خاطروا بحياتهم.. هكذا أنقذ المسلمون الألبان آلاف اليهود من الهولوكوست؟
أبرزت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" جهود المسلمين في ألبانيا لإنقاذ آلاف اليهود من محرقة الهولوكوست، موضحة أنهم "خاطروا بحياتهم لحماية تلك الجالية".
وقالت الإذاعة -على موقعها الناطق بالبرتغالية- إن "ألبانيا واحدة من الدول الأوروبية القليلة التي كان عدد السكان اليهود فيها نهاية الحرب العالمية الثانية (عام 1945) أكبر مما كان عليه في بداية الصراع".
وبينت أن "العائلات الألبانية -ومعظمها من المسلمين- رحبت في منازلها وحمت آلاف اللاجئين من دول، مثل ألمانيا والنمسا ويوغوسلافيا والمجر، الذين فروا من الاضطهاد أثناء الهولوكوست".
وأشار التقرير إلى أنه "في وقت مبكر من عام 1938، قبل عام من بدء الحرب العالمية الثانية، عرض ملك ألبانيا، زوغ الأول، اللجوء السياسي لأكثر من 300 يهودي، حتى إنه منحهم الجنسية".
"لكن هذه الحماية لم تدم طويلا، ففي عام 1939، غزت إيطاليا ألبانيا، وأعلنتها محمية تابعة لها، وأُجبر الملك زوغ الأول على النفي خارج البلاد"، وفق الإذاعة البريطانية.
وتابعت: "مع وجود البلاد تحت قيادة الديكتاتور الإيطالي، بينيتو موسوليني، أصبح دخول اليهود إلى البلاد أكثر صعوبة".
"ومع ذلك، في عام 1945، وصلت ألبانيا إلى نهاية الحرب مع وجود أكثر من 3 آلاف لاجئ يهودي في أراضيها".
كرم الفقراء
وقالت الإذاعة البريطانية إن هذا العدد الكبير يفسر كرم الشعب الألباني، وتأثير كلمة الشرف "بيسا" في ثقافته.
بدورها، أوضحت شيرلي ديوغاردي، من الجمعية المدنية الألبانية الأميركية أن "الألبان استضافوا اليهود في منازلهم، وقدموا لهم الطعام ورعوهم، وأخفوهم عن أعين مَن يريدون استهدافهم، وفي كل مرة تزداد فيها الأمور خطورة، كان المسلمون يجدون طرقا لنقلهم إلى أماكن أخرى".
وذكرت مصادر يهودية أنه عندما حاول الألمان اعتقال اليهود في مدينة "فلوره" الألبانية، ردع المقاتلون المحليون هذه العملية، عبر إظهار سيطرتهم على الريف المحيط بالمدينة.
وبذلك أُحبطت محاولة الألمان لإيجاد اليهود وترحيلهم نتيجة عدم تعاون الألبان، وفق الإذاعة.
ووصفت لايم بالا، وهي إحدى الألبانيات اللاتي ساعدن اليهود، كيف أن الألبان خبأوا اليهود الذين في عهدتهم على مرأى من الجميع.
وقالت بالا: "كنا فقراء، لم يكن لدينا طاولة لتناول الطعام حتى، لكننا لم نسمح لهم بأن يدفعوا لنا ثمن الطعام أو المأوى".
وأردفت: "كنت أذهب إلى الغابة لتقطيع الأخشاب وسحب الماء. كنا نزرع الخضار في حديقتنا، حتى يكون لدينا جميعا الكثير من الطعام".
وتابعت: "جرى إيواء اليهود في قريتنا لمدة 15 شهرا، وجعلناهم يرتدون ملابس فلاحين مثلنا، وحتى الشرطة المحلية كانت تعلم أن القرويين كانوا يأوون يهودا".
وذكر المصور الأميركي، نورمان جرشمان، الذي عمل على توثيق هذه الفترة، شهادات لألبان والتي يروون فيها كيف استضافوا اليهود الفارين من المحرقة في منازلهم بصفتهم "أقارب".
ومن ضمن هؤلاء الألبان "علي باكير، وهو صاحب دكان ألباني، توقفت سيارة فيها جنود نازيون أمام بقالته، وكان معهم عمال سخرة ألبان وفتى يهودي استعدوا لإعدامه".
"وما كان من باكير إلا أن استضاف الجنود النازيين ريثما تمكن الفتى من الهروب من الشاحنة إلى الغابة"، وفق جرشمان.
ووفق "بي بي سي"، فقد "كان العديد من الذين ساعدوا اللاجئين أشخاصا لم يشاركوا في عمل سياسي أو ينخرطوا في حركات اجتماعية، لكنهم كانوا يتمتعون بروح إنسانية، وعدوا مساعدة اليهود مسألة متعلقة بالشرف الوطني".
"هذا هو الحال مع أرسلان ريزنيقي، تاجر الأغذية الذي خاطر بحياته وحياة عائلته لإنقاذ مئات اللاجئين اليهود"، وفقا لما أوردته حلقة من بودكاست "أبطال سريون في التاريخ"، الذي تنتجه هيئة الإذاعة البريطانية.
وأشار التقرير إلى أن "أسرة أرسلان كانت مسلمة، حيث يمثل الإسلام الديانة الرئيسة في ألبانيا، مع وجود 17 بالمئة فقط من السكان مسيحيين".
التاريخ يعيد نفسه
وأتبع: "أرسلان كان جزءا من المجتمع الألباني الذي يفخر بطبيعته الإنسانية، والذي لا يزال يتبع قانون بيسا حتى اليوم".
و"بيسا"، التي مازالت تمثل حتى اليوم أعلى كود أخلاقي في ألبانيا، تعني الوفاء بالعهد.
والشخص الذي يلتزم بـ"البيسا" هو ذلك الذي يفي بوعده، الأمين على صون حياتك وحياة عائلتك.
وحسب ديوغاردي، فإن كلمة "بيسا" تجمع بين الشرف الشخصي والاحترام والمساواة مع الآخرين.
ومن بين قيمها الرئيسة أيضا الحماية غير المشروطة للضيف، الذي يمكن أن تتعرض حياتك للخطر من أجله.
وقال التقرير إن "معظم اليهود الذين وصلوا إلى ألبانيا اختبأوا في البلدات الصغيرة والجبال، ولذلك كان من غير المرجح أن يُكتشف أمرهم".
وأضاف أنه "عندما احتلت النازية ألبانيا، طلبوا من السلطات المحلية هناك تقديم قوائم بأسماء اليهود المراد ترحيلهم. ولكنها رفضت ذلك".
وحسب تقارير، فإن "الدوائر الحكومية المختلفة في ألبانيا زودت العديد من العائلات اليهودية بأوراق ثبوتية مزورة تسهيلا لاندماجهم مع سائر المواطنين الألبان".
وأفادت الإذاعة البريطانية بأن "هذا هو التقدير للطابع الإنساني للألبان، حيث يُكَرِّم نُصب "ياد فاشيم" لضحايا الهولوكوست في إسرائيل حوالي 25 ألف شخص غير يهودي، خاطروا بحياتهم لحماية المجتمع اليهودي".
وعلى الرغم من أن الحرب العالمية الثانية كانت واحدة من أصعب الاختبارات التي واجهها هذا القانون الاجتماعي "بيسا"، فإن اضطهاد النظام النازي لم يكن التحدي الأول ولا الأخير، وفق الإذاعة البريطانية.
وحسب التقرير، فإن "التاريخ يعيد نفسه، حتى مع تغير الزمن وضحاياه". ففي التسعينيات، غادر إلى ألبانيا أكثر من 500 ألف لاجئ -معظمهم من أصل ألباني- منطقة كوسوفو التي كانت آنذاك جزءا من صربيا، وذلك هربا من القوات العسكرية الصربية.
وقالت نيفيلا موكا، حفيدة امرأة ألبانية أنقذت أسرة لاجئة، إن "العائلات الألبانية كانت تذهب إلى مخيمات اللاجئين في كوسوفو، وتبحث عن أسرة ثم تأخذها معها إلى المنزل".
وأكدت موكا أنهم "لم يكونوا أقارب أو أصدقاء، بل كانوا غرباء، لكن الألبان استقبلوهم، وأطعموهم، وكسوهم، وعاملوهم كما لو كانوا جزءا من عائلاتهم".
وعندما سُئلت موكا عن السبب الذي دفع جدتها للقيام بذلك، هزت كتفيها وأجابت: "إنها الطريقة الألبانية. إنها البيسا. إذا أتى إليك شخص ما وطلب المساعدة، فلا بد أن تكون ملاذا له".