"البعث الصدامي".. لماذا منح الأردن ترخيصا لحزب محظور في العراق؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة أثارت غضب القوى السياسية الحاكمة بالعراق، لاسيما الحليفة لإيران، منح الأردن رخصة لحزب البعث العربي الاشتراكي، ما فتح باب التساؤل واسعا عن الأسباب التي دفعته لذلك، رغم سعيه إلى تحسين العلاقة مع حكومة محمد شياع السوداني.

قرار الأردن صدر في 14 مايو/ أيار 2023، ضمن ترخيص منحه مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب في البلاد شمل 26 حزبا من ضمنها حزب البعث العربي الاشتراكي المحظور في العراق، والذي عدته أطراف سياسية عراقية غطاء يعمل ضمنه بعثيون عراقيون.

غضب شيعي

لم يأخذ القرار صداه في العراق، إلا بعد بيان شديد اللهجة أصدره حزب "الدعوة الإسلامية" الشيعي بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي في 24 مايو، والذي وصف فيه ترخيص الأردن عمل ما أسماه "حزب البعث الصدامي"، بـ"العمل العدائي والاستفزازي".

وأضاف: "العراقيون فوجئوا وانتابتهم الصدمة والغضب العارم من خبر إجازة الحكومة الأردنية لحزب (البعث الصدامي) ممارسة النشاط السياسي، وكان يكفي دليلا على منع هذا الحزب الفاشي من العمل تاريخه الأسود وما ترتب على وجوده في السلطة من مآس لشعوب المنطقة بسبب إذكائه للصراعات الداخلية والحروب العدوانية".

ومضى حزب المالكي الموالي لإيران يقول إننا "نجد أن هذا الفعل لا ينسجم مع مبادئ حسن الجوار، وإنه ينطوي على نوايا غير سليمة إزاء العراق واستقراره، ما سيؤثر سلبا على الموقف الشعبي والسياسي الذي سيضغط باتجاه مراجعة العلاقة الحالية مع الجانب الأردني".

ودعا الحزب "الحكومة الأردنية إلى إلغاء إجازة هذا الحزب ومنعه من ممارسة أي نشاط صيانة للمصالح المشتركة والتي بدأت عهدا جديدا متناميا، وحرصا على التعاون والعلاقات الأخوية بين الشعبين"، مطالبا "وزارة الخارجية العراقية باستدعاء سفير عمّان في بغداد للاحتجاج على هذا الاجراء غير الودي".

وفي السياق ذاته، وصفت حركة "حقوق" التابعة لمليشيا "كتائب حزب الله" العراقية سماح السلطات الأردنية لحزب البعث بالعودة للعمل السياسي "عملا عدائيا واستفزازيا للشعب العراقي".

وقال عضو الحركة حسين علي الكرعاوي خلال تصريح نقلته وكالة "المعلومة" العراقية في 27 مايو، إن "حزب البعث بماضيه الدموي يخدم مصالح الأردنيين"، مبينا أن "حزب البعث محظور في العراق ولا عودة للبعثيين من جديد".

واتهم الكرعاوي الأردن بأنه "من الدول الراعية والممولة لحزب البعث كمصدر للولاء السياسي الأردني"، مشيرا إلى أنه "من الأحزاب المحظورة فكريا وسياسيا وعلى الحكومة التحرك سريعا تجاه الأردن لمعرفة أسباب اتخاذ قرار مثل هذا بمزاولة البعث نشاطه سياسيا وفكريا".

وعلى الوتيرة ذاتها، هاجم تحالف "الفتح"- الذي يمثل معظم المليشيات الشيعية في البرلمان- قرار السلطات الأردنية، إذ قال النائب عنه علي الفتلاوي إن "إجازة عمل حزب البعث المحظور في الأردن، يمثل استخفافا بمشاعر العراقيين عامة وللعوائل التي ما زالت تبحث عن أبنائها ممن غيبهم نظام البعث".

وأضاف الفلاوي خلال تصريح نقله موقع "تودي يوز" العراقي في 27 مايو، أن "العراق وعلى مدى عقود من الزمن قدم الكثير للحكومة الأردنية من تسهيلات تجارية ونفطية، الا أننا لم نلق منها سوى الكثير من الطعنات في الخاصرة".

ووصف النائب عن "الفتح" قرار السلطات الأردنية بأنه "انقلاب في صفحة حسن الجوار ولابد من اتخاذ الإجراءات اللازمة حيال ذلك"، دعيا إياهم إلى "مراجعته قبل اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية بحقها".

ورغم مهاجمة الأحزاب والكيانات السياسية الشيعية المنضوية في "الإطار التنسيقي" الذي انبثقت عنه الحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، لكن لم يصدر عن الأخير أي تصريح رسمي عن الموضوع حتى 27 مايو.

ضغوط خارجية

وبخصوص الأسباب التي دفعت الأردن لإجازة عمل حزب البعث، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي لطيف المهداوي أن "قرار الترخيص قد يكون بتوجيه أميركي، لأن عمّان لن تتخذ مثل هذا الإجراء بملء إرادتها وإنما وفق ضغوط خارجية".

وأوضح المهداوي لـ"الاستقلال" أن "الهدف هو إيجاد حزب بعث سني يواجه نظيره العلوي (الشيعي) الحاكم في سوريا، وهذا سيكون حاضنة لأعضاء البعث العراقي السابقين، استعدادا لأي تغيير قادم، لاسيما أن بعض السياسيين العراقيين يتحدثون عن أنه عام 2024، قد يشهد تدخلا أميركيا أو أمميا للإطاحة بالنظام السياسي القائم بالعراق".

وأشار إلى أن "الأردن رغم كل الضغوط التي تعرض لها من أغلب الحكومات التي جاءت بعد عام 2003 من أجل تسليم رغد ابنة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، لكنه لم يفعل، وبالتالي لا أعتقد أن عمّان تريد من خلال إجازة عمل حزب البعث، أن تبتز الحكومة العراقية حتى تحقق مكاسب".

وأوضح المهداوي أن "حزب البعث الذي منحته السلطات الأردنية ترخيصا هو أردني لا عراقي، لكنه سيكون مظلة للبعثيين العراقيين، كما حصل إبان حكم عبد الكريم قاسم للعراق (1958 إلى 1963) عندما طارد أعضاء حزب البعث، فروّا إلى سوريا وأعادوا ترتيب صفوفهم هناك ثم حكموا البلاد بعد خمسة أعوام فقط".

من جهته، قال الكاتب الأردني، فراس الحباشنة خلال مقال نشره موقع "عمون" في 27 مايو، إن "تخريب العلاقة الأردنية- العراقية مصلحة لأطراف إقليمية ودولية، وابتداء من واشنطن وتل أبيب ودول شقيقة".

وأوضح الكاتب أنه "في 2003 قطع الاحتلال الأميركي العلاقة بين الأردن والعراق، وبعد زوال الاحتلال عام 2011 بدأت العلاقة تتعافى وتعود، وتلتفت بغداد إلى عمان بوصفها نافذة العراق".

وتابع: "تسارعت الخطوات والأعوام الأخيرة عادت لتشهد تسارعا في ملف تصدير النفط (العراقي) وأنبوب نفط البصرة – العقبة، وأن الفرص مواتية الآن ومستقبلا ليكون العراق الشريك الاقتصادي الإقليمي الأول مع الأردن".

وأردف، الكاتب قائلا: "سياسيا، العلاقة الاقتصادية مع العراق تعني تخفيف ضغوط هائلة إقليمية ودولية على الأردن، وتفكيك العزلة والقطيعة التي تحاول دول إقليمية ودولية فرضها على عمّان".

ودعا الكاتب إلى "الحذر من أطراف تحاول تلغيم العلاقة الأردنية العراقية ، وقطع الطريق على بناء محور عربي إقليمي رأسه في بغداد وعمان" متسائلا: لماذا لم يبحث بعثيو الأردن عن إطار حزبي بديل؟".

وخلص الحباشنة إلى أن "موضوع ترخيص الحزب والتوتر الوليد وحروب الكلام وراءها نوايا سيئة كثيرا وبعيدا".

التجربة النازية

وعلى الصعيد ذاته، قال السياسي العراقي، علي الشلاه إن "القرار الأردني بترخيص حزب البعث لا يعد شأنا داخليا تماما لهم، لأن ألمانيا حتى اليوم لا تسمح  للدول المجاورة التي عانت من النازية من تأسيس حزبا نازيا، وهذا مثال على ما يحصل اليوم".

ورأى الشلاه خلال مقابلة تلفزيونية في 27 مايو، أن "المشكلة في حزب البعث الأردني الجديد، كونه يأخذ ما لم يتحه الدستور العراقي، وهو (حزب البعث الصدامي) ويجعل من صدام حسين (الرئيس العراقي الراحل) رمزا له".

ويأتي منح الأردن رخصة لحزب البعث، بعد تصريحات لرغد صدام حسين ألمحت فيها إلى أنها ستعود لتكون "جزءا من مرحلة وطنية قادمة"، مشيرة إلى أنها تمتلك "إرادة قوية" لهذا الأمر.

وقالت رغد خلال مقابلة تلفزيونية في 17 مارس 2023 إن "جثة والدها ستعود باستقبال عسكري مهيب" إلى العراق.

وأضافت "أنا ليس لدي طموح، وإنما لدي إرادة قوية لأن أكون جزءا من مرحلة وطنية قادمة ليس بعيدا بإذن الله، وأن إرادتي قوية في هذا المضمار وليس رغبة، متابعتي للشارع جزء من اهتمام كبير".

وتقيم رغد وهي ابنة صدام الكبرى، وأبناؤها منذ 2003 في ضيافة الأردن، ورفضت عمّان عدة مرات تسليمها لبغداد التي اتهمتها بـ "تمويل نشاطات إرهابية".

وكانت السلطات العراقية قد نشرت اسمها، في عام 2018، ضمن قائمة المطلوبين لانتمائهم إلى حزب البعث، بحسب تقرير سابق لوكالة فرانس برس.

وفي عام 2016، أقرت السلطات العراقية قانونا يحظر نشاط حزب البعث ويفرض عقوبات بالسجن تصل إلى عشر سنوات على من ينتمي إلى هذا الحزب المنحل أو إلى الكيانات والأحزاب والأنشطة "العنصرية والتكفيرية".

ومنع الدستور العراقي عودة حزب البعث إلى الحياة السياسية بعد سقوط النظام السابق، في عام 2003، وتشكلت على إثرها هيئة المساءلة والعدالة، لكنه لم يفرض عقوبات قضائية على أعضائه سوى الإبعاد عن الوظيفة.

وردا على الغضب العراقي، قال الناطق باسم الهيئة المستقلة للانتخاب في الأردن محمد خير الرواشدة إن "حزب البعث العربي الاشتراكي هو حزب أردني ناشط على الساحة السياسية منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، وقد استطاع الحزب توفيق أوضاعه بموجب قانون الأحزاب النافذ".

وأوضح الرواشدة لقناة العربية السعودية، أنه، وبعيداً عن ما جرى تداوله من آراء، فإن "الحزب يعمل داخل حدود المملكة الأردنية، وبرنامجه وأهدافه وشعاراته تستهدف عناوين اللحظة السياسية في البلاد"، مضيفاً أنه "لا يسمح لأي حزب أردني بالعمل خارج حدود المملكة أو أن يتلقى دعماً أو توجيها من الخارج".

وأكد الرواشدة أن "حزب البعث الاشتراكي مرخص كحزب أردني، ونشاطه يجب أن يلتزم بأحكام القانون وتقاليد العمل الحزبي محليا والتي تتجسد في التعبير عن قواعده وتمثيلها".