حلفاء إيران يضعون أعينهم على مقدرات مسيحيي العراق والفاتيكان يتدخل.. ما القصة؟

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

مثل غيره من المكونات العراقية، يشهد المكون المسيحي صراعا داخليا شديدا على الزعامة، والذي يكاد ينحصر بين رئيس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الكاردينال لويس روفائيل ساكو، وزعيم مليشيا "بابليون" ريان الكلداني، المنتمي للحشد الشعبي، المعاقب أميركيا منذ عام 2019.

دفع الصراع، الفاتيكان إلى الدخول على الخط في محاولة منه لإنهاء الأزمة الحاصلة بين الأطراف المسيحية العراقية، ما أثار تساؤلات عن طبيعة الخلافات داخل المكون، وإلى أي مدى يمكن للتدخل الخارجي معالجة التوتر، لاسيما في ظل صمت حكومي.

اللجوء للفاتيكان

على ضوء تبادل الاتهامات بين الطرفين، نشر الفاتيكان بيانا صادرا عن الاتحاد الأوروبي و11 دولة أوربية أكد دعم بطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق الكاردينال لويس روفائيل ساكو، في ظل نزاع مع زعيم مليشيا "بابليون" ريان الكلداني حول زعامة المسيحيين في العراق.

وبحسب ما نشره موقع "فاتيكان نيوز" في 21 مايو/ أيار 2023، فإنّ "11 دولة أوروبية مختلفة، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، أصدرت بيانا أكدت فيه دعمها لبطريرك العراق لويس روفائيل ساكو".

وأعرب البيان، عن "تضامن" الحكومات الأوروبية مع البطريرك ساكو، مشددة على أهمية "جهوده لحماية حقوق المسيحيين على الأرض التي يسكنونها منذ ألفي عام".

وصدر البيان بعد أنّ استقبل ساكو في 21 مايو 2023، وفدًا من سفراء ونواب سفراء عدد من الدول الغربية، بما فيها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وأشار السفراء إلى أنهم زاروا الكاردينال "للتعبير عن تضامنهم معه بشأن الهجمات العلنية الأخيرة ضد شخصه"، والتعبير عن قلقهم على المسيحيين والطوائف الدينية الأخرى في العراق، وفقا للبيان.

وأشادوا بجهود البطريرك "لحماية حقوق المسيحيين على الأرض التي سكنوها منذ ألفي عام".

ودعا بيان السفراء، المسيحيين في البلاد للعمل معًا، مشيرًا إلى أنّ "التناقضات القائمة لا تساعد دورهم في المجتمع العراقي".

وأشار البيان إلى رغبة الدول الأوروبية في "التغلب على المشاكل وتحقيق تعاون أكبر بين الكنائس".

واختتم السفراء بيانهم بالتأكيد مجددا على دعمهم "للتفاهم والحوار السلمي بين مختلف مكونات الشعب العراقي" و"الحفاظ على تنوع البلاد، الذي يعد أحد أصوله الرئيسة".

وتأتي هذه التطورات بعد مؤتمر صحفي عقده ساكو في 6 مايو، دعا فيه الحكومة العراقية إلى اتخاذ موقف بشأن التهم الموجه إليه ولكنيسة الكلدان، ملوحا بخيار آخر وهو التوجه الى المحافل الدولية لحمايتهم في حال لم يصدر عن الدولة العراقية موقف.

وأضاف قائلا: "لن أسكت على الباطل، أنا حريص على العراق ولم أدع أي طرف يتدخل بالمسألة، رغم أنه بإمكاني طلب التدخل من الفاتيكان ومن الدول الغربية الصديقة لنا، لكن إذا لم تكن الحكومة العراقية حريصة على حقوق المسيحيين فحينها سنتصرف".

اتهامات متبادلة

تفجر الخلاف الحالي بين الطرفين بعد اتهامات متبادلة صدرت من الجانبين بالتصرف في كنائس ومنازل المسيحيين ممن غادروا العراق، سواء ببيعها أو الاستيلاء عليها، وهو أمر ينفيه الاثنان.

وقال ساكو خلال مؤتمره الصحفي إن الكلداني "استحوذ خلال الفترة الماضية على مقدرات المكون المسيحي من خلال استحواذه على الكوتا المسيحية، ويستخدم الرموز الدينية المسيحية لأغراض سياسية".

ولفت رئيس الكنيسة الكاثوليكية إلى أن (الكلداني) وأشقاءه وأتباعه "استولوا على مقدرات مسيحية في سهل نينوى وتلكيف والقوش (مدن في محافظة الموصل) وعلى منازل عوائل مسيحية في بغداد".

وأضاف ساكو أنه (الكلداني) "كان ينوي الاستيلاء على ديوان الوقف المسيحي والكنيسة، واشترى بعض رجال الدين المسيحيين للتغطية على أفعاله".

 ردا على اتهامه ببيع الأراضي والممتلكات المسيحية، أكد ساكو أن "هذا غير صحيح، نحن نقوم بالمعاملات وفقا للقانون"، مشيرا إلى أن "الكنيسة قامت ببيع عقارين لراهب وراهبة واشترت غيرهما في أربيل (عاصمة إقليم كردستان العراق)، وفقا للقانون العراقي وإجراءات وزارة المالية".

وأكد بطريرك الكلدان الكاثوليك أن "كنيسته لها صلاحية في بيع وشراء الممتلكات دون الرجوع إلى أحد، وإن كانت توجد أخطاء فهناك جهات رسمية يمكنها محاسبتنا"، حسب تعبيره.

وقبل ذلك، دعا زعيم مليشيا "بابليون" ريان الكلداني، الكاردينال ساكو إلى "مناظرة علنية"، نافيا الاتهامات التي وجهها إليه الأخير في أكثر من مناسبة.

وقال الكلداني خلال بيان في 29 أبريل 2023  إن "اتهامات وروايات ساكو، البعض منها أسخف من الرد حتى، لكننا أمام الناس والرأي العام واحتراماً لجبّته حتى لو لم يراعها هو ولم يحفظها، لن نرد على بيانه بمثله، بل سندعوه للمناظرة العلنية المفتوحة".

وتابع: يدعي ساكو أنه يحمي أو يقود المسيحيين، لكنه اختبأ خلف حلفه وترك الكنائس والبيوت والناس في نينوى وسط العراء يوم هجم تنظيم الدولة".

ومضى يقول: "وكنت أنا ريان ومعي إخوتي وأهل الغيرة، نحمل دمنا على كفوفنا، ومنا من استشهد في المعارك دفاعاً عن المسيحيين وحياتهم وكنائسهم ووجودهم".

من جهتها، رأت البطريركيّة الكلدانيّة خلال بيان لها في 15 مايو 2023 أن الصراع ليس مسيحيا- مسيحيا، وأنّ هذا الوصف عارٍ عن الصحة تمامًا، والدليل هو الكم الهائل من الكنائس والمسيحيين والمسلمين الذين استنكروا الهجمة (من قبل الكلداني).

ولفتت البطريركيّة إلى أن ما حصل هو تجاوز "بابليون" الذي احتكر مقدّرات المكوّن المسيحي، وهو فصيل تابع للحشد الشعبي، ومن المفروض أن يأتمر بأمر القائد العام للقوات المسلحة.

وبيّنت أنه "عندما رفضت الكنيسة الاعتراف به كممثل للمسيحيين، يقينا منها بأنّ ثمة مسيحيين مقتدرين وصادقين قادرين على خدمة العراق والمكوّن، راح يطلق تُهمًا وأكاذيب وشتائم على المرجعية الكنسيّة الأعلى للكلدان في العراق والعالم، الكاردينال ساكو".

ويقود ريان الكلداني، حركة "بابليون"، وعلى الرغم من إدراجه على لائحة العقوبات الأميركية بتهمة انتهاك حقوق الإنسان في الموصل إبان الحرب ضد تنظيم الدولة 2014 إلى 2017، إلا أنه يسيطر على مناطق المسيحيين، انطلاقاً من مسكنه في بغداد.

وفي الانتخابات البرلمانية التي أُجريت في أكتوبر/تشرين الأول 2021، نالت "بابليون" كامل حصة المسيحيين (ضمن الكوتا النيابية)، وهي خمسة مقاعد في البرلمان، إضافة إلى حصوله على وزارة الهجرة والمهجرين.

محاولة للهيمنة

وفي قراءته للمشهد، رأى الباحث في الشأن العراقي إياد ثابت، أن "ريان الكلداني يسعى إلى السيطرة على الوقف المسيحي في العراق بمساندة الحشد الشعبي، وبالتالي يكون المتصرف بأموال وممتلكات المسيحيين بعدما سيطر على المقاعد البرلمانية المخصصة للمكون".

وأشار الباحث خلال حديث لـ"الاستقلال" إلى أن "صمت الحكومة وباقي القوى السياسية ضمن الإطار التنسيقي الشيعي الحليف لإيران يوحي إلى دعم موقف الكلداني في السيطرة على مقدرات المكون المسيحي في العراق".

ومضى ثابت يقول: "ولو كان بيدهم الأمر لأطاحوا بالكاردينال لويس روفائيل ساكو، ووضعوا شخصا آخر مكانه يوالي زعيم مليشيا بابليون".

ولفت إلى أن "الكلداني يطمح إلى زعامة المكون المسيحي السياسية والتحكم حتى بالزعامة الدينية للمكون، وبالتالي يستفرد بكل شيء ويقصي باقي الأحزاب المسيحية، إضافة إلى هيمنته على جميع المناصب والأموال المخصصة للأقلية هذه".

وعلى الصعيد ذاته، قال رئيس "ائتلاف الرافدين" المسيحي، يونادم كنا، إن "المسيحيين لا يؤمنون بالسلاح، وأن حركة بابليون تدّعي أنها تحمي المسيحيين وهذا غير صحيح، بل تمارس مصالح اقتصادية وسياسية".

وأضاف كنا خلال تصريح لصحفية "العربي الجديد" في 11 مايو، أن "بابليون تستولي على الصوت السياسي للمسيحيين بدعم من الأحزاب الكبيرة المشاركة في السلطة، وتحديدا تحالف قوى الإطار التنسيقي، الذي دعم الكلداني ومشروعه السياسي بالتحايل على قانون الانتخابات".

وأكد أن "هناك تجاوزا على المسيحيين في مناطق الحمدانية وقرقوش وغيرهما من البلدات التي يسكن فيها المسيحيون بالموصل، وقد تقدموا بالشكاوى، بعد تعرضهم لمشاكل وضغوط وانتهاكات وسرقة أملاكهم من قبل جماعة ريان الكلداني".

مسيحيو العراق

ووفق تقرير لمفوضية حقوق الإنسان العراقية (رسمية)، في مارس/ آذار 2021، فإن 250 ألف مسيحي فحسب لا يزالوا يقطنون العراق من أصل 1.5 مليون كانوا متواجدين قبل 2003.

فيما يبلغ عدد سكان العراق حاليا نحو 40 مليون نسمة.

وأشار التقرير آنذاك إلى أن "1315 مسيحيا قتلوا في العراق بين عامي 2003-2014، إضافة إلى نزوح 130 ألفا واختطاف 161 آخرين خلال فترة سيطرة تنظيم الدولة على مدينة الموصل بين عامي 2014-2017".

وأجرى بابا الفاتيكان فرنسيس زيارة تاريخية إلى العراق في مارس 2021، استعصت على أسلافه بسبب التوترات الأمنية والاستهدافات الطائفية في البلد العربي، داعيا المسيحيين إلى العودة إلى الموصل، وفق التلفزيون العراقي.

وهناك 14 طائفة مسيحية معترفا بها رسميا في العراق. وتعيش الغالبية منهم في بغداد، ومحافظة نينوى بالشمال وإقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي.

والكلدان هم أكثر الطوائف عددا بين مسيحيي العراق، إذ يشكلون ما يصل إلى 80 بالمئة من الإجمالي. والكنيسة الكلدانية هي كنيسة تنتمي للمذهب الشرقي للكاثوليكية، لكن تحتفظ بشعائرها وطقوسها.

وتأسست في بلاد ما بين النهرين، العراق حاليا، في القرن الأول الميلادي.

ومقر الكنيسة في بغداد ويرأسها الكاردينال ساكو، ويعيش معظم الكلدانيين في العراق وإيران ولبنان. ويتحدثون بلهجة مشتقة من الآرامية، وهي لغة سامية كانت مستخدمة في زمن المسيح. ويوجد 110 كنائس كلدانية في أنحاء العراق.