بعد عقد على انقلاب السيسي.. مشاريع الديكتاتور أغرقت مصر في ديون هائلة
سلط تقرير إسباني الضوء على ولاية رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، التي مرّ عليها عشر سنوات، وجاءت بعد انقلاب أطاح بالإخوان المسلمين.
وقالت صحيفة "أ بي ثي" إن فترة ولاية السيسي تميزت بإنجاز مشاريع ضخمة أغرقت البلاد في ديون هائلة.
وبينت أن السيسي أشاد بالمشاريع الكبرى، التي ضاهت أفضل التقاليد الفرعونية، خلال الاحتفال بذكرى مرور عشر سنوات على توليه السلطة، بعد الإطاحة سنة 2013 بمحمد مرسي عبر انقلاب عسكري.
ونوهت الصحيفة إلى أن السيسي لم يكذب في خطابه عند الحديث عن إنجازاته وانتصاراته. في الحقيقة، تباهى الجنرال الذي انتخب "رئيسا دون منافسين" خلال سنة 2018، باستثمارات ضخمة من خلال القروض ورأس المال الأجنبي.
وسمحت هذه الديون لمصر في العقد الماضي ببناء قناة السويس الجديدة، بالتوازي مع سابقتها، وعشرين مدينة جديدة، وخط سكة حديد عالي السرعة بتكلفة 23 مليون دولار، والمئات من الجسور، وعاصمة جديدة بالقرب من القاهرة بتكلفة تقدر بحوالي 58 مليون دولار.
لكن، في خطابه، غض السيسي الطرف عن الكثير من النقاط المهمة. أولا، لم يذكر أن مصر اضطرت لدفع إعادة تمويل هائل للديون من صندوق النقد الدولي، وفق الصحيفة.
كما لم يذكر أن العملة (الجنيه) انخفضت بنسبة 50 بالمئة منذ مايو/أيار 2022، أو أن التضخم يبلغ حوالي 60 بالمئة. وتعليقا على هذا الوضع، يقول السكان المصريون بسخرية: "لا نستطيع أن نأكل الجسور".
ونقلت الصحيفة أن الفصل الأكثر إثارة لانزعاج للسيسي يتمثل في مسألة الحريات العامة التي لم يتجرأ الديكتاتور عن الحديث عنها.
وفي هذا السياق، تنفي حكومته وجود سجناء سياسيين في مصر، على الرغم من اتهامات المنظمات غير الحكومية وانتقاد إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
في الحقيقة، تعد قائمة معتقلي السيسي في مصر طويلة: أولا، سجناء القمع الوحشي لسنة 2012؛ ثانيا، ناشطو الإخوان المسلمين، إثر الإطاحة بمرسي؛ وأخيرا، أي شخص ينتقد، في الشارع أو على الشبكات الاجتماعية، النظام الاستبدادي، تقول الصحيفة.
رفض شامل
وأشارت إلى أن إجراء أي استطلاع رأي شفاف كفيل بإظهار حالة الرفض الشاملة للسيسي في مصر.
وتابعت: "في الحقيقة، لا يفسر هذا الرفض بأغلبية ساحقة للسيسي بسبب قمعه لبعض الحريات، مثل حرية التعبير، ولكن بسبب المصاعب الاقتصادية التي استفحلت في مصر خلال فترة ولايته".
ولأن الشعب المصري غير قادر على إظهار رفضه عبر صناديق الاقتراع، فقد أظهر ذلك عبر موجات الهجرة السرية المصرية إلى أوروبا، التي تغادر الآن من الدول المجاورة منذ أن قررت فرنسا والمفوضية الأوروبية التعاون مع السيسي.
عموما، تهدف غالبية المساعدات الاقتصادية التي تتلقاها مصر من الاتحاد الأوروبي إلى السيطرة على السفن التي تحمل مهاجرين غير شرعيين إلى فرنسا أو إيطاليا ومنع إبحارها من السواحل المصرية.
وبحسب صحيفة الإيكونوميست البريطانية، لم يسجل إبحار سفن هجرة غير شرعية من السواحل المصرية، منذ سنة 2016.
وأضاف التقرير الإسباني أنه إذا كان البديل عن السيسي هو العودة إلى حكومة الإخوان المسلمين، فربما يخرج المصريون مرة أخرى إلى الشوارع للاحتجاج، مثلما حدث قبل عشر سنوات من الآن، وفق زعمها.
وتابع: "في الحقيقة، أصبحت قيمة الأمن والاستقرار الاجتماعي أولوية بعد تجربة ما بعد الثورة الكارثية؛ والتي عرف النظام العسكري كيف يستغلها"، بحسب وصفها. في الأثناء، حاول السيسي كسب بعض المناصرين له.
وفي موقف أكثر عدلا وتسامحا تجاه المجتمع المسيحي القبطي في البلاد، منحت حكومته التسهيلات لتجديد كنائسهم، حيث إن العديد منها في حالة خراب، بحسب مزاعم الصحيفة الإسبانية.
ونقلت أن السيسي لم يحالفه الحظ في نهاية هذا العقد لتطوير بعض مشاريعه الفرعونية بسبب التطورات على الساحة الدولية.
وأدت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى انسحاب العديد من المستثمرين من الأسواق الناشئة، مثل مصر، وتسببت أيضا في تراجع السياحة، أحد مصادر الدخل الرئيسة في البلاد.
تضخم جامح
وبدورها، أشارت صحيفة إلباييس إلى أن حالة التضخم هائلة في مصر. وخلال استفحال الأزمة منذ أشهر، حاولت الحكومة أو العديد من المسؤولين إقناع المصريين بالعثور على بدائل للحوم.
لكن، ولدت هذه المقترحات تلقائيا مزيجا من النقد والغضب والسخرية بين العديد من المصريين.
في فبراير/شباط 2022، بلغ التضخم نسبة 31.9 بالمئة، مدفوعا في المقام الأول بارتفاع أسعار المواد الغذائية والمشروبات، التي كانت في حدود 61.5 بالمئة. في حالة اللحوم على وجه التحديد، كان نسبة الارتفاع السنوي في حدود 95 بالمئة.
في الأثناء، تسببت الحرب في أوكرانيا بهروب كبير لرؤوس الأموال من مصر. نتيجة لذلك، فقدت العملة نصف قيمتها مقابل الدولار في غضون سنة.
وبالمقابل، ارتفعت فاتورة الاستيراد بشكل كبير، وهو ما يمثل صداعا حقيقيا لسلطات بلد يعتمد بشكل كبير على الغذاء من الخارج، بما في ذلك المواد الأساسية.
عام 2022، كشفت بعض الدراسات الاستقصائية أن ما يقرب من 75 بالمئة من السكان قد قللوا من الإنفاق على الغذاء، وأن المنتج الذي يجرى الاستغناء عنه أكثر من غيره هو اللحوم على وجه التحديد، يليه منتجات أخرى مثل الدجاج والبيض.
في ظل هذا الوضع، تندفع السلطات لاستيراد أرخص اللحوم التي يمكن أن تجدها في السوق، وهو أمر يبدو أنه أثار بعض التردد على الرغم من الجهود المبذولة لإقناع المصريين بأن كل شيء تحت السيطرة.
وضمن نفس السياق، يوضح تقرير المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية أن 84 بالمئة من الأسر التي شملها استطلاع أجراه أخيرا اضطرت إلى التوقف عن سداد الديون.
وأكدت نسبة كبيرة أنه تعين عليها خفض الإنفاق على الصحة، بنسبة 43 بالمئة من العائلات، والتعليم، بنسبة 25 بالمئة من العائلات.وبشكل عام، تظهر هذه البيانات أن الطبقة الوسطى في البلاد تتأثر بشكل خاص بهذا السياق الاقتصادي المتردي.