهت في أكتوبر/تشرين الأول 2022، ليدخل اليمن بعدها في وضع يشبه الهدنة من دون إعلان، لكن البلاد تشهد بين الحين والآخر مناوشات مسلحة.

عجز متفاقم

تخصيص السعودية مبلغا ماليا لليمن، يأتي بعد إعلان الحكومة اليمنية الشرعية، (المعترف بها دوليا)، أنها خسرت منذ أغسطس 2022 مليارا ونصف المليار دولار جراء استمرار تهديد الهجمات الحوثية على الموانئ النفطية والمنشآت الاقتصادية.

وأكد مندوب اليمن لدى الأمم المتحدة، مروان نعمان، خلال كلمة بلاده في جلسة مجلس الأمن في 3 أغسطس 2023 حول المجاعة "ازدياد انعدام الأمن الغذائي في البلاد في ظل استنزاف قدرة الحكومة على الصمود، بسبب انكماش الاقتصاد الوطني بنسبة 50 بالمئة (النصف) نتيجة الحرب واستمرار التهديد والهجمات الحوثية على المنشآت الحيوية".

وطالب بدعم تعزيز قدرة مؤسسات الدولة على الاستجابة الفاعلة لمخاطر تغير المناخ، ودعم تحسين القدرات الزراعية وتقديم التمويل اللازم لتحقيق الأمن الغذائي على مستوى الدولة.

ودعا نعمان إلى "دعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لتتمكن من توفير الغذاء، والمياه النظيفة، والرعاية الصحية الأساسية، والحماية لمن هم في أمس الحاجة إليها".

كما دعا المجتمع الدولي إلى الضغط على الحوثيين لضمان وصول آمن ومن دون عوائق ومستدام للمساعدات الإنسانية المنقذة للحياة خاصة للأطفال دون سن الخامسة، وكذلك النساء والفتيات وهم الأكثر عرضة لسوء التغذية الحاد.

وطالب المليشيات الحوثية بالتوقف عن "استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، لاسيما ضد سكان مدينة تعز المحاصرة منذ أكثر من 8 أعوام".

ويشهد اليمن منذ 9 أعوام أوضاعا إنسانية وصحية صعبة، فضلا عن تدهور حاد في اقتصاد البلد الفقير، وذلك بعدما اجتاح الحوثيون العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وسيطروا على مقر الحكومة فيها بعد مصادمات مع القوات الرسمية.

وتصاعدت الحرب في اليمن عام 2015، عندما بدأت السعودية وعدد من حلفائها ضمن ما أطلق عليه "التحالف العربي" شنَّ ضربات جوية لمنع الحوثيين من السيطرة على المزيد من المدن اليمنية، واستعادة سلطة الحكومة المعترف بها دوليا.

ويعتمد أكثر من ثلثي اليمنيين على المساعدات للاستمرار، وسط أزمة اقتصادية طاحنة تسبّبت فيها الحرب وانهيار العملة والقيود المفروضة على عمليات الاستيراد والتجارة مع الخارج.

وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن هانس غروندبرغ، قد أعلن في يوليو/تموز 2023 أن "الحرب الاقتصادية" بين الأطراف المتنازعة فاقمت النزاع، في وقت تكافح فيه الحكومة لتمويل الخدمات الأساسية ودفع رواتب موظفيها.

وحرمت الهجمات الحوثية على مرافق تصدير النفط في أكتوبر 2022 الحكومة معظم إيراداتها بالعملة الأجنبية، التي تساوي حوالى نصف إيراداتها الإجمالية.

وأدّى ذلك، إلى جانب ارتفاع أسعار النفط عالميا، إلى اتساع العجز في المالية العامة، إذ وصل بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي إلى 2.5 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي في 2022.

وتوقع صندوق النقد الدولي في حينها أن يتسع هذا العجز أكثر عام 2023 إذا لم تُستأنف صادرات النفط، بالرغم من خفض النفقات الضرورية.