سياسات بايدن الاقتصادية.. هل تقوده للفوز بولاية رئاسية ثانية؟

12

طباعة

مشاركة

توقع وزير أميركي سابق، فوز الرئيس جو بايدن بدورة ثانية في الانتخابات المقررة مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بفضل سياساته الاقتصادية، المعروفة باسم "بايدنومكس".

وفي مقال له، نشره موقع "يوراسيا ريفيو" الأميركي، أوضح وزير العمل الأسبق روبرت رايش، أنه "حتى وقت قريب كان يرى أن بُغض الأميركيين للرئيس السابق دونالد ترامب، سيمنح سلفه ولاية ثانية".

وأشار "رايش" وهو أستاذ في السياسات العامة بجامعة كاليفورنيا، إلى أنه كان يعتقد ذلك، بالرغم من المخاوف بشأن عمر بايدن، البالغ 80 عاما.

واستدرك: "قللت من شأن السياسات الاقتصادية لبايدن (بايدنومكس)، قبل أن يتبين لي أنها أنجح مجموعة من السياسات الاقتصادية التي شهدتها الولايات المتحدة خلال نصف قرن".

وتقوم "بايدنوميكس" على خطة لإعادة بناء الاقتصاد بالكامل استنادا إلى ثلاثة محاور: الاستثمارات الذكية وتعزيز الطبقة الوسطى عبر التعليم ومساعدة الشركات الصغيرة بغية تحفيز المنافسة، وفق ما قال بايدن في وقت سابق.

وتذكر تسمية "بايدنوميكس" ولو بصورة عكسية بـ "ريغانوميكس" نسبة إلى السياسة الاقتصادية المثيرة للجدل التي انتهجها الرئيس الجمهوري الأسبق رونالد ريغان في الثمانينيات ونسب إليها البعض الازدهار الذي عاشته الولايات المتحدة بفعل مبدأ "توزيع الثروات من الأعلى إلى الأسفل" الذي قامت عليه.

غير أنها تواجه انتقادات لإعطائها الأفضلية للأثرياء والشركات الكبرى معتقدة أن ازدهارها سينعكس في نهاية المطاف على الجميع. وأفاد البيت الأبيض أن بايدن يعتزم طي صفحة "ريغنوميكس".

وتابع رايش -الذي ينتمي للحزب الديمقراطي الأميركي- أن هذه السياسات الاقتصادية "لن تمنح بايدن فترة ولاية أخرى فحسب، بل ستدفع الديمقراطيين أيضا للسيطرة على مجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ)".

"بل يمكن أن تضع هذه السياسات الشعب بأكمله على طريق الازدهار المشترك لجيل كامل"، حسب تقديره.

وتابع المسؤول السابق: "إذا وضعت في حسبانك التطورات الحادثة في الساحة الاقتصادية، فقد أظهرت البيانات الصادرة أخيرا أن التضخم تراجع إلى 3 بالمئة في يونيو/حزيران 2023، بعد أن وصل إلى أكثر من 9 بالمئة في 2022".

وأضاف أنه بذلك "يقترب البنك الاحتياطي الفيدرالي من هدفه المتمثل في خفض التضخم إلى 2 بالمئة. ومع انحسار التضخم، ارتفعت أخيرا الأجور الحقيقية، أي أن القدرة الشرائية للشعب باتت في وضع أفضل"، وفق رايش.

تسارع النمو

وأردف أنه "في غضون ذلك، تسارع النمو الاقتصادي، وأصبح إنفاق المستهلكين أكثر استقرارا، مع توقعات بأن يستمر الاقتصاد على نفس الوتيرة من الأداء الجيد".

وأوضح رايش أن "التضخم يشهد انخفاضا دون حدوث انهيار حاد، وذلك يعود بشكل كبير إلى السياسات الاقتصادية لبايدن (بايدنومكس)".

"إذ إن زيادة معدل الفائدة في الاحتياطي الفيدرالي تُعَوَّض من خلال الاستثمارات العامة الضخمة، في البنية التحتية، وصناعة الشرائح الإلكترونية، وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية، وقطاع التصنيع".

وأشار إلى أن هذا يحدث بالرغم من أن "زيادة الاحتياطي الفيدرالي للفائدة مصمَّمة في الأساس لإبطاء الاقتصاد، وإيقاف نمو الأجور، فضلا عن أنه ينتج عنها بشكل عام ارتفاع معدلات البطالة".

وقال الوزير الأميركي السابق: "ليس هذا فحسب، بل إن إدارة بايدن ضمَّنَت ثلاثة مكونات أخرى مهمة في خطتها الاقتصادية".

"أولها التهديد بفرض تطبيق صارم لسياسات مكافحة الاحتكار، وفي بعض الحالات تنفذ هذه التهديدات بالفعل".

وثانيها وجود "المجلس الوطني لعلاقات العمل"، الداعم حقوق العمال، وثالثها القيود الصارمة المفروضة على الواردات الصينية"، حسب المقال.

"هذه السياسات مجتمعة بدأت في تغيير هيكل الاقتصاد الأميركي لصالح الفئة ذات الرواتب الأدنى من الشعب، والتي تمثل 90 بالمئة"، وفق رايش.

أهداف سياسة بايدن

وأضاف: هناك هدفان منفصلان للسياسة الاقتصادية لبايدن، الأول هو تجنب التضخم أو الركود، أي تحقيق التوازن الاقتصادي، وغالبا ما يطلق عليه تحقيق "استقرار الأسعار".

وأوضح الوزير الأسبق أنه "في العقود الأخيرة، كان الاحتياطي الفيدرالي هو المسؤول عن هذا الأمر".

إذ يسعى لتعويض الانهيارات الاقتصادية الدراماتيكية بأسعار فائدة صفرية وحتى سالبة، بينما يحاول مواجهة الارتفاع الدراماتيكي في فترة ما بعد جائحة كورونا، بأسرع وأعلى زيادات في أسعار الفائدة منذ أوائل الثمانينيات.

وأوضح أن الانهيارات الاقتصادية الدراماتيكية "كانت ناتجة في الأساس عن الأزمة المالية من 2008 إلى 2009، ثم وباء كورونا عام 2020".

أما الهدف الثاني، وفق رايش، فهو "توفير المزيد من الوظائف بأجور أعلى، وهذا يتطلب تغيير الهيكل الاقتصادي، بحيث يحصل الفقراء والطبقة الوسطى العاملة على حصة أكبر من المكاسب، ولا تستمر طبقة المُلَّاك في الهروب بحصة الأسد".

ويرى أن "توزيع الدخل والثروة يجب ألا يكون لعبة صفرية، بحيث يربح فيها الأثرياء فقط على حساب (الأقل دخلا)، بينما لا يكون للآخرين فرصة للتطور، إلا عند تقييد الأغنياء".

واستدرك: "لكن القوة -بمعنى القدرة على تغيير قواعد اللعبة وتنظيم السوق لصالح أولئك الذين يمتلكونها- هي لعبة صفرية".

وتابع أن "السلطة تُمارَس فقط بقدر ما يُمنَع الآخرون منها، وفي أميركا المعاصرة، كما نعلم جميعا، تتحوّل الثروة الكبيرة إلى سلطة واسعة".

إعادة هيكلة

"وعلى ذلك، فإن الحصول على نصيب أكبر من المكاسب للفقراء والطبقة العاملة، يتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد لصالح الغالبية العظمى، التي تخسر قدراتها منذ 40 عاما".

وأفاد المقال بأنه "كان من الصعب إعادة هيكلة الاقتصاد لسبب بسيط، وهو أن أصحاب المصالح لا يريدون ذلك".

ففي دوائر الحزب الجمهوري الأميركي، انتشرت فكرة اقتصاديات العرض، مما أضفى الشرعية على التخفيضات الضريبية الهائلة، التي تصب -غالبا- في صالح الشركات الثرية والكبيرة.

وأشار الكاتب إلى أن "هذه التخفيضات الضريبية، في عهد الرؤساء رونالد ريغان، وجورج دبليو بوش، ودونالد ترامب، أدت إلى ارتفاع ضخم في الديون الفيدرالية".

كما أنها قادت إلى "زيادة كبيرة في أرباح الشركات والمؤسسات المالية، وتضخم ثروة المليارديرات، لكنها لم تقدم نفعا حقيقيا للعمال العاديين".

أما في الأوساط الديمقراطية، استخدم أصحاب المصالح "النظرية النيوليبرالية"، التي تدعو إلى إلغاء القيود، ودعم الخصخصة، والتجارة الحرة، وهيمنة القطاع المالي على الاقتصاد.

وأوضح وزير العمل السابق أن "هذه النظرية سادت خلال إدارتي الرئيسين، بيل كلينتون، وباراك أوباما".

ووفق تقييم "رايش"، فإن "النتيجة كانت مشابهة لتلك التي نتجت عن فكرة اقتصاديات العرض، التي انتهجها الجمهوريون، حيث تراكمت الثروات في القمة، بينما ظلّ العامل العادي عالقا في الوحل".

اقتصاد أكثر عدلا

وأشار إلى أنه "على عكس كل من الاقتصاديات المتدرجة والنيوليبرالية، تركز إدارة بايدن على تغيير هيكل الاقتصاد".

فخلال العام 2022، تضاعف إنشاء التصنيع في مجال الإلكترونيات عالية الدقة أربع مرات، عبر الدعم الذي قدمته إدارة بايدن، من خلال "قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم"، و"قانون الحد من التضخم".

"كما وجهت الإدارة الأميركية عشرات المليارات، للإنفاق على البنية التحتية في الولايات، لتطوير الطرق ونظم المياه والإنترنت".

"كذلك، أُعلن عن إنشاء مزيد من مرافق توليد الطاقة النظيفة خلال عام 2022 فقط، أكثر من عدد المرافق التي أُنشئت للغرض ذاته خلال السنوات السبع الماضية مجتمعة"، وفق رايش.

وقال إن "بايدن يدرك أن هذه الاستثمارات يجب أن تترجم إلى وظائف مجزية، وغالبا ما يتطلب ذلك نشاطا من النقابات، كما أشار الرئيس الأميركي أخيرا".

وأضاف: "قد لا يفهم الناخبون سياسات بايدن الاقتصادية بعد، ولكن ربما ليس من الضروري أن يفهموها حتى يصوتوا له وللديمقراطيين".

وتابع: "إذا استمرت بايدنومكس في تغيير هيكل الاقتصاد بطرق تساعد الغالبية العظمى من الشعب، فإن الناخبين سيمنحون بايدن فترة ولاية أخرى، ويكافئون الديمقراطيين في مجلسي النواب والشيوخ".

وختم بالقول: "وإذا نجحت بايدنومكس، فإنها ستجعل الاقتصاد الأميركي أقوى وأكثر عدلا خلال السنوات القادمة، وأنا أراهن على ذلك".