رغم ضربات ابن سلمان.. تجارة السلاح تفجر الحرب بين كبرى العائلات السعودية

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

في عام 2017 عندما أمر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ببدء حملة ضد رؤوس الأموال في البلاد، أصدر مرسوما ملكيا بإنشاء اللجنة العليا لمكافحة الفساد لتتبع أصول الأمراء ورجال الأعمال السعوديين.

ومنهم العائلات الضالعة في تجارة السلاح وإبرام عقود التسليح مع الجهات الغربية، مثل الجابر والإبراهيمي وآل فستق وغيرها.

بالتوازي مع إحداث تغيرات جذرية في بنية المملكة، تحديدا في النخبة الحاكمة القريبة من دوائر صنع القرار، كان الأمير يهدف للسيطرة الكاملة على بؤر نفوذ بعينها كمسألة التسليح وصفقات السلاح. 

أما الحرس القديم المتنفذون لعقود في تلك العملية فحدد عملهم أو سحقهم تماما عبر الزج بهم في تهم متنوعة، واستبدلهم بصف يوافق المزاج الجديد في البلاد.

وبحسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (سيبري) في تقريره الصادر عام 2020, احتلت السعودية المرتبة الأولى كأكبر مستورد للسلاح في العالم خلال العشر سنوات الماضية، حيث اشترت أسلحة تبلغ تكلفتها 116 مليار دولار.

الجابر والإبراهيمي

ومع ذلك فإن الحملة التي شنها ابن سلمان على العائلات السعودية المرتبطة بعقود التسليح فجرت معارك قانونية فيما بينهم.

إذ يخوض الشركاء التجاريون السابقون محمد بن عيسى الجابر من جهة، والشقيقان وليد بن إبراهيم آل إبراهيم وماجد بن إبراهيم آل إبراهيم من جهة أخرى، نزاعا قضائيا ضد بعضهم البعض بسبب الخلاف على مبلغ 30 مليون دولار أميركي جرى دفعها عام 2002.

وكشف الخلاف الذي بدأ في 31 مارس/آذار 2023, عن مشاركتهم في عقود مشتريات الأسلحة السعودية.

وفي 13 يوليو/تموز 2023, نشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات، تقريرا عن المعركة القانونية المستمرة في محاكم لندن، بين العائلتين السعوديتين (الإبراهيم والجابر) حول دفع 30 مليون دولار. 

وأضافت المجلة أن المعركة تدور في ظروف خاصة، فقد شارك من الرياض وليد وماجد بن إبراهيم في الجلسة الأخيرة أمام قاضي المحكمة التجارية بدائرة لندن مارك بيلنغ. 

وذكرت أن السلطات السعودية ما زالت تحتجز الأخوين (وليد وماجد) اللذين يقاضيان في لندن من طرف شريكهما التجاري السابق قطب العقارات السعودي النمساوي محمد بن عيسى الجابر.

ومع ذلك فإن حظر السفر من السعودية لم يمنع الأخوين من إيجاد مبررات لعدم سداد 30 مليون دولار يطالب بها محمد بن عيسى الذي أسس ويرأس شركة MBI International Holdings التي تتخذ من لندن مقراً لها.

ويدعي محمد بن عيسى أنه أقرض المبلغ للشقيقين دون عقد مكتوب في عام 2002 عندما كانا يترأسان مركز إعلام الشرق الأوسط (مجموعة إم بي سي) في لندن.

وكان من المقرر استخدام القرض في تمويل إنشاء مجموعة العربية الإعلامية في عام 2003.

وهذه الأخيرة كان يفترض وبدعم من بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود السفير السعودي السابق في واشنطن، والذي ترأس أيضا جهاز المخابرات العامة، أن تنافس مجموعة الجزيرة الإعلامية القطرية.

عقود السلاح

وفي 17 مايو/أيار 2023, أوردت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أن محكمة في لوس أنجلوس تريد تمكين المواطن الأميركي جون ديفيد بريت من الإدلاء بشهادته أمام المحاكم البريطانية، وفقا لطلب من وليد بن إبراهيم.

وأوضحت: يعتقد وليد بن إبراهيم أن بريت، الذي ترأس العمليات في شركة محمد بن عيسى القابضة والعديد من شركاته الأخرى بين عامي 1995 و2013، يمتلك أدلة من شأنها أن تمكنه من إجبار محمد بن عيسى على إسقاط الدعوى التي رفعها ضده.

وأشارت إلى أن وليد بن إبراهيم يدعي أن بريت يمكن أن يؤكد أن القرض البالغ 30 مليون دولار كان في الواقع رسما استشاريا دفعه محمد بن عيسى إلى شقيقه ماجد.

والأخير لعب دورا حاسما في الحصول على عقد من وزارة الدفاع والطيران السعودية في 1999، حيث فازت شركة جداول التي كان يديرها بريت آنذاك بعقد تأجير مجمعين للوزارة.

وترأس شركة جداول في ذلك الوقت سلطان بن عبد العزيز آل سعود، الذي تولى وزارة الدفاع منذ عام 1962، وأصبح وليا للعهد من عام 2005 حتى وفاته في 2011.

ويقول وليد بن إبراهيم إن هذه الرسوم جرى تغييرها بعد ذلك باتفاق شفهي إلى قرض لاستخدامه في تمويل إنشاء قناة العربية، وهو مشروع يرى أن بريت سيكون قادرا على إظهار أن محمد بن عيسى لم يشارك به كثيرا. 

بينما قال رجل الأعمال السعودي النمساوي نفسه للمحكمة البريطانية، إنه موّل المجموعة الإعلامية الجديدة لاستثمار الأموال في مجموعة MBC التابعة لوليد وماجد، وكان وسيطا لهما في إبرام عقود وزارة الدفاع وصفقات السلاح. 

وفي جميع الأحوال يظل الأخوان إبراهيم تحت قبضة سلطة محمد بن سلمان، ولا يستطيعان الخروج من البلاد، والجابر خارج البلاد يرفع الأحجية في محاكم لندن ولا يستطيع العودة إلى المملكة. 

آل فستق

غمرات الصراع بين الجابر والإبراهيم ذكرت بما حدث لآل فستق، الذين كانوا من أكبر أباطرة السلاح في السعودية لسنوات طويلة. 

آل فستق وصلوا لدرجة مصاهرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ومن ثم أصبحوا أباطرة لعقود التسليح بالمملكة. 

لكن ابن سلمان مع صعوده لم يعجبه الأمر فانقلب عليهم، وسلب مكانتهم، ولم يكتف بذلك، بل بات يطاردهم خارج المملكة، تحت لافتات مثل "الحرب على الفساد".

وفي 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2022, بناء على اتهامات بسوء التصرف المالي، لاحقت السلطات السعودية رجلي الأعمال الأخوين صلاح ومنصور فستق.

وهذان الرجلان لعبا لسنوات طويلة دورا رئيسا في عقود تسليح الحرس الوطني السعودي، وكانا مركز نفوذ الملك عبد الله بن عبد العزيز.

وأرسلت السلطات مذكرة اعتقال إلى منظمة الشرطة الدولية "إنتربول"، لتعقب الأخوين صلاح ومنصور فستق، مشيرة إلى أن ابن سلمان مصمم على اعتقالهما.

ورجل الأعمال صلاح فستق هو والد زوجة منافس ابن سلمان السابق على العرش الأمير "متعب"، نجل الملك السعودي الراحل "عبد الله بن عبدالعزيز"، وكان لاعبا رئيسا في إبرام عقود الأسلحة الخاصة بالحرس الوطني السعودي لعقود.

 

الأمير السمسار

ابن سلمان أزاح الحرس القديم من دوائر الأعمال في السعودية خلال حملته المزعومة لمكافحة الفساد في نوفمبر/تشرين الثاني 2017.

وبطبيعة الحال أصبح الصف الثاني من النخبة الذين كانوا تحت إمرة الأمراء المنكوبين، ومنهم الأخوان فستق، وآل الإبراهيمي والجابر، في مهب الريح. 

وعلى هذا النحو سيطر ابن سلمان على الجيش السعودي، والحرسين الوطني والملكي، ووزارة الداخلية، وكل ما يخص تلك القطاعات خاصة مسائل السلاح.

إذ فرض ابن سلمان سطوته على قنوات التفاوض كافة حول عقود التسليح والعقود الدفاعية التي تتعاقد عليها المملكة عبر مؤسستين. 

الأولى هي "الهيئة العامة للصناعات العسكرية"، وهي هيئة سعودية تطلب المعدات لجهات عسكرية وأمنية مختلفة بما فيها الجيش، ووحدات وزارة الداخلية، والحرس الوطني، ورئاسة أمن الدولة، وترفع جميعها تقاريرها بشكل مباشر إلى ولي العهد محمد بن سلمان.

أما الثانية فهي "الشركة السعودية للصناعات العسكرية"، والمسؤولة عن تأسيس مشاريع مشتركة محلية مع شركات الدفاع الأجنبية.

وأعلن صندوق الاستثمارات العامة الذي يرأسه محمد بن سلمان عن تأسيسها في مايو 2017 بهدف توطين نسبة 50 بالمئة من الإنفاق العسكري بحلول عام 2030.

لم يتسن لملك سعودي أو لولي عهد أن ينجز صفقات السلاح بنفسه، مثلما فعل محمد بن سلمان، عقب إطاحته بآل فستق وبقية العائلات السعودية المتنفذة في هذا الأمر، وتبنيه إستراتيجية خاصة فيما يخص عقود التسليح. 

سيطرة مطلقة

فمثلا في 5 أبريل/ نيسان 2018 أعطت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الضوء الأخضر لعقد جديد للأسلحة بقيمة 1.31 مليار دولار مع الرياض، في ختام جولة طويلة لابن سلمان بالولايات المتحدة.

حينها لم يكن الأمر مجرد صفقة أنجزها الأمير الشاب، لكنها حملت إرادة ترامب وخطته، لأن تلعب السعودية دورا عسكريا متقدما في المنطقة خصوصا في مواجهة إيران، وفق إذاعة صوت ألمانيا "دويتشه فيله" في 6 أبريل/ نيسان 2018. 

وذكرت أن "إحدى إستراتيجيات ولي العهد السعودي لمواجهة الضغوط المتزايدة على شراء بلاده للسلاح كانت ربط المصالح الاقتصادية بالصفقات العسكرية".

خاصة أنه إثر توليه وزارة الدفاع ضم إلى سلطاته الإشراف على عملاق النفط أرامكو الذي يعد الذراع القوية في سياسة الخارجية السعودية، وفق دويتشه فيله. 

وذلك لأن فكرة السيطرة المطلقة لابن سلمان على عقود التسليح، وضخ كم هائل من الأسلحة للمملكة لم ترق لكثيرين.

فخلال زيارته إلى باريس، في 11 أبريل/نيسان 2018، طالب نواب فرنسيون ومنظمات حقوقية من الرئيس إيمانويل ماكرون وقف تزويد السعودية بالأسلحة الفرنسية. 

وقدم مشرع من حزب ماكرون طلبا رسميا بفتح تحقيق برلماني في مدى قانونية مبيعات الأسلحة الفرنسية للتحالف الذي تقوده السعودية للقتال في اليمن، والذي حمل انتهاكات بالغة لحقوق الإنسان هناك. 

لكن محمد بن سلمان الذي أمسك بعقود التسليح حصريا، كانت له أفكار أخرى تتجاوز السيطرة فقط، إلى توسيع شراكات إستراتيجية لبلاده من نوع خاص، كعلاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإقدامه على شراء السلاح الروسي، وكذلك علاقته بالصين.

فتلك الجزئية مكنت ولي العهد السعودي من التلويح للغرب بأن هناك مصادر أخرى للسلاح إذا ما أغلقت أسواق السلاح الأوروبية، وهذا أيضا يفسر إحكامه القبضة على عقود التسليح منفردا.