آخرها التصالح مع كندا.. لهذه الأسباب تسعى السعودية لتصفير مشاكلها الدولية

سلط موقع "المونيتور" الأميركي الضوء على تحركات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الأخيرة تجاه عدة دول إقليمية ودولية؛ سعيا لتحقيق الاستقرار اللازم لتحقيق رؤيتها التنموية 2030.
وكان آخر هذه التطورات، قرار السعودية بعودة العلاقات مع كندا، وتعيين سفيرين جديدين، بعد أن طرد كل طرف ممثل نظيره، عام 2018.
وأكد الموقع الأميركي أن هذا التقدم "يعزز نهج القوة الناعمة الذي اتبعته الرياض أخيرا، حيث تحاول تحقيق الاستقرار في علاقاتها الخارجية، بطريقة تعزز مصالحها الاقتصادية والدفاعية".
وفي حديثهم إلى "المونيتور"، أشار خبراء إلى أن "هذه الخطوة تتماشى مع جهود المصالحة التي باشرتها السعودية مع كل من قطر وإيران والحوثيين في اليمن، بعيدا عن الانقسامات التي اتسمت بها سياسة السنوات الست الماضية".
مصالح متشابكة
وأوضح الموقع أن التقارب مع كندا – على وجه الخصوص- يؤمّن للسعودية المصالح التجارية والتعليمية والدفاعية التي يشترك فيها الجانبان.
وفي عام 2018، غردت السفارة الكندية في الرياض باللغة العربية داعية إلى إطلاق سراح ناشطات مدافعات عن حقوق المرأة، المعتقلات في السجون السعودية.
وردا على ذلك، استدعت الرياض سفيرها في "أوتاوا"، وطردت سفير كندا، وحظرت توقيع أي اتفاقات تجارية معها.
وفي وقت لاحق، استمرت العلاقات عند مستوى أدنى، إلى أن التقى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، برئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، على هامش "منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ" في تايلاند، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
وقد قاد ذلك إلى مفاوضات أدت إلى قرار بإعادة العلاقات الدبلوماسية وإعادة تعيين السفراء "على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة"، وفقا لبياني وزارة الخارجية السعودية ونظيرتها الكندية.
بدوره، قال السفير الكندي، دنيس هوراك، الذي طُرد عام 2018، لموقع "المونيتور": "لقد حان الوقت لحل كل تلك المشكلات، فلقد كانت لدينا علاقات ممتدة، والعودة إلى حيث كنا مفيد لكلا البلدين".
وأفاد الموقع الأميركي أنه "بالإضافة إلى العلاقات السياسية، تربط السعودية وكندا علاقات تجارية وتعليمية".
ففي عام 2021، بلغت التجارة بين البلدين 3.3 مليارات دولار، وكانت أكبر صادرات كندا إلى المملكة هي الدبابات والمركبات المدرعة، في حين كان النفط الخام أكبر صادرات السعودية لكندا، وفقا لـ"مرصد التعقيد الاقتصادي" (Observatory of Economic Complexity).
وعلاوة على ذلك، درس الآلاف من الطلاب السعوديين في كندا في السنوات الأخيرة، مع وجود عدد كبير منهم يدرسون الطب في الجامعات الكندية.
وقال هوراك إن "آلاف الكنديين يعيشون في السعودية والخليج، وهذا القرار يأخذ في الحسبان تلك الجوانب".
وحاليا، عينت كندا بالفعل سفيرا لدى الرياض وهو، جان فيليب لينتو، بينما لم تذكر المملكة بعد مَن سيكون سفيرها القادم إلى أوتاوا.
مصالحات إقليمية
وأشار الموقع إلى أن السعودية سعت، خلال الفترة الأخيرة، إلى مواصلة الجهود الدبلوماسية مع العديد من الدول التي كانت تربطها بها علاقات متدهورة في الماضي.
ففي عام 2021، أنهت الرياض والدوحة خلافهما الدبلوماسي المستمر منذ عام 2017، بعد أن قررت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر مقاطعة قطر.
ووقعت السعودية على "بيان العلا"، في 5 يناير/ كانون الثاني 2021، في القمة الخليجية الحادية والأربعين التي انعقدت في مدينة العلا، شمال غرب المملكة.
وبموجب الاتفاق – الذي رعاه جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب- فُتحت كل من الأجواء والحدود البرية والبحرية بين السعودية وقطر.
وفي مارس / آذار 2023، اتفقت السعودية وإيران على استعادة العلاقات الدبلوماسية في اتفاق توسطت فيه الصين.
وبعد نحو سبع سنوات من شبه قطيعة دبلوماسية كاملة، التقى وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، مع نظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في العاصمة الصينية بكين، في 5 أبريل/ نيسان 2023.
وفي مايو/ أيار 2023، أعادت المملكة علاقاتها مع سوريا، مع حضور رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قمة جامعة الدول العربية، التي انعقدت في جدة.
"أضف إلى ذلك، أن السعودية أجرت محادثات أيضا مع الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن خلال هذا العام 2023"، حسب الموقع.
ففي 10 أبريل/ نيسان 2023، وفي زيارة نادرة للعاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أجرى وفد سعودي محادثات مع جماعة الحوثي لإحياء عملية السلام في اليمن، كنتيجة للتقارب بين الرياض وطهران.
وعلى هذا، يرى الموقع الأميركي أن "السعودية تلعب دورا نشطا بشكل متزايد في المنطقة والعالم".
وقال السفير الكندي السابق: "أعتقد أن التمكن من إجراء حوار مع السعودية بشأن هذه القضايا يفيدنا"، مضيفا أنه "يمكن معالجة مخاوف حقوق الإنسان المستمرة من خلال "الحوار".
عامان من الدبلوماسية
ومن جانبه، أكد الأستاذ في جامعة أوتاوا الكندية، توماس جونو، أنه "من غير الواضح سبب اتفاق الجانبين بالضبط على استعادة العلاقات؛ ذلك أن أيا من الدولتين لم تصرح بهذا علنا".
"ومع ذلك، فإن القرار يأتي كجزء من "السياق الأوسع للجهود السعودية لتحقيق الاستقرار في علاقاتها الخارجية في العامين الماضيين"، وفق جونو.
وأردف: "لقد فهم محمد بن سلمان بوضوح أن برنامجه الطموح جدا الساعي لتنفيذ إصلاحات اجتماعية واقتصادية يحتاج إلى تحقيق الاستقرار على طول الحدود السعودية".
ويعتقد جونو أن العلاقة السعودية الكندية "ذات أولوية منخفضة" نسبيا لكلا البلدين، لكن ربما كان لدى المملكة أسبابها الاستراتيجية لإصلاح العلاقات مع الدولة الواقعة في أمريكا الشمالية.
وذكر الموقع الأميركي أن "الحظر المفروض على التجارة مع كندا أدى إلى الإضرار بصورة السعودية كدولة مناسبة لممارسة الأعمال التجارية".
وتابع جونو: "هذا الحظر كان يرسل إشارة سلبية تتجاوز كندا، مفادها أنه إذا دخلتَ السعودية كمستثمر، فقد تتعرض مصالحك للخطر، إذا ما كان لبلدك مشكلة دبلوماسية مع الرياض".
وأردف: "فرضيّتي هي أن السعودية تريد التخفيف من هذا التصور".
وكانت المملكة قد أطلقت، في 25 أبريل/ نيسان 2016، "رؤية السعودية 2030"، التي تقوم على الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط، والاعتماد على المواطنين بالدرجة الأولى، بهدف تحقيق نمو سريع ومستدام.
وفي السياق نفسه الداعي إلى تحقيق مناخ من الاستقرار اللازم للتنمية الاقتصادية، أبدت المملكة استعدادها لضخ استثمارات في إيران.
إذ صرح وزير المالية السعودي محمد الجدعان، قائلا: "إيران دولة مجاورة لنا وستبقى لمئات الأعوام القادمة، ولا أرى أي معوقات لتطبيع العلاقات معها خاصة في مجال الاستثمارات والتنمية الاقتصادية، فنحن وإيران بحاجة إلى الاستقرار".