"سلام بعيد".. هكذا دمرت الانقسامات الداخلية والتدخلات الخارجية مستقبل اليمن
يرى الموقع الإيطالي "إنسايد أوفر" أن ما يقلق المحللين بشأن التوصل إلى سلام دائم في اليمن، يكمن في غياب ممثلين عن طاولة المفاوضات التي دارت بوساطة عمانية بين مليشيا "الحوثي" ووفد عسكري سعودي زار صنعاء في أبريل/ نيسان 2023.
فيما وصفت "الحوثي" المفاوضات عقب اختتامها بـ"الصعبة والشاقة"، مؤكدة أنه تم خلالها إحراز تقدم في بعض الملفات، كاشفة أن جولات تفاوضية أخرى ستجرى لبحث القضايا العالقة.
وذكرت تقارير أن المباحثات التي عقدت على مدار ستة أيام بين "الحوثيين" والسعودية بحضور عماني في صنعاء، "شكلت محاولة لتذليل النقاط الخلافية للتوصل إلى اتفاق يستهدف وقفا مطولا لإطلاق النار يمهد لتسوية سياسية في البلاد".
تصاعد الأزمات
واندلعت الحرب الأهلية في اليمن رسميا عام 2014 على إثر سيطرة "الحوثيين" المدعومة من إيران على العاصمة صنعاء وشمال غرب اليمن.
على إثر ذلك تدخل التحالف السعودي الإماراتي وشن غارات جوية على "المتمردين الشيعة مستفيدا من الدعم اللوجستي والاستخباراتي الأولي من الولايات المتحدة" التي كانت لديها بالفعل مصلحة في محاربة خلايا تنظيمي "القاعدة" و"الدولة" الموجودة في المنطقة، بحسب "إنسايد أوفر".
في العالم اللاحق، قامت الحكومة المعترف بها دوليا بنقل مقرها من منفاها في العاصمة السعودية الرياض إلى محافظة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد.
وبذلك امتد الصراع الذي اتخذ شكل حرب بالوكالة بين إيران والسعودية، بدعم من شركاء متعددين، إلى شمال غرب البلاد.
وشرح الموقع أن "هذا السيناريو أدى بمرور الوقت إلى خلق شبكة معقدة من العلاقات والانقسامات بين القوى الإقليمية (الإمارات، وسلطنة عمان، وقطر، وتركيا، وإسرائيل)".
وكذلك بين الجماعات الطائفية الدينية اليمنية فضلا عن القوى العالمية الكبرى مثل الصين وروسيا.
كما أشار أيضا إلى اهتمام الدول الأوروبية الرئيسة بالصراع "لأنها تراقب حدود البحر الأبيض المتوسط الموسع".
إلى جانب المملكة المتحدة التي لطالما نظرت بقلق واهتمت باستقرار خليج عدن والبحر الأحمر كطرق تؤدي إلى قناة السويس، يضيف الموقع الإيطالي.
وأشار "إنسايد أوفر" إلى أن "جهود الأمم المتحدة للتوسط في محادثات السلام بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دوليا في عدن توقفت تماما صيف عام 2016".
وتابع: "وهو ما سمح بتدخل القوى الإقليمية وهو ما كان من شأنه أن يؤدي بالصراع إلى تصعيد خطير بين إيران من جهة، والتي مقابل دعمها تمكنت من الوصول بشكل إستراتيجي إلى البحر الأحمر عبر ميناء الحديدة، ومن جهة أخرى دول الخليج بقيادة السعودية، وهو ما أثار مخاوف من زيادة حدة الانقسامات بين السنة والشيعة في المنطقة".
وذكر الموقع أن "التوتر بلغ ذروته عام 2021، عندما شن المتمردون الحوثيون الذين ازداد تسليحهم من قبل طهران، سلسلة من الهجمات على الأراضي السعودية، مما أطلق العنان لرد عسكري أفشل أي محاولات أخرى للوساطة في المستقبل حينذاك".
ونتيجة لذلك غرق اليمن في أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وفقا للأمم المتحدة التي قدرت مقتل ما لا يقل عن 350 ألف مدني خلال ثماني سنوات من الصراع.
بينما بلغ عدد المتضررين من الأزمة الاقتصادية قرابة خمسة ملايين يمني تراجعت مقدرتهم الشرائية وباتوا يواجهون صعوبات في الوصول إلى الضروريات الأساسية.
وواجه عدد كبير من السكان ولا يزالون مجاعة شديدة وباتوا عرضة لخطر وباء الكوليرا الذي تسبب في حصيلة قاربت مليون حالة.
ونوه الموقع الإيطالي إلى أن "أول بصيص أمل في نهاية الصراع، لاح منذ حوالي عام بفضل وساطة الأمم المتحدة".
ويذكر بأنه تم التوصل في أبريل/نيسان 2022 إلى وقف لإطلاق النار بين التحالف السعودي الإماراتي و"الحوثيين".
واقع مدمر
وأعلنت واشنطن عام 2021 وقف دعمها للعمليات العسكرية للتحالف في اليمن، والتي بحسب تقارير محللين، اقتنت أيضا أسلحة من الصين، التي لها مصالح اقتصادية ضخمة في المنطقة الجغرافية، بصفتها حجر الزاوية في مشروع طريق الحرير البحري الجديد.
وذكر "إنسايد أوفر" أيضا أن الصين تستورد نسبة كبيرة من النفط المنتج والمصدر من اليمن.
وأشار كذلك إلى دور روسيا في الصراع "رغم انشغالها بالصراع في أوكرانيا الذي استحوذ على اهتمام الكرملين ودفعه إلى تقليل تحركات سياسته الخارجية إلى رقعة الشطرنج في شمال إفريقيا".
ووصف بأنها تمثل "قوة مترامية الأطراف" أقامت دائما علاقات دبلوماسية مع جميع اللاعبين الرئيسين في الخليج، وتتباهى بعلاقة وثيقة مع اليمن حيث تم تأسيس أول جمهورية مستوحاة من الاشتراكية في الشرق الأوسط وهي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (1967-1990).
وقال الموقع الإيطالي إن اليمن يبدو بعد ثماني سنوات من الحرب الأهلية التي تخللتها تدخلات عسكرية أجنبية، في نظر المراقبين الدوليين "واقع دمرته الانقسامات الداخلية والتدخلات الخارجية".
ونوه إلى أن التقارب غير المتوقع بين السعودية وإيران "أعاد إحياء الأمل في المجتمع الدولي الذي فوجئ بلا شك بالتخلي عن التنافس العميق الذي غذى الحرب وهدد بانزلاق المنطقة إلى تصعيد خطير".
وكان البلدان قد أعلنا مطلع مارس/ آذار 2023 التوصل إلى اتفاق في بكين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما.
تلاه بعد شهر توقيع وزير خارجية البلدين فيصل بن فرحان والإيراني حسين أمير عبداللهيان بيانا مشتركا بشأن تنفيذ الاتفاق بوساطة صينية.
ووفقا للأمم المتحدة، باتت البلاد على بعد خطوة واحدة من وقف التصعيد الذي قد يسهم في إحراز "تقدم حقيقي" من أجل تحقيق سلام دائم بعد الجولة الأخيرة من المفاوضات التي توسطت فيها بكين واختتمت أخيرا في صنعاء، عاصمة اليمن القديمة.
ولفت الموقع إلى أن ما يقلق المحللين "غياب بعض الممثلين عن طاولة المفاوضات"، مشيرا إلى أن "ذلك يسهل محادثات اليوم إلا أنه، في ظل ما يعرف به الوضع اليمني من تعقيد، قد يؤجل التوترات التي يمكن أن تعيد إشعال الصراع إلى غد مشؤوم وغير متوقع".