تهديدات متبادلة.. هل تشعل أزمة المياه حربا بين أفغانستان وإيران؟ 

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

بوادر أزمة حادة تشهدها العلاقات الإيرانية الأفغانية، بعد تبادل التهديدات والتحذيرات بين مسؤولي البلدين، بسبب خلاف على مياه نهر هيرمند، الذي ينبع من أراضي أفغانستان ويصب في مدينة سيستان وبلوشستان جنوب شرقي إيران.

وما يثير الجدل حيال الموضوع هو سؤال ما مدى انعكاس التوتر الحالي على العلاقة بين البلدين التي طالما دعيا- بعد تولي طالبان الحكم في أفغانستان- إلى ضرورة تحسينها، وما إمكانية أن تحولها إلى حرب بين الجانبين بعدما لوّح مسؤولون إيرانيون بذلك.

تلويح بالحرب

وفي تصريح اعترته الحدة، ألمح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إلى التحرك ضد أفغانستان بسبب أزمة المياه التي تواجهها طهران مع حكومة "طالبان" التي تولت السلطة بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان في 31 أغسطس/ آب 2021، عقب عشرين عاما من الاحتلال.

وقال رئيسي خلال زيارته إلى منطقة سيستان وبلوشستان الإيرانية الحدودية مع دولتي باكستان وأفغانستان في 18 مايو/ أيار 2023: "إنني من هنا أحذر حكام أفغانستان أنهم يجب أن يعطوا إيران حقها من الماء، وإلا فإننا سنتصرف".

وتأتي تصريحات رئيسي قبيل لقائه رئيس وزراء باكستان شهباز شريف، والذي جرى فيه لاحقا الاتفاق على فتح صفحة جديدة بين البلدين بهذا الشأن، وكذلك توقيع اتفاقات عدة للربط الكهربائي بين البلدين.

وحذّر رئيسي حكومة طالبان الأفغانية، من إمساك مياه نهر هيرمند العابر للحدود وتبني "مزاعم واهية"، مؤكدا أن طهران عازمة على "استعادة حقوق الشعب الإيراني أينما كانت".

وخاطب رئيسي قادة طالبان، خلال زيارة إلى مدينة جابهار الحدودية، قائلا: "يجب ألا يرى حكام أفغانستان أن الأمر طبيعي، ويجب أن يتعاطوا مع المسألة على محمل الجد".

ومضى يقول إننا نحذرهم بضرورة إعطاء حقوق الناس في سيستان الباكستانية، وفي سيستان وبلوشستان الإيرانية من مياه هيرمند في أسرع وقت، "وإلا فسيتحملون التبعات".

وشدد الرئيس الإيراني على أنه من حق أهالي محافظة سيستان وبلوشستان المتاخمة لأفغانستان في مياه هيرمند وفقا للمعاهدات والاتفاقيات الدولية، لأن ذلك لا يمكن أن يضيع بمرور الوقت.

وفي إشارة إلى حديث الجانب الأفغاني عن شح المياه الموجودة في السد، قال رئيسي: "يجب على حكام أفغانستان السماح للخبراء الإيرانيين بزيارة السد والتحقق من الوضع".

وأردف: "وإذا تم تأكيد قلة المياه أو الجفاف فلن يكون لدى إيران أي تعليق بعدها، وإلا فإننا لن نسمح بانتهاك حقوق سكان تلك المناطق القاحلة بأي شكل من الأشكال، لأن قضية المياه هي مشكلة العالم كله".

وفي الوقت الذي لم يكشف فيه رئيسي عن طبيعة تهديده، فإن صحيفة "الجريدة" الكويتية نقلت في 19 مايو عن مصدر في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني (لم تذكر هويته)، أن "وزارة الدفاع الإيرانية والأجهزة الأمنية تدفع لتنفيذ خطة لقصف وتدمير سد على نهر هيرمند".

سخرية أفغانية

ولم تقف حركة "طالبان" الأفغانية ساكتة أمام تحذيرات وتهديدات الرئيس الإيراني، بل طالبته بعدم تكرارها، قائلة: "على الإيرانيين استخدام ألفاظ مناسبة وعدم تكرار هذا الكلام".

وقالت حكومة طالبان خلال بيان لها في 19 مايو 2023 إن "على المسؤولين الإيرانيين تصحيح معلوماتهم حول مياه نهر هيرمند وإطلاق مواقفهم من خلال استخدام ألفاظ وتعابير مناسبة".

وشددت على أن "استخدام هذه اللغة من قبل السلطات الإيرانية قد يضر بالأجواء السياسية بين الشعبين المسلمين في إيران وأفغانستان وهذا لا يصب في مصلحة أحد".

وأضافت: "على المسؤولين الإيرانيين عدم تكرار هذا الكلام"، مؤكدة أن "الإمارة الإسلامية في أفغانستان تتعهد ببذل الجهود لإيصال حصة إيران من مياه هذا النهر".

وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة "إيران انترناشيونال" الإيرانية في 19 مايو، مقطعا مصورا يظهر أحد قيادات حركة طالبان الأفغانية يسخر من تصريحات رئيس إيران التي وجه فيها تهديدا إلى بلاده إذا لم يطلقوا المياه إلى مدينة سيستان بلوشستان.  

وظهر "مبين" القيادي في طالبان وهو يملأ غالون ماء، وقال إن الرئيس الإيراني قال إن لم تعطونا ماء نهر هلمند فسنهاجمكم. لا يوجد ماء في نهر هلمند، لذلك ملأت له برميل ماء من هنا".

وأضاف: "لا تهددنا يا رئيسي فنحن نخاف منكم.. هذا البرميل من الماء لكم. سيادة الرئيس الإيراني، لا تهاجمونا فنحن نخاف".   

وقبل ذلك، أعلنت طالبان في 18 مايو أنه "منذ حدوث الجفاف في أفغانستان والمنطقة في السنوات الأخيرة وانخفض منسوب المياه، أصبح عدد كبير من المقاطعات والمناطق في البلاد، بما في ذلك بحيرة هلمند، يعانون من الجفاف ولا يوجد ماء كاف".

ونهر هيرمند هو أحد أكثر الأنهار وفرة في أفغانستان، حيث يصب في بحيرة هامون في إيران، وتتهم السلطات في طهران أن مياه هذا النهر قد جرى تحويلها عمدا عن مسارها.

وقال محمد دهقان المساعد القانوني للرئيس الإيراني، إن "تحرك أفغانستان ببناء سد كمال خان وتحويل مجرى نهر هلمند إلى مستنقعات غود زره الملحية، منع إيران من الحصول على حصتها".

وأضاف دهقان خلال بيان له في 21 مايو 2023 أنه "في العام الماضي (2022)، أدى تحويل مجرى المياه نحو غود زره إلى منع التدفق الطبيعي للنهر باتجاه مستنقعات هامون وإلى أضرار بيئية".

أبعاد أخرى

وبخصوص انعكاس التهديدات المتبادلة على العلاقة بين البلدين ومدى تحولها إلى صدامات عسكرية، قال أدهم القيسي الباحث العراقي المهتم بالشأن الإيراني، إن "إيران لا يمكن لها الدخول في حرب مع أفغانستان، ولاسيما في ظل أزمتها السياسية والاقتصادية".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "تحذيرات إيران تجاه أفغانستان قد تكون للدعاية الداخلية، لأن مدينة سيستان بلوشستان ذات غالبية سنية، وهي تعاني الإهمال من السلطات الإيرانية، وأنها شهدت احتجاجات عدة بسبب شحة المياه، لذلك فإن خشية الحكومة تأتي من هذا الجانب".

ورأى الباحث أن "طهران لن تقدم على أي ضربة عسكرية تجاه أفغانستان، لأن الجبهة الداخلية للأخيرة متماسكة أكثر من إيران التي تشهد احتجاجات وعقوبات غربية، وأن الغرب قد يدعم كابل في هذه الحرب إذا اندلعت".

وأشار القيسي إلى أن "أفغانستان ربما تستخدم ورقة المياه لتحقيق مكاسب من الجانب الإيراني في ملفات قد تكون عالقة بين الطرفين، لذلك لا أستبعد أن تنتهي هذه الأزمة بجلوس الطرفين إلى طاولة حوار".

وعقب بيان حركة طالبان الذي ردت فيه على تهديدات رئيسي، دعا وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي إلى حل قضية المياه بين إيران وأفغانستان عبر التفاهم، وسماح سلطات "طالبان" للمسؤولين الإيرانيين بتفقد سد كمال خان.

ونقلت وكالة "إرنا" الإيرانية عن تصريحات وحيدي في 19 مايو قوله إن "الحصة المائية لإيران في بحيرة هامون هي حق تاريخي وأن حكام أفغانستان وطالبان قد أذعنوا مرارا بها وقالوا إنه في حال توفر منسوب للمياه سيتم إطلاق هذه الحصة".

وأضاف وزير الداخلية أن طالبان تقول حاليا بعدم وجود للمياه، "لكن بعض التقارير تفيد بوجود المياه خلف السد المعني (سد كمال خان وحوض كجكي)"، مشيرا إلى أنه "بهدف معالجة الالتباس الحاصل يجب التوصل إلى تفاهم مع طالبان".

أزمة قديمة

تُعَد قضية تقاسم المياه بين أفغانستان وإيران واحدة من أهم القضايا السياسية والاجتماعية والبيئية بين البلدين منذ سنوات طويلة، والتي كانت مصدر نزاع وصراع منذ قرن ونصف.

النزاع حول مياه هلمند- أطول نهر في أفغانستان- له تاريخ طويل من المناقشات والمفاوضات حول تقسيم المياه بين البلدين، وقد حاولت إيران وبشتى الطرق أن تثبت حقها في المياه، ولم تدخر جهدا في الوصول إلى هدفها، وهو ما قوبل بمعارضة من الحكومات التي تعاقبت على أفغانستان.

تلعب الأنهار الأفغانية، وخاصة نهر هلمند، دورا جيوسياسيا كبيرا في العلاقات بين البلدين، وتستطيع أفغانستان أن تستخدم المياه أداة سياسية واقتصادية في علاقاتها مع إيران وجيرانها.

ومع وصول حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان عام 2021، طلبت إيران كعادتها من الحكومة الجديدة بدء المفاوضات بشأن تقسيم المياه والنظر في اتفاقية موسى شفيق-هويدا.

وتعود اتفاقية "شفيق- هويدا" إلى عام 1973، وذلك بعد أكثر من قرن من النزاع حول مياه نهر هلمند، إذ جاءت مبادرة رئيس الوزراء الأفغاني محمد موسى شفيق الذي تلوى منصبه عام 1974 لتُلقِي حجرا في المياه الراكدة.

وفعلا وقع رئيس الوزراء الأفغاني الأسبق موسى شفيق ونظيره الإيراني أمير عباس هويدا اتفاقية تقسيم مياه نهر هلمند، والتي اشتُهِرت لاحقا باتفاقية "شفيق-هويدا" في 12 مارس/ آذار 1973.

ووفقا لاتفاقية "شفيق-هويدا" تستطيع إيران الاستفادة من 22 مترا مكعبا من المياه في الثانية، قبل أن تُمنَح 4 أمتار مكعبة أخرى لحسن النية، هذه الكمية كانت أقل من 10 بالمئة من إجمالي المياه التي كانت إيران تحصل عليها سابقا من أفغانستان.

غير أنه لم يحدث تبادل للوثائق الخاصة بالاتفاقية بين الطرفين، بسبب الانقلاب الذي أطاح بالنظام وحكومة موسى شفيق والذي أُعدِم على إثره لاحقا، ثم الاجتياح السوفيتي لأفغانستان عام 1979، والإطاحة بنظام الشاه في إيران في العام نفسه، وبذلك لم تأخذ الاتفاقية طريقها للتطبيق.