الصفقات المتضاربة بين النخبة السياسية المتنازعة.. كيف تؤثر على مستقبل ليبيا؟
تحدثت صحيفة "دويتشه فيله" الألمانية عن توقف العنف إلى حد كبير في ليبيا، لكن دون انتهاء الصراع على السلطة.
وتلفت إلى أن الاهتمام تركز في الفترة الأخيرة على الآفاق الاقتصادية للبلاد، ولكن يوضح الخبراء أن النمو الاقتصادي الحالي يعود بالنفع على النخبة في ليبيا فقط.
ومن ناحية أخرى، تدعو ليبيا منذ فترة إلى إجراء انتخابات، فهل هناك أمل في إعادة توحيد البلاد، تتساءل الصحيفة؟
ومنذ أكثر من عام، ترعى الأمم المتحدة مفاوضات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا (نيابي استشاري) تمهيدا لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية خلال العام 2023، في مسعى لنقل السلطة وإنهاء النزاعات في البلد الغني بالنفط، لكن دون اتفاق حتى الآن.
تقدم اقتصادي
أشارت الصحيفة الألمانية إلى انقسام ليبيا إلى قسمين منذ عام 2014، حيث يقع مقر حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها من الأمم المتحدة في طرابلس غرب البلاد، ويقع البرلمان أو مجلس النواب في طبرق شرق البلاد.
وأوضحت أن كليهما مدعوم من قبل عدد من المجموعات المسلحة المحلية والقوى الأجنبية، وقد حاول كل منهما مرارا انتزاع السيطرة من الآخر.
ومع ذلك، بعد عدة سنوات من القتال وعدم الاستقرار، تلاشت معظم أحداث العنف إلى حد كبير، مع بقاء الصراع الأساسي على السلطة دون حل.
ورغم هذا الصراع، تذكر الصحيفة أن الاهتمام في الآونة الأخيرة تركز على الآفاق الاقتصادية للبلاد.
ومن الجدير بالذكر أن ليبيا لديها أكبر احتياطي نفطي في القارة الإفريقية، كما حققت البلاد 20.4 مليار يورو من عائدات النفط عام 2022، وفق الصحيفة الألمانية.
وبحسب منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، ارتفعت أسعار النفط من متوسط 38 يورو للبرميل في عام 2020 إلى ما يزيد قليلا عن 93 يورو للبرميل عام 2022.
وبالعودة إلى عام 2023، نشر صندوق النقد الدولي أن "ذروة نمو الدول العربية" وصلت إلى 17.9 بالمائة في ليبيا، بحسب ما ذكرته "دويتشه فيله" الألمانية.
وتقول: "يجب أن يُؤخذ في الحسبان أنه رغم الانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي في ليبيا، فإن الزيادات كبيرة".
وهنا تتساءل الصحيفة: "هل تؤثر هذه الأخبار الاقتصادية الجيدة أيضا على حياة الليبيين؟"
ترف النخبة
تقول كلوديا غازيني، الخبيرة في الشأن الليبي في مجموعة الأزمات الدولية: "في أماكن مثل طرابلس وبنغازي، هناك العديد من المباني الجديدة والبارزة بشكل ملحوظ، كما يجرى توسيع البنية التحتية بشكل واضح".
وأضافت المحللة أنه جرى إنشاء حدائق وشوارع وبناء مراكز تسوق مذهلة لم تكن موجودة من قبل.
وتابعت غازيني: "بالنسبة للعديد من المواطنين الليبيين هذا جيد. فعند الذهاب إلى طرابلس سيسمعون من السكان كم أصبحت الحياة اليومية أفضل بكثير مما كانت عليه قبل عامين".
لذلك ليس هناك شك في أن سكان مناطق المدن تستفيد إلى حد ما من الانتعاش الاقتصادي الأخير.
ولكن في الوقت نفسه، توضح الخبيرة في الشأن الليبي أن "جزءا كبيرا من النمو الاقتصادي الحالي يعود بالنفع بشكل أساسي على النخبة في البلاد أكثر من غيرهم".
وشددت على أن "احتمالات حدوث طفرة اقتصادية كبيرة يمكن أن يستفيد منها المواطنون الليبيون ما زالت بعيدة".
ويؤكد على ذلك الخبير السياسي جلال حرشاوي، والذي أعرب عن قلقه من إعادة الإعمار في وسط مدينة بنغازي.
ولفت الخبير إلى أنه "جرى إجلاء العائلات التي أرادت البقاء في منازلها المتضررة بشكل مقلق، لإفساح المجال لبناء مبان جديدة".
وبين حرشاوي أن "النمو الاقتصادي وإعادة الإعمار، كليهما، يجريان لمصلحة النخب وليس حسب احتياجات السكان".
مصلحة متبادلة
على الرغم من هذا، تشير الصحيفة الألمانية إلى أن التعافي الاقتصادي قد يكون فرصة لليبيا، كما يتفق الخبراء.
وفي يوليو/تموز 2022، وافقت حكومة طرابلس على تعيين الرئيس السابق للبنك المركزي الليبي فرحات بن جدارة، لإدارة شركة النفط الكبرى في ليبيا، المؤسسة الوطنية للنفط.
وتلفت الصحيفة إلى أن "ابن جدارة من أنصار اللواء خليفة حفتر الذي يسيطر على الحكومة في طبرق شرقي البلاد".
وبشأن هذا القرار، يشتبه المراقبون والمحللون في أنه "تسلم منصبه الجديد نتيجة لاتفاق خاص بين الحكومتين المتعارضتين، ويبدو أن الجانبين يستفيدان منه".
وتقول الخبيرة في الشؤون الليبية كلوديا غازيني: "منذ التوصل إلى هذا الاتفاق غير الرسمي في يوليو/تموز 2022، شهدنا الكثير من الصفقات بين المعسكرين".
وشددت على أن "كلا المعسكرين يحصل على أموال مربحة للغاية بطرق غامضة"، لافتة إلى أن هذه العلاقة تحافظ أيضا على السلام على الأرض الليبية.
وأضافت الخبيرة الليبية أن "الجهات الفاعلة المعنية لديها مصلحة أكبر في جعل هذه الاتفاقات ممكنة من شن حرب ضد بعضها بعضا".
في ختام التقرير، توضح الصحيفة الألمانية أن ليبيا تدعو منذ فترة إلى إجراء انتخابات عامة، على أمل إعادة توحيد البلاد في ظل حكومة ديمقراطية.
وطبقا لخطط الأمم المتحدة، فإنه من المقرر المحاولة مرة أخرى لإجراء تصويت على مستوى البلاد قبل نهاية عام 2023.
ولكن، تنوه الخبيرة غازيني أن "تلك الصفقات بين الأعداء السابقين مربحة جدا لكلا الجانبين، مما يجعل خارطة الطريق التي تدعمها الأمم المتحدة تتعارض بشكل واضح مع تقاسم النمو الاقتصادي بينهما".
وبحسب الصحيفة، فإن غازيني تعتقد أن إضفاء الطابع الرسمي على "صفقات" غير رسمية يمكن أن يساعد في كسب السياسيين الليبيين في الانتخابات.
ومن ناحية أخرى، يخشى بعض الخبراء السياسيين الليبيين من أن "الوضع الحالي، حتى لو أعطى الأمل، فلن يؤدي إلا إلى ترسيخ الفساد وانعدام الشفافية بين النخب السياسية الليبية".
وكما تذكر "دويتشه فيله"، على الرغم من مراكز التسوق والطرق الجديدة، لا يزال عدم الاستقرار السياسي هو العامل المهيمن في ليبيا، سواء كان ذلك بسبب تقلبات أسعار النفط أم الاقتتال الداخلي من قبل المليشيات الليبية.