عجز مالي وإقليمي.. لماذا تراجعت إيران عن مشروع الربط الكهربائي مع سوريا؟
مع تقارب طهران والرياض واستئناف العلاقات بينهما في 10 مارس/ آذار 2023، يبدو أن إستراتيجية الاستثمارات الإيرانية على الأراضي السورية وخاصة في قطاع الكهرباء "أصبحت أكثر محدودية".
وكان لدى إيران طموح بربط كهربائي مع سوريا مرورا بالعراق، لكن هذا التوجه يبدو أنه "تبخر" أخيرا لصالح مشاريع بهذا القطاع تطالها عنق طهران على الأراضي السورية.
قطاع محدود
وفي تطور مفاجئ، كشف الرئيس التنفيذي لشركة "إدارة شبكة الكهرباء" الإيرانية، مصطفى رجبي مشهدي، أن الربط الكهربائي بين إيران وسوريا في الوقت الحالي "غير متوفر بسبب عدم وجود حدود برية"، وفق قوله.
وخلال حديثه لوكالة "إيرنا" الإيرانية في 15 مايو/أيار 2023، قال مشهدي: "إذا دخلت الدول التي لها حدود برية مع كل من إيران وسوريا لحل هذه المشكلة يمكنهم محاولة إنشاء اتصال كهربائي"، في إشارة منه إلى العراق.
ولفت إلى أن "قدرات سوريا تشكل فرصة عظيمة لنشطاء صناعة الكهرباء للمساعدة في تطوير صناعتها من خلال التواجد في هذا البلد".
وبين مشهدي أنه "يمكن للقطاع الخاص الإيراني أن يكون حاضرا سواء في تصدير السلع الكهربائية أو في بناء محطات توليد الكهرباء بسوريا وتوفير الكهرباء لهذا البلد، وهي فرصة جيدة جدا لصناعة الكهرباء في بلدنا".
وشكل اصطفاف إيران إلى جانب رأس النظام السوري بشار الأسد، لقمع الثورة عام 2011، الباب الواسع لبدء طهران تنفيذ مشروعها وحلمها في الوصول إلى مياه البحر المتوسط وربط إيران وسوريا ولبنان بريا عبر المليشيات.
وتراجع الإنتاج الكهربائي في سوريا عقب عام 2011 إلى نحو ألفي ميغاواط، في الوقت الذي يصل فيه الطلب حاليا إلى نحو 7 آلاف ميغاواط.
ويعد 70 بالمئة من المواطنين المستهلكين للكهرباء في سوريا ضمن الشريحة الأولى التي ارتفع سعر الكيلوواط فيها من ليرة إلى ليرتين سوريتين بموجب قرار أصدرته وزارة الكهرباء بحكومة النظام وبدأت في تطبيقه منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2021، يقضي برفع أسعار الكهرباء في معظم شرائحها بنسب تراوحت بين 100 بالمئة و800 بالمئة.
ويتذرع النظام بالنقص في الوقود اللازم لتشغيل المحطات، ويرمي عجزه في تأمين ذلك على الحصار الاقتصادي بموجب العقوبات الأميركية والأوروبية.
فيما تقدر خسائر قطاع الكهرباء في سوريا منذ عام 2011 حتى 2020، وفق أرقام حكومية، بـ100 مليار دولار، كما يتبع النظام بمناطق نفوذه خطة تقنين في التيار الكهربائي، حيث تصل ساعات القطع اليومي إلى 17 ساعة.
ورغم ذلك، فإن حكومة الأسد كثيرا ما تركز على تحسين واقع تغذية الكهرباء للمنازل في مناطق سيطرة النظام.
فقد وعدت عام 2022 بحدوث تحسن في ساعات تجهيز التيار الكهربائي، مع بدء العمل على العديد من المشروعات الجديدة ومشروعات إعادة تأهيل الخدمة.
حتى إن رأس النظام شهد في 8 يوليو/تموز 2022 إطلاق عمل المجموعة الخامسة من محطة حلب الحرارية في ريف حلب الشرقي بعد إعادة تأهيلها والذي يساهم في توفير الكهرباء لحلب وضواحيها، ولا سيما أنه سيجرى توليد 200 ميغاواط لتغذية محافظة حلب بالطاقة الكهربائية.
إستراتيجية إيرانية
وفي شباط/فبراير 2021، أعلنت الشركة العامة للكهرباء في حلب بدء مشروع إعادة تأهيلها بدعم إيراني.
ووقعت دمشق وطهران في أيلول/سبتمبر 2017 مذكرة تفاهم "للتعاون في مجال القطاع الكهربائي" تتضمن بالإضافة إلى إعادة تأهيل محطة حلب، إنشاء محطة توليد طاقة في اللاذقية وصيانة وتأهيل قطاعات كهربائية في مناطق أخرى.
وخلال السنوات الماضية، ركزت إيران على دعم نظام الأسد في إصلاح محطات الكهرباء وتشغيل بعضها وخاصة القريبة من المدن الصناعية، إلا أن طهران تعتقد أن سوريا تعد وجهة جيدة للقطاع الخاص في صناعة الكهرباء.
وسبق أن كشف وزير الطاقة الإيراني، علي أكبر محرابيان، خلال لقائه مع وزير الموارد المائية بنظام الأسد، تمام رعد، على هامش مؤتمر للأمم المتحدة بشأن المياه في 6 مايو 2023، أن بلاده تدخلت لإصلاح محطتين للطاقة الحرارية في مدينة حلب، وهي ثاني أكبر المدن في سوريا.
وتبلغ الطاقة الإجمالية للمحطتين نحو 480 ميغاواط، وأشار محرابيان إلى أنه من المنتظر أن تُفتتح محطتان جديدتان تعملان بالغاز قريبا، بعدما انتهت شركات إيرانية من بنائهما.
وأكد الوزير وقتها أن إيران مستعدة لتقديم جميع قدراتها الاقتصادية والتكنولوجية لإعادة إعمار سوريا، ومن بين هذه الجهود إعادة تأهيل منشآت المياه والكهرباء.
وما يزال نظام الأسد عاجزا عن تأمين احتياجات ضرورية بمناطق سيطرته، وفي مقدمتها الطاقة والكهرباء، في ظل القيود الأميركية المفروضة عليه.
وفي 6 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وقعت وزارة الكهرباء التابعة لنظام الأسد عقدا للمرة الأولى مع شركة "بيمانير" الإيرانية لإعادة تأهيل محطة "محردة" بريف حماة بقدرة 576 ميغاواط، حيث بلغ قيمة العقد نحو 99.5 مليون يورو (115.50 مليون دولار)، وبمدة تنفيذ 26 شهرا.
ومن المقرر تنفيذ عملية التأهيل على 4 مراحل، على أن توضع المجموعات بالخدمة على التوالي بدءا من نهاية عام 2022، وسيتضمن إعادة تأهيل المحطة استبدال جميع القطع المتضررة وإصلاح بعضها بحيث تعود إلى قدرة تعادل 90 بالمئة من استطاعتها التصميمية التي كانت عليها قبل 40 عاما.
وتبع ذلك بأيام، وتحديدا في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، اتفاق روسيا ونظام الأسد على تعزيز العمل المشترك في قطاع الكهرباء وتذليل المعوقات التي تعترض تنفيذه، حيث أبدت موسكو استعدادها لتقديم سبل الدعم كافة لقطاع الكهرباء السوري.
كما اتفقت حكومة الأسد مع إحدى الشركات الروسية لإعادة تأهيل المجموعة البخارية الثانية في محطة توليد تشرين الحرارية بريف دمشق، وأوضحت أنها ستؤدي إلى رفد الشبكة باستطاعة إضافية بحدود 200 ميغاواط.
وتعد إيران حاليا أهم وأكبر مصدر للكهرباء إلى العراق الذي تربط البلدين حدود مشتركة، فثلث احتياجاته من الطاقة تأتي عبر استيراد الكهرباء والغاز الايراني.
لكن في حالة سوريا فإن الربط الشبكي الكهربائي كان من ضمن أهداف إيران لتصدير الكهرباء إلى سوريا وإنشاء أكبر شبكة للكهرباء في العالم الإسلامي عبر ربط شبكة الكهرباء الإيرانية الوطنية مع شبكات العراق ولبنان.
ولأجل ذلك أبدت طهران عام 2017 بالفعل اهتماما بمساعدة سوريا في إعادة بناء الطرق والمطارات ومحطات الكهرباء والموانئ، وهو ما قد يصب في مصلحة "الحرس الثوري" الإيراني الذي يمتلك أكبر شركات بقطاع التشييد في إيران.
ومنذ ذلك الحين، عملت شركات إيرانية بالفعل في عدد من مشروعات توليد الكهرباء بسوريا بلغت قيمتها حتى عام 2017، 660 مليون دولار، وفقا لوسائل إعلام حكومية إيرانية.
وفتحت طهران خطوط ائتمان لسوريا بقيمة 3.5 مليارات دولار في 2013 وزادتها بقيمة مليار دولار في 2015 وهو ما يقول اقتصاديون إنه ساعد الاقتصاد السوري على الاستمرار.
ويوجد 14 محطة توليد للكهرباء في سوريا قبل عام 2011، 11 منها تعمل على الوقود الأحفوري، والثلاث الباقية على الطاقة المائية.
أسباب متداخلة
وأرجع الباحث السوري، مدير موقع "اقتصادي"، يونس الكريم، أسباب تراجع إيران عن المضي بمشروع المد الكهربائي إلى سوريا، إلى أن "نظام الأسد لم يستطع تسديد الترتيبات المالية العالية المترتبة عليه لها لقاء تدخلها لمنع سقوطه".
وأوضح الكريم لـ"الاستقلال"، أنه "لذلك لا تستطيع طهران الاستمرار في بيع منتج لا يستطيع النظام سداده وخاصة أن الأخير ليس لديه إمكانات مالية لسداد ما يترتب عليه".
وأضاف أن "السبب الثاني هو الكلفة العالية لعملية الربط، خاصة أن المساحات التي يمر بها الربط الكهربائي هي مساحات سنّية رافضة للوجود الإيراني، وبالتالي وجود هذا الخط مكلف ماديا على طهران من ناحية حراسته في الجزء العراقي والسوري".
كما أن إيران "لا تمتلك العلاقات الدولية مع دول الجوار لتكون سوريا دولة محطة بعملية الربط الكهربائي، وبالتالي لا مصلحة اقتصادية من عملية الربط، فضلا عن غياب أفق الحل السياسي في سوريا، مما يعني أنه لا أموال ستتدفق على نظام الأسد في القريب العاجل يستطيع السداد عن طريقها"، وفق الكريم.
ونوه الباحث الاقتصادي بأن "إيران بدأت تعي معادلة وجود فرص استثمارية مع الصين ودول الخليج أهم من أن تنحصر في الملف السوري".
ولفت الكريم إلى أن "تراجع إيران يحمل تهديدا لنظام الأسد ومطالبة بأن يكون هناك مكان ذو إدارة كاملة إيرانية وهذا الأمر خطير، وبالتالي نظرا لعدم وجود حدود برية بين سوريا وإيران يدل على وجود شيء ما يحاك مثل منح طهران أراض قنصلية بمساحات كبيرة أو بالمنطقة الحرة لبناء مدن تتبع لها في سوريا".
وكان النظام السوري وعد بإعطاء إيران خمسة آلاف هكتار من الأراضي للزراعة وألف هكتار لإنشاء مرافئ للنفط والغاز، كما جرى توقيع اتفاق لتقديم أراض لتربية الماشية، وفقا لما ذكرته وكالة "إيرنا" في 19 يناير/كانون الثاني 2017.
اللافت أن قطاع الكهرباء في سوريا المنهار والذي يعجز النظام على تحسينه، أخذ طابعا تنافسيا جديدا بين موسكو وطهران على الأراضي السورية.
إذ إنه على رأس وفد رفيع سياسي واقتصادي، وصل الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي في 3 مايو/أيار 2023 إلى مطار دمشق الدولي، حيث التقى الأسد بالقصر الجمهوري في العاصمة دمشق، ووقعا مذكرة تفاهم لخطة تعاون إستراتيجي طويل الأمد بين البلدين.
وضمن هذه الجزئية، يرى الباحث السوري في مركز "عمران للدراسات الإستراتيجية"، أيمن الدسوقي، أن تراجع طهران عن الربط الشبكي الكهربائي مع سوريا، يرجع إلى "تحديات جمة تواجهها إيران في قطاع الكهرباء السوري".
واستطرد: "فرغم حصولها على عدد من العقود لتشييد وإصلاح محطات توليد الكهرباء كما في حلب والساحل، كذلك توريد معدات وسلع كهربائية، فإن عملية الربط الكهربائي تتطلب بنية تحتية واستثمارات كبيرة".
وبين الدسوقي لـ"الاستقلال"، أنه "لا يبدو أن الجانب الإيراني متحمس لها لضعف الجدوى الاقتصادية، ولا الجانب السوري قادر على تنفيذها لافتقاده الموارد المالية".
كما أن مساعي إيران، للهيمنة على قطاع الكهرباء، يضيف الباحث السوري، "تصطدم بعوائق منها، تواجد أطراف أخرى فاعلة في هذا القطاع، على سبيل المثال في حديث عن منح روسيا عقود إصلاح وبناء محطات كهربائية، وكذلك الهند".
إلى جانب "مشاريع عربية للربط الكهربائي مع سوريا لها أساس واقعي، فضلا عما سبق، عملية الربط الكهربائي بأساسها قرار سياسي ولا أعتقد أن النظام سيمنح إيران مزايا إضافية قد تنعكس سلبا على محاولاته تطبيع العلاقات مع دول الخليج، لا سيما السعودية".
وأعلنت الرياض وطهران في 10 مارس 2023 استئناف علاقاتهما الدبلوماسية التي قطعت عام 2016، وإعادة فتح السفارات في غضون شهرين، وذلك عقب مباحثات برعاية صينية، بحسب بيان مشترك للبلدان الثلاثة.
وعقب ذلك أعادت الرياض علاقاتها مع دمشق في 23 مارس/آذار 2023 بعد قطيعة لأكثر من عقد من الزمن، قبل أن تسرّع جهود إعادة النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، بقرار من وزراء الخارجية العرب في 7 مايو 2023، وتكلل ذلك بحضور الأسد القمة العربية بجدة في 19 مايو/أيار من العام المذكور.