محرم إنجه خارج سباق رئاسيات تركيا.. ما كواليس الانسحاب وتأثيره على أردوغان؟

رامي صباحي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم شخصيته المعروفة شعبيا بالإصرار والعناد، وبعد ضغوط كبيرة وصلت حد الإهانة والابتزاز من مختلف أطياف المعارضة، فجر رئيس حزب البلد التركي المعارض "محرم إنجه" قنبلة سياسية، معلنا انسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية.

وقبل نحو يومين على بدء الاقتراع المرتقب في 14 مايو/ أيار 2023، خرج إنجه (59 عاما) خلال مؤتمر صحفي أمام مقر حزبه بأنقرة في حالة غضب وتوتر لافتين ليعلن مغادرة المنافسة على سباق الوصول للمنصب الأعلى بالبلاد.

وأصاب هذا القرار المفاجئ من قبل إنجه، المجتمع التركي، شعبا وحكومة ومعارضة، بصدمة كبيرة، لتتباين التحليلات بشأنه والتداعيات الناجمة عنه، فضلا عن تداول كواليس مخلة بالأخلاق رآها البعض السبب الحقيقي وراء الانسحاب.

"اغتيال معنوي"

في المؤتمر الصحفي، بدأ إنجه حديثه قائلا: "ما رأيته من هجوم خلال آخر 45 يوما (منذ إعلان ترشحه للرئاسة) لم أره في حياتي السياسية الممتدة طول 45 عاما. لقد نشروا عني وثائق مزورة وإيصالات مصرفية غير حقيقية بملايين الليرات، وآخرها صور وشرائط مزيفة".

وأضاف: "كل ذلك من صنيعة تنظيم فتح الله غولن وحزب العمال الكردستاني (كلاهما مصنفان إرهابيان في تركيا)، لكن مع الأسف بعض مؤيدي المعارضة أعادوا نشر هذه الأشياء.. كما لم تحم المؤسسات الحكومية سمعتي ولم تدافع عني".

وتابع: "ما يجرى ضدي هو اغتيال معنوي منظم. هذه المقاطع والتسجيلات الصوتية والصور المنشورة كلها كذب وافتراء، قاموا بقص الصور من موقع إباحي إسرائيلي ووضعوا رأسي عليها".

وخلال اليومين الأخيرين، تداولت عدة حسابات عبر تويتر مقاطع وصورا جنسية، تظهر إنجه في علاقة مخلة، مع الإشارة إلى أنه ستجرى مشاركة المزيد منها حال عدم انسحابه من السباق، لكن لم يتسن التأكد من صحتها، بينما أطلق المدعي العام تحقيقا في هذا الشأن.

وختم إنجه حديثه منفعلا بالقول: "ها أنا أنسحب من السباق الرئاسي، بعدما قالوا إنني تابع ومأجور من قبل النظام الحاكم، ها أنا أنسحب كي لا يتم لومي عندما تخسر المعارضة الانتخابات".

لكنه أضاف أن حزبه "البلد" سيخوض الانتخابات البرلمانية، وطالب الجميع بالتصويت لمرشحيه.

ومنذ إعلانه ترشحه للسباق الرئاسي لمنافسة الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، قوبل إنجه بهجوم شديد من المعارضة العلمانية والكردية وحتى اليسارية.

وإنجه كان مرشحا عن حزب الشعب الجمهوري ضد أردوغان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2018، ونجح في الحصول على 30 بالمئة مقابل 52 بالمئة لأردوغان، وكانت حينها نسبة كبيرة لم يحققها الحزب بالانتخابات أمام الرئيس التركي من قبل.

لكنه انشق لاحقا عن "حزب الشعب الجمهوري"، وأسس "حزب البلد"، بسبب خلافات مع كليتشدار أوغلو وفريقه داخل الحزب.

وخلال الأسابيع الأخيرة كان يُنظر إلى إنجه على أنه تهديد كبير لكليتشدار أوغلو، نظرا لأنه كان يتوقع أن يجتذب أصواتا محسوبة على حزبه السابق "الشعب الجمهوري".

وبعد الخلافات الكبيرة التي عصفت بتحالف المعارضة الرئيس المعروف باسم "الطاولة السداسية" مطلع مارس/آذار 2023، زادت شعبية إنجه بصورة لافتة لتبلغ وفق استطلاعات الرأي بين 1015 بالمئة.

لدرجة أن إنجه صرح في 22 مارس، أنه يتوقع حصوله على أكثر من 30 بالمئة في جولة الانتخابات الأولى، وسيربح السباق في الجولة الثانية بصورة مريحة، مستندا إلى دعمه نسبيا من قبل فئة الشباب، مستفيدا من قدراته التربوية إذ عمل مدرسا للفيزياء لسنوات.

ردود فعل كاشفة

ردود الفعل من قبل المنافسين الثلاثة لإنجه بالسباق الرئاسي لم تتأخر، إذ أعرب الرئيس أردوغان في مهرجان انتخابي بأنقرة عندما سمع بالخبر عن حزنه إزاء انسحاب إنجه.

وقال أردوغان: "الحقيقة شعرت بالحزن، كنت أتمنى أن يستمر هذا السباق على هذا النحو حتى النهاية، لكني لا أعرف ما الذي حدث لينسحب، لكن نحن سنواصل طريقنا مع البقية".

وتابع مخاطبا الآلاف أمامه: "المهم بالنسبة لي القرار الذي سيصدر عن شعبي، وأنا أرى شعبي متحدا ضد كل الهجمات التي تستهدفه".

فيما غرد كليتشدار أوغلو عبر تويتر مشاركا أغنية تدعو للوحدة، وكتب: "دعوتي لا تزال قائمة"، في إشارة لدعوة سابقة وجهها لإنجه للانضمام للطاولة السداسية لكن الأخير رفض ذلك بسبب علاقتها مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي اليساري التي تطارده شبهات ترابط مع حزب العمال الكردستاني.

وأضاف كليتشدار أوغلو: "دعونا نضع الخلافات والاستياءات القديمة جانبا. نرحب بالسيد إنجه على طاولتنا.. من فضلك تعال".

أما سنان أوغان المرشح الرئاسي، زعيم تحالف الأجداد المعارض اليميني المتطرف، فكتب عبر تويتر: "لقد بدأنا للتو، من يريد الانسحاب لصالحنا فليتفضل!".

وكان لافتا أن مؤشر BIST 100 في بورصة إسطنبول ارتفع إلى 5.5 بالمئة على أساس يومي، وتجاوزت الزيادة في مؤشر البنوك 9 بالمئة مع إعلان انسحاب إنجه وتعزيز فرص نجاح كليتشدار أوغلو.

ورغم فرح أطياف المعارضة المختلفة ورؤوس الأموال الغربية بانسحاب إنجه، معتقدة أن ذلك يسهم بشكل حاسم في فوز كليتشدار أوغلو من الجولة الأولى، رأى محللون موضوعيون نسبيا، أن الأمر قد يكون مغايرا.

كواليس الانسحاب

الصحفي التركي المخضرم مراد يتكين نشر سريعا مقطعا مصورا يسرد فيه رؤيته للمشهد، قال فيه إن قرار الانسحاب كان يتداول خلف الكواليس منذ نحو 10 أيام، لكن كان إنجه يقاوم، كما أن وكلاءه ومحاميه أكدوا أنه لن يخضع للابتزازات.

وأضاف أنه في الحقيقة "أصوات محرم إنجه التي صعدت بصورة لافتة لتقارب 12 بالمئة مطلع مارس، هبطت بصورة دراماتيكية خلال الأسبوعين الأخيرين إلى أقل من 2 بالمئة".

وقبل أن يعلن إنجه انسحابه من السباق بساعات قليلة، كشف مركز "كوندا" لاستطلاعات الرأي عن هبوط نسبة تأييد إنجه بصورة دراماتيكية إلى 2.2 بالمئة.

ومقللا من تأثير انسحاب إنجه الإيجابي على كليتشدار أوغلو، لفت يتكين إلى أن الأول لم ينسحب معلنا تأييد مرشح الطاولة السداسية، بل غادر متهما جماعة "فتح الله غولن" وحزب العمال الكردستاني بإطلاق حملة اغتيال معنوي ضده، متهما المعارضة أيضا بالتواطؤ.

وفي ذلك إشارة إلى أن أصوات إنجه قد لا تذهب إلى كليتشدار أوغلو كما يتوقع كثيرون، وهو ما أكده إنجه نفسه بالقول: "أنسحب كي لا يلوموني عند الخسارة".

كما أشارت الصحفية اليسارية نفشين مانغو إلى ذلك بالقول: "إنه انسحب على عكس المتوقع، لكنه لم يعلن تأييده المعارضة، بل على العكس انسحب متهما المعارضة بوقوفها وراء هذا الوضع السيئ".

وعن هذه الجزئية، كتب أستاذ العلوم السياسية "أمره غول سونار" عبر تويتر: "كان لدى إنجه كامل الحق في أن يرشح نفسه للرئاسة، لكنه فعل الشيء الصحيح في المرحلة الراهنة".

وشرح ذلك بالقول: "لا أعتقد أن التسريبات الجنسية، السبب الرئيس لانسحاب إنجه، لكن (مع تصاعد شعبية أردوغان في الأسابيع الأخيرة) انخفضت شعبية إنجه من 10 بالمئة في بداية أبريل إلى 2-3 بالمئة اليوم".

وأضاف: "إنجه انسحب حتى يتسنى له مواصلة حياته السياسية بعد الانتخابات، فهو بذلك اتخذ الخطوة الصحيحة لمستقبله، بدلا من أن يصب كل أطياف المعارضة عليه غضبها حال خسارتها".

ويبدو هذا التحليل مقنعا نسبيا، لأنه في كلتا الحالتين يبدو إنجه فائزا، فإذا خسرت المعارضة، يكون أثبت أنه لم يكن السبب بل ضعف كليشتدار أوغلو وقوة أردوغان، وإذا حدث العكس سيرجع الفضل في فوز المعارضة إلى انسحابه.

وعلى عكس ادعاءات المعارضة التقليدية، أكد مسؤول صحيفة "ديكان" بأنقرة، "ألتان سنجر"، أن "الاستهداف الشنيع لإنجه وما نتج عنه من انسحاب لن يفيد المعارضة".

وأضاف أن المرشح المنسحب نفسه يعي ذلك جيدا، مدعيا أن هذه الخطوة التي تشيد بها المعارضة لن تؤتي أكلها، نظرا لأنه من الناحية القانونية لن تتغير أوراق الاقتراع أو إجراءات الانتخابات، وستبقى الأصوات التي سيحصل عليها إنجه صالحة، لكن في النهاية صورة المعارضة تلطخت.

الأمر نفسه أشار إليه مدير وكالة الأناضول السابق كمال أوزترك بالقول: "رغم انسحاب محرم إنجه، سيبقى بأوراق الاقتراع الرئاسية، لأنها طبعت بالفعل".

وأضاف أوزترك: "لن تكون الأصوات المدلى بها له باطلة، بل سيتم عدها وكتابتها في السجل، هذه هي المعلومات التي حصلت عليها، لكن هناك أشخاصا يفكرون بشكل مختلف، واللجنة العليا للانتخابات هي من ستبت بالأمر".

وهو ما أكده أيضا عضو اللجنة العليا للانتخابات مصطفى أوزترك في تصريحات لعدة وسائل إعلام محلية.

"مؤامرة الكاسيت"

من جانبهما، أكد نائبان سابقان في حزب الشعب الجمهوري المعارض، أن ما حدث مع إنجه، يعد مماثلا لما واجهه رئيس الحزب السابق "دنيز بايقال"، فيما يعرف شعبيا بـ"مؤامرة الكاسيت".

وقال النائب "يلدراي سابان"، إن الحدث الذي دفع إنجه إلى الانسحاب، أعاد إلى أذهاننا مؤامرة الكاسيت التي حيكت ضد بايقال عام 2010 من قبل جماعة فتح الله غولن، وأجبرته على الاستقالة، ليتولى مكانه كليتشدار أوغلو رئاسة الحزب.

وأضاف لقناة "آه هبر"، وها نحن اليوم نشهد تعاونا جديدا بين الطرفين، لانتخاب كليتشدار أوغلو، رئيسا للجمهورية.

وأُجبر بايقال على الاستقالة حينها، عقب بث تسجيل مصور على شبكة الإنترنت ظهر فيه مع امرأة في غرفة نوم، ما أحدث ضجة بالمجتمع التركي.

أما النائب "مهمت سفيغان"، فقال "حينها خضع بايقال لابتزاز جماعة فتح الله غولن واليوم يخضع لها إنجه، لكن الشعب على يرى ويسمع ما يجرى".

فيما كتب الصحفي التركي الشهير الموالي للحكومة "إبراهيم قره غول": جميع التنظيمات الإرهابية، تستخدم كل أسلحتها لانتخاب كليتشدار أوغلو، وعلى تركيا أن تأخذ حذرها حتى لا تقع ضحية لمحور الإرهاب.

ولعل أبلغ ما يشرح هذه المؤامرة، كلمات الرئيس أردوغان في نهاية لقائه الجماهيري بأنقرة، حيث قال إنني أتفهم هجوم المعارضة الجشع والشنيع ضدنا، لكن المثير للاستياء أن هؤلاء لا يشفقون حتى على من كان ضمن صفوفهم حتى وقت قريب.

وأضاف: "لم يترددوا في اللجوء إلى التهديد والإهانة والابتزاز والمساومات المظلمة حتى يصلوا إلى أهدافهم".

وتابع: بالأمس أوصلوا كليتشدار أوغلو إلى رئاسة الحزب عبر مؤامرة الكاسيت، واليوم يريدون أن يرأس تركيا بنفس الطريقة، لكن جوارحي لا ترضى أن تتدنى الحياة السياسية في بلدي إلى هذا المستوى.

وختم مخاطبا كليتشدار أوغلو: "نحن نعرف أنك صرت رئيسا للحزب بالشرائط غير الأخلاقية، لكن هذا الشعب لن يسمح لك هذه المرة أن تحقق أطماعك، بل سيقول لك مع السلامة".