تسرب المخدرات إلى الأحياء العراقية.. ما علاقته بقوات الحشد الشعبي؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بين الحين والآخر، تخرج الأجهزة الأمنية العراقية بإحصائيات كبيرة عن كميات المخدرات التي تضبطها داخل الأحياء السكنية سواء في العاصمة بغداد أو المحافظات، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات عن أسباب تسرب هذه المواد إلى المدن بدلا من مصادرتها من الحدود.

قضية المخدرات باتت تشكل تحديا خطيرا بالعراق، فقد تزايدت في السنوات الأخيرة تجارتها وتعاطيها بشكل لافت، خصوصا بمناطق جنوب وغرب البلاد ووسطها، الحدودية مع إيران وسوريا، والتي باتت طريقا أساسيا لتهريب هذه المواد، ولاسيما مادة الكبتاغون.

ملايين الحبوب

وفي آخر عملية، أعلنت قوات الأمن العراقية في 5 مايو/أيار 2023، أنها ضبطت 12 مليون "حبة مخدّرة" في عملية "خاطفة" وسط العاصمة بغداد، إحدى أكبر العمليات المماثلة في الآونة الأخيرة، وتوقيف ستّة أشخاص على صلة بالقضية.

وبحسب بيان مصوّر نقل عبر مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بجهاز الأمن الوطني العراقي، أعلن الأخير تمكن مفارزه عبر العملية من "الإطاحة بإحدى أهم شبكات المتاجرة بالحبوب المخدرة".

وأضاف البيان "على إثر ذلك تحركت قوة من الجهاز وألقت القبض على أفراد هذه الشبكة واحداً تلو الآخر، وبالجرم المشهود".

وانتهت العملية بـ"القبض على ستة متهمين وضبط مخزن من الحبوب المخدرة وبداخله أكثر من 12 مليون حبة مخدرة وبما يعادل طنين ونصفا في إحدى مناطق شرقي العاصمة"، وفق البيان.

وفي مارس 2023، أعلن العراق ضبط أكثر من ثلاثة ملايين حبة من الكبتاغون المخدرة على الحدود مع سوريا (غرب البلاد)، هي نوع من الأمفيتامين المحفّز ازداد تهريبها بشكل كبير خلال السنوات الماضية في الشرق الأوسط.

وفي يونيو/حزيران 2022، ضبطت القوات الأمنية العراقية طائرة شراعية كانت محملة بمليون حبة كبتاغون قرب الحدود مع الكويت. وقبل ذلك بأشهر، أعلنت السلطات العراقية مصادرة ستة ملايين حبة من المادة ذاتها.

وبعد ذلك، أعلنت المديرية العامة لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية العراقية في سبتمبر/أيلول 2022 عن ضبط 14 مليون حبة مخدرة ونحو 300 كيلوغرام من المواد المخدرة في 8 أشهر فقط من هذا العام.

وقال المتحدث باسم المديرية العقيد بلال صبحي، لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "عملياتنا مستمرة في محاربة ومطاردة تجار المخدرات، حيث أُلقي القبض خلال الشهر الماضي (أغسطس/آب) على أكثر من 1350 متهماً".

وأضاف أن "العدد الكلي خلال الأشهر الثمانية الماضية أصبح 11 ألف متهم بالتجارة والترويج والتعاطي، فضلاً عن ضبط ما يقرب من 300 كيلوغرام من المواد المخدرة وأكثر من 14 مليون حبة من حبوب الكبتاغون والمؤثرات العقلية".

أواخر العام 2021، أعلنت وحدة مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية أن محافظتي البصرة وميسان في جنوب العراق تحتلان الصدارة بين محافظات البلاد على صعيد تجارة المخدرات وتعاطيها.

تجارة المليشيات

ولعل من أبرز الأسباب التي تحول دون إيقاف المخدرات عند الحدود وعدم تسربها إلى المدن والأحياء العراقية، هي تولي المليشيات الشيعية الموالية إدارة عدد من المنافذ التي تربط البلاد مع سوريا وإيران، ولاسيما كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، ومنظمة بدر.

وفي 13 مارس 2023، قال موقع "الرافدين" العراقي إن "مليشيات العصائب والكتائب، وبدر وكلها منضوية في قوات الحشد الشعبي، تتمركز في منطقة دير الزور السورية الحدودية مع محافظة الأنبار العراقية، وسبق أن شاركت في القتال لدعم قوات النظام السوري".

وأوضح الموقع أن "هذه المليشيات المرتبطة بالحشد الشعبي سبق أن دفعت بعددٍ من الفصائل والألوية نحو المناطق الحدودية الغربية من الأنبار على الحدود السورية لفتح طريق آمن لها لتجارة مخدرات الكبتاغون القادمة من سوريا ومن مصانع حزب الله في لبنان".

وأكد أن "المليشيات تسيطر على غالبية المنافذ الحدودية العراقية مع سوريا والأردن وإيران، التي تدير عبرها عمليات تهريب المخدرات كونها تشكل مصادر تمويل لها، وتنشط بذلك في نشر المواد هذه وبشكل ممنهج بين المجتمع العراقي ومجتمعات دول المنطقة".

وفي 8 أبريل 2022، قال مسؤول في وزارة الداخلية العراقية لقناة "الحرة" الأميركية (لم تكشف هويته) إن أحد الأسباب الرئيسة لدخول المواد المخدرة من سوريا هو "التلكؤ في حفظ النظام على الحدود".

وأضاف "العراق بلد محتل بصورة غير مباشرة من دول أخرى، فأصبح أرضا سهلة وبسيطة لتجار المخدرات وكبار المهربين سواء من جانب الحدود مع سوريا أو الحدود مع إيران".

وتشير وزارة الداخلية العراقية إلى أن مواد الكريستال والحشيشة وحبوب الكبتاغون تعد من أبرز أنواع المخدرات المتداولة في العراق.

وبحسب بيان رسمي صدر عن مديرية مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية، في فبراير/شباط 2022، فإن مادتي الكريستال والحشيشة "تأتي من إيران إلى محافظتي ميسان والبصرة (في جنوب العراق)"، في حين "تدخل حبوب الكبتاغون والمؤثرات العقلية عن طريق سوريا نحو محافظة الأنبار".

وفي الأول من فبراير 2023، أوصت هيئة المنافذ الحدودية العراقية، الجانب الإيراني، بالعديد من الإجراءات التي يجب اتباعها في عمل المنافذ الرابطة بين البلدين، بينها إغلاق المعابر غير الرسمية، ومكافحة المخدرات، لضمان التبادلات المشتركة، حسب بيان رسمي للهيئة.

تواطؤ الأمن

ومن الأسباب الأخرى التي ساهمت في انتشار المخدرات داخل المجتمع العراقي، هو التواطؤ الحاصل من الأجهزة الأمنية مع تجار هذه المواد من أجل الحصول على عمولات مالية منهم، إضافة إلى تعاطي الكثير من عناصر الأمن للحبوب المخدرة.

وقال ضابط في الجيش العراقي إن "النقاط الأمنية داخل المدن العراقية التابعة للجيش تضبط بشكل مستمر كميات من المخدرات بحوزة تجار ومتعاطين وسماسرة، لكن بعض المتواطئين من عناصر الأمن يهربونهم لقاء مبالغ من المال يحصلون عليها".

وأوضح الضابط وهو نقيب في حديث لـ"الاستقلال" طالبا عدم الكشف عن هويته أن "إحدى نقاط التفتيش في شرطة بغداد ضبطت قبل مدة أحد السماسرة متلبسا بحمل كميات من الحبوب المخدرة، لكن أحد قادة الشرطة الاتحادية هرّبه في اليوم نفسه بعدما تسلمه من الجيش".

ولفت إلى أن "الجهة التي ضبطت السمسار جرى معاقبتها بعد مدة ونقلها إلى مناطق ساخنة أمنيا تقع خارج العاصمة بغداد، بينما لم يحصل شيء للجهة التي هرّبت تاجر المخدرات، كونها جهات نافذة، وأن الشرطة الاتحادية في الأساس تشكلت من عدد من المليشيات المسلحة بعد عام 2003".

وعلى صعيد آخر، قالت وزارة الداخلية العراقية، إنها أجرت فحصا للمخدرات لقرابة ألفي عنصر أمن وضابط من عناصرها خلال الأيام القليلة الماضية، وجرى الاشتباه بتعاطي 100 من الذين تم فحصهم من أصل ألفي حالة.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع)، في 13 مارس 2023، إيضاحا لوزارة الداخلية، قالت فيه إنه جرى تشكيل لجنة بأمر من وزير الداخلية عبد الأمير الشمري لإجراء فحص المخدرات لمنتسبي وزارة الداخلية أكدت من خلاله الاشتباه بـ100 عنصر بتعاطي المخدرات.

وقال مدير قسم الإعلام لشؤون المخدرات بوزارة الداخلية حسين يوسف التميمي إنه أجري "الفحص من تاريخ 1 ولغاية 11 أبريل (2023)، وحتى الآن وصل عدد المفحوصين لقرابة ألفي ضابط وموظف ومنتسب في مختلف مفاصل وزارة الداخلية، وفي أوقات متفاوتة وبشكل مفاجئ، بدون مجاملات وبدون استثناء أي فرد من أفراد قوى الأمن من هذا الفحص".

ورغم حديث التميمي عن أن النتائج النهائية للفحوصات ستصدر بعد أيام قليلة، من أجل تشكيل مجالس تحقيقية بحق من يثبت تعاطيه المخدرات، واتخاذ الإجراءات القانونية تجاههم، لكن شيئا لم يحصل حتى 5 مايو 2023.

تنامي الظاهرة

وفي 15 يناير 2023، قال مدير إعلام مديرية مكافحة المخدرات في الوزارة العقيد بلال صبحي إنّ القوات الأمنية اعتقلت 16 ألفا و800 متهم بتجارة وترويج وتعاطي المخدرات، خلال العام 2022، نال 7 آلاف و898 منهم أحكامًا بالسجن.

وأوضح صبحي خلال تصريح نقله موقع "ألترا عراق" أن أعمار النسبة الأكبر من المعتقلين تتراوح بين 18 - 30 عاما من فئة الشباب، مشيرا إلى أن قائمة المعتقلين ضمت 500 حدث دون السن القانونية.

وكشف أنّ عدد النساء والفتيات المعتقلات بقضايا المخدرات بلغ 250 امرأة، فيما أكدّّ ضبط 490 كيلو غرام من مادة "الكريستال"، بوصفها أكثر أنواع المخدرات شيوعا في البلاد، دون ذكر المدة التي ضبطت فيها هذه الكمية.

وأظهرت وثيقة تداولتها وسائل إعلام محلية أرقاما تشير إلى ارتفاع عدد المعتقلين بقضايا المخدرات في العراق خلال عام 2022 بفارق 4 آلاف و29 شخصا عن عام 2021.

وحذرت وزارة الصحة العراقية عام 2022، من مؤشرات مقلقة وخطيرة تشير إلى استفحال ظاهرة تجارة وتعاطي المخدرات في العراق.

وشددت على ضرورة اتخاذ إجراءات مناسبة لمراقبة المنافذ الحدودية والمطارات، وتجهيز القوات الأمنية بأجهزة حديثة لغرض الكشف عن المخدرات.

وحثت الوزارة على ضرورة "استخدام الكلاب البوليسية المدربة، وتفعيل دور شرطة المخدرات، والقوانين السارية بمعاقبة المتاجرين، مع أهمية التوعية المجتمعية، وتوفير المؤسسات العلاجية لمعالجة المدمنين وانتشالهم من هذه الآفة، فضلا عن إقامة الندوات الحملات لتوعية طلبة الجامعات والمدارس".

وفي 8 أبريل 2023، نقلت صحيفة "الصباح" الرسمية عن وزير الداخلية العراقي، عبد الأمير الشمري، قوله إنهم بصدد "فتح مصحات قسرية ليجرى التحفظ فيها على المتعاطين ممن يلقى القبض عليهم، بدلا من زجهم في السجون أو المواقف التابعة لمراكز الشرطة".

وأشار الوزير العراقي إلى أن "تلك المصحات سيجرى تأهيلها بالتعاون مع وزارة الصحة، وستكون النجف من المحافظات الأولى بهذا المجال"، من دون ذكر مزيد من التفاصيل.