زواج المال بالسلطة.. هكذا يستغل أخنوش موقعه الحكومي للاستحواذ على مشاريع عمومية
وسط انتقادات شديدة، كشف تحقيق صحفي استقصائي في المغرب، عن خروقات وتضارب للمصالح تحوم حول صفقة مشروع محطة تحلية مياه البحر بمدينة الدار البيضاء، بطلها رئيس الحكومة، عزيز أخنوش.
التحقيق الصحفي لجريدة "الصحيفة" الشهرية، عدد ماي/أيار 2023، تحت عنوان: "في صفقة بـ1.5 مليار دولار.. أخنوش لاعب وحَكَم للظفر بمشروع محطة تحلية مياه البحر للدار البيضاء"، نشر معطيات تخص دخول رئيس الحكومة على الخط، للظفر بصفقة المشروع عبر شركتين تابعتين له.
وبحسب التحقيق، فإن المشروع الضخم الذي قدرت كلفته الإجمالية بما يزيد عن 16 مليار درهم (1.5 مليار دولار)، جعل العديد من الشركات الدولية والمغربية تتنافس من أجل الظفر بالصفقة.
خصم وحكم
وأوضح التحقيق أن الشركات المتنافسة هي "Nareva" للطاقة التابعة للهولينغ الملكي "المدى"، و"Afriquia gaz" (أفريقيا غاز) التابعة للمليادير ورئيس الحكومة، أخنوش، الذي دخل، بحسب التحقيق، للتنافس على الصفقة بمجموعته العائلية الخاصة، وبشركة أخرى تحمل اسم "Green of Africa" (أخضر إفريقيا).
وأوردت الصحيفة أن الشركة الأخيرة هي تحالف لثلاث شركات مغربية، وهي "FinanceCom" التي يمتلكها الملياردير عثمان ينجلون، و"AkwaGroup" المملوكة لأخنوش، وهولدينغ "Sofinam".
وأكد التحقيق أن عملية الانتقاء النهائي لتحديد المجموعة الفائزة بالصفقة، تحوم حولها الكثير من الشبهات بخصوص تضارب المصالح، وعدم استيفاء الشروط التقنية، وتجاوزات أخرى حددها "دفتر التحملات" (ملف شروط) الذي يخص الشركات الراغبة في دخول صفقة مشروع محطة تحلية المياه بالدار البيضاء.
وتبدأ الضبابية، وفق التحقيق، بعدم تبرير تأجيل اجتماع "مهم للغاية" يخص فتح أظرفة التأهيل المسبق لهذه الصفقة، رغم أهميته بالنسبة للأمن المائي لساكنة جهة الدار البيضاء سطات، وهو التأجيل الذي لم تفسره اللجنة، وهي ذاتها التي تتحمل مسؤولية انتقاء الفائزين بمشروع.
بمعنى آخر، يتابع المصدر ذاته، فإن رئيس الحكومة أصبح خصما في هذه الصفقة من خلال شركتين، واحدة في ملكيته "أفريقيا غاز"، وأخرى مساهم فيها وهي "أخضر إفريقيا".
وتابعت، وفي الوقت نفسه هو الحكم، نظرا لأنه يترأس التوقيع على الاتفاقيات والتعيينات التي تخص المشروع الذي تقدر قيمته المالية بـ1.5 مليار دولار.
ومن أوجه تضارب المصالح التي وقف عليها التحقيق بالنسبة لرئيس الحكومة، أن المجموعة المتنافسة على الصفقة التي تتواجد ضمنها شركتي "أفريقيا غاز" و"أخضر إفريقيا" ستحسم فيها لجنة الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وذكرت الصحيفة أن "هذه اللجنة تقود الحوار التنافسي مع المجموعات المتأهلة في أفق الإعلان عن الفائز بالصفقة خلال يوليو/تموز 2023".
وأشارت إلى أن هذه اللجنة تشرف عليها نادية فتاح العلوي، بصفتها وزيرة الاقتصاد والمالية، التي يعد رئيسها المباشر هو أخنوش، وهو رئيس الإدارة المغربية، ورئيسها أيضا في حزب "التجمع الوطني للأحرار" الذي ينتميان إليه.
وضع خطير
وقالت الفاعلة السياسية والقيادية بنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، حليمة الشويكة، إنها اطلعت على ما ورد في التحقيق الاستقصائي، دون أن يصدر أي تعليق أو تصريح حكومي بشأنه.
ورأت الشويكة لـ"الاستقلال"، أن "عدم الرد أو التفاعل غير غريب عن عادة هذه الحكومة في التعامل مع مختلف القضايا التي يثيرها الإعلام الوطني أو الدولي".
وفي هذا الصدد، أشارت إلى "عدم تفاعل الحكومة مع ما تعلق باستيراد النفط الروسي بكميات كبيرة، خاصة وأن الصحف الروسية والإسبانية تتحدث عن بورصة للنفط الروسي في شمال المغرب، دون أي رد رسمي".
وشددت الشويكة على أن "محاولة رئيس الحكومة الاستحواذ على مشروع تحلية مياه البحر بالدار البيضاء أو غيره من المشاريع الكبيرة، يأتي في السياق نفسه، المطبوع بالتكتم والصمت وتبادل المصالح وزواج المال بالسلطة".
وذكرت القيادية النقابية والناشطة السياسية أن "هذه السلوكات المخالفة للفعل السياسي النزيه والمنافسة الحرة، واضح جدا في هذه الحكومة".
وأكدت أن "زواج المال والسلطة أمر خطير، وأن انعكاساته كبيرة وغير خافية، سواء على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، أو على الشأن العام برمته".
وشددت على أنه "لا يمكن أن يستقيم قيام مدبر الشأن العام بمهامه الدستورية والقانونية والسياسية، وفي الوقت نفسه يسعى لتحقيق مصالح شركاته".
ومن هذه الانعكاسات، تقول الشويكة، ما يرتبط بالمجال السياسي، لأن "كل الممارسات في هذه الحكومة تسير في هذا الاتجاه، أي استغلال النفوذ ومراكمة الثروة والزواج بين السلطة والمال".
ولذلك، "كل محاولات التصحيح أو التعبير عن الرأي المجابه لما يقع يتم قمعها، لأن من يسيطر على السلطة والاقتصاد يسيطر على منافذ الخبر، ويهيمن على الإعلام بشكل مطلق".
وشددت الشويكة أنه من خلال هذه الهيمنة، تأثر المغرب على مستوى حريات الصحافة لسنة 2023، حيث تذيل ترتيب منظمة "مراسلون بلا حدود"، مؤكدة أن هذا الترتيب هو واحد من نتائج زواج المال بالسلطة.
يُذكر أن المغرب احتل المرتبة 144 من أصل 180 دولة، شملها تقرير 2023، بعد أن فقد 9 مراتب عن سنة 2022، والتي كان يحتل فيها المرتبة 135 عالميا.
مجهود مالي
وبذل المغرب مجهودا ماليا كبيرا لأجل معالجة الخصاص الذي يعاني منه على مستوى توفير الماء الصالح للشرب.
وبحسب موقع "هسبريس" المحلي، 19 أبريل/نيسان 2023، فإن المغرب، وبفضل قيمة استثمارية إجمالية بلغت 2.37 مليار دولار، احتل المرتبة الأولى على الصعيد الإفريقي والمرتبة السادسة على الصعيد العربي من حيث الاستثمار في مشاريع تحلية مياه البحر.
وقال المصدر ذاته، حسب تقرير حديث لمنصة "BNC Intelligence"، تعد المملكة سادسة دولة عربية تستثمر في إستراتيجيات تحلية المياه للمشاريع الحالية والمستقبلية، حيث تعتمد على سواحلها الأطلسية والمتوسطية الشاسعة لتأمين مياه الشرب الآمنة، بفضل تركيب عدد من مشاريع التحلية.
وأورد التقرير أن السعودية والإمارات هما الدولتان الأكثر استثمارا في مشاريع تحلية المياه، نظرا لمناخهما الجاف ومحدودية مواردهما المائية، حيث بلغ إجمالي استثماراتهما 14.58 مليار دولار و10.28 مليارات دولار على التوالي، يأتي بعدهما كل من الأردن ومصر وعمان.
وجاء المغرب في المركز السادس باستثمارات إجمالية 2.37 مليار دولار متقدما على تونس (950 مليون دولار)، والجزائر (210 ملايين دولار)، والكويت (130 مليون دولار).
ووقف المصدر ذاته عند توفر المغرب على 11 محطة في الخدمة، و5 محطات أخرى قيد التشييد تدخل ضمن إستراتيجية محطة التحلية الجديدة، وهي تخص مناطق الدار البيضاء الكبرى وأغادير والجنوب من خلال محطتين في مدينتي العيون والداخلة.
وتعد محطة الدار البيضاء مشروعا ذا أولوية، وستبلغ طاقته الإنتاجية 548 ألف متر مكعب في اليوم أو 200 مليون متر مكعب في السنة.
ويخطط المغرب لبناء ما لا يقل عن 20 محطة لتحلية مياه البحر بحلول عام 2030، بسعة تبلغ 1.3 مليار متر مكعب من المياه سنويا، مخصصة للاستخدامات المختلفة.
وستخصص المياه التي تنتجها هذه المحطات لـ53 بالمئة للشرب، و23 بالمئة للري، و24 بالمئة لقطاع الصناعة.
وخلال تقديمه لحصيلة الحكومة وأهداف مشروع قانون مالية 2023، قال أخنوش، إنه تم رصد ما مجموعه 10,6 مليارات درهم أي حوالي مليار دولار، لتدبير إشكالية ندرة المياه، بزيادة 5 مليارات درهم مقارنة مع سنة 2022.
وأضاف أخنوش، وفق ما نقل موقع "دابا بريس" المحلي، في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2022، خلال جلسة للمساءلة الشهرية بمجلس النواب، إن الحكومة خصصت ميزانية 6 مليارات درهم لمواجهة خطر تعرض أكثر من 10 ملايين نسمة لنقص في مياه الشرب.
وذكر أن حكومته وجدت نفسها وهي تعالج تعثر مشاريع هيكلية، أمام ضرورة إنجاز هذا المشروع في وقت قياسي لا يفوق 10 أشهر.
وتابع أخنوش: "بالإضافة إلى تسريع إنجاز عشرات المحطات الأخرى، منها محطة الداخلة ومحطة العيون التي شرعت في تزويد ساكنة المنطقة بالماء الشروب".
من جهة أخرى، أكد أخنوش أن تدبير الأمن المائي للمغاربة يحظى بمكانة إستراتيجية عند الدولة، وهو التوجيه الذي جدد الملك محمد السادس التأكيد عليه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية لهذه الولاية.
وأورد أخنوش دعوة الملك، إلى تدارك التأخر الذي عرفته مجموعة من المشاريع الهيكلية لمواجهة إشكالية ندرة المياه، وإلى اعتبار "سياسة الماء" سياسة عمومية تستدعي التزام الجميع "بعيدا عن أي مزايدات سياسية".
تضارب المصالح
وتعرض أخنوش لانتقادات شديدة من سياسيين بالمغرب بسبب تضارب المصالح الذي يتخبط فيه، بمعية عدد من أعضاء حكومته.
ومن هؤلاء رئيس الحكومة الأسبق، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بن كيران، في كلمة له خلال احتفالات فاتح مايو 2023 بالدار البيضاء، حيث شكك في قدرة أخنوش على تحرير مادة الغاز، نظرا لاستفادته الشخصية من الدعم العمومي المخصص للمادة، باعتباره الفاعل الأول في قطاع الغاز.
وفي تصريحات صحفية وخلال لقاءات حزبية متكررة، حذرت قيادات سياسية من خطورة هذا التضارب، ومن هؤلاء الأمين العام للتقدم والاشتراكية، محمد نبيل بنعبد الله، والأمينة العامة للاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، ورئيس مجموعة العدالة والتنمية بمجلس النواب، عبد الله بووانو، و"الجمعية المغربية لحماية المال العام" وغيرهم.
كما تطرقت وسائل إعلام دولية في مناسبات عدة، لإشكالية تضارب المصالح التي تقع فيها حكومة أخنوش، ومن ذلك مجلة "جون أفريك" الفرنسية خلال سبتمبر/أيلول 2022، وكذلك صحيفة "لوموند" خلال مايو 2022.
وفي هذا الصدد، سلطت صحيفة "Equal Times" البلجيكية الضوء على تضارب مصالح أخنوش، بين مهامه كرئيس للحكومة، وبين وضعه الاقتصادي، الذي يجعل منه من أغنياء البلاد.
وأفادت الصحيفة عبر مقال نشرته في 29 مارس/ آذار 2023، أن المصالح التجارية بالمغرب "كان لها دائما تأثير قوي على القيادة السياسية للمملكة"، مشيرة إلى أن "الكثير يعتقدون أنها أقوى الآن من أي وقت مضى".
وذكرت الصحيفة الصادرة بثلاث لغات، أن "هناك حديثا في الأوساط السياسية بالمملكة عن زواج السياسة والأعمال، لأسباب ليس أقلها كون رئيس الحكومة الحالي، أخنوش، هو نفسه أغنى رجل أعمال في البلاد".
وسبق لمجلة "فوربس" الأميركية، أن صنفت أخنوش، ضمن لائحة أغنياء العالم، مؤكدة أن ثروته تضاعفت خلال أزمة جائحة كورونا، في الوقت الذي يعاني فيه المغاربة من تداعيات هذه الأزمة، حيث بلغت ثروة أخنوش ملياري دولار في 2022 مقابل 1.9 مليار دولار عام 2021.
ويملك رئيس الحكومة، المجموعة الاقتصادية "أكوا"، وشركة "إفريقيا غاز" التابعة لها، والفاعلة في مجال المحروقات، التي يكتوي المغاربة بلهيب أسعارها منذ أشهر وإلى حدود اليوم، بالموازاة مع استمرار غلاء المواد الغذائية، وغيرها.
وفي استطلاع أجراه موقع "الصحيفة"، تزامنا مع نشر النسخة الورقة لاستقصائها حول أخنوش ومساعي الاستحواذ على مشروع تحلية مياه البحر بالدار البيضاء، قالت إن "الغالبية الكبيرة من الآراء تعتقد أن أخنوش واقع في تضارب للمصالح".
وجاء في سؤال الموقع: "هل ترى أن أخنوش فشل في تجنب تضارب المصالح بين شخصه كرجل أعمال وصفته رئيسا للحكومة؟".
حيث أجاب بـ"نعم": 78 بالمئة (576)، فيما أجاب بـ"لا"، 14 بالمئة (109)، وأجاب بـ"لا أدري"، 5 بالمئة (37)، فيما بلغت عينة التصويت 730 مشاركا.
وضع غير سليم
وأكدت الناشطة السياسية والقيادية بنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، حليمة الشويكة، أن "الوضعية الحالية للحكومة وضعية غير سليمة، وأنها تهدد الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ودعت الشويكة في حديث مع "الاستقلال"، إلى "ضرورة تصحيح الوضع ومعالجته، بأن يخلق رئيس الحكومة مسافة بين عمله السياسي والاستثماري، وأن يعبر عن روح الوطنية والمواطنة".
وتابعت: "بحيث تكون شركاته خاضعة للمنافسة الحرة في السوق، ويعطي القدوة لباقي الشركات، ومن ذلك المبادرة إلى تسقيف الأثمة وأسعار المحروقات مثلا، باعتباره الفاعل الأول في القطاع".
وعبرت الشويكة عن عدم انتظارها لهذا، إذ إن ما نراه هو أن "مكونات الحكومة الذين في تضارب للمصالح، أرباحهم في ازدياد، والمغاربة يزدادون فقرا"، مشيرة إلى أن |مختلف التقارير تتحدث عن ذلك، وهي خير دليل وشاهد|.
ولذلك، دعت المتحدثة إلى ذهاب هذه الحكومة باستقالتها، أو بتعديل حكومي حقيقي وذي رسالة سياسية، أو بانتخابات جديدة تصحح الوضع القائم.
وأشارت الشويكة إلى أن "الأهم في كل هذا، هو بعث روح الثقة في المشهد السياسي، لأن أغلب المغاربة فقدوا الثقة في الانتخابات وجدواها، بسبب ما قامت به الحكومة خلال هذه الفترة".
ولفتت إلى "ضرورة منح جرعة من الثقة للمغاربة في الانتخابات وجدوى المؤسسات، لأن الخسارة الكبيرة التي تسببت فيها حكومة أخنوش ليست فقط على المستوى الاقتصادي والتراجعات المسجلة والفقر والهشاشة التي تتمدد، ولكن أساسا على مستوى فقدان الثقة".
والدليل على ذلك، تضيف الشويكة، "هو هذا الانسحاب العام من المواطنين تجاه ما يقع، واعتقادهم بأنه لا فائدة ولا جدوى من الاحتجاج أو غيرها من وسائل محاولة التغيير والإصلاح".
لذلك، تشدد الشويكة على "ضرورة العمل بكل الوسائل الممكنة، لأجل تجاوز الوضعية الكارثة على المستويات كافة، التي أوصلتنا إليها الحكومة الحالية".