تسعى لحل الأزمة.. ماذا تستفيد أميركا من استئناف تدفق نفط العراق عبر تركيا؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

ضمن تطور جديد بقضية توقف صادرات إقليم كردستان العراق عبر أنبوب ميناء جيهان التركي، دعا أعضاء في الكونغرس الأميركي وزير الخارجية أنتوني بلينكن، إلى إجراء مباحثات على أعلى المستويات مع بغداد وأنقرة، لاستئناف تصدير النفط فورا.

في 25 مارس/آذار 2023، أوقفت تركيا صادرات العراق الشمالية البالغة 450 ألف برميل يوميا، بعد حكم غرفة التجارة الدولية بباريس، الذي أمر أنقرة بدفع تعويضات لبغداد بقيمة 1.5 مليار دولار عن صادرات غير مصرح بها من حكومة الإقليم بين عامي 2014 و2018.

ضرورة ملحّة

توجيه رسالة الكونغرس الأميركي إلى وزير الخارجية بلينكن في 15 يونيو/حزيران 2023، يأتي في سياق الدفع باتجاه تنفيذ الاتفاق بين بغداد وأربيل، الذي جرى التوصل إليه في 4 أبريل/نيسان 2023.

ووقع اتفاق استئناف تصدير نفط إقليم كردستان، بحضور رئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني.

وينص على وضع إيرادات نحو 450 ألف برميل نفط يصدره إقليم كردستان في حساب بنكي خاص يحق لرئيس وزراء الإقليم التصرف فيه، ويكون تحت إشراف حكومة العراق، مقابل منح الأكراد حصتهم في الموازنة المالية والتي تشكل ما نسبته من 12.7 إلى 13 بالمئة.

وبحسب شبكة "رووداو" العراقية، فإنه جاء في نص رسالة وجهها عدد من أعضاء الكونغرس، إلى بلينكن، في 15 حزيران 2023، أن "توقف ضخ النفط عبر الأنبوب العراقي – التركي منذ شهر مارس، أدى إلى خسارة إقليم كردستان 80 بالمئة من إيراداته".

وأكدت الرسالة التي حملت توقيع عدد من أعضاء "مجموعة دعم الكرد" في الكونغرس الأميركي وهم كل من: مايكل ولتس، سيس مولتن، ودون بيكن، أن "هذا الأنبوب هو الخيار العملي الوحيد الذي يمكن لإقليم كردستان أن يصدّر من خلاله النفط الذي يقوم بإنتاجه".

وعبّر أعضاء الكونغرس لوزير الخارجية الأميركي عن قلقهم، قائلين إن "هذه المشكلة قد تتسبب بأزمة إنسانية كبيرة، حال عدم حلها قريبا"، مؤكدين أن "استئناف تصدير النفط ضروري".

ورأوا أن ما حدث في البرلمان حول الموازنة (تأخير إقرارها) "قد يؤدي لإجهاض الاتفاق الذي أبرم بين البارزاني والسوداني مطلع العام 2023 حول استئناف تصدير النفط".

وفي 12 يونيو 2023، أقرّ البرلمان العراقي قانون الموازنة المالية لثلاث سنوات، بنفقات واستثمارات مرتفعة مدفوعة بالزيادة في أسعار النفط، ويمنح بغداد مزيدا من السيطرة على ملف النفط في إقليم كردستان.

وأعرب أعضاء الكونغرس عن اعتقادهم بأن "الحكومة الأميركية ستكون أمام فرصة لإيجاد حل لهذه المشكلة، والإصرار على أهمية احترام هذا الاتفاق والنظام الفيدرالي للعراق، وكذلك ضمان وصول نفط إقليم كردستان إلى الأسواق العالمية".

وأشاروا في رسالتهم لوزير خارجية بلدهم، إلى أن إقليم كردستان يعمل في الوقت الحاضر على تطوير إنتاج الغاز، وقد يؤدي ذلك إلى زيادة إمدادات الغاز للعراق وأوروبا، مؤكدين أن الكرد كانوا "شركاء مهمين" للولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم الدولة.

وتعليقا على ذلك، قال الباحث في الشأن العراقي، عدي العزاوي إن "تركيا تمتلك العديد من الملفات، وإذا دخلت واشنطن وسيطا في موضوع استئناف ضخ النفط العراقي عبر ميناء جيهان، فإن أنقرة ستضغط بهذه الورقة لإنهاء وجود حزب العمال الكردستاني بالعراق".

وأوضح الباحث لـ"الاستقلال" أن "الولايات المتحدة تدعم هذا الحزب في سوريا، وتغض الطرف عن تمدده في العراق، لذلك من مصلحة تركيا أن تضغط بورقة استئناف ضخ النفط على واشنطن وبغداد".

وأشار إلى أن "العراق يحاول بكل الطرق استئناف ضخ نفطه عبر ميناء جيهان التركي لأن الخسائر متواصلة بالمليارات، لكن أنقرة هي من تمسك الخيوط وتحاول فرض شروطها، وأن الموضوع لا يتعلق فقط بدفع بغداد لإلغاء غرامة محكمة باريس".

ورأى الباحث أن "وساطة الولايات المتحدة قد تأتي بنتيجة إيجابية في هذا الملف، إذا وافقت على شروط أنقرة في ما يتعلق بحزب العمال الكردستاني، وكبح تمدده في مناطق شمال العراق".

وحتى 23 يونيو 2023 لم يصدر أي تعقيب رسمي من السلطات العراقية على رسالة أعضاء من الكونغرس إلى وزير الخارجية الأميركي للعب دول الوسيط بين بغداد وأنقرة بخصوص استئناف ضخ النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي.

خياران للعراق

وعلى ضوء تأخر تصدير النفط عبر ميناء جيهان، طرحت لجنة النفط والغاز والثروات النيابية في البرلمان العراقي مقترحين لتنفيذهما.

وهذان المقترحان يمكن تنفيذ أحدهما في حال إصرار تركيا على منع تصدير النفط من خلال خط جيهان.

وقال عضو اللجنة علي المشكور، خلال بيان له في 19 يونيو 2023 إن "اللجنة اقترحت على وزير النفط حيان عبد الغني تصدير حصة إقليم كردستان النفطية عبر شركة التسويق (سومو) عن طريق الجنوب".

ولفت إلى أن "المقترح الثاني هـو المضي بإدامة وصيانة خط العراق ـ بانياس الذي يمر عبر سوريا وتصدير النفط المستخرج عن طريقه".

وأشار إلى أن "العراق يسلك جميع الطرق الدبلوماسية مع تركيا من أجل استئناف ضخ النفط عبر خط جيهان".

وأكد المشكور، أنه "في حال إصرار أنقرة على عدم تنفيذ ما جاء بقرار محكمة التحكيم الدولية واستمرار إغلاق الخط النفطي بما يكبد العراق خسائر تصل إلى ملايين الدولارات يوميا، فإنه سيمضي بتنفيذ هذين المقترحين".

وفي السياق ذاته، قال المحلل التركي علي أسمر خلال مقابلة تلفزيونية في 19 يونيو 2023، إن "زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى العراق في سيكون لها أثر إيجابي في مسار المفاوضات بين تركيا والعراق بخصوص نقل النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي".

وكان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قد أجرى زيارة إلى بغداد في 15 يونيو 2023، استمرت لساعات عدة وقعت خلالها العديد من الاتفاقيات بين البلدين في مختلف المجلات، وصلت قيمتها إلى نحو 9.5 مليارات دولار أميركي.

وأضاف أسمر أن "تركيا تحترم القوانين الدولية، ولكن لا يجب قطع الفاتورة أو تطبيق العقوبات على طرف واحد فقط، على الجميع تحمل المسؤولية، لأن نقل نفط كركوك (مدينة عراقية) عبر ميناء جيهان التركي كان في العلن، وأن بغداد تعلم ذلك لأننا نتكلم عن سنوات وليس أيام أو ساعات".

وتوقع مراقبون عراقيون أن دخول الولايات المتحدة الأميركية على خط الأزمة بين العراق وتركيا بخصوص توقف الصادرات النفطية عبر أنبوب ميناء جيهان، قد يحل المشكلة، وربما يسهم في إنهائها.

وبيّنوا أن الولايات المتحدة قد تلعب دور الضامن لدى تركيا بعدم تحميلها كامل المبلغ المطالبة بدفعه للجانب العراقي بناء على قرار محكمة باريس، وربما تحصل ترضية بين الطرفين حيال ذلك، وأن واشنطن قد تسرّع في حل الإشكالية بين الجانبين.  

فشل المفاوضات

وفي 19 يونيو 2023، انتهى اجتماع بين وفد فني تركي من قطاع الطاقة ومسؤولين عراقيين في بغداد دون التوصل إلى تفاهم نهائي حول عودة استئناف صادرات النفط من شمال العراق عبر خط ميناء جيهان التركي.

وبحسب وكالة "رويترز" البريطانية فإنه "لا يبدو أن الخلافات بين الجانبين فنية بقدر ما هي سياسية، حيث تحاول تركيا أساسا الخروج من مأزق دفع نحو 1.5 مليار دولار للجانب العراقي، وفق قرار تحكيم دولي، من خلال مساومة الحكومة العراقية التي هي أيضا بحاجة للعودة لتصدير الخام من شمال البلاد".

ونقلت عن مسؤولين عراقيين أنه سيتعين إجراء المزيد من المحادثات من أجل استئناف صادرات التي توقفت بعد تحكيم دولي يلزم أنقرة بدفع رسوم وتعويضات للحكومة الاتحادية العراقية عن الكميات التي صدرها إقليم كردستان عبر تركيا بعيدا عن سلطة إدارة النفط العراقية ممثلة في شركة النفط الحكومية "سومر".

وقال مسؤول مطلع على الاجتماع طلب عدم نشر اسمه "نناقش كل الجوانب الفنية المتعلقة باستئناف تصدير النفط، لكن القرار بإعادة الضخ لن يحصل اليوم ونحن نحتاج إلى عقد المزيد من اللقاءات"، بحسب الوكالة.

وأشار المسؤول الآخر (لم تكشف هويته) المعني بالنفط إلى أن تركيا ترغب في التفاوض بشأن حجم التعويضات التي قضى قرار الغرفة بأن تدفعها، وكذلك تسعى إلى توضيح أمور تتعلق بقضايا تحكيم أخرى مفتوحة.

وأكد، أن "قرار استئناف ضخ النفط يحتاج إلى محادثات على مستويات سياسية عليا لأن العقبات التي تحول دون استئناف صادرات النفط سياسية أكثر من أن تكون فنية".

وتأخرت محاولات إعادة تشغيل خط الأنابيب بسبب الانتخابات الرئاسية التركية في شهر مايو 2023، والمناقشات بين شركة تسويق النفط (سومو) التابعة للحكومة العراقية وبين حكومة إقليم كردستان بشأن صفقة تصدير جرى التوصل إليها الآن.

تشير تقديرات جديدة، بحسب "رويترز" إلى أنّ حكومة إقليم كردستان خسرت، حتى الآن، أكثر من ملياري دولار إثر توقف إمدادات النفط الخام عبر خط جيهان.

وفي 11 أبريل 2023، أكد الخبير الاقتصادي العراقي نبيل المرسومي عبر تدوينة نشرها على حسابه في "فيسبوك"، أن تأخر استئناف تصدير النفط عبر ميناء جيهان تسبب في فقدان البلد مليار دولار شهريا بسبب توقف صادرات كُردستان النفطية.