بعد اجتماع موسكو.. ما شروط تركيا لمغادرة الشمال السوري؟
سلطت صحيفة تركية الضوء على تداعيات اجتماع موسكو الأخير الذي عقد في 25 أبريل/ نيسان 2023، بين وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات لكل من تركيا، وسوريا، وإيران، وروسيا.
وأوضحت صحيفة "صباح"، أن الاجتماع ركز على سبل تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، مؤكدا أنه على عكس مزاعم نظام بشار الأسد، لم يجر اتخاذ أي قرارات بشأن مغادرة الجيش التركي الشمال السوري قريبا.
خطوة نحو التطبيع
وذكرت الصحيفة أن وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات لكل من تركيا وسوريا وإيران وروسيا، بحثوا في موسكو تطورات العلاقات التركية- السورية والخطوات الواجب اتخاذها في الفترة المقبلة.
وأكد البيان الذي أصدرته وزارة الدفاع التركية عقب الاجتماع التزام الأطراف بوحدة أراضي سوريا، وعزمها على محاربة التنظيمات الإرهابية، فضلا عن إعادة اللاجئين إلى سوريا، وموقفها تجاه تواجد قوات من خارج المنطقة.
كما ذكر أنه قد تمت مناقشة الخطوات الواجب اتخاذها لتطبيع العلاقات التركية- السورية خلال الاجتماع.
وفي بداية 2023، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه بالإضافة إلى الاجتماعات على المستوى الاستخباراتي يمكن للأطراف عقد اجتماع على مستوى رؤساء الدول بعد الاجتماعات على مستوى وزيري الدفاع والخارجية.
ولم يعقد وزراء الخارجية اجتماعا بعد، لكن يمكن تفسير الاجتماع الأخير في موسكو على أنه مؤشرٌ على جدية الأطراف بخصوص عملية التطبيع. بينما سيكون من الضروري الانتظار لبعض الوقت لأجل الاجتماع على مستوى رؤساء الدول.
من ناحية أخرى، زعمت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، أن موضوع انسحاب الجيش التركي من سوريا قد نوقش في الاجتماع وأن الاجتماع نفسه قد مر في أجواء إيجابية بشكل عام.
ومع ذلك، يمكن القول إنه من غير المرجح أن يتم انسحاب الجنود الأتراك من الأراضي السورية دون تلبية شروط معينة.
وأردفت الصحيفة أنَّ أهمّ هذه الشروط هي القضاء على التهديد الإرهابي الزاحف من سوريا إلى تركيا.
حيث لا يمكن اعتبار مغادرة الجيش التركي المنطقة قبل زوال وجود منظمات YPG/PYD، وهو الامتداد السوري لتنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي (PKK)، والذي يعمل في المنطقة بدعم من الولايات المتحدة.
وحسب الصحيفة، فإن أهم شرط لوقف أنشطة التنظيم الإرهابي هو إنهاء الوجود الأميركي في المنطقة ووقف دعم واشنطن لهذه المنظمة.
ولا يوجد هناك ما يشير إلى أن هذا الاحتمال سوف يتحقق في المستقبل القريب.
والشرط الآخر هو ضمان وضع آمن في البلاد للاجئين السوريين لإعادتهم إلى وطنهم. كذلك حل معضلة إدلب، واختتام عمل الهيئة الدستورية، وإجراء الانتخابات وإحلال سلام دائم، تبرز كمحددات أساسية لهذه العملية.
لذا فوجود الجنود الأتراك في سوريا يساعد من حيث منع تدفق اللاجئين الجدد إلى تركيا كما يضمن أمن أنقرة ضد التهديد الإرهابي.
لأنه وفي حالة خروج الجيش التركي من المعادلة، سيكون خطر إعادة إشعال الحرب الأهلية وخلق موجات جديدة من اللاجئين مرتفعًا للغاية.
علاقات معقدة
حسب الصحيفة، فقد أثّر تدهور العلاقات التركية السورية أيضا على العلاقات التركية الإيرانية بطريقة معقدة.
فقد كان للدولتين وجهات نظر متعارضة بشأن الصراع السوري؛ حيث دعمت تركيا جماعات المعارضة، بينما دعمت إيران الحكومة السورية.
وأدى هذا الوضع إلى زيادة التوتر بين البلدين. لذا ومنذ عام 2011، بات ظِلّ سوريا غير غائب في خط أنقرة طهران.
ومن ناحية أخرى، استمرت العلاقات بين تركيا وإيران، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية، وعمل البلدان معًا لمحاولة إيجاد حل سياسي للصراع السوري.
وبعد عام 2016 على وجه الخصوص، تطورت الأولوية الرئيسة لتركيا في السياسة السورية لضمان أمن حدودها ضد التهديد الإرهابي المتزايد وتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب على الأراضي السورية.
فخلال الانفتاح العسكري التركي، دخلت تركيا عملية أستانا، التي جعلت وقف إطلاق النار ممكنًا في سوريا، حيز التنفيذ في فترة 2016-2017.
وكانت العملية تحت رعاية تركيا وروسيا وإيران وهي الخطوة الأكثر فاعلية نحو إنهاء الحرب الأهلية في سوريا حتى الآن.
وبحلول عام 2022، وبوساطة من روسيا، برزت قضية التطبيع في العلاقات التركية- السورية، وبعد فترة انضمت إيران إلى الطاولة (أو أفسحت لنفسها مكانا حسب الصحيفة).
على أية حال، فإن تطبيع سوريا للعلاقات بدون عامل إيران على الطاولة ستكون مثيرة للجدل.
حيث صرحت تركيا سابقا أن الحل سيكون ممكناً فقط في حال تواجد إيران كجزء من الأساس الدبلوماسي.
حتى إنه عندما لم تتم دعوة إيران إلى مؤتمر جنيف-2 في عام 2014، وخلال واحدة من أكثر الفترات سخونة في العلاقات بين البلدين، كان الموقف الرسمي لتركيا هو أنه يجب أن تكون إيران أيضا في الاجتماع.
وبالمثل، في نهاية يناير/ كانون الثاني 2022، دعا الرئيس التركي أردوغان إيران للانضمام إلى عملية التطبيع بين تركيا وسوريا.
وعملية التطبيع تتقدم حاليا ببطء وثبات، حيث إن هناك عقبات جدية تقف أمام تهدئة التوتر وتأمين سلام سياسي دائم في سوريا.
وفي مواجهة هذه العقبات، سيبقى التدخل العسكري التركي في سوريا موضع تساؤل لبعض الوقت.
وترى الصحيفة إمكانية تحقيق التطبيع في العلاقات السياسية إلى مستوى معين. كما يمكن القول إن هذا الوضع سيساهم أيضا بشكل إيجابي في العلاقات التركية الإيرانية.
وكانت تصريحات المسؤولين الإيرانيين بشأن العملية إيجابية حتى الآن؛ حيث تحمل إزالة مختلف مصادر التوتر في العلاقات التركية الإيرانية أهمية بالغة، خاصة في وقت تتصاعد فيه التوترات في جنوب القوقاز.
بالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى تطبيع العلاقات الإيرانية-السعودية وإعادة قبول العالم العربي لسوريا كفاعل شرعي، تتضح حاجة تركيا للتطبيع مع سوريا، حسب الصحيفة.
وأخيرًا، من المعروف أن تركيا تتبع نهجا مستقلا في سياستها المتعلقة بسوريا وإيران، وذلك على الرغم من إظهار الولايات المتحدة موقفها علنًا ضد العملية.
وتعتقد الصحيفة أن السياسة الأكثر عقلانية والتي يمكن للولايات المتحدة أن تتخذها الآن، هي قطع دعمها للإرهاب وقبول موجة التطبيع العامة في الشرق الأوسط.
وقد يُطمئِن هذا النهج الولايات المتحدة في التحدي السياسي الواضح المتزايد لجبهة أوكرانيا والصين.
وإلا فإن الهزيمة الدبلوماسية الأولى للولايات المتحدة أمام الصين في الشرق الأوسط، باتخاذ الصين دور الوسيط في عملية التطبيع الإيراني السعودي، لن تكون الأخيرة.