في ظل فشله بتوفير الدولار.. هل يفتح السيسي أبواب مصر لتجار المخدرات والآثار؟

12

طباعة

مشاركة

اعتادت البنوك المصرية سؤال أي شخص يتقدم لفتح حساب بالدولار أو تغييره إلى الجنيه عن مصدر العملة، كما ترفض فتح اعتمادات لتجار لاستيراد سلع لو أحضروا هم دولارات من خارج البنك رغم أنها لا توفره لهم.

لكن شح الدولار وحالة الفوضى الاقتصادية والمشكلات المتوقعة بشأن كيفية تسديد الديون المتراكمة، دفعت نظام عبد الفتاح السيسي لفتح أبواب البنوك أمام حائزيه دون سؤالهم عن مصدره حتى ولو كان بالملايين.

وصدرت تصريحات مفاجئة لـ "يحيي أبو الفتوح" نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي، عقب إصدار البنك شهادات دولية بعائد ضخم، مما أثار ضجة واسعة.

وهو ما أثار تساؤلات حول معنى القرار الجديد وهل تفتح مصر بذلك الباب مشرعا لتجار المخدرات والآثار وأصحاب غسيل الأموال، بينما لا تزال تدقق في تحويلات قليلة بالدولار لمصريين وتطالب من يُغير عملة أجنبية ببياناته ومصدر العملة؟

وهل يضع ذلك القرار مصر على القائمة الحمراء للدول المتهمة بغسيل الأموال، لأنه يعني فتح الباب للأموال القذرة من تهريب الآثار والمخدرات، لغسيلها؟

وزاد الأمر حيرة حين أعلنت خارجية مصر عن إمكانية إعفاء هاربين من التجنيد ومقيمين خارج مصر، بشرط دفعهم خمسة آلاف دولار في فرع بنك مصر بمدينة أبو ظبي، ما أثار تساؤلات حول حجم الأزمة التي تدفع النظام لتحصيل الدولارات بأي شكل ولماذا عبر فرع بنك مصر بالإمارات خاصة؟!

غسيل دولاري

وفي 25 يوليو/تموز 2023 طرح بنكا مصر واﻷهلي، الحكوميان، شهادات استثمار دولارية جديدة مدتها ثلاث سنوات، بفائدة 7 و9 بالمائة سنويًا.

وهي أعلى فائدة على شهادات العملة اﻷجنبية في تاريخ الجهاز المصرفي المصري منذ مطلع التسعينيات، وفقًا لما قاله مدير استثمار في شركة استشارات أميركية تدير محافظ استثمارية في القاهرة، لموقع "مدى مصر" 26 يوليو 2023.

الإعلان عن الشهادات تضمن أن عائد شهادة الـ 7 بالمائة يصرف شهريًا أو ربع سنوي أو سنوي، فيما يصرف "كامل عائد شهادة" الـ 9 بالمائة "مقدمًا عند الإيداع"، بالجنيه المصري، ثم صرف أصل مبلغ الشهادة بالدولار كما هو في نهاية مدتها.

وتضمن الإعلان عن الشهادة الدولارية بعائد 7 بالمائة إمكانية الاقتراض بالعملة المحلية بضمانها، بنسبة 50 بالمئة من قيمتها، ما يعتبر ميزة إضافية جاذبة للمودعين بالدولار لإغرائهم، إذ يُحظر على البنوك التسليف بالعملة المحلية بضمان ودائع بالعملة الأجنبية.

لم يقتصر الأمر على هذه الاغراءات ولكن جرى ترتيب لقاء لنائب رئيس البنك اﻷهلي، يحيى أبو الفتوح مع قناة "صدى البلد" المملوكة لرجل الأعمال الموالي للسلطة محمد أبو العينين، وروجت له الصحف، ليقول لمودعي الدولار: لن يسألكم أحد من أين حصلتم عليها.

قال في 26 يوليو، إنه يمكن لجميع المصريين شراء الشهادات الادخارية بالدولار، دون سؤال العميل عن كيفية الحصول على هذه الأموال.

وتابع: "لو معاك مليون دولار ادخل البنك واعمل الشهادة ومحدش هيقولك أنت جايب الفلوس منين".

ألمح إلى أنه جرى اللجوء لذلك بعد تجميع 3.5 مليار دولار من الشهادات الادخارية الدولارية ذات العائد الشهري 5.25 بالمائة شهريا التي طرحت في مايو/أيار 2023.

لكن مدير استثمار قال لموقع "مدى مصر" 26 يوليو 2023، إن تصريحات "أبو الفتوح" عن عدم سؤال العميل من أين جاء بهذه الدولارات، "لا تمنع اتباع الإجراءات المتعارف عليها في حالة وجود ما يستدعي الاشتباه في مصدر اﻷموال"، وصولًا للجهات الرقابية.

ومع رواج تأكيد مصريين عبر مواقع التواصل، أن تجار المخدرات والآثار سيستغلون هذه الشهادات لغسيل الأموال، قال مصدر رفيع المستوي لصحيفة "الشروق" إن "البنوك المصرية لا تقبل الأموال مجهولة المصدر".

ونفى ما قاله نائب رئيس البنك الأهلي، حول عدم السؤال عن مصدر الدولارات، ما أثار مزيدا من الغموض.

ما الهدف؟

مدير سابق بأحد البنوك أوضح لـ "الاستقلال" أن الهدف هو "جمع دولارات بأي شكل من السوق ولو عن طريق السوق السوداء أو أي مصدر ولو غير معروف"، في إشارة ضمنية لـ "غير شرعي".

قال إن البنوك كانت لديها تعليمات مشددة للسؤال عن أي دولارات عبر مستندات يكتب فيها العميل مصدر حصوله عليها، سواء كانت مملوكة أو محولة له من الخارج، لأسباب أمنية.

 

لكن لحاجة الدولة للدولار بشكل عاجل لسداد مستحقات عملاء بالعملة الأجنبية أو ديون خارجية، دفع هذا الجهاز المصرفي لإلغاء هذه التعليمات السابقة بشكل عملي.

أوضح أن هناك أزمة تعاني منها البنوك وصلت لعدم وجود دولارات لدى البنوك وعدم قدرتها على سداد الشهادات والودائع بالعملة الأجنبية، خاصة أن البنك المركزي يأخذ منها دولارا، حتى إن بنوكا اضطرت لأخذ قروض دولارية من الخارج.

وعن توقعه بشأن رواج هذه الشهادات، قال المصدر لـ "الاستقلال" إن المستهدفين بهذه الشهادات المصريون في الداخل ممن يكتنزون الدولار وأغلبهم يضعه في البنوك بالفعل، أما الموجودون في الخارج فلن يستجيب أغلبهم.

أوضح أن السبب هو أن مبادرة شهادات بنكي مصر والأهلي تحدد سعر الدولار بسعر رسمي هو 31 جنيها يتسلمها المودع بالعملة الأجنبية بعد 3 سنوات، بينما المصريون في الخارج يرسلونها لتجار السوق السوداء بسعر حوالي 40 جنيها.

وقال مدير صناديق الاستثمار بشركة أودن للاستثمارات المالية محمد حسن، لصحيفة "الشروق" 26 يوليو 2023 إن الشهادات الجديدة "لن تجذب المستثمرين من السوق السوداء لأن المستثمر فيها يحقق عائدا أعلى وسريعا بدلا من حجز الأموال في البنوك لـ 3 سنوات".

ولقي إعلان البنك الأهلي الحكومي سخرية على مواقع التواصل من ناشطين توقعوا أنه فخ لمن يمتلك دولارات، أو أنه مدخل لغسيل أموال المخدرات والآثار وغيرها بشكل رسمي برعاية نظام عبد الفتاح السيسي.

وسخر "أحمد عبد العزيز" من صمت إعلام السيسي على هذه الفضيحة، راسما سيناريو لرد فعلهم لو كان ذلك قد حدث خلال حكم الرئيس الراحل محمد مرسي.

وذلك في صورة مانشيتات متخيله ساخرة لعناوين الصحف وأقوال إعلاميي السلطة تدور حول اتهام "حكم الإخوان" بأنه حول مصر مركزا دوليا لغسيل الأموال.

أموال العملاء

في 8 يناير/كانون ثان 2023 قالت مصادر مصرفية لموقع "العربية" السعودي إن بنكي مصر والأهلي، أكبر مصرفين حكوميين بالبلاد، اقترضا 700 مليون دولار من أسواق الدين العالمية.

كما اقترض بنك أبو ظبي الإسلامي -مصر 50 مليون دولارا في 17 يوليو 2023 بحسب موقع "مصراوي".

وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني فسرت ضمنا في 13 يناير 2022 أرجعت لجوء البنوك المصرية لاقتراض دولارات من أسواق الدين العالمية، إلى تراجع الأصول الأجنبية في مصر "بعد سحب البنك المركزي ودائع منها لسداد ديون".

قالت إن أصول البنوك المصرية الأجنبية بعدما كانت 6.8 مليار دولار في مارس/آذار 2021 تراجعت إلى سالب 7.1 مليار دولار في نوفمبر من ذات العام.

أي تراجع صافي الأصول الأجنبية في بنوك مصر بنحو 14 مليار دولار خلال فترة 9 أشهر عام 2021.

وقد تدهور الوضع أكثر في الشهور اللاحقة، حيث أظهرت بيانات البنك المركزي المصري تراجعا في صافي الأصول الأجنبية بالبنوك خلال يناير 2023 ليبلغ سالب 21.7 مليار دولار أميركي في نهاية ذات الشهر.

وكان ذلك مقارنة بسالب 20.0 مليار دولار أميركي في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2022.

ويعني "صافي الأصول الأجنبية السالبة" أن الأصول الأجنبية لا تغطي الالتزامات الأجنبية للبنوك، بحسب موقع "زاوية" الاقتصادي

واستمر التدهور في مايو 2023، حيث قفز عجز صافي الأصول الأجنبية إلى سالب 24.4 مليار دولار في مارس 2023، بحسب ما قال موقع "العربية".

وحدث تحسن نسبي ضعيف، وللمرة الأولي، خلال أبريل 2023، حين تراجع عجز صافي الأصول الأجنبية ليصل إلى سالب 24.1 مليار دولار مقابل 24.4 مليار خلال مارس 2023، بحسب موقع "إيكونومي بلس" مطلع يونيو/حزيران 2023.

وهذا العجز في العملة الأجنبية، يفسر لجوء البنوك لإغراء المصريين بوضع ما لديهم من دولارات ولو كان مصدرها مجهولا أو غير شرعي في المصارف لإنقاذها من الانهيار بعدما أخذ منها البنك المركزي الدولارات لسداد ديون وشراء مستلزمات بعضها للمشاريع الفاشلة.

وهو ما توضحه بيانات البنك المركزي المصري في جداول متعلقة بحجم الاحتياطي الأجنبي كل شهر.

وتزامن هذا مع انخفاض كبير متواصل في تحويلات المصريين بالخارج وتراجعها بنسبة 23.1 بالمائة في 9 شهور وفقا لتقارير البنك المركزي وهي التي يعتمد عليها اقتصاد مصر بصورة كبيرة.

بيان البنك أظهر أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج، سجلت 17.5 مليار دولار خلال الشهور التسعة الأولى من العام المالي 2022-2023.

في حين كانت قيمة هذه التحويلات 23.1 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام المالي 2021-2022.

وتمثل تحويلات المصريين في الخارج أكبر مصدر للعملة الأجنبية في البلاد، تليها الصادرات والسياحة وإيرادات قناة السويس على الترتيب.

وكانت تصريحات لوكيل مجلس الشيوخ المصري بهاء أبو شقة (رئيس حزب الوفد السابق) في 6 مارس 2023 أثارت ضجة وجدلاً واسعي النطاق في البلاد.

إذ دعا إلى "استقطاع نسبة مئوية من عائدات كل مواطن يعمل في الخارج"، بزعم أن هذا "من حق الدولة لأنها هي من عملت على تنشئته وتعليمه وتربيته"، وفق موقع "القاهرة 24".