بعد سوريا وإيران.. متى يلتحق "حزب الله" اللبناني بركب التطبيع مع دول الخليج؟
على ضوء التطبيع الحاصل في العلاقات بين الخليج وإيران وسوريا، المصنفتين ضمن ما يعرف بـ"محور المقاومة والممانعة" بالمنطقة، برز تساؤل مُلح عن مدى انضمام حليفهم الأبرز حزب الله اللبناني إلى التسوية ذاتها، وطي نحو عقد من الخلافات بين هذه الأطراف.
وفي 19 مايو/ أيار 2023، شارك رئيس النظام السوري بشار الأسد في القمة العربية الثانية والثلاثين التي عقدت في مدينة جدة السعودية، بعد نحو أسبوعين من اجتماع وزراء الخارجية العرب، وإعلانهم إنهاء تعليق عضوية سوريا واستئناف مشاركة وفود دمشق.
وقبل ذلك، وتحديدا في 10 مارس/آذار 2023، رعت الصين اتفاق السعودية وإيران لاستئناف العلاقات المشتركة، وذلك بعد قطيعة بينهما منذ عام 2016 جرّاء حرق سفارة الرياض في طهران بعد إعدام الأولى رجل الدين السعودي الشيعي نمر النمر بتهمة الإرهاب.
وساطة عراقية
وعن مدى حدوث تسوية بين حزب الله ودول الخليج، ولاسيما المملكة العربية السعودية، كشف الصحفي والكاتب اللبناني فراس الشوفي عن وساطة يجريها العراق من أجل إجراء لقاء بين الطرفين، وربما ينجح في ذلك لأسباب عدة تحتم على الجانبين تطبيع العلاقة بينهما.
وقال الشوفي القريب من حزب الله اللبناني خلال مقابلة تلفزيونية في 23 مايو 2023 إن "الوضع السياسي العام في المنطقة يشهد تحولا جيوسياسيا، وإن لبنان جزء منه، وتؤثر فيه أحداث الإقليم".
وأضاف الكاتب: "إذا عدنا إلى اتفاق الطائف الخاص بلبنان الذي جرى برعاية سعودية سورية، فإن التوازن اختل بعدها في البلد عندما توترت العلاقة بين الرياض وطهران".
وفي 30 سبتمبر/أيلول 1989 وقعت الأطراف المتنازعة في لبنان، وثيقة الوفاق الوطني اللبناني في مدينة الطائف السعودية، وذلك بوساطة من الأخيرة وسوريا.
وهذا الوثيقة أقرها لبنان بقانون في 22 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، منهيا الحرب الأهلية اللبنانية، التي استمرت 15 عاما.
وأشار الشوفي إلى أن "العلاقة بين السعودية وإيران اليوم باتت جيدة، وبدأت بعض الجهات في المنطقة، وتحديدا العراق وأطراف أخرى (لم يسمها) تعمل على إجراء لقاء بين حزب الله والمملكة لفتح جسور للتواصل".
ولفت إلى أن التقارب المحتمل السعودي مع حزب الله يأتي من كون "لبنان مدخلا إلى سوريا بالمشاريع الاقتصادية، سواء في الطاقة أو المواصلات والتصنيع، ومواضيع أخرى".
وتابع: "الأمر الآخر هو مسألة اللجوء والنزوح من لبنان والنظرة الأوروبية لهذا الموضوع، لذلك فإن الأوروبيين كلهم متفقون على ضرورة انتخاب رئيس ومعالجة الواقع اللبناني".
وحتى يوم 25 مايو 2023 لم يصدر أي شيء رسمي من العراق أو السعودية وحتى حزب الله يشير إلى وجود وساطة وحصول لقاءات مع قيادات الحزب، الذي تضعه الرياض على لائحة الإرهاب منذ عام 2014.
تحوّل الخطاب
وفي السياق ذاته، قال الكاتب اللبناني عبد الله قمح إن "الانتقال من الصمت السلبي في مقاربة مسألة رئاسة الجمهورية إلى الحياد الإيجابي المُعبّر عنه بتدرّج مواقف السفير (السعودي) وليد بخاري وتأكيده عدم وجود اعتراض على أي من المرشحين".
وأضاف خلال مقال نشره موقع "ليبانون ديبايت" في 20 مايو 2023: "الآن تضمين البيان النهائي للقمة العربية في جدة بندا يعترف بالمقاومة ويميّزها عن الإرهاب، قد يفتح كوّة في الجدار الصلب، بين السعودية بصفتها راعيا أساسيا وسياسيا في لبنان، وحزب الله بما يمثله في الداخل اللبناني من حضور وقوة".
وحثت مسودة بيان قمة جدة "السلطات اللبنانية على مواصلة الجهود لانتخاب رئيس للبلاد، وتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، وإجراء إصلاحات اقتصادية للخروج من الأزمة الخانقة".
وشدد البيان الختامي على "أهمية وضرورة التفريق بين الإرهاب والمقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي، التي هي حق أقرته المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي".
ورأى قمح أن هذا "يخدم نظرية توقّع بدء النقاش بين الجانبين، ولو على مستوى الوسطاء، أو بشكل غير مباشر حول مسائل عدة، مع التذكير بأن الرياض تدرّجت في مفاوضاتها مع خصومها في المنطقة لا سيما سوريا، وهو ما بدأ بالتواصل الأمني لغاية بلوغه البعد السياسي ثم توّجَ بزيارات متبادلة".
وأردف: "وبهذا المعنى، ثمة من يتحدّث عن قرب بدء النقاش الأمني بين الحزب والسعودية (وقد يكون بدأ فعلا)، على اعتبار أن لدى الفريقين ملفات ذات اهتمام مشترك".
ولفت الكاتب إلى أنه "لا بدّ من الإشارة إلى كون الرياض، ومع تصفير مشاكلها في المنطقة، بدأت نقاشا جديا حول مسألة تهريب المخدرات بشكل عام إلى أراضيها وأهمها الكبتاغون، إذ ظهرت نماذج تعاون في هذا المجال لا سيما بين الأردن وسوريا".
وبحسب قمح، فإن "السعودية تتقدم تدريجيا إلى المساحة التي تمكنها من إعلان دعم (سليمان) فرنجية (مرشح حزب الله للرئاسة) بعدما رفعت الفيتو عنه. وليس سرا أنه من بين الأسماء المتوفرة، وهو يحظى بتفهّم كبير من جانب الرياض وسبق لها أن أوحت في الشكل أن لا مشكلة معه".
وخلص إلى أن "طريق إعلان التأييد بشكل واضح، يبدأ بحصولها على ضمانات لبنانية، سياسية وغير سياسية، ربما من قبيل انضواء هذا البلد في تحالف الحرب على الكبتاغون".
ومنذ 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 دخل لبنان في مرحلة الفراغ الرئاسي، وذلك بعد أن انتهت فترة ولاية الرئيس ميشال عون، وعدم توصل القوى السياسية إلى الاتفاق على من يخلف الأخير في منصبه.
بوابة الرئيس
من جهته، لم يستبعد الباحث السياسي العراقي علي المساري أن "تحصل تسوية بين حزب الله اللبناني والسعودية بوساطة عراقية، خاصة أنه سبق أن كان لبغداد دور في تطبيع العلاقة بين إيران والرياض، وحتى الدفع بإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية".
وقال المساري لـ"الاستقلال" إن "حزب الله اللبناني مفلس ماديا ويتسوّل رضا السعودية، وفي المقابل تبيّن أن الأخيرة ليس لديها أي ثوابت في مقاطعة أي طرف مهما بلغ الخلاف معها، فضلا عن ارتكابه جرائم بحق الشعوب سواء في سوريا أو لبنان وغيرهم".
وتابع: "خصوصا هناك تنافس بين السعودية والإمارات على أيهم يصفّر المشاكل أسرع مع خصومه في المنطقة وحاليا الرياض قد تسبق أبوظبي في تطبيع العلاقة مع حزب الله اللبناني".
وأردف المساري، قائلا: "أما البحرين فتقفز قفزا إلى التطبيع مع حزب الله، فيما الكل يعرف أن سلطنة عُمان موضوعهم الحياد، وربما قطر والكويت هما الوحيدتان اللتان تقفان بعيدا عن العلاقة مع هذا الحزب".
وأشار الباحث إلى أن "الفرصة مواتية جدا لحزب الله اللبناني ودول الخليج من أجل تطبيع العلاقة بينهم، لأن الرياض تصالحت مع الأب الروحي لهم والداعم الأساسي لهم وهي إيران، فهل يعقل أن يبقى الابن بعيدا".
ورأى أن "تطبيع العلاقة ربما يكون من باب حسم تسمية رئيس للبنان، فربما الرياض تقبل بتولي سليمان فرنجية الذي يصر الثنائي الشيعي (حزب الله، وحركة أمل) على توليه المنصب، وهذا لب القضية حاليا".
وفي 16 يناير 2023، طالب زعيم حزب الله حسن نصر الله من دول الخليج تقديم الدعم للبنان، وذلك خلال كلمة له في الذكرى الثلاثين لانطلاقة "المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق"، التابع للحزب.
وقال نصرالله: "ما الذي ينقص دول الخليج أن تأتي بـ 100 أو 200 أو 300 مليار، - يحسبوا حالهم عم يلعبوا كرة قدم- وتستنهض دولة عربية على حافة الانهيار" في إشارة إلى لبنان.
ويعاني لبنان من أزمة اقتصادية حادة بدأت عام 2019 عندما انهار النظام المالي تحت وطأة الديون السيادية والطرق غير المستدامة التي كانت تمول بها، إذ تدهورت العملة المحلية لمستويات غير مسبوقة حتى وصلت سعر الصرف إلى 9400 ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد.
وكانت صحيفة "الأخبار" اللبنانية القريبة من حزب الله، قد نشرت في 11 مارس 2023، تقريرا كشفت فيه معلومات قالت إنها تتعلق بلقاء جرى بين رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في يونيو/حزيران 2022.
وأوضحت أن "وليّ العهد السعودي أبدى استعداد نظامه للقاء حزب الله والتفاوض معه بوجه مباشر، من دون توقّف عند أيّ حسابات بما فيها حرب اليمن وتصنيف مجلس التعاون الخليجي (2016) للحزب منظمة إرهابية".
ولفتت إلى أن "جهد الكاظمي على هذا الخط قوبل بالترحاب من ابن سلمان، وبالصراحة في آن، حيث علّق الأخير أمر اللقاء المباشر على شرط وحيد؛ هو أن يرتَّب في المرحلة اللاحقة لعودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران".
وانقطعت اللقاءات بين السعوديين وحزب الله اللبناني بشكل تام مع اندلاع الثورة السورية عام 2011 ووقوف الأخير إلى جانب النظام السوري والقتال معه ضد فصائل المعارضة، فيما بلغت العلاقات ذروة تدهورها مع اندلاع الحرب على اليمن في 2014.
المصادر
- هل بدأ التقارب بين "حزب الله" والسعودية؟
- الجامعة العربية تقرر عودة سوريا لشغل مقعدها وواشنطن تنتقد
- القمة العربية 2023: الأمير محمد بن سلمان يعلن اختتام اجتماع القادة العرب في السعودية واعتماد إعلان جدة
- اتفاق الطائف
- نصرالله: هل حقا طلب الأمين العالم لحزب الله مساعدة السعودية للبنان؟ وما علاقة الخارجية المصرية؟
- هل تعود اللقاءات بين السعودية وحزب الله؟
- منظمات مصنفة على أنها إرهابية حسب السعودية
- أزمة لبنان المالية.. ما مدى سوء الأزمة الاقتصادية وكيف آلت الأمور إلى ما وصلت إليه؟
- لبنان بدون رئيس بعد شهرين من انتهاء فترة رئاسة "عون"