انتقادات عارمة.. لماذا تنتزع السلطات الألمانية الأطفال المسلمين من عائلاتهم؟

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

انتقادات عارمة وجهت للسلطات الألمانية إثر انتشار مقطع مصور في 27 أبريل/نيسان 2023، يظهر انتزاع طفل عنوة من أسرته المسلمة، التي تسكن مدينة "بريمرهافن" شمالي البلاد.

المقطع انتشر بشكل واسع على مواقع التواصل، ورصد لحظة دخول أفراد الشرطة وما تسمى وكالة حماية الأطفال إلى المنزل وانتزاع الطفل من الأسرة بينما كان خائفا ويبكي مناشدا المساعدة ومحاولا التملص منهم.

أما أفراد أسرة الطفل فكان حالهم أشد وأنكى وهم يصرخون على عناصر الشرطة، ويبلغونهم أن الطفل يعاني مشكلات صحية، ويحتاج إلى أسرته ولا ينبغي سحبه منهم.

حالة الخوف والرعب هذه أثارت العديد من التساؤلات حول القوانين الألمانية التي تستند إليها السلطات، وتعطيهم حق انتزاع الأطفال، وهل هي حالة عامة على الجميع؟ أم تخص الجالية المسلمة وأطفال اللاجئين فقط؟ 

سبب الانتزاع 

تلك الانتقادات الإعلامية والحقوقية سواء داخل دائرة الجاليات المسلمة على الأراضي الألمانية، أو الأصوات الخارجية، دفعت شرطة "بريمرهافن" لإصدار بيان ادعت فيه أن الفيديو الذي جرى تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي يحتوي على"مزاعم كاذبة" حول أسباب سحب الطفل.

وأضافت أن "أخذ الأطفال للرعاية هو دائما الملاذ الأخير، ولا يحدث إلا لأسباب جدية.. ولا يمكننا تقديم أي تفسيرات إضافية حول أساس هذا القرار لحماية الأسرة والأطفال".

ذلك الجزء الأخير من بيان الشرطة بعدم تقديم توضيحات ملموسة حول أسباب سحب الطفل من أسرته، أثار الشكوك بأن الأمر متعلق باختلافات جذرية ترتبط بالهوية الدينية والثقافية لأسرته. 

وسرعان ما فندت هذه الشكوك عبر ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي تابعوا القضية، وأكدوا أن مكتب رعاية الشباب "يوغند آمت" انتزع بمساعدة الشرطة، الطفل من عائلته بعد شكوى من مدرسته، بدعوى أن عائلته تعلمه التمييز ضد "الشذوذ الجنسي"، نظرا لأنه أمر مرفوض في الإسلام.

 

وبحسب تقارير محلية ألمانية، هناك زيادة ملحوظة خلال الأعوام الماضية في عدد الأطفال اللاجئين الذين انتزعوا من أسرهم وأودعوا لدى ما يسمى مكتب رعاية الشباب "يوغند آمت".

وذكر تقرير لشبكة "إن تي في" في 17 يناير/كانون الثاني 2022، أن الإحصاء الصادر عن المكتب الفيدرالي الألماني للإحصاء، أكد أنه جرى إيداع حوالي 47 ألفا و500 طفل مهاجر، بشكل  مؤقت في دور الرعاية عام 2021، بزيادة 5 بالمئة عن عام 2020.

في حين بلغ عدد الأطفال الذين أُخذوا إلى دور الرعاية عام 2017 حوالي 61 ألفا و300 طفل.

وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول 2022، نشرت وكالة الأنباء القطرية "قنا" تقريرا عن انتزاع الأطفال المسلمين في ألمانيا، قالت فيه: "في الوقت الذي تعطي فيه ألمانيا محاضرات للآخرين عن حقوق الإنسان، ترتكب أبشع الجرائم الإنسانية من اختطاف الأطفال المسلمين من أحضان عائلاتهم وتنصيرهم، رسميا برعاية الدولة".

وأوردت: "تسبب الأمر في تشتيت شمل آلاف الأسر، وحرق قلوب أهالي الأطفال على فراقهم".

واستشهدت الوكالة القطرية بنزع 400 طفل من أصل تركي في ألمانيا عن ذويهم خلال عام 2022، وتسليمهم لعائلات ألمانية ترغب في تبني أطفال.

وأوضحت أن وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية التركية، نجحت في إعادة الأطفال إلى أهليهم مجددا في قضية تعد الأشهر خلال الفترة الماضية.

وكان "مكتب رعاية الشباب" في ألمانيا قد سلم الأطفال الأتراك إلى عائلات ألمانية ترغب في تبنيهم، ليكشف لاحقا عن تورط المكتب المذكور في اختطاف أكثر من 200 ألف طفل من عائلات المهاجرين.

ثم أرسلتهم إلى عائلات ألمانية من عدة ديانات ترغب في التبني دون مراعاة للدين أو الثقافة، فضلا عن حرمان الأهل من أطفالهم، مما يسبب مأساة إنسانية للأسرة، بحسب "قنا". 

جرائم يوغند آمت

وبالتوجه إلى الجهة المعنية بشكل مباشر عن تلك الأحداث، فإنه مكتب رعاية الشباب، يوغند آمت "Jugendamt"، المسؤول عن جميع الأسر المقيمة في ألمانيا، بغض النظر عن جنسيتهم أو وضع إقامتهم.

المكتب يعرف نفسه على الموقع الرسمي للحكومة الألمانية بأنه "يرعى الأطفال والمراهقين المهمشين أو الذين تعرضوا للإيذاء".

وكذلك "يقدم المشورة والدعم لجميع الأسر، وفي حال وجود أي أسئلة بخصوص رعاية الأطفال أو مواجهة أي تحديات تتعلق بتنشئة الأطفال، يمكن التواصل مع موظفي المكتب". 

وذكر الموقع أنه يمكن للأطفال الاتصال بـ "يوغند آمت" مباشرة إذا واجهوا أي مشاكل مع والديهم.

وبحسب القوانين الألمانية يحق لـ "يوغند آمت" سحب حضانة الأطفال من ذويهم بدعوى تعرضهم للتعنيف أو الضرب أو التهديد أو كل ما يسبب لهم نوعا من الرهاب الأسري.

وجرى وضع بنود فضفاضة لحق سحب الطفل، فمثلا بند "كل ما يعرض رفاهية الطفل للخطر"، يعود تفسيره للمكتب، وبناء عليه يؤخذ عنوة من والديه.

وفي 18 فبراير/شباط 2022، نشر موقع "الجزيرة نت" واحدة من أغرب القصص على لسان اللاجئ السوري "بشار. ع. ش"، الذي قال إنه جاء إلى ألمانيا نهاية عام 2015.

وتحدث هذا اللاجئ بالقول: "قبلها بأشهر قليلة قام ابن اختي (بسام. م) من باب الدعابة، بتعليق طفلي محمد وكان بعمر سنة ونصف السنة على باب البيت وصوره".

وأضاف: "في عام 2017 حدث خلاف بيني وبين بسام هنا فاتصل بالشرطة وقدم لهم الصورة على أننا مهملون بالطفل ونعرض حياته للخطر".

وأورد: "لهذا السبب أصبح موظفو يوغند آمت يدخلون منزلي للاطمئنان على الطفل، واستمر الحال لسنتين، ثم سحبوه عام 2019". 

لكن أخطر ما ذكره اللاجئ السوري في ألمانيا أن طفله "تعرض للضرب على رأسه من إحدى الموظفات في يوغند آمت، وقد صورت طفلي بالفيديو وهو يروي ما جرى له". 

وأضاف: "نقلوه إلى مركز بمدينة قريبة كي يعيدوه إلى بيتي حسب قرار المحكمة، لكن جرى تجاهل ذلك ونقله لعدة أماكن، وتعرض للتحرش الجنسي".

قوانين مجحفة 

إمام المركز الإسلامي بمدينة "درسدن" الألمانية أحمد زيدان، وصف القوانين والقواعد المعتمدة من قبل الحكومة الألمانية في التعامل مع الأطفال، وحق سحبهم المطلق من العائلات بـ "المجحفة" وشديدة الأثر النفسي على الطفل والأسرة. 

وقال في حديثه لـ "الاستقلال": "إن الحكومة الألمانية، ومكتب رعاية الشباب (يوغند آمت) لا يراعيان الخلفيات الدينية والثقافية التي تأتي منها الأسر المسلمة أو غيرها من مختلف أقطار العالم، وتطبق عليهم ما يطبق على الأسر الألمانية وربما بطريقة أكثر تعسفا". 

وأضاف: "مثلا هنا في ألمانيا لا يحق للأب والأم الصراخ على الطفل وتعنيفه لفظيا بأي طريقة، ولو حدث وجرى الإبلاغ عن ذلك، يأتي مكتب رعاية الشباب، ويستجوب الطفل والأبوين".

ثم يخضع الأسرة كاملة لما يعرف بنظام المراقبة والمتابعة الأسبوعية، وبعد فترة زمنية يقررون سحب الطفل من العائلة أو إبقائه تحت الملاحظة، وفق زيدان. 

وشدد بالقول إن: "منطلقات القوانين الألمانية تختلف كليا عن القوانين الإسلامية، حيث يعد الطفل هناك كيانا منفصلا تماما عن الوالدين، وتعطيه الدولة حق وصاية والديه، دون السيطرة عليه على طريقتنا في بلادنا".

وأوضح أن "تلك الاختلافات تجعل المهاجرين يتعرضون بشكل أكبر لتهديد نقل الوصاية لمجموعة من الأسباب أهمها ضعف خبرتهم بالقوانين، واختلاف التكوين الثقافي الشاسع، ولا يمكن إغفال ضعف اللغة الذي يؤدي إلى سوء فهم في كثير من الأحيان". 

وأتبع: "لا يمكننا إغفال وجود فكرة مسبقة خاطئة وعنصرية ومتطرفة لدى بعض الموظفين والسكان عن المهاجرين تدفعهم للتعامل الأشد والأسوأ لهم",

ومن هنا يقدمون ذلك على أي تصور آخر، ويسعون إلى الإبلاغ عن المهاجرين والتعسف معهم في مسألة انتزاع الأطفال وإيداعهم لدى يوغند آمت، بحسب ما قال زيدان.