حرق الصدريين سفارة السويد ببغداد.. كيف يؤثر على طموحات حكومة "إطار إيران"؟
لا تزال واقعة حرق نسخ من القرآن الكريم في السويد، تشهد تطورا متصاعدا في العراق، لا سيما حادثة اقتحام سفارة ستوكهولم في بغداد، والتي أعقبها طرد السفيرة السويدية جيسيكا سفاردسترم، وسحب القائم بالأعمال العراقي هناك، وقطع العلاقة بين البلدين.
قرار العراق جاء عقب اجتماع حكومي طارئ في 20 يوليو/ تموز 2023، بعد ساعات من إضرام النار بسفارة السويد في بغداد، خلال تظاهرة نظمها مناصرون لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، رفضا لمنح السلطات السويدية ترخيصا لحرق نسخة من القرآن، والعلم العراقي.
وفي 28 يونيو 2023، مزّق سلوان موميكا، وهو عراقي مقيم في السويد، نسخة من المصحف وأضرم النار فيها عند مسجد ستوكهولم المركزي، بعد أن منحته الشرطة تصريحا بتنظيم تجمع رضوخا لقرار قضائي، وهو ما قوبل بموجة استنكار وتنديد واسعة في العالمين العربي والإسلامي.
تداعيات مستمرة
وعلى ضوء اقتحام سفارة السويد في بغداد وإحراقها في 20 يوليو 2023، قرر وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، إلغاء زيارة رسمية كانت مقررة إلى العراق والأردن، إثر "مخاوف أمنية" مترتبة على احتجاجات "حرق المصحف".
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية، إن الوزير بيستوريوس ألغى زيارة كانت مقررة للعراق والأردن، مشيرا إلى مخاوف أمنية بعد إضرام النار في السفارة السويدية ببغداد احتجاجا على حرق المصحف.
ونقل موقع قناة "دويتشه فيله" الألمانية عن المتحدث (لم تسمه) في 23 يوليو 2023، قوله إن إلغاء زيارة بيستوريوس، التي كان من المفترض أن تستمر عدة أيام، جاء أيضا ردا على احتجاجات عنيفة ضد منظمة دنماركية غير حكومية في العراق.
وبين المتحدث أن ذلك، إلى جانب احتمال حدوث مزيد من الاحتجاجات في الأيام المقبلة، دفع قوات الأمن الألمانية للنصح بإلغاء الزيارة، مردفا أنها "ستأتي في وقت لاحق، قد يكون خلال الربع الأخير من العام".
لكن مجلة "دير شبيغل" الألمانية نقلت في 23 يوليو 2023 عن مصادر رفيعة (لم تكشف هويتها)، أنه "بعد أعمال الشغب العنيفة ضد السفارة السويدية في بغداد، نصح مكتب الشرطة الجنائية الألماني، الوزارة، بعدم القيام بهذه الرحلة".
وفقا للسلطات الألمانية، لا يمكن استبعاد حدوث مزيد من الاحتجاجات وتفاقم الوضع في العراق، لذلك تم اتخاذ قرار أيضا، بتعزيز حماية موظفي التمثيل الألماني في بغداد.
ولم تتأثر السفارة الألمانية في بغداد، والتي -على عكس العديد من البعثات الحكومية الأخرى- تقع خارج "المنطقة الخضراء" وسط بغداد، بالاحتجاجات العنيفة.
وكانت رحلة وزير الدفاع مخصصة لتفقد بعثة الجيش الألماني في العراق ودراسة موقف البعثة على الأرض قبل تمديد مهمتها، إذ كان بيستوريوس يريد مقابلة جنود الجيش بلاده المنتشرين في بغداد، كما تم التخطيط لعقد اجتماع مع نظيره العراقي، ثابت العباسي.
ويشارك الجيش الألماني في مهمة تدريب يقودها حلف شمال الأطلسي "الناتو"، للقوات المسلحة العراقية من أجل إعدادهم بشكل أفضل للقتال ضد "الجماعات الإرهابية".
فعل متعمد
وبخصوص تداعيات اقتحام السفارة السويد، قال المحلل السياسي العراقي، فاضل البدراني، إن "العملية أجهضت جهودا سياسية ورسمية لحكومة محمد شياع السوداني، التي بعثت على مدى ثمانية شهور رسائل طمأنة كبيرة ومهمة للعالم باستتباب الوضع في البلاد".
وأوضح البدراني في حديث لـ"الاستقلال" أن "عملية حرق السفارة لم تتم وفق خطة مدروسة، وإنما بفعل مجموعة من الشباب الذين استفزهم موضوع حرق نسخة من المصحف الشريف، وبالتالي أضرموا النار في السفارة السويدية، وهذا سيخسر البلد كثيرا".
وتابع: "كان الأولى بالعراق أن يتعامل مثل بقية دول العالم الشقيقة والصديقة والمجاورة، ويكتفي بالجانب الدبلوماسي، إضافة إلى رسالة شعبية يمكن أن تكون بمظاهرات سلمية، وليس العبث بأمن السفارات وكأننا تجاوزنا حدود هذه الدول، فهي عملية ليست في صالح البلد".
ورأى البدراني أن "موضوع تأجيل وزير الدفاع الألماني زيارته للعراق بسبب التحديات الأمنية، والإفصاح عن ذلك للإعلام، يبين أن حادثتي حرق نسخ من القرآن كان بسبب أزمة في دول الغرب، ومحاولة تصدير العنصرية الغربية إلى الشرق".
وأضاف المحلل العراقي أن "هناك مساندة من ألمانيا لهذه العنصرية، لذلك كان الأولى ألا تعلن عن إلغاء زيارة وزير دفاعها، لأن هذا يعني أنها ضربة سياسية للعراق، وأن الموضوع متعمد ومبيت بين دول عديدة".
ورأى البدراني أن "العراق مستهدف بحملة عنصرية، لأن حارق نسخة من القرآن عراقي الجنسية، والعملية جرت أمام سفارة بغداد في ستوكهولم، إضافة إلى حرق صورة شخصية دينية وسياسية وهو زعيم التيار الصدري، إذن فهي عملية مقصودة لاستفزاز العراقيين".
من جانبها، أعلنت السويد في 20 يوليو 2023، أنها استدعت القائم بالأعمال العراقي في ستوكهولم واحتجت على حرق سفارتها في بغداد.
وقال وزير الخارجية السويدي، توبياس بيلستروم، في بيان إن "ما حدث (لسفارة بلاده) غير مقبول بتاتا، والحكومة تدين هذه الهجمات بأشد العبارات"، مضيفا: "على السلطات العراقية واجب واضح بحماية البعثات الدبلوماسية والموظفين بموجب اتفاقية فيينا".
ورأى أنه "من الواضح أن السلطات العراقية أخفقت بشكل خطير في تحمل مسؤولياتها (في حماية سفارة بلاده)"، وبحسب وزارة الخارجية السويدية فإن موظّفي سفارتها في بغداد بأمان".
⭕️#عاجل
— هشام علي :: husham ali (@husham_ali1) July 19, 2023
حرق السفارة السويدية في بغداد pic.twitter.com/qSRfoKbPXp
عواقب محتملة
وفي السياق ذاته، قال أستاذ الإعلام في العراق، غالب الدعمي، إن "حرق نسخة من القرآن في السويد استهدف السفارة العراقية نفسها كون الحادث حصل أمام مبناها، إضافة إلى حرق العلم العراقي معه، وهذا يؤكد الاستهداف، لكن ردة الفعل كانت سريعة".
ورأى الدعمي خلال مقابلة تلفزيونية في 23 يوليو 2023 أن "قضية حرق السفارة في العراق ليست جديدة، لكني تمنيت أن الجمهور الذي دعاه الصدر للاحتجاج، أن يبقى بعيدا عن السفارة ويردد فقط الشعارات، حتى نعطي رسالة بليغة هناك".
وأعرب عن اعتقاده بأن "تداعيات محتملة خارجية ستستثمر ضد العراق جراء حرق السفارة السويدية، وأن الجمهور الذي خرج للاحتجاج ببغداد يحمل أيديولوجية عقائدية وسياسية، ولم نلحظ وجود مواطنين لا ينتمون إلى التيار الصدري أو الإطار التنسيقي".
وأشار إلى أن "حرق السفارة السويدية ليس في مصلحة العراق، لأنه أظهر البلاد بشكل فوضوي ويعتمد الفوضى في حل مشكلاته، وهذا أمر يسيء إلى سمعتنا وتاريخنا، وحتى للاستثمارات في البلد، لأن الشركات الأجنبية لن تفكر بالقدوم إلينا مرة ثانية".
ولفت الدعمي إلى أن "قضية حرق السفارة السويدية استثمرت سياسيا في العراق، لأن التيار الصدري بوصوله إلى مقار السفارات فقد الدعم الدولي، في تولي رئاسة حكومة مقبلة، إذ أظهره خصومه في الداخل بأنه لا يصلح لإدارة الدولة، وإنما لإثارة الفوضى".
وكان القيادي في الإطار التنسيقي الشيعي الموالي لإيران، زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، قد دعا إلى الابتعاد عن أي تصرف يضعف العراق كدولة، وأن من واجب الحكومة حماية البعثات الدبلوماسية، وهي لم تقصر فيما هو مطلوب منها"، حسب بيان له في 22 يوليو 2023.
من جهته، وجه زعيم مليشيا "كتائب الإمام علي" شبل الزيدي عبر تغريدة على تويتر في 22 يوليو 2023 انتقادا لتظاهرات "التيار الصدري"، مؤكدا أن "ما يقوم به بعض الأخوة هو تحطيم هيبة الدولة أمام الرأي العالمي، وكأن هناك سلطة فوق القانون في العراق، وأننا بلد فاقد للسيطرة".
فيما أكد حسين مؤنس، رئيس كتلة "حقوق" البرلمانية، وهي الجناح السياسي لمليشيا "كتائب حزب الله" العراقية، خلال تغريدة له في 20 يوليو 2023 أن "الدبلوماسية العراقية والأجهزة الأمنية أمام اختبار قدرات في ملف استرداد الأحمق (سلوان موميكا) الذي اعتدى على علم البلاد ومقدساته، وما دون ذلك الذل والهوان".
— حسين مؤنس (@HussainMouanes) July 20, 2023
إجراءات حكومية
على الصعيد الرسمي، أعلن المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، التزام السلطات في البلاد بحماية أمن جميع البعثات الدبلوماسية والتصدي لأي اعتداء يستهدفها.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) في 20 يوليو 2023 عن العوادي، قوله إن "الاجتماع الطارئ للقيادات الأمنية عقد برئاسة رئيس الحكومة، أكد أن حرق السفارة السويدية خرق أمني وجب معالجته فوريا ومحاسبة المقصرين من المسؤولين عن الأمن واتخاذ الإجراءات السريعة جدا لتشخيص أسباب هذا الخرق وكيف ولماذا حصل بهذه الطريقة".
وأضاف العوادي: "إحالة المتسببين بحرق السفارة الذين جرى إلقاء القبض عليهم إلى القضاء لمحاكمتهم وفق قوانين القضاء العراقي العادل، وإحالة المقصرين من المسؤولين الأمنيين من شتى الجهات الأمنية المسؤولة عن أمن العاصمة بغداد والسفارات إلى التحقيق".
ولفت إلى أن "الحكومة العراقية تلتزم بحماية أمن جميع البعثات الدبلوماسية والتصدي لأي اعتداء يستهدفها لاحقا في بغداد أو في غيرها من المحافظات".
وفي 22 يوليو 2023، قال الرئيس العراقي، عبد اللطيف رشيد، إن "تسلسل الأحداث يشير إلى وجود قصدية تهدف استفزاز العراقيين حصرا وإظهار بلادنا كدولة غير آمنة للبعثات الأجنبية وتدفع نحو إجراءات دبلوماسية سيتضرر منها العراقيون داخل البلاد وخارجها ممن دفعتهم الظروف للهجرة واللجوء إلى بلدان تشهد اليوم أعمالا استفزازية".
وأوضح رشيد في بيان له أن "من حق المواطنين والقوى السياسية في العراق التعبير عن غضبهم واستنكارهم لأي اعتداء أو تجاوز على معتقداتهم على أن لا يتسبب ذلك بضرر لدولتنا وشعبنا ويحرم مواطنينا في الخارج من الخدمات الدبلوماسية ومن التواصل مع وطنهم الأم".
ودعا العراقيين إلى "تفويت الفرصة على المغرضين والانتهازيين الذين يفتعلون الأزمات في الخارج ممن يريدون تشويه صورة العراق الآمن المستقر والإضرار بسمعته الدولية وحرمانه من التعاون مع الدول الأخرى، والتزام الطرق السلمية والقانونية في التعبير عن مواقفهم".
وبعد ذلك، أفاد بيان للرئاسة في 24 يوليو 2023 بأن الرئيس عبد اللطيف رشيد استقبل ببغداد، رؤساء وممثلي البعثات الدبلوماسية العربية المعتمدة لدى العراق، مؤكدا أن "الوضع في البلاد أحسن بكثير الآن، وأن المدن والمحافظات تشهد استقرارا أمنيا".
وكانت الخارجية الأميركية أدانت بشدة الهجوم على سفارة السويد في بغداد، وقالت خلال بيان في 21 يوليو 2023 إن "عدم تحرك قوات الأمن العراقية لمنع المتظاهرين من اختراق مجمع السفارة السويدية للمرة الثانية أمر غير مقبول"، على حد قولها.
من جهتها، قالت بريطانيا عبر بيان صدر في 20 يوليو 2023 إنها تدين بشدة الهجوم على السفارة السويدية في بغداد بسبب خطط حرق المصحف في ستوكهولم، ورحبت بعزم الحكومة العراقية اتخاذ إجراءات بحق المسؤولين عن الواقعة، وفقا لوكالة "رويترز".
من جهته، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في بيان صادر عنه في 21 يوليو 2023 إن المنظمة الدولية "تتابع بقلق التطورات بشأن السفارة السويدية بالعراق"، مشيرا إلى أن تدنيس الكتب المقدسة وأماكن العبادة "أمر غير مقبول".
المصادر
- حرق القرآن يدخل المزاد "السياسي" والإطار يحترق على "هيبة" الدولة
- هواجس أمنية تدفع وزير الدفاع الألماني لإلغاء زيارته إلى العراق
- رئيس الجمهورية يستقبل رؤساء وممثلي البعثات الدبلوماسية العربية المعتمدة لدى العراق
- بيان الرئاسة العراقية حول حرق السفارة السويدية في بغداد
- العراق: إطلاق سراح الصحفيين المعتقلين خلال حادثة حرق السفارة السويدية
- العراق: المليشيات الحليفة لإيران تتخذ موقفاً مغايراً للصدر في أزمة حرق نسخ من القرآن
- العراق يطرد سفيرة السويد ويستدعي القائم بأعماله فيها "احتجاجا على حرق المصحف"
- وزير الدفاع الألماني يلغي زيارته للعراق لأسباب أمنية
- غضب عربي وإسلامي بعد سماح السويد مجددا بالإساءة إلى القرآن