ما علاقة روسيا والصين بزيارة رئيس وزراء اليابان إلى السعودية والإمارات وقطر؟

12

طباعة

مشاركة

تبذل اليابان، التي عززت دورها بشكل كبير على الساحة الدولية خلال العام ونصف العام الماضيين، جهودا متجددة لتكثيف دبلوماسيتها الخارجية، لمواجهة نفوذ الصين وروسيا في المناطق التي يضعف فيها نفوذ الولايات المتحدة.

فبعد المشاركة في قمة حلف شمال الأطلسي "ناتو" في 11 و12 يوليو/ تموز 2023، وإنهاء رحلة إلى بروكسل في الثالث عشر من ذات الشهر، سينفذ رئيس الوزراء فوميو كيشيدا جولة في ثلاث دول شرق أوسطية، وهي السعودية والإمارات وقطر.

وتهدف هذه الجولة إلى إظهار أنه "بالإضافة إلى جمهورية الصين الشعبية، فإن الدول العربية لديها أيضا شريك مهم في آسيا مثل اليابان".

في الوقت نفسه، ستسمح هذه الجولة لطوكيو، التي تعتمد بنسبة 90 بالمئة على نفط الشرق الأوسط، بتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع المنطقة.

وفي هذا التقرير، تسرد صحيفة "إزفيستيا" الروسية بشكل مفصل كيف ولماذا تنشط اليابان دبلوماسيتها في أجزاء مختلفة من العالم.

مستوى جديد

تشير الصحيفة الروسية إلى أنه خلال الفترة الأخيرة، تعمل اليابان، التي لم تكن أبدا نشطة للغاية في الساحة الدولية، على تغيير نهجها تدريجيا فيما يتعلق بسياستها الخارجية.

ووفق قولها، "كان أحد مظاهر ذلك مشاركة طوكيو المتحمسة للغاية في تشكيل جبهة مناهضة لروسيا في آسيا بعد بدء الحرب في أوكرانيا (فبراير/شباط 2022)، فضلا عن النضال الأكثر وضوحا وصعوبة لصد نفوذ الصين في المنطقة والعالم".

وبالتوازي مع هذا، وبسبب ذلك جزئيا، تقول الصحيفة إن "اليابان رفعت علاقاتها مع الشركاء الأوروبيين، وكذلك مع الناتو، إلى مستوى جديد".

في عام 2022، كان رئيس الوزراء كيشيدا، إلى جانب رئيس كوريا الجنوبية يون سوك ييل، ضيوفا على قمة "الناتو" لأول مرة في تاريخ حلف شمال الأطلسي، بحسب الصحيفة الروسية.

وتلفت إلى أن "طوكيو وافقت بكل سرور على قبول أول مكتب آسيوي لحلف شمال الأطلسي على أراضيها".

وبطبيعة الحال، من وجهة نظر الصحيفة، "ليس من الغريب أن يكون كيشيدا، عام 2023، ضيفا في قمة الناتو في فيلنيوس (عاصمة ليتوانيا) من أجل تعزيز العلاقات بين طوكيو وحلفائها في الولايات المتحدة وأوروبا".

وقد توجه إلى بروكسل، في 13 يوليو 2023، لحضور قمة الاتحاد الأوروبي واليابان. وتلفت الصحيفة إلى أن الجهود الدبلوماسية لرئيس الوزراء الياباني لن تنتهي عند هذا الحد.

فبعد زيارة قصيرة إلى وطنه، سيشرع كيشيدا في جولة في الشرق الأوسط في الفترة من 16 إلى 19 يوليو 2023، يزور فيها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر.

ومن الجدير بالذكر أن هذه ستكون أول رحلة ينفذها كيشيدا إلى المنطقة كرئيس للوزراء، بالإضافة إلى كونها أول جولة يجريها زعيم ياباني منذ زيارة رئيس الوزراء السابق شينزو آبي، في عام 2020.

ونقلا عن صحيفة "نيكاي" اليابانية في تقريرها عن هذه الخطط، وفي العنوان الرئيس مباشرة، فإن كيشيدا "ينشط الدبلوماسية ويضعف نفوذ الولايات المتحدة". 

وبهذا الشأن، تقول "إزفستيا" الروسية: "في الواقع، طغت الخلافات حول حقوق الإنسان على علاقات واشنطن بالقيادة السعودية، لكن الأهم من ذلك، أن ضعف النفوذ الأميركي في المنطقة أعطى الصين مجالا أكبر للمناورة". 

وأوضحت أنه في الربيع (مارس/آذار 2023)، فازت بكين بلقب "صانع السلام"، من خلال التوفيق بين الخصمين القدامى طهران والرياض، ومؤخرا تدخلت كوسيط في تسوية فلسطينية-إسرائيلية (لم يصدر عنها أي نتائج واقتصرت على تصريحات سياسية).

وتذهب الصحيفة إلى أن "العامل الصيني أصبح بوضوح دافعا آخر لطوكيو لتصبح أكثر نشاطا في سياستها تجاه الشرق الأوسط".

وفقا لماساهيرو ماتسومورا، أستاذ السياسة الدولية والأمن القومي في جامعة سانت أندروز في إيزومي، فإن كيشيدا "يواصل الخط السياسي لشينزو آبي في مقاربته لبكين والشرق الأوسط، ولكن بشكل ظاهري فقط".

فبحسب الصحيفة الروسية، "يقف خلف خط آبي في التنافس بين الولايات المتحدة والصين تقديرات توازن القوى، مثل تأييده المشروط لمبادرة الحزام والطريق الصينية".

وبدلا من ذلك، تذكر أن "نهج كيشيدا يعد مغازلة مكثفة لهيمنة أميركية ضعيفة إلى حد كبير"، لافتة أن كيشيدا "عازم على تحمل مخاطر إستراتيجية كبيرة في سبيل فعل ذلك".

التعاون المهيمن

في الوقت نفسه، تعتقد "إزفيستيا" الروسية أنه "يوجد فارق بسيط في نهج طوكيو لتعزيز العلاقات مع الشرق الأوسط".

وتقول: "إذا كانت اليابان، بالتعاون مع الغرب، قد اشتركت دائما في القضايا المتعلقة بالحريات والقيم الديمقراطية، ففي حالة الدول غير الغربية، سلحت الدبلوماسية اليابانية نفسها بروح الإبداع المشترك، مما يشير إلى أن الدول لا تفرض القيم على بعضها البعض".

وأشارت إلى أن هذا هو النهج الذي تبنته طوكيو في خطتها، في مارس 2023، من أجل "منطقة المحيط الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة".

وانسجاما مع هذا المنطق، تؤكد الصحيفة الروسية أن "القضايا الاقتصادية ستحتل الصدارة خلال زيارة كيشيدا للدول العربية الثلاث".

فمنذ أزمة النفط عام 1973، هيمن التعاون النفطي على حوار طوكيو التجاري مع الرياض وأبوظبي والدوحة. 

كما وضع حادث محطة "فوكوشيما" النووية اليابانية عام 2011 اليابان في موقف أكثر اعتمادية على شركاء الشرق الأوسط، حيث يأتي أكثر من 80 بالمئة من وارداتها من النفط الخام من الدول الثلاث المطلة على الخليج العربي، وفق الصحيفة.

وبشكل عام، تقول إن منطقة الشرق الأوسط توفر ما يصل إلى 90 بالمئة من احتياجات الاقتصاد الياباني من الطاقة.

كما ذكرت الصحيفة سابقا، فإن النشاط الدبلوماسي المكثف لرئيس الوزراء الياباني لن ينتهي عند هذا الحد. 

فقد أشارت طوكيو بالفعل إلى أنه في المستقبل القريب، على هامش قمة "مجموعة العشرين" في الهند في سبتمبر/أيلول وقمة "أبيك" في الولايات المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، يعتزم فوميو كيشيدا عقد اجتماعات منفصلة مع قادة الآسيان (رابطة دول جنوب شرق آسيا). 

وبحسب قولها، سيبلغ ذلك ذروته في قمة خاصة بين اليابان والآسيان، تستضيفها طوكيو في ديسمبر/كانون الأول 2023، للاحتفال بالذكرى الخمسين للصداقة مع الدول العشر في جنوب شرق آسيا.

وتوضح أنه في السنوات الأخيرة، وعلى خلفية ضعف اهتمام الولايات المتحدة بهذه المنطقة، وسعت الصين وجودها في جنوب شرق آسيا من خلال استثمارات كبيرة في البنية التحتية. 

وفي الوقت الحالي، حاول الرئيس الأميركي جو بايدن، بث حياة جديدة في العلاقات مع المنطقة من خلال عقد أول اجتماع شخصي منذ خمس سنوات بينه وبين وزعماء الآسيان في نوفمبر 2022، لكن هذا لم يزعزع موقف الصين كثيرا، وفق "إزفيستيا" الروسية.

ورغم ذلك، وبالإضافة إلى مزاج غالبية أعضاء الآسيان للبقاء على مسافة متساوية من الصراع في أوكرانيا، تؤكد الصحيفة أن "هذا لم يقلل من حماس طوكيو لتعزيز مكانتها في جنوب شرق آسيا".

ومن الجدير بالذكر أنه في مايو/أيار 2023، ذهب رئيس الوزراء كيشيدا في جولة لمدة أسبوع في إفريقيا، والتي عدها الكثيرون حول العالم جزءا من جهد منسق مع الغرب لتعزيز العلاقات مع الجنوب العالمي ومواجهة النفوذ المتزايد للصين وروسيا في المنطقة.

وفي الختام، تقول الصحيفة إنها "لا تستطيع الجزم ما إذا كان كيشيدا سيكون قادرا على تحقيق هدفه في تعزيز علاقة اليابان بالشرق الأوسط أو الآسيان، لكنها تشدد على أنه لن يتخلى عن محاولة جعل طوكيو مشاركا مهما في الساحة الدولية".